الفنان البحرينى خالد الرويعى: الجوائز حالة تسويقية للمهرجانات

الفنان البحرينى خالد الرويعى: الجوائز حالة تسويقية للمهرجانات

العدد 867 صدر بتاريخ 8أبريل2024

مخرج وكاتب وممثل مسرحى وتليفزيونى وإذاعى بحرينى له العديد من المشاركات الفنية وخاصة المسرحية على مدار ثلاثون عاماً منها..
(تلك الصغيرة 1993 – محاكمة جان دارك 1994 – الرسائل 2000 – حب بطعم الشوكولاته 2003 – أخبار المجنون 2005 – درب المحل 2008) وغيرها...
حاز على العديد من الجوائز منها..
جائزة السينوغرافيا عن مسرحية ايفا فى مهرجان المسرح الخليجى قطر 2001.
جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن مسرحية حب بطعم الشوكولاته فى البحرين 2004.
فاز بالمركز الثالث فى مسابقة التأليف المسرحى عن مسرحية قرة العين 2007.
فاز بالمركز الأول فى السينوغرافيا عن العرض المسرحى ضوء فى مهرجان الرياض المسرحى 2023.
... تاريخ من الجهد والإبداع يعود لبداية التسعينيات حاولت أن أعرض لهذه التجربة من خلال هذا الحوار مع الفنان البحرينى خالد الرويعى. 

- فعل الكتابة لديك هو فعل تجريبى فأنت لا تتبع الأسلوب التقليدى للكتابة المنمقة إذ تظل الجملة لديك منفتحة على العديد من المعانى
تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه، أنا مهووس بالكتابة التجريبية، أما القارئ أو الناقد فهذا حقه أن يصنفنى كما يرى فعل الكتابة لدي، بدأت الكتابة عندي من النص الأدبى، حتى في نصوصي الأدبية المنشورة لا أزعم أني أكتب شعراً أو قصة.. لا أحب تصنيفه. ولما جاء المسرح فتح لى عوالم أكثر وأكثر، ربما هذا الخليط وهبنى فضاء الجمال والمتعة، كتابة المسرح تأخذنا إلى مناخات عظيمة، أنا أعيش مع الشخصيات وأحاول أن أكتب شخصية بخلاف المعتاد، ربما لأننى مخرج وممثل، فما يجده القارئ فى نصوصى نابع من تكوينى بين الأدب والمسرح بشكل عام.

- أعمالك المسرحية دوماً مفتوحة النوافذ مما اتاح لها استيعاب كافة التيارات الفلسفية والفنية وتأخذ عنها بمكر ما ينسجم مع تجربتك
أنا أجد أن فى الكتابات المنفتحة الخيط الرفيع بينى وبين المسرحي الذي بداخلي. أعتقد أن هذا الخيط هو الذى ينفتح على كافة النوافذ وبالتالى ينحى مناحي الفلسفة والتأويل. وتفجير المعاني هى ما يلفت النظر إن جاز لي التعبير. لذلك يجب أن يكون هناك فصل كبير بين المؤلف والقارئ، أنا أكتب معزولاً عن القارئ، ولكن فى نفس الوقت أترك القناديل لتدل القارئ على الكتابة، فتتحول القناديل إلى دليل للمتلقي أثناء القراءة.

- أنت مولع بالعناوين.. هل تعدها أم تخرج بشكل تلقائى؟
أنا مولع بالعناوين. هذا صحيح. فالعنوان باب كل شئ، هو فن قائم بذاته، لذلك تجد بعض الكتاب يلجأون إلى أحد المختصين لوضع العنوان فالعنوان يختصر مسافات ويفتح الطريق، هو أيقونة النص. هو جزء من شخصية النص وليس معزولا عنه، القراءات النقدية الحديثة تعتبر العنوان جزء مهم، (من أين أتى هذا العنوان؟) هذا هو السؤال.. أنا ضد الاستسهال فى كتابة العناوين، كأن يسمى النص باسم الشخصية فقط من دون دلالات واضحة، ما دلالة هذا الاسم؟ ماهو العمق المتصل بالشخصية داخل النص؟ موضوع الكاتب ليس هو الشخصية. الشخصية سبب لفتح دهاليز النص. قد يفرض العنوان نفسه تلقائياً.. لنأخذ مثلاً مسرحية(قرة العين) كان مهماً لدي أن أعنون المسرحية باسم الشخصية أو كنيتها، فله ميزته ودلالته. لأن الشخصية هى عمود النص.
أما مسرحية (أبيض داكن) فهو عنوان مخاتل، ماكر، يومئ بأشياء ولا يفضي بأشياء. فالسؤال كيف يكون هناك أبيض داكن؟ هو يحمل معانى مختلفة.

