افتتاحيات مسرحيات شكسبير(2-2)

افتتاحيات  مسرحيات شكسبير(2-2)

العدد 773 صدر بتاريخ 20يونيو2022

وبشكل حاسم، وفقا لبينابو، يحدث فهم معظم المتفرجين للحدث أو خيط الحدث، علاوة علي تعليق الحدث أو الخيط، تحت مستوى وعي المتفرج. 
 بالنسبة للفلاسفة، فلا بد أن يشير هذا إلى وجود جانب معرفي (ابستمولوجي) معين في التحليل البلاغي للعرض، حيث تُفهم الصيغ البلاغية المستخدمة كأحداث يتم توظيفها من أجل بدء الفهم – بالتركيز أولا علي دورها في إدارة الانتباه الإدراكي – الغائب إن لم يكن أمرا عرضيا، في التحليل الأدبي، في أغلب الأحوال. ويحتاج فلاسفة الأداء المهتمين بهذا الجانب المعرفي إلى إشراك الأدب البلاغي في العروض المسرحية. وهذا يعني أننا نحتاج إلى فهم كيفية إدارة الانتباه الإدراكي في العروض المسرحية، وكيف يمكن التلاعب بالانتباه الإدراكي بطرق مختلفة في العروض المسرحية، وكيف يقود الانتباه الإدراكي المتفرجين إلى تقديم الاستنتاجات التي قصدتها الفرقة المسرحية. 
 يقترح بينابو أن الوصف الشامل للافتتاحيات البلاغية يحتاج وصفا لظاهرتين مختلفتين: فهم تلقي العروض المبنية بلاغيا، وفهم بنائها من خلال الممثلين. يصاغ الوصف الأول في إطار الخبرات الأولية لما تم بنائه، وإدراكهم المتدرج لما يحدث وكيف تتحكم البنية البلاغية في هذا الإدراك أو كيف تديره. ويحتاج الوصف الثاني أن نري – ويرى الممثلون وكتاب المسرح الذين يعدون البناء – كيفية أداء الافتتاحيات (بالنظر غالبا إلى آخر لحظات في المسرحية والرجوع إلى الخلف). 
 هذا الاقتراح فيه الكثير من الوجاهة والصواب، لكنه يتضمن شيئا زائفا، وهو تحديدا أن المتفرجين يدركون ما يحدث بشكل تدريجي فقط. وهذا ما يحدث بالطبع. ولكن في بعض الأحيان، لا يتحول المتفرجون إلى مجموعة جديدة من التوقعات فقط، ولكنهم أيضا، في كثير من الأحيان بدون وعي، يغيرون مصداقيتهم فيما يتعلق بتقويماتهم السابقة لما يجب أن يتوقعوه. أي أن السمة الحاسمة في عملية الاستدلال المتضمنة في المشاهدة هي حقيقة أن المتفرجين يعيدون تقويم وصف توقعاتهم السابقة تغييرها بطريقة لا يبدو أنها تعبير عما يُسمى «التحيز للإدراك المتأخر hindsight bias».
 يقال إن التحيز للإدراك المتأخر يحدث عندما نفترض – كما نفعل عادة – أن المعتقدات التي لدينا حاليا هي نفسها المعتقدات التي كانت لدينا دائما. وغالبا ما يكون هذا الافتراض زائفا. وعندما يكون كذلك، يكون الافتراض الشائع غير منطقي. ولكن عندما نأتي إلى الفرجة في المسرح، فان هذا السلوك يبدو منطقيا. 
 إن ما يتطلب التفسير في العروض المسرحية هو (أ) جذب الانتباه وإدارة الانتباه أثناء توجهه إلى الأحداث، (ب) التوجيه الذي يوفره الانتباه إلى الأفعال نحو استنتاج المتفرج ذي الصلة في الوقت المناسب. وسوف أقترح أن تفسير الاستدلال المنسوب إلى بايز Bayes هو التفسير الواعد لهذين العنصرين، وأنه يسمح أيضا بإعادة التقويم المنطقية التي يشارك فيها المتفرجون. 

