بعد فوزه بجائزة معرض الكتاب محمد بغدادي: الحرية هي الباب الذهبي للإبداع

بعد فوزه بجائزة معرض الكتاب محمد بغدادي: الحرية هي الباب الذهبي للإبداع

العدد 600 صدر بتاريخ 25فبراير2019

يعتبر تخصيص معرض القاهرة الدولي للكتاب جوائز لأفضل كتاب صادر خلال عام في مختلف المجالات، إعلاء لقيمة الكلمة، وتأكيدا لأهمية دور الكتاب في تنمية العقل وتغذية الروح وتفعيل دور الثقافة، وترسيخ لمكانة المؤلفين والأدباء في المجتمع. وقد فازت مسرحية «يعيش أهل بلدي» للكاتب محمد البغدادي، التي تقام بروفاتها حاليا بالمسرح القومي بجائزة فرع المسرح. محمد بغدادي شاعر وصحفي وفنان تشكيلي وكاتب سيناريو ومسرح. حاصل على ماجستير الصحافة من كلية الإعلام جامعة القاهرة وبكالوريوس فنون جميلة قسم تصوير، تتلمذ على يد الفنان حامد ندا. كما حصل على الكثير من الشهادات في مجالات مختلفة، وهو الرئيس السابق لقناة المحور. كاتب صحفي في مؤسسة روز اليوسف والمدير الفني لها ولصباح الخير والمدير. ورئيس تحرير الجريدة الذهبية. أصدر مجلة ابن عروس في شعر العامية ورأس تحريرها. صدر له 16 كتابا في أدب الأطفال تضمنت رسومات من تصميمه. وشارك في إعداد وكتابة أغاني مسرحيات سكة السلامة وأغاني مسرحية كارمن، وأوبريت الفن أصل الحضارة تلحين ياسر عبد الرحمن وبطولة سيمون ومحمد صبحي، كما قدم أوبريت قلب في الروبابيكيا من ألحان منير الوسيمي عند إعادة افتتاح مسرح البالون عام 1999.
أصدر عدة دواوين شعرية، ومسرحيات كثيرة، منها مسرحية «عربة الزواج السريع»، وكان آخرها مسرحية شعرية بعنوان «قمر على بغداد»، بالإضافة لمسرحية «يعيش أهل بلدي» التي فازت بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب. فصدر له ثلاثة كتب عن فن الكاريكاتير أحدهم عن صلاح جاهين، والثاني عن أحمد حجازي رسام الكاريكاتير بروز اليوسف، والأخير عن جورج البهجوري.
أولا نهنئكم بالجائزة، وهل توقعت الفوز بالجائزة؟
لم أتقدم لأي مسابقات من قبل، ولا أتوقع الفوز لأنني لا أعرف المعايير التي تعتمد عليها لجان التحكيم، لكن جاءت ظروف هذه المسرحية أنها طبعت في الهيئة، وهذا العام لم تكن دور النشر هي المنوطة وحدها بالتقديم بل المؤلفون أيضا، فحدث التقديم لها بالحظ ولم أعلق على الفوز أي آمال، وكانت مفاجأة بالنسبة لي، وخصوصا بعدما علمت أن أعضاء لجنة التحكيم نقاد وأساتذة كبار ولديهم قدر عال من الشفافية وهم د. أحمد مجاهد ود. محمود نسيم ود. سامح مهران، وهو ما أضاف لقيمة الجائزة.
هل الفوز بالجوائز يعطي دفعة معنوية للكاتب؟
هذا يعطي دفعة لأنه يشعرك أن إبداعك له تقديره ويؤكد أهمية الموضوع المطروح في المسرحية، فالانتصار هنا للموضوع وليس لشخصي. وهذا أيضا رأي لجنة القراءة في المسرح القومي – هذه المسرحية قدمت منذ عامين للمسرح القومي - وقد قالت إنها منذ سنوات لم تصادف مثل هذا النص المكتوب. وتخصيص جوائز للكتاب يعد بالطبع من المكافآت المعنوية قبل المادية، لأن المادية قليلة بالنسبة لغيرها من المسابقات في الدول الأخرى كما يعد نوعا من رد الاعتبار للمبدع.