- الإنسان مركز نصوصك كلها.. ككيان وليس كشخصية؟
بالفعل.. هو مركز نصوصى كلها. الإنسان كائن عظيم، خلقه الله بصورة معقدة لا يشبه شيئا آخر. المسرح علمنا أن نضع أنفسنا فى الشخصية. فالمسرحي الواعى يدرك عظمة هذا الإنسان وضآلته فى نفس الوقت. فالممارس لفن المسرح تتكون لديه حالة من التماس الأعذار لجميع البشر واختلاق المبررات لجميع البشر، أنت عندما تمثل تدخل فى تقلبات مزاجية متعددة. لذا فالإنسان هو محور كتاباتى المسرحية كلها.

- مارست فى المسرح كل الأدوار.. من الكتابة وحتى الإخراج. هل هذه اللعبة أفادت تجربتك؟
أميل دوماً في الحديث عن هذا الجانب باعترافي بذلك. أمارس كل الادوار لأنها تغذي بعضها البعض. أكتب النص الأدبي وأمارس التمثيل والإخراج. مصمم فنى ذو نزعة تشكيلية.. اكتب السيناريو واخرج الافلام.. أمارس كل ذلك بمتعة.. كل ذلك يجعلنا أحب الحياة أكثر لأني أكون بهذه الاشياء.
فى البداية نصحنى الكثير بأن أركز على شئ واحد، لكن هذه النصيحة كانت وهماً بالنسبة لي حتى وان صدرت من مشاعر محبة.. الحمد لله أننى لم أهتم بهذه النصيحة. لأن كل ذلك أفادنى فى المسرح.. الكتابة الأدبية ساعدتنى فى كتابة الشخصية، التصميم أفادني فى السينوغرافيا، الفن التشكيلى أفادنى فى الصورة البصرية كل هذا يغذى هذا، أنا سعيد بهذا التداخل، وهو جزء أصيل لعدم اهتمامي بالتصنيف. هذا التداخل مهم فى التجربة الخاصة بى وتنوع الأدوار.
أمارس العمل الإدراي، وما وجدته من صعوبات وأنا ممثل أدركتها، لذلك أحاول أن أذللها. فكل جزئية أحاول أن أعالجها عبر الخبرة المتصلة ببعضها. العمل الإداري هو إدراك الشيء، وهو عمل من أجل الآخرين. لذلك يجب أن تبذل وتبذل حباً فى هذه المسألة.
 
- ما هو مفهومك للنقد؟
عندما بدأت الكتابة الصحافية كنت مولعاً بالنقد المسرحي.. كانت كتابات انطباعية في تلك الفترة، حالياً أكتب في النقد الثقافي والفني.. النقد بوصفه تشريحاً وقراءة موازية للواقع، النقد متعة. وتعجبنى أن تكون القراءة النقدية موازية للعرض المسرحي وليست تابعاً له. أن نكتب القراءة الخاصة وليس التفسير الخاص، عملية التأويل والدلالات هي من تذهب بتلك القراءة إلى مناحي مختلفة، فهى عملية انتاج معرفي تراكمي تزيد وتلهم التجربة. فهذا الجميل فى النقد أن يذهب بك إلى مناخات جديدة قد لا تخطر على بالك.
هى كتابة فوق الكتابة. الإضاءة كتبت لغتها البصرية على الخشبة والممثل كتب بجسده والحركة أيضاً. هنا يأتي النقد ليكتب الكتابة فوق الكتابة بشكل موازى، فالحكاية اللفظية ليست كل شئ فى المسرح. للأسف كان ذلك هو الوهم السائد سابقاً، بأن التركيز على القصة وهذا وهم مارسته العقلية العربية النقدية، ووضعته لنا كمعيار لكتابة النقد وهذا غير صحيح.
لكن الأهم. ماهو الجديد عندما تقرأ عرضاً مسرحياً هذا هو المهم، وليس المهم هو الإشارة إلى السلبيات أو الإيجابيات وإنما الأهم هو قراءة الدلالات التى يحملها العرض وما تؤدى إليه الدلالة من تفجير المعنى، بل أن الدلالات تحمل دلالات أخرى.

