ياسمين ممدوح وافى: أهدي الجائزة لأبي صاحب الفضل الأول في تكويني الفني والإنساني

 ياسمين ممدوح وافى: أهدي الجائزة لأبي صاحب الفضل الأول في تكويني الفني والإنساني

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

الفنانة ياسمين ممدوح وافى هى ابنة الفنان الراحل ممدوح وافى، خريجة كلية الآداب جامعة القاهرة.عملت في المسرح ما يقرب من خمسة عشر عامًا، بدايتها كانت فى المسرح الجامعي مرورًا بالمستقل وصولًا إلى مسرح الدولة، عملت كمخرج منفذ ومدربة تمثيل وممثلة، أول عرض لها فى مسرح الدولة هو « هاملت» للمخرج الراحل حسين محمود وكانت تقوم بدور «جرترود»، الدور الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة فى مهرجان نحو مسرح فقير، ومؤخرا شاركت في عرض «أفراح القبة» الذي كان بمثابة مرحلة جديدة فى حياتها الفنية، وقد حصلت عن دورها فيه على جائزة أفضل ممثلة صاعدة في المهرجان القومي للمسرح، عن الجائزة و أشياء أخرى كان لـ»مسرحنا» معها هذا الحوار.

- حدثينا عن دورك في أفراح القبة واستعدادك للشخصية منذ عرضها عليكِ؟
كنت المخرج المنفذ لعرض «أفراح القبة» على مدار سنة قبل العرض، والمسرحية تم تأجيل عرضها أكثر من مرة، وأثناء التأجيلات و قبل العرض بشهر أو شهرين تقريبًا، الممثلة التي كانت ستقوم بدور «زبيدة» وهى ممثلة جميلة طالبة فى معهد الفنون المسرحية، اضطرت لأن تعتذر عن العرض نظرا  لالتزامها بالسفر مع عروض أخرى..
هنا جاءت المشكلة: من سيقبل أن يقوم بعمل مشهد مدته أربع دقائق على المسرح، بينما فريق العمل يجري بروفات حوالي عام تقريبًا، مما جعلهم  نسيجا واحدا. جلست أنا والمخرج يوسف المنصور في جلسة عصف ذهني نفكر من تقوم بالدور. كنت أرى أن من ستقوم بالدور يجب أن تأخذ الشخصية بشكلٍ مختلف، بما أن الممثلة ذات التكوين الناعم التي كانت ستقوم بأداء الدور اعتذرت، فلنحاول أن نبحث عن الدور من زاوية  أخرى، مخرج العرض كان يرى أن الغانية يجب أن تكون بمواصفاتها التقليدية المتعارف عليها، وبدأنا في البحث عن ممثلة أخرى وللأسف لم نُوفّق فى ذلك، فاقترح محمد يوسف «أوزو» الذي قام بدور «كرم» قبل جورج أشرف، أن أقوم بالدور، المخرج يوسف المنصور استغرب من هذا الترشيح لأني مختلفة شكلًا وجُسمانيًّا تمامًا عن صورة الغانية المتعارف عليها، ولكن «أوزو» كان يرى أنني عندما كنت أمارس دوري  كمخرج منفذ كنت أرى أن هذا الدور له أهمية كبوابة مشاعر و كنت أرى أن كل شخصية لها جانبين، أنها ضحية مجني عليها، وجانية  ولكن الشخصية «زبيدة» لم يكن لها غير جانب واحد هو الجاني التقليدي، المرأة ذات السمعة السيئة. ومع الضغط واقتراب افتتاح العرض، والمناقشات المستمرة بيني وبين مخرج العرض وافق أن العب برؤيتي ،  ولكن كانت هناك