التحليل الفلسفي 
 كما سأوضح الآن، يحظى هذا المنظور البلاغي المعدل بدعم من التحليل الفلسفي والبحث التجريبي حول الانتباه. وأيضا لأنني أعتقد أن هذا المنظور صحيح فعليا، أعتقد أنه يمكن استخدامه مع بعض التنقيح. ولذلك، أنوي أن أحدد كيف يمكن أن يحدث هذا. 
 «كيف يفهم الناس الأفعال النمطية، مثل ترتيب الفراش، لأن هذه الأحداث تتجلى في الوقت المناسب؟». هكذا يبدأ المقال الشهير الذي كتبه جيفري زاكس وباربره تيفرسكي وجوري ليار. ولكنه سؤالنا أيضا بالطبع. لأنه قد يكون من المدهش جدا أنه لو كان يمكننا أن نستخدم مجموعة مختلفة من الآليات عند مشاهدة عرض مسرحي سردي، غير تلك التي نستخدمها عندما نفهم ما يحدث عند ترتيب الفراش. فكلاهما يتعلقان بفعل بشري مقصود (أي فعل موجه الهدف) – وأعني بهما أفعال الشخصيات في العرض المسرحي السردي، وأفعال أطفالنا – وأننا يجب أن نفهم هذه الأفعال (فنحن الذين نشاهدها). يرتبط كلا الفعلان بالزمن: علي الرغم من الإيحاءات المتضمنة في لغة بعض النقاد، فنادرا ما نفترض أنهم يعتقدون أنهم فهموا العرض المسرحي كله في الحال. إذ نلاحظ أن ذلك يستغرق بعض الوقت ؛ علي الأقل الوقت الذي استغرقه العرض المسرحي لكي يقدم تسلسلا للأحداث التي تشتمل عليها المسرحية. وبالمثل أيضا يستغرق ترتيب الفراش زمنا. ويجب أن نأخذ وقنتا لكي ندرك ما يحدث ونفهمه عندما يرتب أطفالنا فراشهم. 
 لذلك، يمكننا أن نبدأ بنموذج عام للفرجة. والنماذج مفيدة لأنها تقدم تنبؤات قابلة للاختبار يمكن أن يستكشفها التجريبيون والمنظرون علي حد سواء. وهي مفيدة أيضا لأن لها تطبيقات عملية وتكنولوجية مهمة في مجتمعات العلوم التطبيقية والهندسية. ولن أقدم نموذجا حاسوبيا في هذا المقال، ولكني سوف أرسم تخطيطا لنوع البنية التي يجب أن تحظى بها علاوة علي بعض التفاصيل التي من المتوقع أن تتضمنها هذه البنية. 
 سوف ترتبط بنية النموذج الملائم بوصفين. الأول أن هناك وصفا لتوليد تدفقات البيانات data streams التي سوف تصف نوعي الأشياء التي يشاهدها المتفرج والآليات التي يشاهدها بها. والثاني، أن هناك وصفا للعمليات الاستدلالية التي يستخدمها المتفرجون والتي تدلنا علي الكيفية التي واكب من خلالها المتفرجون توقعاتهم علي مدار زمن العرض، وربما بعد انتهائه. 

تدفقات البيانات والانتباه والأفعال المدركة 
 تدفقات البيانات، كما سوف أسميها، سوف يولدها انتباه المتفرجين إلى ملامح الشخصيات. ولاسيما أن تلك الملامح هي التي سوف تخبر المتفرجين، غالبا، بطبيعة الأفعال التي يشاهدونها. فالانتباه إلى ملامح وسطاء التمثيل هي مفتاح هذه العملية. 
