كنت أظن أن الرقابة سترفض التصريح بعرض مسرحية «القاهرة 80» على مسرح الطليعة، بسبب ما جاء فى تقريرى الرقيبين السابقين! فما جاء فيهما من ملاحظات وتعديلات تكفى لرفض النص، ولكن لأن «مسرح الطليعة» من مسارح الدولة، ولأن وزارة الثقافة – التى تتبعها الرقابة المسرحية – أرادت الاحتفال بنجيب محفوظ بمناسبة حصوله على جائزة نوبل فى الآداب، فكان لزامًا على الرقابة أن تصرح بنص المسرحية مهما كان الأمر، كونه إعدادًا عن رواية «يوم قُتل الزعيم» لنجيب محفوظ.. المُحتفى به! لذلك كتبت الرقيبة الثالثة «ثريا الجندى» تقريرًا مقبولًا فى ملاحظاته، بالمقارنة بما جاء من ملاحظات فى التقريرين السابقين، قائلة فيه: «القصة كما كتبها نجيب محفوظ عبارة عن أصوات، أى أن كل شخصية من شخصيات الرواية تتحدث عن نفسها تقص علينا مأساتها فى الحياة وكل الأحداث تبدأ من عصر عبد الناصر وتنتهى بمصرع السادات».وقد استطاع المعد أن يحوّل الرواية إلى مسرحية مكونة من سبع وعشرين لوحة تتنقل فى عدد محدود من الأماكن ما بين منزل علوان وأسرته المكونة من الجد «محتشمى» وابنه فواز وزوجته هناء وابنهما علوان. ومنزل جيرانهم سليمان مبارك وزوجته وابنته راندا التى يحبها علوان وتحبه. وقد بدأ هذا الحب مبكرًا منذ كان طالبًا فى الجامعة ولم يجد من يصارحه بحبه سوى جده الذى استطاع إقناع أبويه بخطبة راندا وتمت الخطبة وتخرج الخطيبان من الجامعة وبفضل الجد أيضًا عملا فى شركة واحدة ولم يستطيعا توفير شقة للزواج وظلّ الأمر معلقًا والحب قائمًا وجاء عصر الانفتاح وازدادت المشكلة تعقيدًا. وبعد أحد عشر عامًا من الخطبة جاءت الأم - أم راندا - إلى الجد تشكو له بقاء ابنتها على هذا الحال وأن الأفضل لهما معًا الانفصال.. وفى نفس الوقت كان مدير الشركة أنور علام ينظر إلى راندا بإعجاب وانبهار وهو حريص فى نفس الوقت على أن يتودد إلى علوان فدعاه لزيارته وعرّفه بشقيقته الأرملة الثرية ووضح غرضه من الزواج من راندا الذى ما لبث أن تحقق بعد فسخ خطبتها من علوان ومحاولته إغراء علوان بالزواج من شقيقته التى استطاعت أن تجعل من وكيلها علوان وكيلًا لأعمالها. ولم يدم زواج راندا بأنور كثيرًا إذ ما لبثت أن اكتشفت أنه يريد تركها بين أصحابه يلهون معها وعليها ألا تعترض فلم تحتمل وطلبت الطلاق وكان لها ما أرادت. وتأتى عطلة عيد الأضحى وتجتمع أسرة علوان حول التلفزيون يشاهدون العرض العسكرى فى 6 أكتوبر ويقع حادث الاغتيال المفاجئ ويشعر الجميع بالحيرة وينطلق علوان هائمًا على وجهه ويجد نفسه فجأة أمام منزل أنور علام ويشعر بالغيظ والحقد فيدخل دون استئذان فيقابله أنور علام فيتلقاه بضربة قاتلة فيقع على الأرض وتصرخ شقيقته جولستان فيحمله إلى السرير ويتبين أنه فقد حياته وتساومه جولستان على الزواج منها فى سبيل إخفاء الحقيقة والادعاء بأنه مات بأزمة قلبية ويذهب علوان إلى راندا فيخبرها بما حدث فتخبره بقبول عرض جولستان ولكنه يرفض ويسلم نفسه وتوصف الجريمة بأنها ضرب أفضى إلى الموت ويحكم عليه بالسجن لعدة سنوات. ويتساءل الجد إن كان سيخرج ليجد حلًا لمشكلته فى صورة حجرة الجد الخالية بعد وفاته. «الرأي»: حرص المعد على البنية الأساسية للرواية وشخصياتها ولم يترك شخصية واحدة تتسرب من عرضه المسرحى حتى شخصية المحروقى التى تمثل شخصية الإنسان المكافح الذى أهمل شهادته وعمل سباكًا ليكسب أموالًا، إلا أنه ضمّن العرض بعض الآراء التى لا تتفق