العدد 543 صدر بتاريخ 22يناير2018
إن الجدلية التاريخية للثورات والحروب والأحداث السياسية الكبرى تفترض حتمية التأثير والتأثر بينها والفنون بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، سواء بظهور حركات فنية ومدارس جديدة أو بالتغير المباشر فيما هو قائم وما يتعلق بأسلوب تناول الفن لتلك الأحداث، مثلما حدث إبان الثورة الفرنسية من ثورة فكرية وثقافية وفنية في المجتمع الفرنسي أثرت على العالم كله، وكذلك الحرب العالمية الثانية التي خلقت بعدها الكثير من المدارس والاتجاهات الفنية المتعددة، وأيضا نكسة 67 وما تلاها حتى نصر أكتوبر كان لها أثر بالغ في الفن المصري عموما، والمسرح بصفة خاصة. وثورة 25 يناير لم تكن حدثا عاديا، بل كانت حدثا جللا زلزل المجتمع المصري بل والوطن العربي كله بغض النظر عن النتائج، وعن اختلاف الرؤية تجاهها ما بين مؤيد ومعارض ومحايد. فهل عبر المسرح المصري بصدق عن ثورة 25 يناير؟ هل كان للثورة أثر في مسيرة المسرح المصري من حيث الشكل أو المضمون؟ العلاقة الجدلية المفترضة بين المسرح أو الفنون بشكل عام هل تحققت لدينا في مصر مع ثورة 25 يناير أم غاب المسرحيون عن المشهد وكأن شيئا لم يحدث؟
يعتبر د. أسامة أبو طالب، أستاذ الدراما والنقد بأكاديمية الفنون، أن الحركة المسرحية مقصرة تقصيرا حقيقيا في تغطية الأحداث الكبرى في الوطن، فكما لم يحظَ انتصار أكتوبر بكتابات مسرحية قوية بنفس قوة ما كتب قبلها، أيضا لم تحظَ ثورة يناير بنفس الاهتمام سواء تأييد أو رفض، أضاف: المسرح مؤشر لنبض الأمة وحراك الشعب وأنا لا أتذكر إلا عملا واحدا كتبه الشاعر محمد حسين وأخرجه ياسر صادق وكان عملا مستلهما أو معاد معالجته وكان يتميز بالصفاء العقلي والعرض الموضوعي وكل الأمنيات الطيبة لمستقبل الوطن، لكن الحركة المسرحية لم تعكس الثورة بصدق فلم نجد إلا بعض نقاط ضوء متباعدة يقوم بها فنانون شبان ذوو طموح حقيقي لكنها تظل عروضا قليلة ولا تستمر كثيرا قدمت في الغد والهناجر والطليعة، خيوط غير متصلة كأنها أضواء في صحراء أو ظلام. مشيرا إلى أن المفروض أن تنضم معا لتكون حركة مسرحية، وإلى أن هذا لن يتحقق إلا بإعادة هيكلة المسارح والالتزام بتخصصها وتحديد هويتها. تابع: أسباب التقصير كثيرة وليس سببا واحدا، وأهمها أن تصبح مواكبة للأحداث ليس لثورة يناير فقط ولكن أيضا لـ30 يونيو التي كانت حركة إجماع شعبية ترغب في التطهير، فالمسرح يجب أن يمس العصب العاري للمجتمع، يعكس همومه وطموحاته وأحلامه. مؤكدا على أنه حتى هذه اللحظة ما زال المسرح يعمل بطموحات واجتهادات فردية وكأنها مجرد فرق مسرحية متنافرة ولا يجمعها ملامح محددة. تابع: وكذلك هناك تقصير في تغطية المسرح لقضايا الإرهاب. ويجب أن تتم دعوة الكتاب والفنانين لتأليف العرض المسرحي الذي يواكب الأحداث ويحرض ويحض ويكشف وينير، متسائلا: أين بقية المحافظات من المسرح، كالمسرح المدرسي والمسرح العمالي وأندية الشباب والجامعي والأندية والدولة والفرق الخاصة، مؤكدا على أن المنظومة كلها هي أوانٍ مستطرقة إذا تعطلت منها أنبوبة أو فرع من الفروع ينخفض المنسوب نهائيا. استدرك: إذن فليس لدينا حركة مسرحية والمسئول هم المسرحيون أنفسهم وليس الدولة. ثم نأتي للجزء الثاني وهو غياب الحركة النقدية غيابا تاما. مشيرا إلى أن هذا ينطبق على المسرح كما ينطبق على بقية الفنون الأخرى.
