العدد 957 صدر بتاريخ 29ديسمبر2025
من الطبيعى أن يعالج المسرح مشاكل المجتمع. وفى الولايات المتحدة تتعدد المشاكل التى يمكن أن يتصدى لها، وفى مقدمتها بكل تأكيد فوضى حيازة السلاح التى يدفع المواطن الأمريكى ثمنها.
وحسب الإحصائيات توجد فى الولايات المتحدة نحو 450 مليون قطعة سلاح نارى معظمها غير مرخص وهو رقم يزيد عن عدد السكان. ويسير المواطن الأمريكى فى الشارع وهو لا يضمن أن تأتيه رصاصة تودى بحياته. وهذا الكم الكبير من الأسلحة النارية يحوزه عدد ليس بالكبير من السكان لكنها تكفى لتلقى بآثارها السلبية على حياة الشعب الأمريكى.
وتتضاعف المشكلة لأن الدولة لاتقوم بدورها فى التصدى للمشكلة، بسبب جماعات الضغط القوية التى تمثل شركات صناعة الأسلحة وحائزى الأسلحة أنفسهم، وتؤثر بتبرعاتها على دور الدولة والولايات ومجالسها التشريعية.
وأحدث المحاولات المسرحية للتعامل مع المشكلة جاءت من فرقة مسرحية تطلق على نفسها ENOUGH! أو كفاية باللغة العربية.
ومصدر الاهتمام أو الغرابة أو الدهشة هنا أن الفرقة تركز على هذه القضية دون سواها منذ نشأت خصيصا من اجلها عام 2019.
واختارت الفرقة زاوية محددة للتعامل مع المشكلة وهى الشباب لمحاولة إقناعهم بالابتعاد عن الأسلحة النارية ومخاطرها الكبيرة على المجتمع وخصصت نشاطها المسرحى لهذه القضية دون سواها.
اسم رئيسى
وحتى الآن قدمت الفرقة عددًا من المسرحيات تحت اسم واحد وهو اسم الفرقة ENOUGH! ويتضمن العرض الواحد فى المتوسط خمس مسرحيات بين القصيرة والمتوسطة وكلها تتعامل مع نفس المشكلة.
وهذه المسرحية أو المسرحيات عرضت للمرة الاولى فى 2020 وطافت فى عام واحد بنحو 31 ولاية واكثر من 70 تجمعا. كما عرضت فى جزر فيرجين وفى المانيا.
ومنذ أيام بدأ على مسرح جودمان فى شيكاغو ثالثة كبرى المدن الامريكية عرض جديد للمسرحية.
المؤسس
أسس الفرقة واخرج مسرحياتها المخرج المسرحى الشاب مايكل كوتى خريج جامعة ويسكونسن . وهو بالمناسبة يحرص قبل أي عرض على توجيه كلمة إلى الجمهور يؤكد فيها على الطابع المستقل للفرقة فى أساليبها حتى لايصاب المشاهدون بالملل.
والفرقة هنا لا تتبع الأسلوب المسرحى التقليدى، بل تتبع بعض الأساليب غير التقليدية. فهى لاتكاد تعتمد على ديكورات ذات اهمية أو دلالة. وفى العرض أو عروض المسرحية حتى الآن يرتدى الممثلون جميعا زيا واحدا ويكونون من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و19 عاما ويقرأون من اوراق بأيديهم ويعتمدون على تلوين أصواتهم رغم صغر سنهم.
ويتحدث كوتى القادم من ولاية ويسكونسن عن تجربته مع تأسيس الفرقة فيقول انه كأى مواطن أمريكي يشعر بالحزن إزاء فوضى حيازة الأسلحة ومعاناة الأمريكيين من جرائها وتقاعس الحكومة والكونجرس عن التعامل معها على نحو ملائم بسبب تبرعات شركات صناعة السلاح وجماعات حيازة السلاح التى جعلتها تغمض اعينها عما يجب أن تقوم بها.