 والأفعال نوع من الحركة. إذ من المعروف أن الأطفال يتعاملون مع الحركات علي أنها أفعال ينسبونها إلى الحركات التي يرونها أهدافا للفعل والواسطة من جانب الأشياء التي تتصرف هكذا – إنهم ينسبونها رغم ذلك إلى حركات الأرواح وغير الآدميين والأشكال المبتكرة عموما. ولقد ثبت أيضا أنه يمكن فهم بعض التأثيرات والأهداف في بعض الحركات الإنسانية. ويبدو أن هذا يرجع إلى أن البشر، منذ الطفولة، يتخذون موقفا غائيا teleological stance يوجه الإدراك، بناءا علي المبادئ بدلا من اعتمادهم علي بروز الملامح منخفضة المستوى the saliency of low-level features. 
 ولكن ما هو نوع الحركات المنخرطة في الأداء المسرحي النموذجي ؟. بالتأكيد سوف تتضمن أنواع الفعل الملائمة (البيانات) كل أنواع الحركة الثلاثة: الحركات الموجهة إلى شيء (أو الحركات الوسائلية) object-oriented movement (or instrumental)، والحركات من أجل ذاتها movements for their own sake والتي تشبه الحركات الموجهة إلى شيء ولكنها تحدث في غياب الأشياء، والحركات التمثيلية representational movements، وهي الحركة التي تكمن قوتها في قدرتها علي الأفعال أو الأشياء أو الأفكار. ومن بين هذه الحركات الثلاث، ربما سوف يكون الصنف الثالث من هذه الأفعال في غاية الأهمية بسبب حقيقة أن الحركات التمثيلية تتضمن إيماءات. والإيماءات، ولاسيما عندما ترتبط بكلام، تعزز كل من ذاكرة المعاني وإدراكها وميل المشاهدين إلى استنتاج الاستدلالات من الحركة المدركة. 
 يمكن العثور عي أوجه التشابه مع هذا العمل التجريبي في دراسات الفلسفة والمسرح. فالتمثيل الصامت Mime هو شكل مسرحي مبني من الإيماءات بالكامل، وكلما كانت الإيماءات بعيدة عن الكلمات الصريحة، زاد احتمال استخدامها عبر الجنسيات واللغات المختلفة. وفن التمثيل، باعتباره نوعا من الأداء المسرحي الذي يركز أساسا علي العروض السردية، يتعلق أساسا بحركات تمثيلية. وعلي هذا النحو فإنها الحركات التي تسمح بإثارة سؤال عما إذا كانت تصويرا دقيقا أو غير دقيق لما يُفترض أنها تمثله. ومن المرجح أن يوفر « إظهار السلوك display behavior – الذي ربما يكون إيمائيا أو غير إيمائي (تمثيلي) – مجموعة أوسع وأشمل للسلوكيات نحو الانتباه الموجه في العروض المسرحية. وفن التمثيل، مرة أخرى، باعتبار أنه تقديم للسرديات (القصص) في العرض المسرحي، هو نوع من إظهار السلوك. ومن الواضح أن السلوكيات الملائمة هي أفعال، حتى بهذا المعنى الأوسع. وهذه هي أنواع الأشياء التي يتجه إليها انتباه المتفرج في المقام الأول. علاوة علي ذلك، وكما هو موضح في كثير من الأدبيات التجريبية حول توجيه الانتباه attention guidance، فان نوع السلوك الذي يتوقعه المتفرجون يمكن تحديد موقعه في مساحات معينة داخل بيئة العرض. 
الاستدلالات كمواكبة مشروطة بالمعلومات 
 فيما يلي سوف أركز علي أكثر الظواهر دلالة لكيف يواكب المتفرجين، المشروطة بالمعلومات التي تُقدم لهم والتي ينجذب إليها انتباههم. وأول ظاهرة هي الطبيعة الغريبة لإعادة التقويم التي يقوم بها المتفرجون لأحكامهم السابقة علي العرض المسرحي. والظاهرة الثانية تختص بما يحفز كل من الانتباه، وفي النهاية، نمط إجراء الاستدلال في ضوء المعلومات. 
