الكاتبة المسرحية «ليلى عبد الباسط» - أو «ليلى الطاهري» نسبة إلى لقب عائلتها - كتبت عدة مسرحيات منذ عام 1967، منها على سبيل المثال: ورق ورق ورق، مجنون رغم أنفه، أصوات بلا صدى، فلوس فلوس فلوس، ثمن الغربة، سهرة العمر، أحلام العصافير، بعد طول الغياب، أم الدنيا، حبيبتى بدرية، العشق والغربة. ولكننى سأتوقف عند مسرحية «أصوات بلا صدى»، حيث وجدت لها عدة أسماء مختلفة، مثل: أزمة شرف، أو مجنون مجنون، أو عندك حاجة تبلغ عنها!! وهذا هو موضوعنا!!أحتفظ بنص يحمل رقم «1062» مكتوب بالآلة الكاتبة وعلى غلافه وجدت عبارة «تعديل أزمة شرف»!! وهذا النص تم تقديمه إلى الرقابة يوم 11/10/1977، ومكتوب على صفحته الأول البيانات الآتية: هيئة المسرح، المسرح الكوميدى، مسرحية «أزمة شرف» تأليف «ليلى الطاهري» عن فكرة من الأدب اليونانى الحديث، إخراج «عبد الغفار عودة». وفى نهاية النص وجدت تصريحاً بالتمثيل يقول: “لا مانع من الترخيص بأداء هذه المسرحية «أزمة شرف» بعد تعديلها للمسرح الكوميدى على أن يراعى الآتي: أولاً، تنفيذ التعديل بالاستبدال والإضافة مع الحذف فى الصفحات 7، 10، 12، 14، 16، 18، 21، 26، 29، 30، 46، 50، 51، عدا ما يظهر أثناء التجربة. ثانياً، إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية حتى يتسنى بعد مشاهدتها النظر فى الترخيص بصفة نهائية».والواضح من صيغة الترخيص أن هذا النص هو تعديل على نص سابق، لم أجده، وبالتالى لم أطلع على تقارير الرقباء وماذا قالوا فيها، وماذا طلبوا من المؤلفة لتعديل نصها. وما بين أيدينا الآن هو النص والتصريح، ومن الممكن التعرف على ما جاء فى تقارير الرقباء من خلال التصريح والوقوف على أرقام الصفحات المذكورة فى التصريح وما بها من ملاحظات.. وبالرجوع إلى هذه الصفحات وجدت الرقابة شطبت صفحة كاملة وهى (ص16) كونها حواراً يدور بين راكبى الأتوبيس عن أزمة الإسكان والمبالغة فى الإيجار هذا بالإضافة إلى غلو «الخلوات» وأسعار السماسرة، وأن حاملى المؤهلات العليا لا يستطيعون العيش أو الزواج بسبب تدنى المرتبات واستحالة الحصول على شقق للإسكان.. إلخ. وصفحة أخرى تم حذفها وكانت حواراً بين الشخصيات حول مشاهد الإغراء فى السينما، وأن الجمهور (عايز كده) وأى فنانة تريد الوصول إلى الشهرة يجب أن تتعرى!! وصفحات أخرى محذوفة يدور الحوار فيها حول القنابل الذرية والهيدروجينية والبلاد التى ستسقط عليها كما هو متوقع.. وحوار آخر حول ميزانية الدولة وأن بندودها لا تسمح.. إلخ التلاعب المالى من المسئولين.أما أهم حذف طالبت به الرقابة هو حذف آخر صفحتين، وجاء فيها حوار بين بطل المسرحية «شرف» وبين الطبيب النفسى الذى يعالجه، وجاء هكذا: «شرف: عيب إنى أرضى أبقى حيوان.. ومش عيب تعلمنى النصب ومسح الجوخ، والرشوة.. والتسالى والبلادة.. وتقولى علاج نفسى وعلى أسس علمية.. ومدروسة. الدكتور: يا شرف بيه الحياة.. التطور.. المدنية.. كل ده محتاج دخل كبير.. علاقات واسعة.. مصالح متبادلة.. شوية تنازلات للحصول على السعادة.. مش كتير يا شرف بيه. شرف: هو ده التطور.. هى دى السعادة.. لا دا كتير.. كتير قوى.. دا قتل.. دا موت.. إيه فايدة أنى آكل زى ما بحلم.. زى ما بتمشى.. وأسكن ع النيل.. وعقلى بيغلى وضميرى مركون على الرف.. إيه فايدة دا كله؟ إيه فايدة أنى أكسب العالم كله وأخسر نفسي. الدكتور: مجنون.. أزمة إفراط فى الشرف.. أزمة مستعصية.. مجنون. شرف: أنا أفضل أكون مجنون.. على أنى أبقى عاقل بطريقتك أنا أرفض.. أنا أرفض.. أنا شرف أبو المكارم.. شرف أفندى أبو المكارم.. مدرس بمدرسة كوم الصفا الابتدائية المشتركة.. جدولى تلاتين حصة فى الأسبوع.. إلخ.. فصلى فيه سبعين شيطان وشيطانة.. بدرس حساب وعربى ودين ورسم وألعاب وأشغال وأناشيد.. وبضرب الجرس كمان.. مقيد على الثامنة الفنية المتوسطة.. مرتبى 19 جنيه بعد خصم قسط شركة بيع المصنوعات.. والسلفة والادخار.. والتأمين.. وضريبة كسب العمل.. وضريبة الدفاع والأمن القومى.. والنقابة.. والدمغة العادية والنوعية.. بيوصلوا لـ13 جنيه ونص.. العلاوة السنوية جنيه.. يخصم ربع للنقابة.. فاضل أربع خمس سنين على دورى فى الترقية.. أنا رفضت النظارة.. مش غاوى مظاهر.. عندى تلات عيال وأمهم وستهم وعمتهم كمان.. أنا.. شرف أفندى أبو المكارم.. مدرس بمدرسة كوم الصفا».وتحت رقم «227» أحتفظ بنص آخر للمسرحية، مكتوب على غلاف ملفها «مرفوضة مع تعديلها»، ومكتوب على الصفحة الأولى من النص المكتوب بالآلة الكاتبة الآتي: المسرح الكوميدى «أزمة شرف» تأليف «ليلى الطاهري»، إخراج «عبد الغفار عودة» مع وجود كلمة للرئيس «أنور السادات» جاء فيها: «لست بعيداً عن متاعب المواطن المصرى ولن أكون». وتاريخ تقديم هذا النص إلى الرقابة كان يوم 15/5/1978.هذا النص مرفق به عدة وثائق رقابية، وكلها تتعامل مع تعديل النص من مسرحية عنوانها «أزمة شرف» إلى مسرحية عنوانها «عندك حاجة تبلغ عنها»!! أول تقرير كتبه الرقيب «فتحى مصطفى عبد الرحيم» قال فيه: «تدور هذه المسرحية حول «أمينة» المدرسة بمدرسة الصفا الابتدائية والتى تصاب بالجنون بعد قبض مرتب كل شهر مما جعل أختها صفية وزوجها يصحبانها إلى الدكتور عونى طبيب الأمراض النفسية لعلاجها. ويستدعيها الدكتور داخل مكتبه ويسألها بعضاً من الأسئلة يتضح له منها أنها مصابة بالجنون. وبعد فترة من المسائلات يسمع الدكتور منها صوتاً يشبه جرس المدرسة إيذاناً بأن موعد الحصة قد انتهى إذ أنها تتخيل أنها أمام ناظر المدرسة لا الدكتور عونى طبيب الأمراض النفسية. هكذا تخيل لها. فتخرج من مكتبه وتلتقى بالمجانين الأربعة داخل الفيلا التى اتخذها الدكتور عونى عيادة نفسية له ويقع نظرها على المجنون الأول الذى يتهيأ له أنه أمام أتوبيس عام منادياً عليه هاماً بركوبه وتظهر منه انفعالات وخناقات مع الركاب تارة ومع السواق أخرى وتشترك «أمينة» معه فى الكلام فهو ينادى على السائق بأن المحطة فاتت وهى تنادى عليه بأن الحصة قد بدأت ثم يهمان معاً للنزول من داخل الأتوبيس بعد فيض من الشتائم والإهانات على زحمة المواصلات وما يعاينه الركاب منها ثم يدور الحديث بينها وبين المجنون الثانى الذى يلف حول رقبته لافتة مكتوب عليها شقة للإيجار ويدور بينهما حوار طويل حول أزمة المساكن والصعاب التى يلاقيها طالبو الزواج فى كيفية الحصول على شقة خالية وينتهى بهما الحوار عن الخلو الذى يطلبه صاحبو العمارات والتى لا يستطيع دفعه الإنسان المستقيم. ثم تلتقى بالمجنونة الثالثة «سامية شرف» الحاصلة على دبلوم معهد التمثيل ويشاركهما الدكتور فى الحديث الذى يتهيأ لسامية شرف أنها أمام مخرج سينمائى فتحاول الابتعاد عنه وتمنعه من الاقتراب منها رافضة أن تعمل فى ذلك الوسط الفنى إذا كان هذا الوسط يستوجب هذا الاختلاط المشبوه التى لا تريده ولا تقبله. ثم تلتقى بالمجنون الرابع الذى يطلب استبدالاً للمعاش والذى يتهيأ له أنه أمام الموظف