فرقة الفارعة.. المسرح صوت الحرية

فرقة الفارعة.. المسرح صوت الحرية

العدد 730 صدر بتاريخ 23أغسطس2021

في الحرب والمقاومة _ دائما _ ما تتشابه الشعوب الباحثة عن الحرية، وفي تلك اللحظات الحاسمة من تاريخها عادة ما تنهض ثقافة مغايرة تتسم بطابع المواجهة والتحدي والصمود لتقود الحراك الشعبي نحو أحلام الحرية.
والإبداع حينئذ لا يكون وليد الصدفة أو الخيال فقط، بل هو ابن شرعي للواقع، يؤرخ بجمالياته الفنية لمعاناة الأطفال والنساء والشيوخ الذين تسيل دماؤهم ليلا ونهارا كاتبين بأرواحهم مفتتحا للنشيد.
ويعتبر «وصفي تايه» رائدا للمسرح في مخيم «الفارعة» في الضفة الغربية، بداياته الفنية جاءت منذ كان طفلا يلهو مع أقرانه في أزقة وحارات المخيم، وهو يعمل الآن مع مجموعة من الممثلين المسرحيين المغمورين أمام جمهور صغير، وقد ورث «تايه» هذه المهنة عن أخيه الأكبر الذي كان يشرف على فرقة مسرحية متنقلة تقدم عروضا تمثيلية في الأفراح والمناسبات.
وانتقل «تايه» إلى الأردن لدراسة علوم الصيدلة ةفي كلية «الخوارزمي»، وقد وجد بها نشاطا فنيا متميزا فالتحق به وشارك في عروض مسرحية، ثم تطور به الأمر _ بعد ذلك _ إلى تكوين فرقة مسرحية «أردنية/فلسطينية» أطلق عليها اسم «الغرباء» وتولت الإشراف عليها الفنانة الأردنية «مارغو أصلان».
وشارك «تايه» في عروض مسرح الجامعات وعمل في «مسرح أسامة المشيني» و»مسرح قصر الثقافة» و»المسرح المتنقل»، إضافة إلى «المسرح الدائري».
وعندما عاد «تايه» إلى الضفة الغربية في منتصف التسعينيات بدأ بالتفكير في إنشاء مسرح يخدم قطاعات الجماهير المختلفة في الضفة، وتمت الفكرة بدعم من «مؤسسة بيسان» المعنية بالمشاريع الاجتماعية، وأطلق عليه اسم «مسرح الفارعة الفلسطيني».
وهو مسرح بلا رتوش يلجأ فنانوه إلى أساليب بدائية غاية في البساطة، في تحضير الإكسسورات والماكياج، فيتم استعمال الألوان المائية كبدائل عن مساحيق المكياج التقليدية ويتم تشكيل الذقون والشوارب يدويا، واقتراض الملابس التي تناسب كل عرض مسرحي من الأصدقاء والمعارف والأقارب في المخيم.
وقد لاقت عروض الفرقة تفاعلا جماهيريا خاصة مسرحية «المحامي أبو عبأه» التي أثارت حفيظة بعض محامي المنطقة لتطرقها إلى أسلوب عمل بعض المحامين، ودعوتهم إلى تحكيم الضمير في التعامل مع قضايا موكليهم.
أما عرض «الأرض» فتعرض لقضية أشمل بما عكسه من صور متناقضة، فهو في جانب منه يتحدث عن قسوة السجن والسجان، ومن جانب آخر يظهر قيمة تعلق الإنسان بأرض موطنه.
وتؤكد المسرحية على مفردات المقاومة وأن أي جدار في العالم يتحطم _بالتأكيد _ أمام صمود أي شعب ينشد الحرية.
وقد جسد العرض ثنائية «(الغربة / الإقامة) من خلال مجموعة من المواطنين الذين يتركون أرضهم ثم يعودون إليها مرة أخرى، ومابين السفر والإقامة حياة من الأسى والشجن والعذاب الذي يولده الاغتراب.
ومن أبطال الفرقة الفنان التلقائي «أحمد العرجا» وهو صاحب أداء كوميدي راق، ومثل في عدة مسرحيات، وقام في مسرحية «الأرض» بدور المحقق الإسرائيلي، وحاول من خلال تجسيده لهذا الدور أن يوصل رسالة للجمهور تعكس قسوة الاحتلال، وكذلك صمود الأسرى الفلسطينيين أثناء التحقيق معهم في السجون الإسرائيلية.