مع الكاتب والمضمون الأساسى للعرض بما يتفق تمامًا مع الرواية وهو تصوير معاناة الإنسان المصرى والمشاكل التى يتعرض لها دون حل جذرى منذ بداية النكسة وعصر الانفتاح إلى الآن وأهمها الإسكان والغلاء الفاحش الذى لا يتناسب مع متوسط الدخل. ولا مانع من الترخيص بأداء المسرحية بعد تنفيذ الحذف المشار إليه فى (ص18) كلمة (الفسق) السطر قبل الأخير. مراعاة الآداب العامة فى الأداء (يحاول معاكستها). (ص44) من (المرتشين) إلى (أحسن الرقابة تزعل). (ص52) (يا ولاد الكلب) السطر الثالث أسفل الصفحة، والسطر الأخير (وكأن الثورة ما قامتش إلا عشان دول).كانت الرقيبة «نجلاء الكاشف» آخر الرقباء، والتى كتبت تقريرًا «رابعًا» يُعدّ حاسمًا وفاصلًا بين الرقباء، سردت فيه ملخصًا مطولًا للموضوع، سنتوقف عند الجديد الذى لم يرد سابقًا، حيث قالت: «.. على الرغم من ذلك نجد علوان حائرًا مشغولًا تمامًا ونراه فى مقهى ريش وهو يتذكر تحذير والده له وذلك أثناء جلوسه بين المؤيدين والناقمين لعهدى الرئيسين الراحلين عبد الناصر والسادات، بأن يفكر فى نفسه ومستقبله بحل مشاكله قبل التفكير فى مشاكل البلد لأنه يخشى عليه من الاعتقال خاصة بعدما رأى من انعدام الحب والأخلاق الذى أصبح يسود المجتمع.. وبينما هو كذلك يسترجع مقولة والده له، إذا بصديقه المحروقى زميل دراسته الجامعية، ينادى على تصليح أدوات السباكة، فيسارع إليه، وحين يبدى تعجبًا مما يراه، يخبره المحروقى بأن عمله كسباك هو الذى سيحقق له حياة الثراء التى ربما أدت به فى القريب العاجل إلى أن يصبح أثرى من عثمان نفسه، بل ونراه قبل أن يتركه يدعوه إلى الدخول فى دين جديد أخبره بأنه الإسلام، فيصاب علوان بالذهول لحديثه هذا، ويعاود إلى منزله ليفاجئ هناك بأمر زواج راندا من رئيسها الانتهازى أنور علام، فيكاد ينهار لابتعادها عن تلك المبادئ التى آمنا بها معًا، ويحزن لحالة الحب الذى بدأ هو الآخر ناقمًا على أؤلئك الذين كانوا السبب فى ضياع حفيده والذين كانوا السبب فى إغراقهم فى الفقر والديون من أجل زيادة أموالهم وكأن الثورة كما يقول قد قامت من أجلهن. وها هو يدعو الله أن يريحهم من أولئك الذين وصفهم بالظالمين بعد أن صبروا عليهم كثيرًا فانقلب الصبر إلى رذيلة. ويحدث أن يفسخ عقد قران راندا التى كما يبدو لم تستطع التأقلم ومفاهيم أنور علام الذى كان شغله الشاغل هو إقامة الحفلات لكبار رجال الأعمال وأصحاب الشركات الخاصة الذين كان يعدهم مستقبله الحقيقى. وفى الوقت الذى تأزمت معه علاقة راندا كما رأينا والتى انتهت بالانفصال، كان شغل الناس على مستوى الشارع السياسى يدور حول اعتقال الحكومة لأولئك المسلمين والأقباط ورجال الأحزاب والفكر الذين زجتهم فى السجون. وكان الحب واحدا من أولئك الذين كانوا يرون أن الميدان على أثر ما حدث قد أصبح مفتوحًا للانتهازيين مثلما حدث قديمًا عندما حددت مصر إقامة سعد زغلول فى بيت الأمة، فلقد كانت فرصة للانتهازيين للزحف على القصر وتقديم فروض الطاعة والولاء وبينما الجد غارقًا فى الإجابة عن سؤاله الذى طرحه هل كانت ثورة 1919 حلمًا أو أسطورة، إذا بعلوان يخرجه عن استغراقه فى ماضيه حين يخبره بأمر تلك الأرملة الثرية جولستان شقيقة أنور علام التى تريد الاقتران به، وهنا يخبره الجد بخبث بأمر انفصال راندا وكان لا يعرف به هذا وبينما هما مجتمعان وباقى أفراد الأسرة حول جهاز التلفاز مثلهم مثل بقية أفراد الشعب الذى