ما الذى يحدث للمسرح الجامعي؟

ما الذى يحدث للمسرح الجامعي؟

العدد 559 صدر بتاريخ 14مايو2018

إلغاء العروض المسرحية في الجامعات المصرية ظاهرة انتشرت مؤخرا بشكل كبير، الأمر الذي يدعو للقلق أن يكون ذلك مؤشرا على الرغبة في القضاء على المسرح الجامعي وتحجيمه، وهو ما يدعو إلى البحث في الأسباب الحقيقية، فمسرح الجامعة يعد رافدا هاما للمواهب الفنية، وقد خرج الكثير من المبدعين على الساحة الفنية والمسرحية. عراقيل كثيرة يتعرض لها طلاب الجامعات في أدائهم للنشاط المسرحي، من خلال هذا التحقيق نلقي الضوء على مجموعة من التجارب المسرحية التي تم منعها، ونستعين بآراء مجموعة من المسرحيين إزاء تلك الظاهرة.

قال إبراهيم أحمد، الطالب بالفرقة الثانية كلية الآداب قسم المسرح ومخرج كلية زراعة سابا باشا، والذي كان من المقرر أن يقدم عرض «إنهم يعزفون» تأليف محمود جمال ولكنه منع: المشكلة بدأت بعد قرار تعسفي من عميد الكلية د. طارق سرور الذي قام مشكورا بحرمان الطلبة من المشاركة في مسابقة الجامعة لهذا العام وبمنع “وتسريح” عدد (40) طالبا وطالبة (فريق كلية زراعة سابا باشا) وقال لهم “روحوا اشتغلوا إعلانات في رمضان أو كرتون مفيش مسرح”.
تابع: في أحد الأيام لم يكن متوفرا لدينا مكان حتى نقوم بعمل بروفات للعرض وهو ما جعلنا نقوم بالبروفة على أسطح أحد المدرجات بناء على تعليمات من رعاية الشباب، وبعدها بمدة لا تتعدى بضعة ثوانٍ نزلنا من على سطح المدرج بعد إبلاغ الرعاية لنا برفض العميد، والسبب الآخر لقراره رفضنا جمع القمامة مع زملائنا، وذلك أثناء تجهيز الكلية لاستقبال السادة أعضاء لجنة الجودة، لقد أخذوا قاعة البروفات واكتشفنا أنها مسجلة للرياضة، ولذلك جاءت مشكلة صعودنا إلى السطح الخاص بالمدرج، قمنا بدخول القاعة كما قالت د. إيمان عياد وكيلة الكلية لشؤون الطلاب لمشرف لجنة الجودة كتصرف حكيم منها لإقامة البروفات، لأنها تعلم جيدا مدى المجهود المبذولة، وأنه لا يوجد وقت لإضاعته ولكن وأثناء مرور العميد في الكلية دخل علينا قاعة البروفات متسائلاً كيف تجرأنا على الدخول دون إذن؟! وعندما قلت له إننا حصلنا على موافقة الوكيلة صرخ في وجهي قائلاً «أنا العميد هنا» وتم تهديد الطلاب بالتحقيق إذا لم يكفوا عن المحاولات، وذهبت إلى العميد متوسلا إليه وقلت له «إحنا آسفين مش هتتكرر أبوس إيدك حرام»، رفض وأصر على موقفة استنجدت بالدكتورة إيمان عياد لحماية الطلبة بعد تهديدهم.
تابع: أقر أنا إبراهيم أحمد محمد عبده علي، طالب بالفرقة الثانية بكلية الآداب قسم المسرح، بأنني لن أتنازل عن ضياع مجهودي ومجهود الطلاب، وأنني لم آخذ سوى جزء من مستحقاتي ولم أحصل على أجور زملائي الذين بذلوا قصارى جهدهم في العمل، منهم مصطفى يسري خريج تربيه نوعية قسم موسيقى الذي لم يتقاضَ أجره بعدما قام بتلحين كل أغاني العرض، ومهند شاهين طالب في كلية الآداب قسم المسرح الذي بدأ بالفعل بتصنيع الديكور، وأنا لن أتنازل عن التعويض علي ما تعرضت له من إهانة بكل الطرق، وقد تقدمت بمذكرة لأستاذ محمود جمال مدير إدارة رعاية الشباب بالجامعة، وسألجأ لكل أساتذتي وللصحافة والتلفزيون، ولن أترك حقي سوى وأنا ميت ولن أصمت.