لا يوجد مسرح مصري
ويرى الناقد والمخرج حسن سعد أنه لا يوجد مسرح مصري في مصر وإنما توجد عروض مسرحية بزخم كبير، لكنها لا تندرج تحت مصطلح المسرح المصري، لأن ما يقدم لا علاقة بمصر ولا بهوية مصر، أضاف: دائما وعبر التاريخ المسرح يغير في المجتمع ويحدث جدلا تنويريا منذ نشأته وحتى الآن في كل العصور، فدوره تنويري توعوي يؤثر ويغير ويطور المجتمع، أما المسرح الذي نشاهده الآن فقد فشل فشلا ذريعا في هذه المهمة ولذلك أقول إن ثورة يناير لم تكن بدافع من المسرح في مصر، وإن المسرح لم يؤثر في ثورة يناير ولم تؤثر ثورة يناير في المسرح، كلاهما فشل في أن يتعانق مع الآخر، ولذلك كانت كل النصوص التي ظهرت إبان ثورة يناير مجرد لعب عيال ومراهقة مسرحية ودرامية، نصوص تحاكي إلى حد ما الشكل الخارجي للثورة وتعيد قراءة بعض تفاصيل الثورة من الخارج، بلا مضمون أو معالجة أو رؤية، تابع: مر منذ الثورة وحتى الآن سنوات ليست قصيرة، ولا يوجد مسرح نستطيع أن نسميه مسرح الثورة أو المسرح التوجيهي أو مسرح المناهضة أو المجاهدة وما يوجد مجرد نصوص ضعيفة جدا، وقراءة متواضعة لما حدث أثناء ثورة يناير والإشكالية الأخرى والأكثر خطورة هي عدم وجود مسرح سياسي في مصر، فلا يوجد لدينا مسئول يقبل العروض السياسية على الإطلاق، مؤكدا أن: الدولة تحارب المسرح السياسي علنا وفي الخفاء، ولكنها تنفق ببذخ على العروض التي ليس لها علاقة بالسياسة مثل عرض ليلة من ألف ليلة وعرض فرصة سعيدة. وأقول للمسئولين: لا خوف من المسرح السياسي فهو يحدث نوعا من التنوير ويخلق حالة جدلية ويدعو إلى الضوء ومحاربة الظلام ولا يدعو إلى حمل السلاح.
كثيرون كانوا ضدها
ويتفق المخرج الشاب حسن الشريف قائلا: غاب المسرحيون باعتبار أن كثيرا منهم لم يكونوا مع الثورة، كما غاب البعض بسبب الإخفاق الذي واجهته الثورة، فهي لم تلاقِ نجاحات سياسية حقيقية ولم تحدث تغييرا جذريا. ومن المعروف أنه بعد الثورات يظهر أدب وفنون مرتبطة بالثورة، ولأن ثورتنا كانت سلمية وحدثت بنعومة شديدة أو لم تحدث، وفكان المسرح على نفس المنوال، حتى اللحظات الدافئة في الثورة لم يستطع المسرح التعبير عنها، لأنه لم يأتِ وزير للثقافة يبدي اهتماما بذلك الموضوع، فحينما تحدثنا عن كيف نواجه المرحلة القادمة في المسرح؟ وهل نعبر بشكل ثوري؟ تم رفض ذلك، وقيل إن الوقت ليس مناسبا بسبب عدم الاستقرار، فلم تكن هناك رغبة حقيقية لإحداث تغيير فعلي. لذلك ما قدم من عروض بعد الثورة كان مجرد شكل حماسي لا يعبر عن المضمون، والحراك الشعبي لم يستطع الفنانون التعبير عنه ولا حتى القيادات الفنية والثقافية، لكن من المؤكد أنه سيظهر بشكل شعبي مردود آخر للثورة لم يرصد بعد.