المختص الذى يلاقى منه أسوأ المعاملة ما يضطره إلى رفع شكواه من مدير المعاشات إلى مكتب الوزير الذى يحول شكواه بالتالى إلى مدير المعاشات المشكو فى حقه كأنه الحكم والخصم فى آن واحد. هكذا تهيأ للمجانين الأربعة كل منهم يشكو بلواه ويندب حظه فى هذه الحياة الدنيا. وهنا يتدخل الدكتور عونى مسائلاً «أمينة» ومشيراً إلى المجانين الأربعة: أتحبين أن تكونى ضمن هؤلاء المجانين الأربعة، والتى تجيبه بأنها هى فعلاً كل المجانين الأربعة ممثلة فيها وأنها تعانى وحدها كل مشاكل هؤلاء الأربعة ويصارحها الدكتور عونى بأن حالتها صعبة ومع ذلك فهى قابلة للشفاء بخلاف المجانين الأربعة التى أصبحت حالاتهم ميؤس من شفائها. ويبدأ الدكتور عونى فى علاجها بعدما تبين له من مرضها أنها تعانى من أزمة إفراط فى الشرف طالباً منها أن تعيش فترة من الوقت على الخيال وأن تتخيل أن مرتبها الذى هو سر جنانها قد ارتفع من 25 جنيه إلى 500 جنيه شهرياً. وبتخيلها هذا تراءى لها أنها تملك فيلا أنيقة وعربية فخمة وأنها تقضى معظم أوقاتها فى حفلات ممتعة واتصالات وعلاقات على مستوى عال يليق بمرتبها الضخم وأنها أصبحت أمينة هانم المستوزرة لا أمينة المدرسة ذات الدخل المحدود. وبعد انتهاء مرحلة الخيال التى عاشتها أخذ ينتقل بها من مرحلة الخيال إلى مرحلة الواقع طالباً منها أن تتصرف فيما يعرض لها من مشكلات بعقول الحيوانات عندما تعجز عن التصرف بعقلها فتأخذ مثلاً من الثعلب مكره ومن النمر غدره ومن النعامة خفتها ومن الأفاعى نعومتها ومن الثور بلادته فمطالب الحياة كثيرة والمرتب محدود ولا سعادة بلا مال هكذا كل ذلك لكى يجرها لأن تسلك طريقاً غير مشروع فى سبيل الحصول على المال بأى طريقة وبلا حدود أو تحفظ ما دام ذلك يوصلها إلى السعادة ضاربة بضميرها وشرفها عرض الحائط كما فعل هو من قبل مما جعله يملك الثروات الضخمة والفيلات الأنيقة.. ولكنها هى ترفض أن يكون علاجها على هذه الطريقة التى يراها الدكتور عونى علاجاً لها. فإن السعادة فى نظرها ليست فى جمع المال وسكنى القصور إذا كان ذلك على حساب الضمير والشرف فإن ذلك يكون إفساداً وليس بعلاج وأن كان من أحد فى حاجة إلى علاج فليكن الدكتور عونى أولى بهذا العلاج. وهنا يفوق الدكتور عونى لوعيه ويصحو من عفلته بعدما سمع منها ما هز كيانه كله نادماً على ما فعله فى جمع ماله ولم يكن أمامه من بد سوى أن يعترف لها بالحقيقة فعندما بدأ يفكر فى أن يعيش عيشة التطور والمدنية والسعادة كان لا بد له من دخل كبير واتصالات واسعة والمرتب محدود فاضطر لأول مرة أن يفتح درج مكتبه للحصول على السعادة بأى ثمن فاغتنى وجمع الثروات ولكنها كانت البداية التى وصلته للنهاية مكرراً ندبه ولكنها أخذت تحاول أن تشجعه على نسيان ما فات ومضى فالحياة أمامه طويلة، وليبدأ من الآن فى حياة ملؤها الضمير والشرف وأن يكون عنده أمل، فبالأمل يصنع المستحيل. وينهى الرقيب فتحى تقريره برفض التصريح بالنص، قائلاً: ««الرأي» أرى عدم الموافقة على الترخيص بعرض هذه المسرحية لما فيها من نقد لاذع، وتهكم شديد، وتشهير بالعهد الحاضر لما وصلت فيه البلاد من فوضى ضاربة أطنابها فى كثير من المجالات ممثلة فى صعوبة المواصلات وأزمة المساكن وتعقيدات الروتين الحكومى وفقدان للضمير والشرف. وأننا قد وصلنا إلى حالة من البأس والأزمات وفقدان الأمل تجعلنا من الصعب أن نجتاز هذا البأس وأن نعبر هذه الأزمات وأن نصل إلى مرحلة الأمل».