مشكلة وهي أنه فى هذه الحالة يجب أن أترك مهام المخرج المنفذ، حيث لا يمكن أن أوجّه الممثل وأنا معه على الخشبة ممثلة، ففعلت،  وجاء مكاني كمخرج منفذ خالد شكري. وهنا جاءت فترة التحضير لأنني لم أكن قد وقفت على خشبة المسرح منذ عشر سنوات، منذ آخر عرض لي وهو «هاملت»، فبدأت في عمل بروفات لمدة شهر أنا و»أوزو» وظهرت بيننا حالة تفاهم فى العمل كبيرة وكان مُتعاونا جدًا، وكلما كنت أُغير منطق الشخصية كان يوافقني جدًا على ذلك، طالما نبنى الشخصية بشكل صحيح. يوسف المنصور فى البداية كان مستاء وغير مدرك لتلك الرؤية،  ومتمسك بالرؤية التقليدية للغانية، واتفقنا أن أقدم رؤيته أول دقيقة، ثم أكشف عن شخصيتها الحقيقية فيظهر أن ذلك مجرد غلاف وهمي، وهنا يظهر السبب في أن ابنها أخذ نهجها وسار عليه، مؤمنا  أن المال غاية وليس وسيلة.. لا يوجد أبيض وأسود ولا يوجد أخلاق ووجهات نظر كثيرة لدى تلك السيدة التي تُشعرنا بمرارة الزمن فى تركيبتها المختلفة.
«اوزو» أكثر من دعمني، و أشكره بشدة على ذلك، وعندما بدأنا العرض، ردود أفعال الجمهور وتفاعلهم مع «زبيدة» بالشكل الذي وددت أن تظهر عليه جعل مخرج العرض يشعر بحالة رضا تامة وتناسى تمامًا رؤيته الأولى. قرأت كثيرًا جدًا عن السيدات فى زمن الثلاثينات وأنا أحضر الدور، وبدأت أبنى احتمالات وأبعاد للشخصية، المرأة الفقيرة التي تركها زوجها ولديها ابن، كيف تظل شريفة في هذا الوقت، وبدأت أرى المرارة التي عاشتها ، وكيف كانت تعامل المرأة في ذلك الوقت، .. امرأة فقيرة بلا أي دعم فرصة أن تعيش بشرف قليلة جدًا، و»زبيدة» ضحية الجهل والفقر وزوج مستهتر يتزوج من أجل المتعة ثم يرحل، وهى رفضت أن تتخلى عن ابنها، وعندما سلكت سلوك الفقراء بأن تكون خادمة وجدت نفسها تُعامل معاملة الغانية، فلم لا تكون غانية؟ هكذا  صنعت مبررات وأبعاد للشخصية، والحمد الله الدور ووجهة النظر لقوا قبولًا واستحسانا.
- هل هذه هى المشاركة الأولى لك في المهرجان القومي للمسرح؟ وما تعليقك على هذه الدورة؟
نعم هذه هى المشاركة الأولى لي في المهرجان القومي للمسرح كممثلة، قبل ذلك شاركت فى المهرجان كمخرج منفذ بعرض «طقوس الإشارات والتحولات» للمخرج يوسف المنصور، الذى قُدم فى أكاديمية الفنون. شاركنا به في المهرجان العربي وأخذ العديد من الجوائز، وبعدها شاركنا به في المهرجان القومي واكتسح الجوائز أيضًا.
أنا سعيدة جدًا بهذه الجائزة، أحسست أنه قد تم تقييمي فى دورة منصفة للغاية، وأشعر أن الجوائز في هذه الدورة قائمة على المستوى الفني فقط وقد تم توزيعها بمنتهى الإنصاف، المتميز من الجامعة أخذ جائزة مثله مثل المستقل وخريج الأكاديمية ومسرح الدولة، ..اللجنة كانت تُعامل العمل المقدم كحالة فنية دون النظر لجهة إنتاج العمل.