عما يدور النص الفائز بالجائزة «يعيش أهل بلدي»؟
المسرحية بدون زمان أو مكان معين، لكن الحالة تنطبق علينا في عصر ما بعد ثورة يناير، فقد كنا في حالة سيولة سياسية واجتماعية وأمنية، وقد افترضنا أن فردا من أبناء الثورة سيتولى الحكم، فيعمل على التعرف على القوى الاجتماعية والسياسية الموجودة في البلد التي سيحكمها، فيقترح إنشاء مجلس رئاسي يضم فردا واحدا ممثلا عن كل القوى السياسية والاجتماعية وكل الاتجاهات، فيلتقي بكل هذه القوى وكلما قابل أحدا يكتشف أن آخر شيء يفكرون فيه هو مصر، وأن كل شخص يفكر في مصلحته، وفي النهاية يكتشف أن الناس الحقيقيين غير موجودين في الصورة وهم المهمشون المهمومون بهموم البلد، من يموتون في الحروب، وهم الطبقة المتوسطة، فيعرف أن كل من يريد دخول المجلس الرئاسي قلبه ليس على مصر. وهنا أشتبك مع الواقع من خلال هذه القوى التي تقابل الرئيس الذي يظل في كل مشهد يقابل قوى جديدة، ومن خلال ذلك نطرح كل قضايا المجتمع ومشكلاته والواقع وخلفيات جماعات المصالح والنفوذ والجماعات الأصولية والمتطرفين ورجال الأعمال والفاسدين وكل هذا، بحيث إننا في النهاية نكتشف أن المسرحية تشتبك مع كل القضايا التي كانت مطروحة في هذا التوقيت، حيث كان المجتمع في حالة سيولة ولم يكن قادرا على تحديد بوصلته.
الاشتباك مع الواقع
لماذا يدعي البعض أن لدينا أزمة في النص المسرحي؟
لا توجد مشكلة تأليف مسرحي ولكن المسألة أن مسرح الدولة منوط به تبني النصوص الجادة والقادرة على الاشتباك مع الواقع والتعبير عنه وطرح موضوعات طازجة تهم المشاهد وتصنع البهجة والفرجة بخفة الظل والكوميديا، وليست قاتمة أو خطابية كما يُظن عن مسرح الدولة، ومسرح الدولة قادر على ذلك وقد لعب دورا مهما في الستينات، لكننا لم نستطع أن نواصل في الإخراج ولا الكتابة، فلم يحدث امتداد لما سبق، وما سبق لا يصلح أن نعيده مرة أخرى، لكنه يعتبر تكأة أو منصة للتطوير. ثم جاء لنا مهرجان المسرح التجريبي وافتتح لنا مجالات مهمة للاحتكاك بتجارب وثقافات أخرى أدت لظهور مجموعة كبيرة من شباب المسرح سواء في التمثيل أو الإخراج أو الديكور والإضاءة وكل عناصر العرض المسرحي، كانوا واعدين، لكن الحقيقة أن الجميع يستسهلون، فيلجأون للنصوص الأجنبية ويمصرونها لكن بطريقة بعيدة عن الحرفية، فمثلا في أيام على الكسار وإسماعيل يس ونجيب الريحاني ثم فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي ثم سعيد صالح وعادل إمام، توجد نصوص استمدت فكرتها من نصوص أجنبية، مثلا مسرحية «مدرسة المشاغبين» مستمدة من فيلم سيدني بواتيه (إلى أستاذي مع محبتي) الذي حصل على جائزة الأوسكار، ولكن تمت إعادة صياغته بشكل مصري صرف، لكن هذا غير موجود الآن، وما يحدث حاليا هو نقل النصوص الأجنبية بطريقة النسخ واللصق، ومجرد تغيير الملابس وتغيير اللغة وإجراء بعض تغييرات طفيفة، لكن لا يوجد من يستطيع استلهام النص الأجنبي والاشتباك به مع الواقع وبالتالي يكون مؤثرا، ناهيك بأننا مررنا بفترة انهيار في المسرح وقدمنا تنازلات كثيرة لمتفرج عربي قادم للسياحة ليشاهد نجمات في عرض أشبه بالكباريه، وهذا أساء إلينا وأفسد الذائقة الفنية للمسرح وللجمهور، مثلما يحدث في (مسرح مصر) الذي لا تخرج من عروضه بأي نتيجة أو قضية أو رسالة، وعندما تفرض ذلك النوع على الناس كل يوم فأنت تؤدي إلى ترسيخه في ذوق المشاهد، الذي يظن أن هذا هو المسرح وخصوصا الأجيال الجديدة.