أما الرقيبة «ثريا الجندي» فقالت فى تقريرها: «اختلفت المسرحية هذه المرة عنها فى المرات السابق تقديمها فقد تغيرت شخصية «شرف» الرجل إلى أمينة شرف المرأة وأصبحت هى الشخصية البطلة فى المسرحية، وهو تغيير شكلى لأن أمينة هنا مُدرسة مطالبة بإعالة أسرة مكونة من ثلاثة أطفال وجدتهم وعمتهم وابنة عمتهم بمرتبها الصغير جداً، وتقدمها أختها إلى الدكتور عونى الذى يدعى الطب النفسى ويحاول الطبيب أو المدعى، فالادعاء هنا أمر غير واضح إلا من خلال حوار صغير بين الأخت وزوجها نفهم منه أن هذا الرجل يقوم بعمليات تنويم مغناطيسى ويحاول دكتور عونى حثها على الخيال وإغراقها بالآمال فى حياة مرفهة منعمة، وبعد ذلك يحاول إقناعها بقبول الرشوة وإعطاء دروس خصوصية للتلاميذ ولكنها ترفض وتصر على أن تظل مجنونة من وجهة نظره من التخلى عن شرفها. «الرأي»: المسرحية بهذه الصورة تؤكد أن الإنسان المصرى لا يستطيع أن يحيا حياة شريفة قط إذا اعتمد على مرتبه ونحن وإن كنا نعانى من بعض المشاكل نتيجة للحالة الاقتصادية للبلاد إلا أننى أرى عدم صلاحية هذه المسرحية للعرض فى الوقت الحاضر لأن فيها استغلال لمعاناة الجماهير”.وكتبت الرقيبة «فادية محمود بغدادي» تقريراً قالت فيه: «تعيش أمينة مع أختها صفية وزوجها فى أحد حجرات شقتهم. كما يعيش مع أمينة أبناؤها واثنان من أقاربها لعدم تمكنهم من إيجاد شقة بخلو رجل مناسب فأصحاب المنازل يغالون فى الخلو وأمينة موظفة فهى تعمل مدرسة ابتدائى وتقبض فى يدها مبلغ 24 جنيه.. لاحظت صفيه وزوجها أن أمينة تنتابها حالة جنون فأخذوها إلى مدعى طب يفتح مصحة يعالج فيها بعض الأشخاص الذين يعانوا نفسياً.. ويسأل مدعى الطب أخت أمينة متى تنتابها الحالة فتعرفه أنها حين تقبض مرتبها كل أول شهر تجلس وتقسم النقود أمامها وعند ذلك تنتابها الحالة فتمسك الشبشب وتظل تضرب نفسها.. كما نجد أن من بالمصحة سبب جنونهم إما أزمة المواصلات وازدحامها إما الروتين وتجمده إما عدم إمكان الشخص على العثور على شقة للسكن فيها وذلك لأن أصحاب المنازل يطالبون السكان بآلاف الجنيهات.. يحاول مدعى الطب أن يعالج أمينة ويشرح لها طريقة العلاج بأنها تستغل جمالها وتتنازل بعض الشيء وتجامل الناس عند ذلك ستجد الأبواب المغلقة تفتح أمامها وتبتسم لها الدنيا ويزداد دخلها حين ذلك ستجد شقة مستقلة تعيش فيها.. وصور لها مدى الحياة السعيدة التى ستعيشها إذا تنازلت عن مبادئها وقيمها وتنتهى المسرحية بأن تفضل أمينة أن تعيش مجنونة وتعيش فى هذا الضيق المادى وهذا الضيق فى الحياة وهى إنسانة متمسكة بشرفها ومبادئها. «الرأي»: تعرض لنا المسرحية بعض المشاكل التى يعانى منها الشعب مثل قلة المرتبات وعدم كفايتها لسد مطالب الحياة الضرورية.. كما تعرض لنا مشكلة الإسكان والمغالاة فى طلب خلو الرجل من المواطنين الكادحين خاصة من الشباب الذين ليس لهم إيراد إلا مرتباتهم.. كما تعرض لنا مشكلة المواصلات ومشكلة الروتين وبعض المشاكل الأخرى التى تسببت فى انهيار الأفراد النفسى إلى حد الجنون.. كما بين الكاتب أن الإنسان لكى يرتاح مادياً ونفسياً عليه أن يتنازل عن أخلاقه ومبادئه وقيمه لعيش حياة سعيدة وموسرة.. أما إذا اختار طريق القيم والمبادئ والتمسك بالشرف فسيظل يعانى نفسياً حتى الجنون لذا أرى عدم التصريح بتأدية هذه المسرحية فى هذه الظروف التى نحاول فيها كما قال رئيس الجمهورية أن نصحح المسار وعدم استغلال معاناة الشعب لإثارته”.