الفرقة تم وقفها لمدة عام
وقال المخرج خالد عيسى مخرج فريق كلية الحقوق جامعة بنها: قبل تقديم عرض “أعمل نفسك ميت” بأيام قليلة وأثناء البروفة قام أحد العمال بطرد الفريق من القاعة الخاصة بالمسرح وحدثت مشكلة كبيرة وتحدثنا مع أحد الأساتذة، ثم عدنا وقمنا بعمل البروفات مرة أخرى، وفي اليوم التالي ذهب العامل لعميد الكلية وقال له: هؤلاء الطلبة يقومون بعمل عرض سياسيي، مما دعا العميد لعقد اجتماع معنا ووجه لي الاتهام بأنني أقوم بتحريض الطلبة على العمل السياسي داخل الجامعة وأنني عنصر محرض ويجب استئصالي، وعندما حاولت أن أدافع عن نفسي بأن النص مرقب وأنه نص فانتازي ولا يتحدث عن الواقع، قال إن كاتب النص يكتب إسقاطات على الواقع، ورفض العرض تماما وقام بإلغائه ورفض تقديم أي عمل مسرح لي داخل الكلية، ولكن كان لدي إصرار بأن تقدم الفرقة عرضا وأن تقدم عملا آخر بنص مختلف تماما.
وبعد أن حصلت الفرقة على موافقة عن نص (8 حارة يوتوبيا) فوجئت أن العميد يرفض العرض للمرة الثانية وعندما ذهب أعضاء الفرقة للحديث معه ومعرفة أسباب الرفض رفض مقابلتهم ومع إصرارهم أصدر قرارا بإلغاء النشاط المسرحي لمدة سنة والفرقة كلها تم وقفها عن النشاط.

آخر أيام الأرض وفتنة المسيخ الدجال
وقال المخرج محمد فاروق مخرج عرض «آخر أيام الأرض» لفريق كلية الآداب جامعة المنصور عن مشكلة العرض الذي تدور أحداثه حول فتنة المسيخ الدجال: المشكلة باختصار أن وكيل الكلية قام بإلغاء العرض قبل العرض بيوم واحد، وذلك لأنه يرى أنه يسبب فتنة طائفية، وتحدث معي عن بعض الأمور التي لا تمت بصلة لعرضي، منها سوريا وداعش وإسرائيل، وجميعها قضايا ليست موجودة في العرض. وتابع قائلا: انتظرنا وصول العميد من رحلته خارج مصر وبالفعل قرر العميد أن يقدم العرض لأنه رأى أن العرض ليس به أي مشكلة وبالفعل عرضنا وحقق العرض نجاحا كبيرا.
وأضاف: لم يسبق أن تعرضنا لمثل هذا الأمر من قبل والمفارقة أن العرض تم تقديمه منذ عامين في فريق كلية الهندسة ولم تحدث أي مشكلة أو اعتراض.