- هل  تأخذ المرأة مساحتها فى المسرح أم لا؟ وما رأيك فى ممثلات المسرح الحاليين؟ ومن أبرزهم من وجهة نظرك؟
أرى أن المرأة كمحرك للدراما أو كممثلة فى المسرح، هُناك أعمال مسرحية كثيرة محورها الاساسى هو المرأة بشكل صريح، أكثر من الأعمال السينمائية والدرامية. هُناك عروض كثيرة جدًا العصب الاساسى فيها مبنى على المرأة وجوانب المرأة ومشاعرها، المسرح قدم المرأة بكل أشكالها وحالاتها وأعطاها مساحتها منذ قديم الأزل.لدينا أجيال من الممثلات المسرحيات عظيمات من مختلف الأجيال، وهناك من اعتبرهم مثل أعلى لى مثل الفنانة نشوى مصطفى، رأيتها فى عرض «سيلفى مع الموت» وأدركت كم هى صادقة وضعت جزءا من روحها فى الحالة التي تُقدمها، كم هى مختلفة عن القالب التقليدي الذى يراها البعض فيه كممثلة، لديها حضور مسرحي لا جدال عليه، أيضًا الفنانة لبنى ونس فنانة «غول» وللأسف لم تأخذ حقها بعد، وأيضًا هايدى عبد الخالق وهنادى عبد الخالق ويسرا كرم وفاطمة محمد على، وهُنّ على سبيل الذكر وليس الحصر، أتمنى أن أراهُن في أعمال أكثر.
- هل المسرح الجامعي له أثر في تميز المسرحيين؟
المسرح الجامعي هو المعمل المسرحى للممثل، محظوظ من يدخل مرحلة المسرح الجامعي ويتشكل فنيًّا من خلاله، هو خطوة مهمة جدًا لإعداد وتشكيل ثقافة ومخزون الممثل، هو ليس مجال تقييم بقدر ما هو مجال إبداع حر، و من مميزات المسرح الجامعي أنه  كل فترة يأتي مخرج من الخارج بحالة فنية مختلفة، وهذا معناه المزيد من الخبرة، أنا مثلُا جئت من فريق مسرح آداب القاهرة، وكان لدينا عقيدة  أنه لابد بعد تخرج الطالب أن يعود الطالب  لفريقه ويعطيه من خبراته، وهناك كليات تهتم بالأجيال المسرحية الجديدة مثل فريق مسرح تجارة القاهرة، فحتى الآن كل من تخرج منذ 10 أو 15 سنة يعاونون الفريق الجديد ويمدونه بالنصائح، وقد يقوموا بعمل ورش لهم أيضًا، وهناك جامعات أخرى ليس لديهم أماكن بروفات وإمكانيات كافية.
- كونك مدربة تمثيل ومخرج منفذ. ماذا أضاف ذلك إلى تكوينك كممثلة؟
عندما دخلت المسرح كنت أحاول أن أتلمس أي شىء من ظل أو رائحة والدي، كنت اقرأ كثيرًا، وكنت استغل مكتبة والدي منذ كان عمري 12 سنة، قرأت في علم نفس ومناهج مسرحية وإخراجية، ومع الوقت بدأت أفهم هذه القراءات، قرأت ليوسف السباعي ويوسف إدريس ومصطفى محمود ونجيب محفوظ وأدباء كثيرين، كنت محظوظة أن والدي لديه هذه المكتبة الثرية. والخبرة التى أخذتها كمخرج منفذ ومدربة تمثيل ودراماتورج، أفادتني طبعا كممثلة، أقول دائمًا للمتدربين أجعلوا أعينكم كاميرا تراقب كل حدث وتراقب كل فعل ورد فعل، إن  إعمال العقل والخيال وتشغيل نظرك وحواسك، وقراءاتك الكثيرة للحالات الإنسانية والتمثيل، يفرق كثيرًا فى تكوين الممثل، و كونى مدربة تمثيل جعلني اكتشف نفسي واكتشفهم، الخبرة التى اكتسبتها من عملي كمدربة تمثيل ومخرج منفذ جعلتني اختزل الكثير من الشخصيات، فكم مرة مرت علىّ شخصية الغانية فى نصوص مثل «زيارة السيدة العجوز» وجملتها الشهيرة «لقد جعلت منى الدنيا غانية فلأجعل منها دارًا للبغاء» الفلسفات المختلفة للشخصيات التى قرأناها وعملنا عليها، كل ذلك يتم تخزينه ويجعل الصندوق الإبداعي أكبر.
-هل لدينا أزمة فى العناصر المسرحية خاصةٍ التمثيل والإخراج؟
لا أرى أن لدينا أزمة فى التمثيل، لأن لدينا مواهب كثيرة جدًا فى الأكاديمية وورش ومراكز تدريب إبداعية وهناك مواهب كثيرة في الجامعة ومستقلين، ربما نحتاج أكثر لتشجيع المواهب فى الكتابة وفى الإخراج، نحتاج مزيدًا من المسابقات التشجيعية لأفضل مخرج ومؤلف، لأن هؤلاء هم من سيدخون الدم للمواهب الخامدة، يجب أن يكون لدينا ورش ينتج عنها مؤلفين ومُعدين ومخرجين.
-كيف أثر ممدوح وافى فى شخصية ياسمين إنسانيًّا وفنيًّا؟ وماذا تقولي له بعد الجائزة؟
ممدوح وافى زرع في  الاحترام للمسرح والفن، واحترامي لكل الشخصيات بكل اختلافها، علمني أن أرى زوايا الحقيقة، علمني أن احترم الاختلاف ما بين الأشخاص فى كل شىء، و أن احترم حرية الرأى وأن أفكر ألف مرة قبل أن أحكم على أي شخص، كان دائمًا يقول لى لا تحكمى على الأشخاص دون أن تعرفي ما مروا به أولًا ثم أحكمى، وضع يدي على كنوز من القراءات، عرفني من هو عاطف الطيب وبدرخان ووحيد حامد مع حفظ الألقاب للجميع، «ممدوح وافى» له كل التكوين العقلي والنفسي وكل الأساس الراسخ فى ياسمين وافى، علمني كيف احترم نفسى وأحب الأفكار المجردة، و كيف أكون بنى أدم وكيف أفكر، وبالطبع أهديه الجائزة فهو صاحب الفضل على فى تكوينى الإنسانى والفنى.

 


إيناس العيسوي