غير ذات قيمة
أما الكاتب سعيد حجاج فيقول: لا أعتقد أن الأعمال التي كتبت في أثر الثورة كانت ذات قيمة تحليلية ودالة على ثورة يناير بشكل عام، لكن يمكن القول إن هناك بعض الأعمال القليلة جدا كانت تطرح وجهة نظر تجاه أحداث الثورة ولم تكن كافية أبدا للدلالة عليها ذلك أنها ما زالت تحمل الكثير من الغموض ولم تكشف جوانبها حتى الآن. ولا أعتقد أن تأثيرا ما حدث للثورة على المسرح المصري، لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضمون وما عرض حتى الآن لم تكن له علاقة بالثورة، لكن ربما بعض العروض المسرحية تمسحت بالثورة حيث لفق بعض المسرحيين بعض المشاهد داخل نصوص قديمة.
ويرى الفنان الشاب توفيق إبراهيم أنه رغم ظهور الكثير من العروض التي تناولت موضوع 25 يناير، فإن الاختلاف الذي حدث بعد 30 يونيو حول أفضلية وثورية أي منهما أدي إلى الابتعاد عن تلك الموضوعات والاتجاه إلى موضوعات اجتماعية والبعد عن السياسة، مشيرا إلى أن حماسية الثورة لم تستمر ولم تفرز أشكالا أو موضوعات مختلفة فيما بعد وعدنا كما كنا، فكانت الثورة مثل شرارة وانطفأت لأن الشكل لا يتغير إلا بالاحتكاك بأشكال مغايرة مثل العروض التي تأتي من دول أخرى. أضاف: بعد 2011 لم يعد هناك هيمنة لمجموعة تتحكم في الحركة المسرحية، فحدثت محاولات لضخ دماء جديدة من الشباب، مما أفرز جيلا جديدا من المخرجين والمبدعين، مثل محمد الصغير وتامر كرم ومحمد جبر وغيرهم من الذين كانوا يعملون في الجامعات ومسارح الهواة واستعان بهم البيت الفني للمسرح بعد الثورة لتشجيع وإعطاء الفرصة للشباب. فلا يوجد تغير في الشكل أو المضمون بقدر ما هي محاولات لإعادة صياغة الواقع بإعطاء الفرصة للشباب للتعبير عن أنفسهم.
مغازلة الثورة
وتحدث المخرج طارق الدويري قائلا: توجد تجارب مسرحية حاولت مغازلة الثورة لكن بشكل خارجي، كما توجد تجارب حاولت الالتحام مع الثورة وتناولت الموضوع باهتمام سواء تم الاتفاق أو الاختلاف عليها فنيا، كما ظهرت عروض مسرحية كانت ضد الثورة وتناولتها بشكل كوميدي ساخر فبدت وكأنها تسب الثورة. أما الآن بعد سنوات من الثورة حيث لم تتحقق مطالب الثورة من حيث العدالة الاجتماعية وما شابه فلم يحدث جديد في المشهد الفني أيضا، وخصوصا أنه قد كثر الرياء تجاه الثورة من جانب كثير من الفنانين دون إيمان عميق بها، لكن أعتقد أنه قد حدث تأثير إيجابي للثورة لم يتبلور بعد ولم يحن وقته بعد. أما عن نفسي، فقد قدمت مسرحية المحاكمة في عهد الإخوان وكانت ضد حرية الفكر، وعندما عزل الإخوان وتغير النظام قمت بتغيير نهاية العرض وجعلت الموضوع يستهدف كل الأنظمة الديكتاتورية سواء شمولية أو فكرية أو عسكرية. كما قدمت عرض “الزومبي” وهو يعبر عن مأساة الثورة ويناقش جزءا من العالم الذي يتحكم في الإنسان والبشرية ككل، وهو جزء من الأنظمة الموجودة وهو في النهاية مدفون داخل نظام يتحكم في كل الشعوب وهو النظام الرأسمالي، والعرض كان عبارة عن قصيدة عن الثورة. ولا بد أن للثورة آثارا كثيرة على المجتمع ككل، لكن الآن يوجد ارتباك في المشهد الفني كله، وقد ظهرت مجموعة من الأفلام القصيرة إبان الثورة أنتجت لوقتها فقط، مع وجود إرهاصات جيدة قليلة مثل فيلم “اشتباك” وبعض الأفلام التي تنتمي للسينما المستقلة التي تناولت الثورة بشكل جيد وعميق، فالثورة لم تنتهِ، فهي جرح ما زال موجودا سيولد مستقبلا مزهرا بإذن الله.