 عندما يغير المتفرج رأيه بشأن نوع الشيء الذي يشاهده، وما الذي ينتج تجاربه، فانه لا يغير توقعاته حول ما يحدث فقط، ولكنه في أغلب الأحوال يغير تقويمه بشكل واع لما حدث من قبل. فمثلا يخضع العديد من المتفرجين علي العرض المعاصر لمسرحية شكسبير « ريتشارد الثاني « إلى تغير في تقويمهم لشخصية « ريتشارد الثاني « نظرا للأشياء المتباينة نوعا ما التي يقولها في الفصلين الأول والثاني، وتعليقات الملكة عنه في الفصل الثاني، ثم حين يسمعونه ويرونه في الفصلين الثالث والخامس. 
 وإذا اعتبره أحد المتفرجين متهورا ولكنه ساخر جشع العينين، فعند سماع خطابه ومشاهدته في الفصل الأول مع حاشيته وفي بداية الفصل الثاني، فان فهمه لن يخرج عن فهم معظم المتفرجين. أو أنه واجه وصف الملكة لريتشارد في الفصل الثاني، فان فهمه لن يخرج عن فهم معظم الآخرين الذين يعتقدون أن ريتشارد ملك محبوب. والمشاهد في الفصلين الأول والثاني التي يظهر خلالها ريتشارد نوعا من السخرية المتوحشة هي مشاهد مؤثرة، ومن الممكن أن تكون كذلك بالنسبة لجمهور شكسبير المعاصر، الذين كان بولينجبروك (الذي لعب شخصية هنري السادس فيما بعد) وجاونت من الأبطال الوطنيين. ويمكن أن تصلح الطبيعة الواضحة لسلوك ريتشارد لما يسميه المتخصصين في علم النفس الإدراكي الآن « التثبيت anchoring “ – وهو تحيز إدراكي معروف في التقويم وصنع القرار يتضمن الميل إلى الاعتماد بشكل كبير علي جزء واحد من المعلومات، والذي يكون غالبا الجزء الذي يتم تقويمه أولا. وربما يعتقد المتفرج أن الملكة قد خُدعت أو أنها شديدة الاهتمام بموقفها. ومع ذلك، فان المتفرج يتبنى كلمات الملكة، وسوف يتم دفعه إلى إعادة تقويم حكمه علي ريتشارد. 
 وبالمقارنة، لو واجه المتفرج سلوك ريتشارد فقط في الفصل الثالث، فربما يستنتج بسهولة، كما قال العديد من النقاد المعلقين، أن ريتشارد يبدو أنه يتأرجح بشكل متقطع ومفاجئ، أو كما يقول منظر المسرح ويليام ب تول، أنه يتأرجح بين غطرسة الثقة وعمق اليأس. وسوف يتعين علي أي متفرج أن يقرر كيف يتوافق مع تجاربه السابقة مع مسرحية ريتشارد. وإذا كان ما رآه المتفرج وسمعه عن ريتشارد هو حركة نحو الاستيعاب نوعا في الفصل الخامس، فلن يخطئ إذا وصفه بالتناوب بين الغضب والشفقة علي الذات. 
 بالطبع، لن يعايش أغلب المتفرجين ما يُقدم في الفصول الأول أو الثاني أو الثالث أو الخامس. فمثلا من المرجح أن يكون العرض المسرحي الذي يقدم الفصل الخامس فقط هو عرض نادر جدا. ولن يقوّم أغلب المتفرجين كلمات ريتشارد وسلوكه بالإشارة إلى ما عايشوه في أحد تلك الفصول فقط. وبالتالي، من المرجح أن يعيد كثير من المتفرجين تقويمهم. والسؤال المثير هنا هو: ما الذي يفكر فيه المتفرج وهو يتأمل ما رآه وسمعه في الفصلين الأول والثاني ؟. 
