نعيمة في «طقوس العودة» تحكي حكاية حسن

نعيمة في «طقوس العودة»   تحكي حكاية حسن

العدد 737 صدر بتاريخ 11أكتوبر2021

يقدم البيت الفني للمسرح –فرقة مسرح الغد، على قاعة صلاح عبد الصبور  بمسرح الطليعة بالعتبة– العرض المسرحي طقوس العودة، إخراج سعيد سليمان. والفكرة الرئيسية للعرض ترويها نعيمة (نجلاء يونس) وتقوم بأداء طقوس العودة لروح حسن (ماهر محمود)، وكل منهما يقوم بالتمثيل والعزف والغناء، ويقوم أحمد الحجار بالتلحين والعزف والغناء، وكذلك نوار مجدي عبيد يعزف على الربابة والكمان، والمخرج سعيد سليمان على الدف. الحكاية مستلهمة من الموال الشعبي حسن ونعيمة الذى قدم في الوسائط الفنية كثيرا، وقام الباحثون بتقديم دراسات علمية عنه، ولذلك كان السؤال لماذا والآن؟ والإجابة على ذلك أن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئا عن التراث الشعبي ولم يستمعوا إلى موسيقى تغذي الروح والعقل والوجدان حيث الذوق السائد في سماع موسيقى وكلمات تفسد العقول.
حسن مغنواتي ونعيمة تحب المغني ويبدأ العرض بأغان من التراث، ثم نسمع من أشعار مسعود شومان (بيني وبينك ليل ورا ليل.. أنا صوتي غزال مواويل -شارب حنان عشقك م النيل.. والدمع سيل والحزن جبل) والحكاية أن نعيمة مثل كل الفتيات في الصعيد مقهورة، تفعل ما يريده والدها ووالدتها حتى الزواج بالإكراه،  فقد قرر والدها أن يزوجها ابن عمها، وهي ترفض هذه الزيجة. تفكر في أن ترمح كالمهرة وتأخذ حريتها فهي تشعر بالحزن، وجاء اليوم الذي عرفت فيه الحب، عندما جاء حسن إلى بلدها لإحياء فرح بعد أن اتفق معه أصحاب الفرح وقبض العربون، وعندما غنى حسن أحست بالفرح دق قلبها، ألقت إليه منديلها، بادلها حسن مشاعر الحب ويغني (جايلك يا طير جايلك يا طير.. وبنيله في الروح بنية. أرمي له عشقي صباح الخير.. يطير يشفونا على الغية)، يتواعد حسن مع نعيمة بأنه سيعود ويطلبها للزواج من أبيها ومعه أهلة ومهرها. نعيمة أحبت حسن، تعلمت منه الكثير، سكن في وجدانها، فحسن يحب الإنسان ويكره الذل والمكر والإهانة والضعف والكسل، لكن أباها وأخاها وابن عمها والعمدة وشيخ الغفر يكرهون حسن. حسن يحب الغناء والناس فالشعب المصري يحب الغناء فنسمع من قصائد أبو القاسم الشابي (إذا ما طمحت إلى غايتي.. ركبت المنى ونسيت الحذر.. ومن لا يحب صعود الجبال.. يعيش الدهر بين الحفر)، يعود حسن مصطحبا أهله لبلد نعيمة ومعه مهرها، ويتقدم لطلب الزواج منها، لكن والدها يهينه فهو فقير وعمله مغنواتي. والد نعيمة لا يعرف الأصول فهو طول عمره لا يكرم ضيفا ولا يزكي بالمال. يقرر العمدة منع حسن من دخول البلدة لا في فرح أو ميت. هامت نعيمة عشقا بحسن لدرجة أنها أصبحت تناجي النجوم وتسأل القمر ووشوشة الودع لتسأل عن حسن. وفي يوم ما غادرت منزل أبيها وذهبت لمنزل والدة حسن كي يتزوجها لكنه وأمه بنبل وشهامة رفضا واكرماها وعاملاها كبنت أكابر. وفي الجانب الآخر في بلد  نعيمة لاكت سيرتها الألسنة (طفشت، ندهتها النداهة، حسن غواها) فتش عنها أبوها وأخوها وابن عمها وعلموا أنها موجودة عند حسن، ذهبوا لها وأخذوا بالقوة وسموا بدنها بالكلام طوال الطريق لبلدتهم، فالحب والغرام لا يسيطر عليه الإنسان، ولذلك نسمع أحمد الحجار يغني (الحب خلا زليخة للصديق تهواه، وحسن مش حجر صنم حديد بتحبه تهواه ومن قصد الحلال مش عيب)، ويغني حسن (جرحوا لي قلبي