جلس يتابع احتفالات النصر بالسادس من أكتوبر، إذا بصوت المذيع يأتيه بخبر الاعتداء على رئيس البلاد على يد أحد الموالين للتيار الدينى. وفى الوقت الذى تتصاعد فيه الأصوات ما بين مؤيد أو مستنكر لما حدث، تعالت أصوات أخرى تندب الانفتاحيين. ونرى الجد محتشمى يستنكر ما حدث لإيمانه بأن المشاكل لا تحل بالقتل، أما حفيده، فيختفى فجأة لنراه فى شقة أنور علام حيث يرده قتيلًا منتقمًا منه لما فعله فى حق راندا التى ما أن علمت بما أقدم عليه حتى طالبته بالموافقة على تلك المساومة التى طرحتها عليه شقيقة علام حتى تنقذه من السجن ولكنه رفض بيع نفسه وها هو يسلم نفسه للشرطة حيث يسجن ليقضى عقوبة القتل. وهنا يبكى الجد ضياعه ويعلن فى النهاية استسلامه بما حدث وقراره الانضمام إلى جوقة المسبحين بحمد الله والمتطلعين للموت ليسبح به وهو ميت مثلما يسبح به وهو حى، وليظلم المسرح بعد قراره هذا لا ليركز على شاشة التلفاز التى تضاء لنرى من خلالها الرئيس وهو يتقدم لنجيب محفوظ بالشكر. وتختتم الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: «يدين المعد فى هذا النص المسرحى بشكل واضح وصريح ثورة 23 يوليو وقيادتها وعلى وجه التحديد ابتداء من نكسة 5 يونية مرورًا بالانفتاح وعقد اتفاقية السلام وما ترتب على ذلك كله كما يقول من تفشى أوضاع وظروف فى المجتمع بنتيجة تلك المفاهيم الجديدة التى جاءت وليدة عصرى ناصر والسادات، والتى كما يؤكد المعهد كانت سيئة فى معاناة الناس جميعًا وعلى الأقصى الشباب الذى أصبح ضائعًا متخلفًا من أثر تلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية التى طرأت على المجتمع». وتقرر الرقيبة الآتي: «لكى يمكن الترخيص بهذا النص المعهد وبهذا الشكل، أرى وجوب تخفيفه خاصة وأنه سيقدم فى إطار الاحتفال القومى بنجيب محفوظ، وذلك بالحذف والإضافة إلى ضرورة الأخذ بالملاحظات الأخرى الواردة بالتقرير وهى كالآتي: أولًا، استبعاد أحد عنوانى النص المسرحى والمنوه عنهما فى مقدمته ألا وهو «يوم قتل الزعيم»، والاكتفاء بالعنوان الآخر ألا وهو «القاهرة 80». ثانيًا، هناك بعض الصفحات الناقصة والتى لم ترد ضمن الصفحات الأخرى بالنص وهى صفحات 20، 22، 57، مما يستوجب التنبيه على مقدمى النص بتقديمها للمراجعة وتوخى الحرص والتأكد من الإتمام على صفحات النص فيما بعد حتى لا يشكل ذلك عائقًا عند القراءة. ثالثًا: التأكد من صحة الأحاديث والآيات الواردة فى ص 5، 42، مع وجوب التنبيه بنطق الآية القرآنية كاملة فى ص 16، وليس ناقصة كما وردت على لسان الجد محتشمى «إنه لا يحب الظالمين... صدق الله العظيم». رابعًا: هناك بعض العبارات السياسية الواضحة والصريحة بالإضافة إلى أخرى إسقاطية، ولما كان المعد هنا ليس مطالب بأن يكون مجرد ناقل للنص دون إضافة لرؤياه الفنية، إلا إنه مطالب بوجوب البعد عن التجريح فى قيادات كان لهم صنع القرار فى تحديد مصير هذا الشعب، وعلى هذا فإنى أرى وجوب تنفيذ الحذف الآتي: ص6 عبارة علوان «زى الزفت»، ص8 عبارة راندا «عصر عبدالناصر» ثم عبارتها «اتخطبنا فى عصر الناصرية واستمرينا لعصر الانفتاح»، ص12 عبارة الأب «لو بطلت تصلى خالص تفوق وصحته تتحسن»، ص 13 الأب وهو ممتعض «آه آه ما نتكلمش على الأكل»، ص 15 عبارة الأب «أمال.. بإذن مين»، ص 18 مراعاة الآداب العامة فى ذلك المشهد الذى تنحنى منه أم على التى أخذ يحدق فيها محتشمى، مع حذف عبارته «آه.. آه لو