 وها ي طريقة لفهم كيفية الإجابة علي هذا السؤال. افترض أننا نعرف أن هناك عدة أحداث يمكن أن تكون مترابطة سببيا: حقيقة أن السماء تمطر، وحقيقة أن طفاية الحريق تعمل أحيانا، وحقيقة أن العشب جاف أو رطب. افترض إذن أننا الآن نلاحظ أن طفاية الحريق تعمل وأن العشب رطب. بالطبع، يمكن أن يكون السبب الآخر في أن العشب رطب هو أن السماء كانت تمطر، وربما كان كذلك في لحظة سابقة. فهل قدمنا ملاحظتنا بعد فترة وجيزة من هذا الحدث، ومن المرجح أننا افترضنا أن المطر هو السبب في رطوبة العشب. ولكن بمجرد أن نلاحظ علي الفور أن طفاية الحريق تعمل، عندئذ غالبا وبدون أن يصل افتراضنا السابق إلى اعتبار واع، فإننا نميل إلى عدم تصديق أنها كانت تمطر. ونقوم في نفس الوقت بتقويم فرضية واحدة أعلى من غيرها ونخفض توقعاتنا بأن الآخرين علي صواب، حتى بدون النظر إلى الآخرين في ظروف الملاحظة الحالية. 
 يعرض هذا المثال ملامح مثيرة مرتبطة بما يسميه المتخصصين في علم الإدراكي « الحجب الرجعي backward blocking” و“ التفسير الفوري explaining away «. ففي الحجب الرجعي علي سبيل المثال، نحتاج إلى التفكير فيما تأملناه من قبل. إذ لا يبدو الأمر وكأننا نقول لأنفسنا شيئا مثل « لقد جانبني الصواب من قبل، فما كان يحدث هو «س» عندما اعتقدت أنه كان «ص». وبدلا من ذلك، كثيرا ما نتابع توقعاتنا، ونتطلع إلى الشيء التالي الذي نتوقعه. وعندما يسألوننا الآن عما حدث من قبل، فيمكننا القول أن ما حدث هو «ص»، بينما لو سألونا من قبل لكنا قلنا إن ما حدث هو «س». وقد يكون هذا هو ما يحدث عندما يحاول أحد المتفرجين في خضم عرض « ريتشارد الثاني « اكتشاف أحداث العرض بأكمله، إذ أن المتفرج يحاول أن يفهم الأحداث خلال الفصل الخامس. وهذا يذكرنا فقط بأنه يمكن حظر الوصول إلى الأدلة الخاصة بالتقويم السابق للمتفرج لسلوك ريتشارد وتصرفه في الفصول السابقة. 
 توفر نظرية التعلم المنسوبة إلى بايز نموذجا مقنعا للعلميات التي نصفها. فهذه النظرية توفر طريقة لتتبع تقدير الاحتمالات التي يقوم بها الوسيط في حالة عدم اليقين، ولاسيما أنه يقدم تحليلا لما يحدث عندما يقوم الوسيط بمواكبة تلك التوقعات في ضوء التجارب الجديدة. والملمح المهم الذي تقدمه نظرية بايز هو أنها تشرح التقديرات إلى الخلف والى الأمام علي حد سواء. وهذا يعني أنها تشرح التغيرات من تقديراتنا السابقة حتى عندما لا نفكر بفعالية في قيم تلك العناصر أو الفرضيات في الوقت الحالي. وهذا لأن الدارسين، وفقا لهذا النموذج، يواكبون الاحتمالات لكل قيم المتغيرات ذات الصلة. وطريقة توضيح نفس النقطة عموما هي القول أن نظرية التعلم المنسوبة إلى بايز تشرح لماذا تؤدي زيادة مصداقية بعض الفرضيات إلى تقليل مصداقية الفرضيات الأخرى. 