مسرح «الفارعة» إذن هو مسرح شعبي بامتياز يحاول نقل الواقع المعاش بصورة درامية مبسطة، وقد ظهر ذلك جليا من خلال العروض التي ذكرناها سابقا، ومن عروض أخرى عكست نبض الشارع الفلسطيني مثل مسرحية «فاشلون ولكن وطنيين» ومسرحية «علماء» ومسرحية «الأفكار» وغيرها من العروض، التي قدمت في ظروف قاسية نظرا لضعف الموارد المالية لدى الفرقة والتي تكونت بجهود ذاتية. ولكن لأن للفن سطوته فمازال أعضاء الفرقة يؤدون رسالتهم النهضوية ويدافعون بدورهم عن الروح الفلسطينية من خلال عروض تتسم بالمواجهة والتحدي.
وهذه التجربة ليست الأولى في المسرح الفلسطيني من هذا النوع المسرحي فيورد «نصر الجوزي» في حديثه عن المسرح في الفترة من 1918 وحتى عام 1948 «أنه كان هناك نشاط مسرحي من أبناء فلسطين في المدارس الوطنية والأديرة ثم كان تأثير الفرق المصرية على الساحة الفلسطينية مثل فرقة جورج أبيض وفرقة رمسيس وفرقة الريحاني، وأن الحركة المسرحية في القدس في العشرينيات اعتمدت على المثقفين فقدم بعض أساتذة وخريجي مدرسة المطران بالقدس بعد إعلان الدستور العثماني مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» على «مسرح قهوة المعارف» في «باب الخليل»أحد شوارع القدس الرئيسية».
أما الناقد خليل السواحري فيذهب إلى أن «فرانسو أبو سالم قد أنشأ فرقة تحت اسم «بلالين» مع مجموعة من وزملائه في الأرض المحتلة، وقد جاء في بيان الفرقة: «أنها تعمل على مخاطبة الناس باللهجة العامية للبسطاء وخلق لون مميز للمسرح الفلسطيني لخلق انطباع جديد لدى الناس، وإيجاد نواة لمسرح متنقل، وإيجاد مسرح القهوة الذي يعمل داخل المقاهي».
وتذكر بعض المصادر أن «جمعية الشبان المسلمين» عرضت مسرحية في «يافا» على مسرح قهوة أبو شاكوش في أربعينيات القرن الماضي.
ويبدو أن التوجه إلى هذا النوع من المسرح جاء – في الأساس- ليكون أداة لتحفيز الجماهير الثائرة يظهر ذلك جليا في المسرحيات التي عرضت في تلك الفترة مثل «الوطن المحبوب» تأليف جميل حبيب بحري، والتي نشرت بالقاهرة عام 1923، ومسرحية «العدل أساس الملك» لنصر الجوزي 1956، ومسرحية «وطن الشهيد» لبرهان الدين العيوشي، والتي يدعو فيها إلى العمل في جبهة عربية واحدة ضد التوسع الاستيطاني اليهودي في فلسطين.
والبعض الآخر من المسرحيات اتجه إلى صيغ ملحمية تستمد دلالتها الرمزية من التراث مثل مسرحية «كليب» تأليف محيي الحاج عيسى الصفدي، وهي مسرحية شعرية من خمسة فصول تحكي الصراع بين «كليب» وابن عمه «جساس».
ويؤكد د.علي الراعي أن «جمعية المسرح العربي الفلسطيني أسهمت في تكوين نواة لفرقة فنون شعبية من أجل إحياء التراث الشعبي وحمايته من الضياع، وقد تبنت حركة فتح هذه الفرقة ودفعت تكاليف إدارتها وزودتها بما يلزم من مدربين».
ويأتي هذا الاهتمام من جانب القيادة السياسية الفلسطينية ليؤكد على قيمة الفن في الحياة الفلسطينية التي أنتجت إبداعا مغايرا ينتمي إلى فضاءاته الواقعية قدر انتمائه إلى جماليات الكتابة والأداء الفني.


عيد عبد الحليم