هل هذا تأكيد على فكرة أن المسرح في أزمة؟
نعم، المسرح في أزمة، وهذه الأزمة لا تحل إلا إذا كان مسرح الدولة يهتم اهتماما حقيقيا بقضية المسرح نفسها وليس فقط بالعروض المسرحية، فلا بد من وجود ميزانيات ضخمة لتحقيق الفرجة والقضية والإضحاك معا. كل هذا هو ما يحتاجه العرض المسرحي. كما أننا نحتاج لتشغيل أجيال جديدة، فمعهد الفنون المسرحية يقوم سنويا بتخريج دفعات جديدة لها أنها تأخذ فرصتها في العمل والتجريب. وعلى البيت الفني للمسرح أن يدعمها وكذلك قطاع الفنون الشعبية. وحركة المسرح بحاجة إلى بعض المعالجات والإمكانيات المادية لتنهض الحركة المسرحية من جديد.
التراث ثروة لكتاب المسرح
هل نهوض المسرح يعتمد على الكلمة وعمق الفكرة؟
بالطبع، في البدء كانت الكلمة، ولا بد من وجود نصوص مصرية، كفانا ترجمة نصوص وكفانا تمصير وكفانا استخدام التراث الأوروبي في المسرح. فلو أتيحت الفرصة لخروج كل المكتوب والمخزون بداخل أدراج المؤلفين للنور سنحصل على نتائج طيبة.
كيف يبدأ التجريب من الجذور؟
التجريب لدينا يحتاج إعادة نظر في فكرة التجريب ومعناه ومفهومه. فلا بد أن يستوعبه المبدعون بشكل مغاير، فالتراث ثروة لكتاب المسرح، يمكن أن يؤخذ منه تيمات وأفكار وحواديت وحكايات زاخرة بالمتعة وبالرسائل الإيجابية التي توجه للمشاهد في الوقت نفسه، لأن بها جزءا تراثيا وجزءا خرافيا وجزءا أسطوريا وجزء حكايات شعبية، فمثلا ألف ليلة وليلة يمكن أن تستخرج منها مائة نص مسرحي، فبها فانتازيا، وهذا يمكن أن يخلق تجريبا، واستعان بها من قبل ألفريد فرج وسعد الله ونوس، كثيرون استخدموا هذا الجانب ومنهم كتاب الستينات، حيث قدموا عروضا متميزة جدا مع تكثيف العرض وتقصير مدته واستخدام السينوغرافيا والإضاءة والملابس والديكور وعناصر العرض المسرحي كافة.
 
المسرح مرآة لواقع الناس
كيف يتفاعل المسرح مع الناس؟
عندما تكون على خط التماس مع مشكلاتهم، فالناس سوف تحضر إليك في المسرح وتشاهدك. عندما تكون أنت المرآة التي تعكس واقعهم. لا بد أن يكون لك رؤية وتقدم حلولا، ومعالجات للواقع لتكون جاذبا، ولا نقدم الواقع كما هو وندعي الواقعية، فالواقع هو أن تشعر بالناس وقضاياهم وتشعر بما يشغلهم وتطرحها للنقاش في عملك المسرحي.
هل نقترب بهذا من المسرح الشعبي؟ ولماذا اختفى؟
المسرح الشعبي يمكن أن ينتج لنا رؤى وروافد جديدة في المسرح. ونلاحظ أنه يوجد فارق بين المسرح الشعبي الارتجالي وبين المسرح الشعبي الذي يعتمد على الحكايات الشعبية ويعيد إنتاجها في شكل عرض أو نص مسرحي. والمسرح الشعبي الارتجالي يشبه الشعر الشفاهي، له مخرج محرك ثقافي ومخرج يناقش ويطرح قضية للجمهور، فمثلا يقول لهم، افرضوا أنه جاءكم عمدة واتضح أنه لا يساوي بين الناس في المعاملة وأن ثمة فسادا في إدارته لموارد القرية وأنه يحابي بعض أهل القرية وهكذا.. فماذا ترون؟ هل نقدمه للمحاكمة؟ أم نشكوه للحكم المحلي ليتم عزله؟ ما رأيكم ولنناقش هذا الموضوع؟.. هنا يتم طرح الموضوع ويتحدث الناس على سجيتهم، ولكن يكون هذا من خلال فنانين مدربين على ممارسة الارتجال مع الناس، وستحصل في النهاية على نص، لو صورت أو سجلت هذا النص ستكتشف أن لديك عرضا، يمكنك عمل دراماتورج له ومعالجة لتحصل على نص يعيش لأزمان طويلة، فلن يتمكن الناس من استعادة ما قالوه من قبل لكن عليك التسجيل والتوثيق والمعالجة ليتحول إلى نص دائم. كما يمكنك طرح قضية جديدة كل ليلة ليناقشها الناس وهذا هو المسرح الشعبي في مفهومي أنا. لكن المسرح المتعارف عليه ويسمونه شعبيا إنما هو يعيد حكايات تراثية في قالب شعبي وندعي أنه مسرح شعبي. الحقيقة، إنه ليس كذلك، إنما نحن هكذا نعيد التراث الشعبي ونعيد إنتاجه مرة أخرى.