وعشان مغنواتي بتعايب) وبحيلة ماكرة وخسيسة يتفق أهل نعيمة مع حسن على إحياء فرح ومين غيره يحيي أفراحهم فسوف يناسبهم ويصبح واحدا منهم. يذهب إليهم لكنهم يغدرون به ويذبحونه ويقومون بفصل رأسه عن جسده، تلتقط نعيمة رأس حسن وتخفيها،  وعندما تسأل عنها تخبرهم أنها ألقتها في البحر. تقوم نعيمة بفعل الطقوس لعودة حسن وتعتقد أنه يعود، فمن وجهة نظرها أن حسن لا بد أن يرجع، (زي موج البحر اللي بيرجع لبحره، زي الروح اللي بترجع لبيتها وتقول خد بإيدي يا حسن ارجع يا حسن) وتكرر التوسل والرجاء، فهل يعود حسن؟
ويبقى السؤال كيف نفذ المخرج النص الدرامي ليصبح مجسدا على المسرح؟ عندما ندخل قاعة العرض نجد كراسي المتلقين على شكل مستطيل ناقص ضلع ويمين باب الدخول يجلس المخرج بالدف وبجواره نوار عازف الربابة والكمان، وبعده يجلس أحمد الحجار بالعود والنوتة الموسيقية. نلاحظ أن الديكور يشبه صندوق الدنيا فيؤكد العودة للتراث، ومن خلاله يشاهد المتلقي العرض ففي الماضي كان أهم وسيلة ترفيه في الريف، نلاحظ على جانبيه وجود سلالم تستخدم كمنطقة تمثيل، فعلى شمال ويمين المتلقي تعبر عن مركب في البحر يستقلها حسن ونعيمة في رحلة ترفيهية، واليمين تعبر عن سطح منزل نعيمة أو غرفتهاـ وفي المنتصف توجد شاشة عرض تشارك في الأحداث، ونشاهد جثة حسن ملقاة في النيل دون رأسه، وتعرض مشاهد تعبر عن استمرار الحياة ونعيمة تعيش في مأساتها لوفاة حسن. وأمام الصندوق يفرش سجاد وبعض الإكسسوارات مثل عصاة استخدمت لتسند عليها نعيمة وهي تضرب الودع، ومجداف للمركب في البحر، وضعتها نعيمة على كتفها وفوقها قطعة قماش بيضاء فتصبح عريضة المنكبين وتقلد أباها، واستخدمت قطعة القماش كمنديل يفرش لضرب الوعد،  وكذلك كسجن أو الإخفاء أو كفن لنعيمة، وبعض الأواني الفخارية، وضع بداخلها رمل وقمح وماء وريش حمام وبخور استخدمتهم نعيمة في طقوس العودة لروح حسن. ونقول إن هذا العرض المسرحي أو الأوبريت قدم بطريقة السرد السينمائي المعتمد على الفلاش باك، وينتقل بالحكاية من الحاضر إلى الماضي أو العكس، فالحكاية عن حسن تبدأ من النهاية بعدما مات، وقدم لنا التشخيص داخل التشخيص فتقلد نعيمة أباها وصوت أخيها وابن عمها، ومن خلال فتحات صندوق الدنيا تستخدم الدمى لتعبر عن والدها ووالدتها. كما يغني حسن من هذه الفتحات لتعبر بلغة السينما عن لقطة «كلوز أب» على وجه حسن، ثم يخرج من الصندوق لاستكمال الحكاية، ونقول إنها لقطة عامة تجمعه مع نعيمة. واستخدمت الدمي تعبر بهما عن شخصية والدها ووالدتها فهم بالنسبة لها كالدمى. أما الازياء فهي زي ريفي يناسب الحكاية، والإضاءة كانت ثابتة ينتقل إليها الممثل وتصبح عبارة عن بؤرة ضوئية أو للإنارة، خافتة أحيانا. واما الموسيقى والعزف والغناء فكان عبارة عن مباراة ومهارة من العازفين والمطربين والقدرة على تطويع الآلات في العزف والرد ونستمتع بهذا الأوبريت وقد استخدم المخرج الفراغ المسرحي لسهولة الحركة ويوحي أيضا بأن هذه اللعبة المسرحية من الممكن أن تقدم في مكان آخر بتكوين آخر فالديكور(نورهان سمير) خفيف وسهل نقله، كما وضع في اعتباره الإجراءات الاحترازية حيث ما زال العالم يعاني من وباء كورونا اللعين. والتحية واجبة لمنفذة الديكور مايسة محمد والمخرجين المنفذين عليا عبد الخالق ووليد الزرقاني، وكل من ساهم في خروج هذا العرض للنور.


جمال الفيشاوي