مسرح السود فى أمريكا

مسرح السود فى أمريكا

العدد 743 صدر بتاريخ 22نوفمبر2021

 من المفارقات التى شهدها شارع المسرح الأمريكي  قبل أيام وفاة «ميلفين فان بيبلز» الذى يطلق عليه رائد سينما السود فى الولايات المتحدة والذى امتدت إبداعاته إلي المسرح وان كانت اقل بشكل ملحوظ من إبداعاته السينمائية  لكنها كانت جيدة ولا يمكن تجاهلها. وكان يتمتع بالقدرة على الابتكار فى كل الأحوال حتى فى نهاية الأعمال بشكل رائع أشاد به النقاد. وكان أوضح مثال على ذلك فيلمه «الرجل البطيخة» الذى يدور حول رجل عنصرى أبيض يجد نفسه فجأة وقد أصبح أسود البشرة ويتعرض لسوء المعاملة مع البيض ليشعر بمعاناتهم.
 كانت النهاية غير تقليدية حيث أنه لم يسترد بشرته البيضاء واكمل حياته أسود البشرة وكان سعيدا بذلك.
تزامنت وفاة بيبلز المولود فى شيكاغو  مع الاستعدادات لإعادة عرض أول مسرحية له «يفترض ألا تموت موتة طبيعية». عرضت المسرحية على مسرح «إيثيل باريمور» خارج برودواى فى البداية. وبعد أن حققت النجاح نقلت إلي مسرح إمباسادور فى برودواى مع تغيير لبعض الأحداث والشخصيات . وتعرض المسرحية  بمناسبة مرور خمسين عاما على عرضها الاول1971. وكان أول إنتاج لها فى 1970  فى سكرامنتو عاصمة كاليفورنيا حيث قدمها مجموعة من الطلبة والطالبات السود فى جامعة سكرامنتو ستيت. لكن العرض كان  على نطاق محدود لا يعتد به فى التأريخ للمسرحية .
ولا ترجع أهمية المسرحية إلي مجرد كونها أول مسرحية له ولا إلي كونها تعالج قضايا السود فى الولايات المتحدة مثل معظم أعماله .
 ترجع أهمية المسرحية – وهى من نوع المسرحية الموسيقية والكوميديا السوداء وهى مأخوذة عن قصة له حققت مبيعات طيبة – إلي انه صاحب المعالجة المسرحية ومؤلف أغانيها (19 أغنية بعدد مشاهد المسرحية) التى كانت ذات طابع سياسى صارخ  ومباشر وكان ملحنها ومخرجها ومصمم ديكوراتها فقد كان فنانا تشكيليا متميزا ورساما بارعا. ولم تكن أغاني المسرحية  أغان جديدة بل كانت ضمن أحد ألبوماته فقرر إدماجها فى المسرحية .
ورشحت المسرحية  فى العام التالى لسبع من جوائز تونى فى 1972 منها جائزة احسن مسرحية موسيقية واحسن ديكور واحسن ممثلة لكنها لم تفز بأي منها فيما اعتبر وقتها انحيازا سافرا  ضد أعمال السود خاصة الممثلة السوداء بياتريس ويندى(1924-2004 ) التى قامت بدور البطولة ولم تفز رغم إشادة النقاد بأدائها. 

مبررات
وبررت اللجنة عدم فوز المسرحية باحتوائها على بعض الحوارات الجنسية والشذوذ فى وقت كان المجتمع الأمريكي يتحلى بشئ من المحافظة ولم يكن الشواذ قد أصبحوا أصحاب كلمة مسموعة بعد فى هذا البلد. وفى العام نفسه فازت المسرحية بثلاث من جوائز «دراما ديسك» . وفازت ويندى بجائزة عالم المسرح عن دورها فى المسرحية. ولم يفز بيبلز نفسه بأى جائزة.  
وأعيد عرض المسرحية بعد ذلك عدة مرات على مسارح مختلفة لكن بنفس رؤية بيبلز وبأغانيه وموسيقاه ولكن تحت إشرافه فقط لانشغاله بنشاطه السينمائى واسند الإخراج إلي أخرين. وعرضت المسرحية فى عدد كبير من المدن الأمريكية وعرضت خارج الولايات المتحدة بلغات عديدة.
وتعرض المسرحية- التى عرضت 325 ليلة عرض على مدى 3 سنوات فى عرضها الأول - لجوانب سلبية من حياة السود فى الشوارع وفى إحيائهم التى تشبه المعازل. وتروى كل شخصية معاناتها فى أغنية تمثل مشهدا كاملا من 19 مشهدا.
وتدور أحداث المسرحية فى حى من إحياء السود تعيش فيه شخصيات لا يذكر اسمها فى العمل تثور ضد رجل يسمى فى المسرحية «الرجل». وهذه الشخصيات تتوزع بين المتسول الأعمى والقواد والعاهرات والسحاقيات وسيدة مشردة لا تجد بيتا يؤويها وساعى بريد لا يرضى عن عمله ولصوص والسكير ومدمن المخدرات  وعمال يتعرضون للاستغلال من جانب أصحاب الأعمال ورجال الشرطة الفاسدين ومتهم هارب من حكم بالإعدام.  وتروى كل شخصية معاناتها مع «الرجل» بالغناء .  وقد يجسد الممثل الواحد اكثر من شخصية. ويروى الفصل الأول من المسرحية يوما عاديا فى حياة الحى. أما الفصل الثانى فيروى يوما عنفا من أيام الحى تحدث فيه جرائم سرقة وقتل واغتصاب وغيرها.  