 وإذا فكر المتفرج في فرضيات متنافسة حول ما يولد المعلومات المقدمة له علي مدار الأداء، عندئذ سيكون لديه في أي لحظة توقعات مختلفة فيما يتعلق باحتمال ظهور معلومات مختلفة. وهذا سوف يساعدنا في تفسير سبب تفضيل المتفرج للفرضيات البسيطة والأكثر دقة علي الفرضيات الأكبر والأكثر غموضا. ومع زيادة المعلومات، يصبح من غير المحتمل وجود معلومات خارجية بشكل متزايد. وهذه النقطة المفاهيمية تلقى دعما تجريبيا أيضا. ويتصاعد الضغط من أجل فرضيات أبسط وأكثر دقة بسرعة كبيرة. فمثلا، إذا كان كل ما تشاهده هو كلب من النوع الصيني، فان الفرضية القائلة بأن المجموعة التي تتعامل معها تتكون من حيوانات كلها جيدة. وإذا كان الكلب الثاني التي تشاهده هو أيضا كلب صيني، رغم ذلك، فان احتمال أن كلهم من نفس نوع الكلاب يتزايد. وإذا كان الكلب الثالث صيني أيضا، فان احتمال الفرضية الأضيق بكثير والتي تقول إنهم جميعا كلاب من النوع الصيني قد أصبح الآن مرتفعا للغاية. والفائدة الجانبية من هذا التحليل لدارسي التطور الإدراكي هي أن ما يسمى « مبدأ الحجم size principle” مفيد في تأمل سبب قدرتنا علي تكوين فرضيات صحيحة ودقيقة إلى حد كبير علي أساس البيانات القليلة. 
 والملمح المهم الآخر في نظرية التعلم المنسوبة إلى بايز هو أن النظرية لا تعتمد علي إدراك المتعلم لعمليات إعادة التقييم لما سبق أو التقييم بأثر رجعي الذي يجريه. وهذا يمنح النظرية جاذبية للتطبيق علي تحليل الفرجة المسرحية لأن كثير من أمثلة إعادة التقويم من جانب المفرج لا تحدث بشكل واع. 
 وكما أشرنا سابقا، تختص الظاهرة الثانية التي أود التركيز عليها بما يحفز كل من الانتباه، وفي النهاية نموذج إجراء الاستدلال في ضوء المعلومات. والقصة المعقولة عن نوع التوجيه الذي يحتاجه المتلقي للعرض المسرحي السردي اقترحه ديفيد سولتز. والحالة التي يطلب منا سولتز أن نتأملها هي: 
 تخيل شخصية، ودعونا نسميها «جين»، وتحتاج أن تعبر النهـر
 ويجب عليها إقناع رجل معه قارب، ودعونا نسميـه «جاك»، لكي ينقلها عبر النهر. ويتم تمثيل النهر بقطعة قماش علي خشبة المسرح، والقارب هو قطعة من الورق المقوى يحملها «جاك».  وترغب «جين» في الانتقال إلى الجانب الآخر من خشبة المسرح (أي عبر النهر)، وفشلها، بالنظر إلى تلك الرغبـة، ببساطـة السير فوق القماش للوصول إلى هناك، لن يكون مفهوما لنا إذا لم نفهم السياق القصصي الذي يبني قواعد اللعبة. 
دع جانبا الإشارة إلى السياق القصصي – لأنه ليست كل العروض المسرحية السردية التي تتطلب التمثيل عروضا قصصية، من وجهة نظري المباشرة – فالاقتراح المقدم هنا هو أن استنتاجات المتفرج، بالنظر إلى الحدث الذي تشاهده، تسترشد ببنية سردية (قصصية). ويسمي سولتز هذا المخطط الذي يبني حدث العرض « المخرجات القصصية out-fictions». 
 ومن المنظور المنسوب إلى بايز، فان « المدخلات القصصية in-fictions “ تكوّن الأدلة من أعلي إلى أسفل التي تشكل كلا من اتجاهات انتباه المتفرج واستنتاجاته التي تنتج « المخرجات القصصية the out-fictions «. وبشكل أكثر دقة، فان «المدخلات القصصية « هي ما يسميه منظور بايز « الأولويات المعلوماتية informative priors” السابقة علي درجات التصديق الذاتي، أو المصداقية التي تقوم علي خبرات المتفرج السابقة والتي تدور حول الفرضيات التي من المحتمل أن يفترض المتفرج أنها صحيحة بالنسبة للمعلومات التي يوشك أن يشاهدها. فمخرجات المتفرج القصصية، رغم ذلك، هي الأولويات التالية التي سوف يتبناها. ولذلك، فان ما يعد مدخلات قصصية يرتبط بوقت إجراء الاستدلال.