رغم إعجابه قرر إلغاء العرض!
كما قال المخرج محمد فرج الخشاب مخرج عرض «ميراث الريح» لكلية علوم جامعة الإسكندرية، الذي تم إلغاؤه: فوجئت بوكيلة كلية العلوم لشؤون التعليم والطلاب يقول إن المذكرة المرفقة لميزانية العرض بها بند تأجير الملابس وبالتحديد (رداء الكنيسة)، وعلى الفور توجهت لقراءة النص المسرحي “ميراث الريح” تأليف جيروم لورانس/ روبرت لي، واكتشفت – حسب قولها - وجود ألغام فكرية داخل النص مما استدعى وقف العرض حتى يتم البت في أمره بعد عرض النص على أساتذة كلية العلوم, أحدهم أستاذ له كل الاحترام والتقدير ولكنه موجود فقط لأنه مسيحي الديانة، لأن من رأي الوكيلة أن النص يهاجم الديانة المسيحية، في الوقت الذي يشارك في العرض ممثلان مسيحيان، وهو ما جعلني مضطرا لحفظ مجهود زملائي وشركائي في العرض، وذلك بحذف ما قد يراه الأساتذة المبجلون ألغاما فكرية، وهو أمر قد يسبب الحزن والحسرة لأي فنان.
وتوجهت أنا وزملائي جميعا إلى كلية العلوم ننتظر لجنة المشاهدة التي ستصدر الحكم بخصوص ما اقترفته من جرم! والمفارقة أن النص تم تقديمه من قبل على خشبة المسرح القومي من إخراج طارق الدويري، وقدم من فريق جامعة المنصورة بمسابقة إبداع التي تنظمها وزارة الشباب والرياضة؛ أي أن النص مر على الرقابة بشكل أو آخر، وأضاف: الأمر انتهى بأن عميد كلية العلوم رغم إعجابه الشديد بالعرض المسرحي قرر إلغاءه، قائلا: إن إلغاءه الآن أفضل من إلغائه قبل عرضه بخمس دقائق، وقد سبق لوكيلة الكلية رفض العرض والميزانية بحجة ارتفاعها. أنا فخور كل الفخر بفريق كلية العلوم وبعملي معهم منذ 28 يناير 2018 وحتى ساعتنا تلك. وقال: عرض “ميراث الريح” سيتم عرضه قريبا وسيكون الرد “كالعادة” على خشبة المسرح.

دون إبداء أسباب واضحة
قال المخرج أحمد عبد الحكيم مخرج عرض “الطاعون” لفريق كلية التربية النوعية جامعة طنطا: العرض تم رفضه دون إبداء أي أسباب واضحة من قبل إدارة الكلية، وقد فوجئنا أثناء قيام الفريق بعمل بروفات برسالة اعتذار عن عدم مشاركة الفريق في مهرجان الجامعة، ولم يتحدث معي أحد عن الأسباب، على الرغم من أن عرض “الطاعون” تم تقديمه في قصر ثقافة غزل المحلة وتم تقديمه في جامعة طنطا مرتين، وهو أمر يدعو للدهشة، وقد اتهمت بتحريض الطلبة، وعندما حاول الطلبة مقابلة نائب رئيس الجامعة تم تهديدهم بالرسوب. وأضاف: العرض يناقش قضية فلسطين وإسرائيل بشكل واضح.

آراء كبار المسرحيين
قرارات المنع والمصادرة غير دستورية
قال المخرج ناصر عبد المنعم إن شرط المسرح هو الحرية، وازدهاره مرهون بانتعاش الحريات على مر التاريخ, لأنه أكثر الفنون اتصالا باللحظة الراهنة، لأنه فن الحضور المباشر، «هنا والآن»، وبالتالى له صلة قوية بالواقع المعيش وازدهاره ونضجه، وتطوره مرهون بمساحة الحريات، مشيرا إلى أن فكرة إلغاء العروض من جهات إدارية فكرة مرفوضة تماما. تابع عبد المنعم: نحن أبناء المسرح الجامعي والجامعة تعد مكانا للبحث العلمي، وهي مرحلة التجريب بالنسبة للطلاب، وهذا التدخل مرفوض تماما وله أثره السيء، لأن الشباب يشعرون بتضييق الخناق عليهم ولا يستطيعون التعبير, ومن ثم ينصرفون عن المسرح، وهو ما يخلق حالة من الإحباط، فلمصلحة من يتم قتل أحلام وطموح الشباب, وهم من سيشكلون مستقبل البلاد ومن سييقفون أمام الإرهاب والأفكار الظلامية. وتابع قائلا: من ناحية أخرى تحكمنا مظلة الدستور الذي ينص على حرية الإبداع والتعبير، لذلك فإن قرارات المنع والمصادرة غير دستورية.