تفريغ الغضب
أما الناقد أحمد خميس فيرى أن وجود الثورة بشكلها الحقيقي أو المتوقع من المسرحيين في البيت الفني للمسرح أو الثقافة الجماهيرية، وهي الجهات التي تمثل مسرح الدولة الرسمي لم يكن مطروحا بشكل حقيقي، وأن الوجود الحقيقي كان في عروض أخرى مثل عرض “عدو الشعب” لنورا أمين وعرض “الزومبي” و”الخطايا العشر” لطارق الدويري وكذلك عرض المحاكمة أيضا لطارق الدويري. أما من حيث المسرح الرسمي للدولة، فكان هناك تفاعل كبير من قبل المسئولين تجاه موضوع الثورة، وأن كثيرا من العروض تم توجيهها لتأييد الثورة والإنجاز الشعبي وقتها. فتم تقديم مجموعة من العروض حينها مواكبة للثورة مثل (هانكتب دستور جديد)، و(تذكرتين للتحرير)، وعرض (المواطن مصري) لعصام الشويخ وتأليف بهيج إسماعيل. أما عرض (كوميديا الأحزان) بمسرح الغد من إخراج سامح مجاهد وتأليف إبراهيم الحسيني، فكان أهمها وأقربها للثورة لأنه لم يقدم أحكاما ثابتة على الثورة، لكنه قرأ الموضوع وتوقف عند فكرة التأمل، تأمل الفكرة وتأمل التغيير، وكان صادقا إلى حد كبير، لذا فإن هذا العرض استمر فترة كبيرة وترجم لعدة لغات. أما بقية العروض، فقدمت قراءة سريعة لما حدث مثل عرض (النافذة) لسعيد سليمان الذي يحكي عن شخص شاهد الثورة من شباك منزله ثم نزل وانتمى لها مع الناس بعدما تحققت بالفعل. أما عرض (هانكتب دستور جديد) لمازن الغرباوي، فيقول إن الشباب يريدون التغيير والأوضاع الجديدة ويريدون امتلاك البلد، ويكتبون تعليقات كبيرة توافق ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي، أضاف: كان هناك ثبات على فكرة حرية الفكر والطرح وكانت هناك قراءات سريعة لفكرة الثورة في مسارح الدولة، واهتمام كبير بأن يكون هذا هو الحدث الرئيسي لكثير من العروض، لذا كان دائما المشهد الذي يمكن أن نراه في معظم العروض هو مشهد التنحي لمبارك الذي أعلنه عمر سليمان عن طريق شاشة الفيديو بروجيكتور، كانت رؤية سريعة مرتبكة عن حدث الثورة وليست قراءة متأنية وواعية وحقيقية له، مشيرا إلى أن القراءة الصادقة للثورة كانت موجودة بعروض مسرح الشارع وهي العروض الحية السريعة المغلفة بالكوميديا السوداء التي قرأت المشهد بصدق شديد، وبشكل واع لجمهور عريض لا يدرك أن هذا أصلا يسمى مسرح، وكان لشباب يرتبطون بالمشهد السياسي أكثر من ارتباطهم بالمسرح. وبعد ذلك اهتمت الثقافة الجماهيرية بهذه النوعية من العروض حتى إنها أقامت مهرجانا لمسرح الشارع. واجتمعت د. هدى وصفي بمجموعة من المسرحيين لبحث كيفية استثمار ما حدث بمسرح الشارع لاستغلال طاقات الشباب لتقديم مجموعة كبيرة من العروض العفوية المعبرة عن الثورة وأهميتها في الشارع جذبت جمهورا كبيرا.. تابع: على مستوى شكل العرض المسرحي العادي فلم يحدث جديد، التأثير الحقيقي أحيا مهمة مسرح الشارع عند المتفرج العادي، وحدث شكل جديد في تقديم العروسة في الشارع، فكانت هناك بعض العروض التي حاولت استخدام التقنيات الجديدة لصناعة العروسة واستلهمت بعض التقنيات في تضخيم شكل المسئول السياسي في المشهد المسرحي للاستهانة والتنكيل به والانتقام منه معنويا وجماليا، كتفريغ لشحنات الغضب.