- تجربة المخرج المؤلف هل هى فى صالح العمل؟
المخرج المؤلف..ليست وصفة طبية، فالمخرج يكتب نصه على الخشبة، فمن المهم أن ينفصل المخرج عن نصه الذى كتبه، فالإخلاص للنص يمكن أن يكون مجحفاً لتجربة الإخراج. فالنص عندما يصل إلى الخشبة تجوز خيانته بكل تأكيد. فالمخرج الواعى يجب ان يخون نصه. 

- تجارب المسرح البحرينى المعروفة قليلة.
مر المسرح البحرينى بمنعطفات كثيرة، هى تجارب ليست قليلة، ولكنها حقها مهضوم، فكثير من التجارب تولد وتموت فى نفس اللحظة وفي نفس المكان.
ربما حالة المهرجاناتية التى تضطر الدولة للمشاركة ليست هى المعيار. خاصة إنه ليس لدينا مهرجان دولى عربى يستوعب المشاركين والضيوف حيث (اكتشاف الجديد والتنوع فى المسرح البحريني) لكن هناك نقطة شديدة الأهمية، وهى أن المسرح البحريني يفتقد إلى البروبجاندا، لذا فهو أكثر التجارب المسرحية ظلماً. هو لا يجيد التسويق ولا يوجد أية أضواء تسلط على المسرح البحريني، وتلك أهم مسببات عدم اتساع رقعة المسرح البحرينى رغم أن تجارب المسرح التجريبى الطليعى البحرينى قديمة بدأت فى الثمانينات لكن للأسف لم يسلط عليها الضوء لإعتبارات ثقافية سياسية اجتماعية تسويقية.

- انتشرت لعبة الورش المسرحية في المهرجانات مؤخراً. إلى أي مدى تنتج الورش نصاً مسرحياً؟
الورش المسرحية لا تصنع كاتباً. ربما تصنع له بعض الأفق.. ورش المهرجانات في الغالب مادة تسويقية، السؤال لماذا يتم تنظيم هذه الورشة؟، أين مخرجاتها؟ هذا هو السؤال، النصوص كثيرة لكن إذا عملنا نسبة مئوية كم عدد النصوص التى يتم تبنيها  من مخرجات هذه الورش للظهور إلى النور، لتعرفنا مدى أهمية هذه الورش. الورش لا تصنع كاتباً، خاصة أنه لدينا أزمة فى الإدارة الثقافية لدراسة الإحتياجات، لماذا أنظم مهرجان؟ لماذا أقيم ورشة؟ نحن بحاجة لإعادة إنتاج الأسئلة. 