افتتاحيات شكسبير المسرحية 
 لقد وفر لنا ما سبق فكرة أكثر ثراء عن الانتباه الموجه وكيفية إدارته. فالانتباه، كما يقترح بينابو، موجه نحو خيوط الأحداث. ويُدار بتوفير الفرص للمتفرجين للمشاركة في تعزيز الانتباه، وتحديد ما ينبغي أن تكون عليه توقعات المتفرج التالية .ولكن يبدو أن بينابو يفكر في هذا من أسفل إلى أعلي، علي الأقل من وجهة نظر المتفرج. وأنها من أعلي إلى أسفل من وجهة نظر الممثلين الذين يجهزون العرض، طبقا للنص الذي يوفره الكاتب المسرحي. ورغم ذلك، رأينا أن المتفرج يجب أن يفهم بعض البنيات السردية أيضا لكي يحصل انتباههم علي التوجيه المطلوب. وليس هذا فقط، بل إن المتفرج ربما يعيد تقويم بعض هذه الملامح بمنطقية، وليس من الضروري أن يفعل ذلك بشكل واع، بالنظر إلى المحتوى الفعلي لتجاربه. وربما يخطط هذا الممثلون أو الكاتب المسرحي، ولكنه يجب أن يتحقق، وينجزه المتفرجين بدون المعرفة المسبقة التي توشك أن تحدث. 
 لذلك، يتم إثراء المعلومات التي يقدمها لنا بينابو بالطريقة التي تحتاجها. فهي تتكون فعلا من خيوط الحدث، مكررة لجذب الانتباه وإدارة الصيغ، ولتوفير المعلومات للمتفرجين من أجل استنتاجاتهم. ولكن الاستنتاجات نفسها تسترشد ببنيات السرد التي ربما لا يعيها المتفرجون قبل أن يقوموا بإجراء الاستنتاجات الملائمة، كما يلاحظ بينابو. 
 والملمح الأساسي الآخر الذي يصوبه تحليل بينابو البلاغي، ولاسيما فيما يتعلق بافتتاحيات مسرحيات شكسبير، هو تأثير خيوط الحدث المتعددة. وتقترح الدراسة التجريبية المهمة في هذا الصدد جانبا من آليات تلك التأثيرات، أعني أنه من خلال تقديم خط جديد للحدث قبل حل الخط السابق، يشك المتفرج حتى في الأشياء التي كان متأكدا منها . وهذا التوليد للشك جزء مما يسمح له بأن يشعر بالتأجيل في الأداء . وكما يلاحظ بينابو “ تأجيل خيط الحدث هو ما يزيد من فضول المشاهد بشكل أساسي . والتأجيل يفعل ذلك من خلال تضييق التشويق . 
 ومن خلال تقديم عدة خيوط للحدث، ومع كل خط يتأجل ولا يتم حله حتى تنتهي افتتاحية المسرحية – والتي يلاحظ بينابو أنها تستغرق المسرحية بالكامل – يوفر شكسبير لمشاهديه عرضا ممتعا يتأسس علي التشويق وتوليد مستويات عليا من الفضول . ويزعم بينابو أن خيوط الحدث ليست هي الصيغة الوحيدة التي يستخدمها شكسبير في الافتتاحيات . ولكنها تقدم بالتأكيد طريقة واضحة ودقيقة لمناقشة دور الانتباه لأحداث المسرحيات في العروض المسرحية عموما وفي افتتاحيات شكسبير خصوصا . 
.....................................................................................
نشرت هذه المقالة ضمن مجموعة إصدارات مجموعة تايلور وفرانسيس وهي مؤسسة نشر دولية تعمل علي نشر الكتب والدراسات المتخصصة في جميع مجالات المعرفة . 


ترجمة أحمد عبد الفتاح