إبداعات أخرى
وتصف النيويورك تايمز بيبلز بانه الرائد الأسود الذى اقتحم مجالات عديدة طالما سيطر عليها البيض وتفوق عليهم .
ولم تكن تلك المسرحية إبداعه الوحيد بل أبدع عددا أخر من المسرحيات كان أولها بعد هذه المسرحية «لسنا لعبة رخيصة» فى العام التالى مباشرة وهى أيضا مسرحية موسيقية تدور حول  شيطان حاول إفساد حفل فى حى هارلم. وقد حولها إلي فيلم فيما بعد. وبعدها جاءت مسرحية «ماريو فى بوس» التى عالجت حياة الجنود السود فى الجيش الأمريكي.
وكان بيبلز يتباهى دائما بانه ابن لخياط بسيط فى شيكاغو. ولم يكن يمارس العمل المسرحى من فراغ بل سبق له دراسة فن المسرح فى هولندا. وكان يؤمن دائما بان الفنون ترتبط ببعضها البعض. وظل يمارس عمله بنشاط حتى قبل وفاته بأيام  قليلة حين أصيب بوعكة لم تمهله طويلا. 

كاتورى هول  لاعب رئيسى أخر فى الساحة 
اقتحمت ساحة المسرح الغنائى رغم التحذيرات 
أصرت على المخرجة السوداء 
وناصرت الكتاب السود 
ولا يمكن اعتبار بيبلز الشخصية الوحيدة من السود التى ساهمت فى دعم مسرح السود بل هناك شخصيات أخرى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الكاتبة المسرحية الأمريكية كاتورى هول (40 سنة) ابنة مدينة ممفيس كبرى مدن ولاية تنيسى. وهى متعددة القدرات مثل بيبلز فهى أيضا ممثلة ومخرجة مسرحية وكاتبة سيناريو ومنتجة مسرحية وسينمائية وصحفية.
اقتحمت كاتورى هول المسرح من باب المسرح الغنائى كما فعل بيبلز وحققت نجاحا كبيرا فى أول مسرحياتها “تينا “التى تدور حول حياة نجمة الغناء الزنجية (83 سنة حاليا)  صاحبة المائة مليون شريط التى يعتبرها الأمريكيون ملكة “الروك اند رول” - وتعتبرها هول واحدة من اعظم رموز الموسيقى فى العالم وتستحق أن تروى قصتها لعالم فى عمل مسرحى موسيقى متميز  يعبر عن  المكانة الرائعة لهذه المطربة السويسرية الأمريكية ابنة ولاية تنيسى مثل ولاية هول  فى عالم الفن. وهذا ما كان بالفعل وخرجت المسرحية إلي الحياة عام 2010. 
والمثير هنا  أن هول أصرت على أن تكون هذه المسرحية أول عمل لها فى المسرح الغنائى رغم تحذيرات متعددة بالا تقتحم مجال المسرح الغنائى بموضوع صعب من هذا القبيل. لكنها قبلت التحدى ونجحت.   وقد جسدت شخصية تينا الممثلة الشابة “ادريان وارين” لمدة عامين ثم كريستينا لاف ونياسا البرتا وتحولت المسرحية إلي فيلم بعد عامين. وتم ترشيحها لجائزة تونى  عن هذه المسرحية. وكما هو الحال مع بيبلز لم تفز المسرحية بأي من جوائز تونى بنما فازت بعدد من جوائز لورنس أوليفيه البريطانية على الجانب الآخر من الأطلنطي .

المرأة السوداء
ويذكر لها السود أنها عندما لا تخرج أيا من مسرحياتها. تصر على أن تتولى إخراجها امرأة وان تكون من السود كأسلوب لتمكين المرأة السوداء فى هذا المجال.
وأصرت على هذا المطلب أيضا  عندما تعاقدت مع قناة “لايون ستيج” التليفزيونية لإنتاج عدد من مسرحياتها تليفزيونيا وإذاعيا  فاشترطت أن  يسند الإخراج إلي عناصر نسائية من السود. كما قادت إنشاء صندوق لدعم كتاب المسرح والدراما من السود. وكل ذلك تتحدث عنه بتواضع حين يسألها أخرون “ساعدنى غيرى وحان دورى كى أساعد الأخرين”.
وبالطبع كانت” تينا “أول مسرحية غنائية لها لكنها لم تكن أول مسرحياتها حيث كانت مسرحيتها الأولى هى “قمة الجبل” التى دارت حول اغتيال الزعيم الزنجى مارتن لوثر كنج عام  1968.


ترجمة هشام عبد الرءوف