الجوائز فى المسرح هل هى مقياس للإبداع
الجوائز حالة تسويقية للمهرجانات، ولا يعتد بها في العمل الابداعي وليست دليلاً على جودة العمل من عدمه. هي مذاق لخمسة أشخاص. تلجأ المهرجانات للجوائز لاستقطاب مشاركات أكثر.. في واقعنا العربي تكون ناجحة لوضعها أمام المسئول الذي تغريه الانجازات ليبرر دعمه لهذه الفرقة أمام مسئوله الأكبر.. نحن مجتمعات تعيش في وهم الانجازات فقط.. الثقافة والفنون فعل انساني يترك أثره في المجتمعات عندما تنمو.. فهي ليست حالة استهلاكية تذوب بتغير الموضة.. ولذلك تربط المجتمعات المسرحية الخائفة مصيرها بمصير الجوائز لأنها تطمح في دعم يحقق لها الاستقرار.. قد تكون هذه لعبة جيدة.. ولكنها لعبة تؤصل لمجتمع مسرحي يقول على فهم لجان التحكيم وليس فهم ما يتطلبه العمل المسرحي. يقوم على خلق صراعات زائفة من أجل هو الجوائز. 
- تكتب بعين المخرج إلا أن السينوغرافي يطغى لديك دوماً في لحظات الكتابة؟ 
اكتب بعين المخرج هذا صحيح.. السينوغرافيا حاضرة فى كل أعمالي. لذلك تجد فى نصوص كثيراً من التفاصيل، أنا أحاول أن أكتب الصورة بطريقة مختلفة، النص لا يقوم على الحوار بل على الصورة والموقع.. هناك مسرحية (قداس) كتبتها بناء على ثلاث طوابق.. فإذا لم تتحقق هذه الطوابق ينهار العمل. و(أبيض داكن) فى غرف، لابد منها أيضاً، تلك المفردات مهمة فى الأعمال المسرحية فى تجربتى.
من خلال تجربتي وعبر القراءات المستفيضة حول النص، استجمع ما يمكن قراءته أدبيا وبما يضمن تعميق رؤيتي للتصور(السينو/إخراجي)، وعندها تبدأ ملامح الخيوط الاولية للشخصية في الظهور، وما إن تبدأ التدريبات حتى يلازمني الخيال إلى أبعد درجاته. أمام التجربة.. أجد أنه من الضروري الالتفات إلى مسألة بسيطة لكنها في غاية التعقيد، وهي أن الفن يهتم بإعادة صياغة الجمال التي تنشأ بين الإنسان والمحيط الذي يعيش والتي لابد أن يعادلها تطورا من ناحية الجهد البشري والذي يوازي بذلك حركة التفكير مجتمعياً، فعبر أساليب التفكير في النظرة الجمالية للعرض سيحتاج المجتمع إلى مشاريع تنموية يكون المسرح رائداً من روادها لاستنهاض حواس أفراد المجتمع عبر وسائل عدة لكيفية التعامل مع هذه التحول الجديد.
في التجربة.. نعيد إنتاج أسئلتنا، نعيد صياغة رؤيتنا إلى العالم، تجربة الخروج من أسر الخشبة والانطلاق لفضاءات أخرى ورؤيتنا للجمال وتأثيث الفضاء من جديد، محاور حق لنا أن نتحاور معها، فالمسرحي في لحظات تجليه باستطاعته أن يملك الكون بأسره ولا حياة للمسرحي خارج ذلك كله، أنه يستنطق العالم تجاه ما يحدث في هذا العالم..وفوق ذلك كله كانت ثمة أسئلة استدرجها وتستدرجني تجاه اعادة قراءتنا للعرض المسرحي واعادة انتاج أعيننا التي نرى بها الأشياء، إعادة تدمير التراكيب الجاهزة التي تقمصناها غصبا نتيجة الحجر المعرفي – اللا إرادي - من جميع الجوانب، والبحث في ماهية هندسة الفضاء التي نمارسها دون ان نطرح أسئلتنا عليه.

- على المستوى الشخصى تجربتك مع فهد الحارثى أنا أراقبها منذ زمن بعيد هل هذه الصداقة تركت أثراً على التجربة المسرحية
فهد الحارثى، بيني وبينه تواصل روحي إن جاز لي التعبير، ربما لا نتكلم كثيراً، نمشى كثيراً دون كلام، وربما نتكلم كثيراً، نتكلم فى كل شئ، الطبيعة، الأزياء والناس. نغنى ولا نعرف لماذا نغنى لكننا نغنى، فهد الحارثى كاتب مسرحى مميز، صاحب تجربة مميزة فهو يكتب من مناطق غير مطروقة. أنا أميل لطريقته فى الكتابة، ربما لأنها تشبهني. لا أحب الخطية وتصاعد الاحداث والشروط النمطية في الكتابة.. النص المسرحي يفرض شكله الجديد بنسقه وجنسه وروحه. لكن أؤكد لك أن هذا التلازم والإنجذاب بيننا لا احب أن أفسره، ربما ننقطع ثلاث شهور أو ست شهور لا نلتقى، وبمجرد أن نلتقى وكأننا كنا مع بعضنا البعض البارحة. هذا سر علاقتى مع فهد.
هذا التلاقى العجيب وتلك الصداقة، من الطبيعى لها أن تخلق تجربة إنسانية تجد صداها بين ثنايا الكتابة والحديث والتجربة المسرحية.. أنا ممتن لهذا العمر الذى قضيته مع فهد.