الأمر في يد غير المؤمنين
ويوضح الفنان القدير إيمان الصيرفي أن المحاولات التي حدثت بعد الثورة لم ترقَ لأن تحدث أثرا حقيقيا في المسرح المصري، نتيجة لشيئين أولا: أن من تصدروا المشهد المسرحي كانوا من المنتفعين بالحركة المسرحية، ولم يكن لديهم إيمان بالثورة، وبالتالي جاءت نوعا من القص واللصق، والمدهش أن هذا الكلام مكشوف للجميع ولم يتحدث أحد في هذا الأمر، كل من كان لديهم قناعة بأن 25 يناير لحظة للتغيير الحقيقي فنيا وإنسانيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا منعوا، ومن تصدروا المشهد هم من كانوا ضد 25 يناير، وبالتالي استخدموا نفس أساليبهم – مثلا – في توظيف مشهد فيديو بروجيكتور ما أو حدث في الشارع أو هتاف ساذج، وبالتالي لم يحدث أثر حقيقي للثورة في المسرح المصري، وما زلنا نعيش في نفس أجواء المسرح، وللأسف بعد 25 يناير ظهرت مظاهر سلبية أثرت في الجمهور مثل الاسكتشات التي ظهرت مثلا في إطار مسرح وتياترو مصر وما شابهها، فحولت المسرح إلى مجموعة نكات نصنع منها عملا وكأنه غير مطلوب سوى الضحك فقط، هذا يحدث في كل القطاعات بدءا من قطاعات الهواة والفرق المستقلة حتى الفرق الرسمية للدولة. وللأسف تحولت المسألة إلى كعكة كبيرة يحاول الكل التهامها وتصدر حزب الكنبة المشهد. تابع: نعم، كانت هناك إرهاصات حماسية في البداية مثل فكرة الفن ميدان، لكن الأحداث الكبرى عادة يمر عليها وقت كبير إلى أن تفهم وتستوعب وتعطي تأثيرها الحقيقي، لأن حركتها على الأرض هي التي تحدد نجاحها أو فشلها، ففي الحالتين يجب أن تحدث تغييرا نوعيا في المفاهيم الثقافية والإنسانية بشكل عام في كل الاتجاهات.
ويقول المخرج والممثل أحمد السيد: غاب المسرحيون عن المشهد لأن الثورة لم يكن لها تأثير على الحركة المسرحية سوى في بعض الإجراءات؛ حيث كان الصراع حول التعيين والمناصب وفكرة السيطرة والهيمنة والحصول على أكبر قطعة من الكعكة، وكان هناك نوع من تغيير القيادات وليس تغيير السياسات أو الأفكار، حتى إن عروضا قدمت تتحدث عن الثورة احتوت على مغالطات كثيرة، أضاف: تأثير الثورة الحقيقي على المسرح ظهر في تشجيعها لأفكار المسرح المستقل والجامعة التي حدث بها حراك متميز عن مسارح الدولة الرسمية، مثلما نعيشه الآن من استمرار عرض مثل (1980 وأنت طالع) ووجود الكثير من الفرق المستقلة ومسرح النهار ومسرح أشرف عبد الباقي، كل هذه الأنواع هي نتاج لحدوث خلخلة في المنظومة المسرحية التي تأثرت بالتغيير، لكن هل تأثرت دراميا، هل تأثرت بالعودة للمجتمع مرة أخرى؟ وهل حدثت ثورة داخلية للمسرحيين، ثورة على المواضيع والأفكار والممارسات وغيره؟ المؤكد أنها أثرت وغيرت في المسرح من حيث الأفكار والفرق وأعطت مساحة متسعة قليلا لمن لديه القدرة على صناعة عمل مسرحي أن يقوم به سواء أكان قطاعا خاصا أو ليلة واحدة أو في الهوسابير أو آفاق أو المهرجانات التي ظهرت بعد الثورة، فكل هذا كان بمثابة ثورة على الوضع لصنع شيء مختلف، لكن ليس هناك تغيير حقيقي في الشكل أو المضمون، وليس ما أنتج هو أفضل ما يمكن إنتاجه، فالكيانات المستقلة ليس لديها روح ثورية للتغيير في المجتمع.