استسهال وغياب العمق
هل انعزل المسرح عن الجمهور؟
بالتأكيد نحن انعزلنا عن الجمهور. أنا كنت رئيس لجنة مشاهدة وتحكيم عروض مصرية في مهرجان المسرح التجريبي في الدورة قبل السابقة لعام 2017، وكان معي كرم النجار ويسري حسان وباسم صادق ورانيا عبد القوي ومنى شديد، وشاهدنا 72 عرضا مسرحيا كي نختار منها 12 عرضا لدخول المهرجان، فاكتشفنا أن 75 في المائة منها مأخوذة عن نصوص أجنبية، والعروض المصرية التي تشتبك مع الواقع وتطرح قضاياه قليلة. نحن فعلا لدينا أزمة.
لماذا انحصر تفكير المخرجين في النص الأجنبي؟
يوجد استسهال وغياب للعمق. فأي مخرج أو كاتب مسرحي لا بد أن يكون مشاهدا جيدا للسينما وقارئا جيدا للشعر والنصوص المسرحية والروايات والقصص القصيرة ومتابعا جيدا للأحداث الحالية في المجتمع كي تصبح يده دائما (في الطحين). أي مبدع في أي مجال سواء مخرج أو كاتب أو فنان تشكيلي أو مهندس ديكور أو غيره، لا بد أن يكون لديه من كل شيء شيء، أي لديه اطلاع على أشياء كثيرة ليصبح هذا كله في خلفيته الفكرية والثقافية، ويقبل على تخصصه بعمق، فيستطيع كل ما في خلفيته أن يمزجه بالروح القادرة على تقديم منتج مثير للدهشة، فإن لم تدهشني كمشاهد فلن أكمل المشاهدة، لن أذهب إلى المسرح، ولو جئت فسأخرج أقول لغيري لا تذهب لهذا المسرح. فما الذي يجذب الناس أساسا للمسرح؟ اليوم الذهاب للمسرح مشقة ومعاناة في الذهاب والعودة، إن لم يكن هناك حافز يدفعني فلن أحضر إلى المسرح، وخصوصا أن لدي في المنزل ريموت كونترول صغيرا في يدي يعرض لي آلاف القنوات الفضائية. المسرح مغامرة لا بد أن تكون محسوبة جيدا كي أجبر المشاهد للحضور، ولكي أكسب هذا الرهان لا بد أن يكون لدي أدوات لهذا المكسب.
ضد السياسة المباشرة
كيف ترى مسالة حرية الفن والإبداع؟
أي إبداع لو حوصر أو قيدت حريته فإن هذا ينتقص منه ويقلل من الإبداع، حتى لو كان في شكل قيود داخلية عند الكاتب أو المخرج أو الفنان، أحيانا لا توجد قوانين مكتوبة، لكنك تدرك أن هذا يجوز فتشعر بالقيد الداخلي وتفقد حريتك أثناء الكتابة، فلا بد أن تكون الحرية هي الباب الذهبي للإبداع، إذا وجدت الحرية وجد الإبداع، وإذا اختفت الحرية اختفى الإبداع، قد يتم اللجوء للتحايل والحيل والرمز لتوصيل الكلمة، أو أن يتم الابتعاد تماما عن تلك الموضوعات. وأنا عموما ضد الطرح السياسي الفج في العمل المسرحي، لكن الأساس أن العمل يتم كله على خلفية سياسية، لا بد أن تكون مظلتها متسعة جدا كي تستطيع أن تناقش فيها كل شيء.
وأنا ضد السياسة المباشرة وضد التوعية، أنا أناقش قضايا على خلفية سياسية ولا أتكلم في السياسة بشكل مباشر ولا أعطي درسا بشكل خطابي للتوعية، لكنني أدخل في لب مشكلة تهم الناس.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