يعبر عن المجتمع
بينما قال المخرج الكبير فهمي الخولي: للأسف الشديد عدد كبير من المسئولين في الجامعات يعتقدون أن المسرح شر لا بد الابتعاد عنه، فيتصور بعضهم أن هناك عروضا مسرحية مسيئة وهو ما يدفعهم لحسم الأمور منذ البداية وإلغاء العرض حتى لا يتعرضون للمساءلة، فهم يخشون التحقيق معهم، لماذا يسمحون بتقديم العرض. وأضاف: الفن بكل أنواعه يدفع الطالب إلى المعرفة والثقافة وتغذية روحه ووجدانه وهو أمر ضروري، فكما تقول المقولة «إذا أردت أن تتعرف على حضارة أمة فانظر إلى أدبها وفنونها»، وكل مسئول ينظر إلى مصلحته في المقام الأول وليس مصلحة الطالب، وكما نعلم أن المسرح مرآة الشعوب وخلاله يتعرف المشاهد على واقعه ويقوم بتحليله، ومن ثم يقوم بتغيير ما به من نواقص، وهناك الكثير من كبار النقاد أكدوا على فكرة أن الفن للمجتمع ومنهم الكاتب محمد مندور والكاتب رشاد رشدي وجميعهم اتفقوا على أن المسرح هو الفن الوحيد الذي يعبر عن الواقع والناس.

سامح الصريطي: انتشار الجمود الفكري
فيما قال الفنان سامح الصريطي: أنا ضد المنع بشكل عام فيما عدا أن تكون العروض المسرحية مثيرة للفتن، أو تحرض ضد الإنسانية، ومن هنا يجب أن يتم التحاور مع صانعي هذه العروض, لأنها في النهاية تخرج باسم المسئول وعليه أن يحاور من يقدمونها ويناقشهم، فكل شيء يجب أن يتم بالحوار، أما إذا كان منع المسرح دون أسباب، فإن من يصدر هذا القرار يكون شخصا ظلاميا ولا يليق به أن يكون أستاذا جامعيا، وكما نعلم المسرح يقود حركات تنويرية ويثري الأجيال وعدم وجوده في المدرسة أو الجامعة أدى إلى انتشار الجمود الفكري والتطرف، فالمسرح يحمينا من التطرف والإرهاب.

يساهم في خلق جيل من المبدعين
وقال المخرج المسرحي السعيد منسي: قدمت الكثير من العروض المسرحية في جامعة المنصورة، وحققت نجاحات كبيرة في، وحصلت على عدة جوائز، ومنها عرض البيت الذي شيده سويفت والزير سالم، بالإضافة إلى المشاركة في المهرجان القومي بعرض “هاملت”، وقدمت عروضا مع منتخب جامعة طنطا وحصلنا على جائزة في مهرجان إبداع وحصلنا على جائزة المهرجان القومي. أضاف: مسرح الجامعة أهم ما يميزه هو أنه مسرح حر يعتمد على الشباب وآرائهم وبه مساحات من الحرية، ولم يكن هناك في السابق ضغوط، ولم تفرض علينا آراء، كانت جميع الكليات توجد أو يعتذر بعضها بسبب قلة الإمكانيات المادية وليس المنع.
وتابع: منع العروض أصبح ظاهرة غريبة، هناك خوف من المسرح وتقديمه ويتم المنع دون وجود أسباب، شيء غريب أن يتم وضع قيود على الإبداع الفكري، وكما نعلم معظم الفنانين تخرجوا من مسرح الجامعة، الذي يساهم في خلق جيل من المبدعين، وفي الفترة الأخيرة أصبح هناك كم من العروض يتم منعها، ولم يعد الأمر مجرد واقعة واحدة فهناك أكثر من واقعة تمت في أكثر من جامعة.


رنا رأفت - شيماء منصور