مسرح الثورة وثورة المسرح
أما المخرج الشاب محمد جبر، فيرى أنه حدث تغيير كبير في المسرح بعد الثورة، مشيرا إلى أن هناك فرقا بين مسرح الثورة وثورة المسرح. فهناك الكثير من المسرحيات التي ناقشت الثورة بوجهات نظر مختلفة في مسرح الدولة والمسرح المستقل، مؤكدا أن ثورة المسرح حدثت بعد 25 يناير حيث كان هناك جيل كامل أثبت وجوده، فبدأ في عمل ثورة مسرحية بعروض مختلفة وأشكال مختلفة ومنها ما حقق جماهيرية، كما ظهر جيل جديد من المخرجين بعد الثورة مثلي ومثل تامر كرم ومازن الغرباوي وإسلام إمام ومناضل عنتر ومحمد الصغير وشادي الدالي، وأصبح لكل هذه الأسماء وجود، ربما كنا نعمل من قبل الثورة لكن بدأت التجارب تنضج وتحدث ثورة مسرحية على مستوى الشكل والمضمون، حتى وإن كانت العروض لا تمثل الثورة لكنها قدمت أشكالا مختلفة من المسرحيات، والمسرح عاد في السنوات الخمس السابقة، وأصبح الجمهور يرتاد المسارح سواء في المسرح المستقل أو مسرح الدولة، تابع: أعتقد أن تجربة مثل (1980 وأنت طالع) تجربة مختلفة بغض النظر عن أنها تجربتي، لكنها حققت نجاحا جماهيريا وفنيا كبيرا وحققت جائزة أحسن عرض بالمهرجان القومي للمسرح وإيرادات عالية جدا.
أما المخرج الشاب تامر كرم، فقال: المناخ العام أصلا غير مهيأ لحرية الإبداع كي يتمكن المبدعون من التعبير بطلاقة عن ثورة يناير، كما أن الأحاديث المباشرة في الفن والخطابة عن أية موضوعات لا هي في صالح حركة المسرح ولا هي تعد مسرحية بالأساس، المسرح فكر وفن ومداعبة للخيال، وليس تسجيليا أو خطابة والثورات والحركات المجتمعية الكبرى تحتاج للخطابة أكثر منها لمداعبة الفكر والخيال. مضيفا: لن يستطيع أحد التعبير بصدق عن الثورة قبل مضي خمسين عاما. لكن من المؤكد أن الثورة أفادت المسرح لأنه غادر حالة الركود، فالمسرح انعكاس للمجتمع، بمعنى أن مجرد حدوث تغيرات في المجتمع لا بد أن تحدث تغيرات في الفن عموما، والثورة حركت المياه الراكدة فأصبحت هناك موضوعات جديدة، الثورة صنعت ما لا يمكن أن يصدقه عقل وهو سقوط نظام كامل بشكل سلمي، وبالتالي ارتفع سقف الطموحات في جميع المجالات، المسرح كان جثة هامدة، فبدأ جيلنا يحلم بالتغيير، وحلمنا بأن يصبح لدينا جمهور كبير، فتغير الجمهور وبعد أن استهلكنا موضوعات الفساد والتحرش وغيرهما بلا نهاية، أصبحت هناك موضوعات جديدة مثل التي تتعلق بالتغيير والتطرف وغيرهما. بالإضافة لبعض التغيرات الطفيفة في الشكل المسرحي.