- كثيراً ما تكسر القواعد الجاهزة والمضمونة متحرراً من لعبة المدرسة الواحدة فى نوع من التمرد المسرحي.
المجتمعات الخائفة تنتج الأصولية. فالاعتماد على الأصول والتقليد والالتزام بالأعراف المُتّفق عليها أبرز الملامح للتيارات الأصولية، فهي ليست صاحبة فكرة فقط. بل كيان مستقل بذاته له جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتأصلة. وهي بالغالب تيارات دينية مختلفة اعتادت على التمسك بالماضي ورفض كل جديد حتى أصبحت هذه التيارات مجتمعات قائمة بذاتها لا تستطيع تكييف عقيدتها مع تغير الحياة بحيث ملكوا الحق الفكري في مصادرة كل جديد مما جعلهم مجتمعات نافذة في بيئاتهم. والأصولي هو المتمسك بالقواعد النصية فهماً واستنباطاً ولذلك فهو يدور في حلقة مفرغة لأن الأصل يشده إليه.
والمجتمعات الأصولية عادة ولإخفاقها في فهم ومحاكاة الحاضر تنتصر للماضي كعقيدة تعويضية باعتبار أن في الأصول نجاة وهي محاولة إيمانية غيبية لسد العجز عن قراءة وفهم المستقبل. وهي بالتالي عقيدة ماضوية عاجزة عن فهم الانسان المعاصر ومتطلباته وتطور رغباته وافكاره الجديدة.

لكن ما علاقة هذا كله بالمسرح؟
عربياً.. وفي نزاع مستمر حول الريادة.. يتجاوز المسرح العربي المئة عام. ولانعدام البحث الاستقصائي لدينا فإننا لا نملك وثيقة بحثية تقرأ لنا ملامح التطور والتأثر في المسرح العربي. لا نملك خارطة عمرية تصنف لنا أجيال المسرح ومدى تأثيرهم في محيطهم العربي. لا نملك قراءة للمجتمع المسرحي ومدى اسهامه في حركة الجيل المسرحي. لا نملك تبياناً لمواطن الكلاسيكية في المسرح العربي أو تمردها لاحقاً على من سبقها. لا نملك مواطن المسرح الحديث أو الطليعي وكيف أثرت هذه الحركة أو تلك في مسار المسرح في البلد الفلاني. هذه القراءة نفتقدها حقيقة.
لكن.. طوال فترة عملي بالمسرح وحتى الآن ومشاركاتي الكثيرة في المهرجانات والملتقيات الفنية والعلمية وتتلمذي على يد الكثيرين من خيرة أهل المسرح كنت أحاول دائما قراءة المجتمع المسرحي. وهل هو حقاً يشكل مجتمعاً؟ كنت أحاول قراءته باعتباره تياراً مجتمعياً كحركة فكرية مؤثرة داخل المجتمعات الاعتبارية. وهل هو حقاً كذلك؟ أم هو جماعة معزولة عن المجتمع تمارس دورها داخل خشبة المسرح بعيداً عن (المآسي الكبرى) في المجتمع. كيف يفكر المسرحيون؟ كيف ينظرون إلى مجتمعاتهم وهل تعكس تجاربهم واقع هذه المجتمعات؟ هل بامكانهم أن يقودوا مجتمعاتهم أم وظيفة المبدع بخلاف ذلك؟ 
واعترف أنه كان من الصعب علي أن أشهد ذلك لأن النظرة المجتمعية العربية للفنون بشكل عام يشوبها الكثير من اللغط خصوصاً في المجتمعات (الطاهرة) أو الافلاطونية التي طرد منها المبدعون. انها حقيقة راسخة في مجتمعاتنا العربية المتناقضة التي تخاف من الثقافة والفنون.
إن السؤال العميق لماهية وجود المسرح هو فهمنا لطبيعة الحياة الآن ومغادرة الانسان انسانيته وتبدل مشاعره ورفقته للوحش الذي بداخله. فالعالم الافتراضي بات يسلب حِسنا بالاشياء من حولنا.
والمسرح كذلك.. فعندما نفتقر الانسان يصبح المسرح غير مجدي. ولذلك فإن وظيفة المسرح الآن هو إعادة الاعتبار إلى انسانيتنا عبر تواصلنا الحر والمؤثر في آن. علينا الآن أن نعيد اللمسة الدافئة والقبلة الحانية بعيداً عن مغريات الاتصال. 


محمود سعيد