أقدر أقرصها.. كنت أصغر عشرين سنة.. يا ولية اتعدلى بقى»، ثم عبارته «أيام الفسق والمجون». ص 19 عبارة سليمان لمحتشمى «فاهم إنها صوفية»، ثم من أول عبارة سليمان «أيام ما كنا ملحدين» وحتى عبارة محتشمى «فجأة حايهبط عليه نور الإيمان». ص 23 من أول عبارة علوان «هل نترك السفينة للغرق» وحتى نهاية عبارة «الأمل.. الأمل». ص 24 من أول عبارة راندا «أنت مش بتقول فى البلد ديمقراطية» وحتى نهاية الصفحة. ص25 من أول عبارة راندا «خلاص نقتل واحد بس» وحتى عبارة علوان «إننى راندا المحروقي». ص 35 عبارة محتشمى «قدركم أنكوا تعيشوا فى مجتمع يحصل فيه 5 يونية.. ويحصل فيه انفتاح.. وروسيا.. والولايات المتحدة.. ومملكة المنحرفين». ص41 عبارة محتشمى لحفيده علوان :بالبطل الشهيد». صفحات 43، 44، 45 بأكملها. ص46 من أول عبارة «ما أنت عارف» وهى عبارة علوان «جايز.. جايز معاه حق». ص47 عبارة المحروقى «قريب قوى حا أبقى أغنى من عثمان»، ثم عبارة «اسمع يا علوان.. أنى أدعوك لدخول فى دين جديد اسمه الإسلام». ص52 عبارة محتشمى «زى ما كل حاجة فى حياتنا مكسورة»، ثم عبارته «سيتم لأولادكم.. المال.. والأملة.. وسيبتولنا الضياع والفقر والديون.. وكأن الثورة ما قامتش إلا عشان دول اللى عنده فلوس تزيد.. واللى عنده فقر يزيد». ص61 من أول عبارة محتشمى «إيه دا اللى أنت عملته دا» وحتى عبارته «ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب». ص62 عبارة علوان «ألا يوجد كتاب يحررنا من الحكام». ص70 من أول عبارة علوان «النصر والسجن» وحتى نهاية الصفحة. ص71 من أول عبارة فواز «جايز يحصل مفاجأة بترولية» وحتى عبارة علوان «ضربوا الأعور على عينه». ص74 من أول «التليفزيون يذيع» وحتى نهاية الصفحة، مع ملاحظة أن المذيع لم يفصح فى النص عما يذيعه. ص57 و76 بأكملها. ص80 استبعاد عبارة «ميت» التى وردت فى نهاية الصفحة على لسان محتشمى حتى لا تؤول معناها خاصة وأن أحداث المسرحية تنتهى عند نقطه بالعبارة التى حوتها لفضاء على التلفاز ورئيس البلاد يتقدم بالشكر لنجيب محفوظ.. كان هذا ملخص للنص المعد بالملاحظات، والأمر متروك لسيادتكم لاتخاذ ما ترونه».ثم جاءت «تأشيرة» المدير العام، وفيها قال: «بالقراءة وقراءة التقارير: إعداد مسرحى لرواية نجيب محفوظ «يوم قتل الزعيم» سياسية.. قصة فقدان الشاب علوان لحبيبته رندا لعدم إمكانية الزواج المادية والخطبة الطويلة ومن خلال عرض لأسرته وأسرتها وأسرة موظف يستفيد من الانفتاح وهو رئيسها وشخصيات أخرى واستعرض المعد ظروف مصر والحياة فيها أيام ما قبيل وفاة الرئيس السادات، ويعرض للثورة المصرية 19، 52، برؤى نقدية وينتهى النص المعهد بموت الرئيس السادات من خلال التليفزيون للأحداث، ثم تسليم الرئيس مبارك لقلادة النيل لنجيب محفوظ فى التليفزيون.. ولا مانع من الترخيص بالنص فى حدود الملاحظات الآتى، أولًا: الحذف ص 6، 12، 13، 15، 16، 18، 22، 23، 24، 25، 41، 43، 44، 45، 46، 47، 53، 55، 56، 57، 59، 61، 62، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 76، 79. ثانيًا: ألا تتوافق عملية مقتل أنور علام مع موت الرئيس السادات فى الإخراج. ثالثًا: التأكد من الآيات القرآنية والحديث الشريف واستكمال الآيات ص61. رابعًا: إلغاء اسم يوم قتل الزعيم والاكتفاء بالاسم الآخر القاهرة 80. وهذه التأشيرة وضعت فى نص الترخيص بالمسرحية، وهو الترخيص رقم «271» بتاريخ 30/11/1988.