استجابة عاطفية
ويرى الناقد والمخرج د. عمرو دوارة أن جميع العروض كانت مجرد استجابات عاطفية حماسية احتفاءً بالثورة، تم إعدادها سريعا في محاولة لمواكبة الإيقاع السريع للثورة، لذا فقد تشابهت كثيرا فيما بينها، حيث اجتهد جميع المشاركين بها في محاولة مسرحة وقائع أحداث الثورة بطريقة انتقائية، واعتمدت أغلبها على مساحات للارتجال والسرد، وكذلك على تخصيص مساحات للبوح لتقديم بعض الحكايات عن المعاناة الشخصية وللتعبير عن المشاعر والخلجات الإنسانية، كما تضمنت أغلبها محاولات توثيقية لأحداث الثورة، وبالتالي تضمنت سردا لوقائع المظاهرات وإعادة ترديد لكثير من الهتافات والشعارات الثورية مع تقديم بعض اللقطات السينمائية للمظاهرات ولأهم الأحداث بالميادين المختلفة، وخصوصا موقعة الجمل الشهيرة، وخطاب نائب رئيس الجمهورية (اللواء عمر سليمان) بتنحي الرئيس السابق (محمد حسني مبارك) عن الحكم، ثم بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تضمن تحية الشهداء.
ومع كثرة تلك النصوص أو العروض التي تناولت ثورتي 25 يناير و30 يونيو، بالإضافة إلى تشابه أغلبها في سمات عامة ومن بينها سرعة كتابتها كرد فعل عاطفي أو تقديمها في عجالة، اتسم أغلبها بضعف الحبكة الدرامية والاعتماد على مجرد التسجيل والسرد لبعض الوقائع والأحداث دون رؤية تحليلية متكاملة أو نظرة مستقبلية تتناسب مع تلك الأحداث المتتالية سريعا ومفارقاتها الواقعية التي تتكشف كل يوم وتفوق جميع الحبكات الدرامية التي قدمت حتى الآن. وأخيرا أسهم الناقد والمؤرخ د. عمرو دوارة بإحصاء تأريخي دقيق لكل أنواع العروض المسرحية والفنية التي تناولت ثورة 25 يناير موضحا إياها كما يلي:
منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة بميدان التحرير - بوصفه نموذجا ورمزا للميادين الرئيسية بجميع المحافظات – قام الشباب الثوار بتوظيف جميع الفنون للتعبير عن مشاعرهم وصياغة وإعلان مطالبهم، فأقاموا حفلات السمر في ليالي اعتصامهم المفتوح، الذي ارتفع من خلاله سقف المطالب حتى وصل إلى ضرورة رحيل جميع رموز النظام، الذي سقط فعليا بإعلان تنحي الرئيس السابق عن السلطة في 11 فبراير 2011، وقد تضمنت حفلات السمر هذه بخلاف إذاعة بعض الأغنيات الوطنية لثورة يوليو 1952، وإلقاء بعض القصائد الشعرية والزجلية، وتنظيم معارض تلقائية لفن الكاريكاتير، تقديم بعض الاسكتشات المسرحية من خلال الارتجال ومجموعة المحبظين، وأشهرها فقرة الهندي الذي ينتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية الآنية بأسلوب ساخر وكأنها تحدث بالهند! أو من خلال توظيف عروض الأراجوز وخيال الظل أو فقرات المسحراتي والحكواتي، وغيرها من الأشكال الشعبية التي يمكن تصنيفها تحت مسميات مسرح الشارع، أو مسرح السرادق أو المنصة أو المصطبة، أو مسرح الجريدة الحية.