ورغم إصابته بما يشبه اليأس من الوصول إلى حل للمشكلة، وجد أن المسرح لايجب أن يظل بعيدا عنها. ولايجب أن يلومه احد اذا لم يقدم المسرح حلا للمشكلة. ذلك أن المسرح ليس سلطة تنفيذية بل هى أداة تسلط الأضواء على المشكلة وتقترح لها الحلول. ولا احد يمكن أن يطلب من المسرح أكثر من ذلك.
ويعود كوتى فيقول انه أسس الفرقة المسرحية فى 2019 مدفوعا فى ذلك بثلاثة حوادث لإطلاق النار سقط من جرائها اكثر من عشرين شخصا فى غضون عدة ساعات فى يوم واحد فى ثلاث ولايات مختلفة.
أسلوب
ويتحدث عن اسلوبه فى العمل فيقول انه يراعى ايضا اضفاء بعض الحيوية على العرض ودفع الملل عن الممثلين فلا يصاب العرض بالترهل والمسرح فى النهاية مسرح يجب عليه جذب المشاهد.
وتتضمن العروض عادة بيانات عن احدث جرائم الأسلحة النارية التى تشهدها الولايات المتحدة واحصائيات مثل أن الاسلحة النارية هى السبب الأول للوفاة بين الأطفال فى العاشرة والمراهقين فى التاسعة عشرة فى الولايات المتحدة حسب احصائيات وزارة الصحة الأمريكية.
ويمضى قائلا انه يختار الشباب ومسرحياتهم القصيرة باعتبار انهم يتمتعون بحرية تناول هذه القضية بطرق مختلفة. وعلى سبيل المثال، هناك أحد هؤلاء الشباب الذى كتب مسرحية بعنوان «لا أحد يهتم بالموت»، وتستكشف الشعور المتزايد باللا مبالاة بعد حوادث إطلاق النار فى المدارس.
ويقول أن مما يساعد على تقديم اعمال مسرحية مقنعة أن المشاركين فيها اما أن يكونوا قد نجوا من حوادث اسلحة نارية أو اصيبوا أو قتل اقارب واحباء لهم بأسلحة نارية. ومن هؤلاء كيلسا فيرا المشرفة على الفرقة التى نجت من حادث لإطلاق النار فى مدرستها الابتدائية فى ولاية نيفادا عندما فتح احد زملائها النار من مسدس سرقه من ابيه.
ويقول انه عندما أسس فرقته ادمجها مع فرقة أخرى اسمها كونكت 2 تاسست لنفس الغرض. اسست هذه الفرقة لنفس الغرض فنانة مسرحية أخرى هى لوريا بيريز ابنة ولاية انديانا التى فقدت اثنين من ابنائها فى حادثى أسلحة نارية بينهما 3 سنوات فى 2017 و2020. وهى لاتقصر نشاطها على المسرح فقط بل تنخرط فى عدة جمعيات ومنظمات تتعامل مع المشكلة.
وتبكى عندما تتذكر أن افتتاح عرض شيكاغو توافق مع عيد الميلاد السادس والعشرين لأحد ابنيها القتيلين.
وتؤكد أنها اختارت المسرح باعتباره وسيطا يسمح لأصحاب الآراء بالتعبير عن انفسهم على نحو لا يتحقق مع وسيط آخر لأن الممثل المسرحى يتحدث من خلال شخصية أخرى.
وترى أن مسرحيات الفرقة تقدم فى الوقت نفسه نوعا من المواساة للأسر التى فقدت احباءها من جراء الماساة التى تعيشها الولايات المتحدة.
وفى النهاية يقول مؤسس الفرقة إن البعض يراها مشكلة سياسية والبعض يراها مشكلة صحية والبعض يراها مشكلة أخلاقية، والمهم أن تجد المشكلة طريقها إلى الحل، وأن يتوحد الأمريكيون فى مواجهتها، وهو يؤمن بأن البداية سوف تكون من الشباب.