وبعد نجاح الثورة مباشرة وقبل مرور عدة أسابيع غمر الحماس مجموعات كبيرة من المسرحيين – سواء محترفين أو هواة - فسارع عدد كبير منهم إلى تقديم عروض تتناول أغلبها أحداث الثورة وتوثق لأهم هذه الأحداث، كما قام بعض المؤلفين بكتابة نصوص مسرحية تستوحي هذه الأحداث أيضا – وللأسف فقد اتسمت أغلبها بالمباشرة. وكانت المفاجأة الفنية المواكبة لثورة الشباب هي تقديم عدد كبير من المسرحيات التي أنتجت حديثا لتواكب أحداث الثورة (خلال عدة أسابيع من اندلاعها)، سواء من خلال مسارح الهواة المختلفة أو من خلال مسارح المحترفين بفرق الدولة، ويمكن من خلال هذا الرصد أن نتعرف على أهم هذه المسرحيات وهي:
في مسارح الدولة: «تذكرة للتحرير» بفرقة «مسرح الطليعة»، «هنكتب دستور جديد» بفرقة «مسرح الشباب»، «ورد الجناين» بفرقة «المسرح الكوميدي»، «كوميديا الأحزان» بفرقة «مسرح الغد»، «قوم يا مصري» بفرقة «المسرح المتجول» (كتب النص قبل الثورة ولكن المؤلف كان قد تنبأ بالأحداث) وذلك بخلاف القيام بإجراء بعض التعديلات الفنية على عدد من العروض لتواكب أحداث الثورة سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومن بينها: في مسرح الشباب عروض «شيزلونج»، «بيت النفادي»، «ملامح»، «خرابيش»، وبفرقة «مسرح الغد» عرض «النافذة»، وبفرقة مسرح الطليعة «نلتقي بعد الفاصل»، وبفرقة مسرح الفن «شغل أراجوزات»، كما أنتج المسرح القومي عرض «حكايات ثورة 19» ليربط ويؤكد بعض العلاقات بين الثورتين، كما تم تقديم عرض «عاشقين ترابك» لفرقة مسرح الساحة الذي مر بعدة مشكلات مع الرقابة على المصنفات الفنية، وتم تقديم الجزء الثاني له من خلال فرقة المسرح الحديث في أبريل 2014.
ثانيا: بمسارح الهواة: «على ضوء قمر الثورة» لفرقة «هلوسة المسرحية» وهو عرض يتكون من ثلاث حكايات، «ثورة 25 يناير» صياغة جماعية، «البشاير» قدم بافتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان «المسرح العربي» وتضمن النسيج الدرامي للعرض توظيف بعض القصائد الوطنية الحديثة للشعراء: فاروق جويدة والأبنودي وسيد حجاب وهشام الجخ، «حواديت التحرير» لفرقة «سبيل المسرحية» وهو عرض يعتمد على أسلوب الحكي لبعض الأحداث الواقعية التي حدثت لأبطال العرض أو لأصدقائهم أثناء الثورة، «سولتير» لفرقة «سبيل للفنون» وهو عرض مونودراما، «تحية للشهداء والأحياء»، «حكاية ميدان» لفرقة «مجموعة فنانين مصريين» وقدم بالمشاركة مع هيئة قصور الثقافة، «حدوتة قبل النوم» لفرقة كلية العلوم بجامعة القاهرة، وتدور الأحداث الدرامية في إطار كوميدي حول الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة، وذلك بخلاف عروض «مهرجان فنان من الميدان» الذي قامت بتنظيمه شركة «روانا للإنتاج الفني» واستضافت من خلاله بعض عروض فرق الهواة التي تتناول قضية الثورة، ومن بينها: «حالة طوارئ»، «التجربة»، وكذلك «احتفالية حكايات يناير» التي قامت بتنظيمها الهيئة العامة لقصور الثقافة وقدمت بقاعة «منف»، وقد تضمنت عدة عروض من بينها: «سهرة ثورية»، «أوراق من ذاكرة النسيان» وهو عرض لثلاث فرق، وعرض «سوء تفاهم» وهو إبداع جماعي. وأيضا «مهرجان التجارب النوعية» (مهرجان مسرح الثورة) الذي نظمته الإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة وتضمن تقديم عشرة عروض خلال شهر ديسمبر 2011! من بينها: «ثورة دوت كوم»، «حكايات من الميدان»، «حضنك يا وطن»، «الورد اللي فتح»، «للبيع في المزاد العلني»، «مأساة فرعون»، «خروج للداخل»، «الفلاح الفصيح»، و«كان نص حلم».