العدد 945 صدر بتاريخ 6أكتوبر2025
يشهد المشهد المسرحى فى مصر والعالم العربى حالة لافتة تتمثل فى تزايد عدد المهرجانات المسرحية وتزامن مواعيدها فى توقيتات متقاربة، بل أحيانًا فى الأيام نفسها. هذه الظاهرة التى قد تبدو للوهلة الأولى علامة على ازدهار الحركة الفنية وحيويتها، تحمل فى طياتها تساؤلات كثيرة حول مدى قدرتها على خدمة المسرح بالفعل أم أنها تؤدى إلى تشتت الجمهور وتوزع الاهتمام الإعلامى بين أكثر من حدث فى آن واحد.
فالجمهور المسرحى بطبيعته محدود نسبيًا، وعندما تقام عدة مهرجانات متزامنة يجد المتفرج نفسه مضطرًا للاختيار بين حضور هذا العرض أو ذاك، وبين المشاركة فى ورشة هنا أو متابعة ندوة هناك. النتيجة أن بعض العروض المميزة قد لا تحظى بما تستحقه من إقبال جماهيرى، ليس لضعف مستواها، وإنما ببساطة لأن موعدها تزامن مع فعالية أخرى جذبت جزءًا من الجمهور. وهذا ما يثير قلق العديد من المسرحيين الذين يرون أن الحركة المسرحية، بدلًا من أن تتكامل، قد تتعرض لخسائر على مستوى الحضور والتأثير نفتح التساؤلات أمام مجموعة من التساؤلات هو تأثير تزامن المهرجانات المسرحية على الإقبال الجماهيرى وعلى التغطية الإعلامية خصصنا هذه المساحة لمجموعة من المسرحيين لنتعرف على إيجابيات وسلبيات هذا الأمر وتأثيره على الحركة المسرحية.
تداخل المواعيد بين المهرجانات يشتت الجمهور ويضر بالحركة المسرحية
أوضح المخرج عصام السيد عضو لجنة المسرح واللجنة العليا للمهرجانات أن تداخل المواعيد بين المهرجانات المسرحية يُعد أمرًا مضرًا للغاية بالحركة المسرحية، خاصة أن جمهور المسرح محدود، وعندما يتم توزيع هذا الجمهور على أكثر من فعالية تُقام فى التوقيت نفسه، يحدث تشتيت واضح فى الحضور والمتابعة.
وأشار إلى أن اللجنة العليا للمهرجانات قد وضعت أجندة منظمة للمهرجانات الدولية التى تُقام فى مصر، بحيث يتم تفادى التداخل وضمان خروج كل مهرجان بأفضل صورة.
وقال السيد إن المشكلة تكمن فى أن بعض الجهات التى لا تخضع للجنة – مثل بعض مهرجانات الثقافة الجماهيرية أو مهرجانات الأكاديمية – تنظم فعالياتها دون النظر إلى انشغال نفس المواعيد، مما ينعكس سلبًا على الحراك المسرحى ويضعف من قوة تأثير هذه المهرجانات.
غياب التنسيق بين المهرجانات المسرحية يضر بالصالح العام
قالت الناقدة أسماء حجازى فى هذا الصدد: “فى أواخر سبتمبر وأوائل شهر أكتوبر تشهد الحركة الفنية والحركة المسرحية عددًا كبيرًا من المهرجانات، وهذا الأمر له جانب إيجابى وجانب سلبى. الجانب الإيجابى يتمثل فى انتعاش الحركة المسرحية، حيث نشهد مهرجانات عدة مثل مهرجان إيزيس الدولى، ومهرجان القاهرة لمسرح العرائس، ومهرجان نقابة المهن التمثيلية، ومهرجان دى كاف، ومهرجان أيام القاهرة الدولى للمونودراما، وفى أواخر شهر أكتوبر يبدأ مهرجان القاهرة الدولى للمسرح الجامعى.
وتابعت الجانب الإيجابى هو وجود مهرجانات متنوعة ونوعية، ولكل منها فلسفته ومنهجيته.
لكن التداخل والتقاطع الحادث الآن له جوانب سلبية ـ فى ظنى ـ تضر بالمهرجانات بشكل عام وتضر بالصالح العام. فتداخل هذه المهرجانات أو تزامنها أو تقاطعها يقلل من فرصة متابعة المهرجانات من قِبَل الجمهور والمتخصصين سواء من النخبة أو الجمهور العادى، خاصة أنه متزامن أيضًا مع بداية العام الدراسى، مما يجعل حالة الزخم بها إشكالية من هذا النوع. والإشكالية الأخرى أنها تقلل من فرص المهرجان فى استقطاب كوادر فنية يمكن الاستعانة بها، فالمهرجانات كلها ـ بشكل عام ـ بجانب الجزء التسابقى أو غير التسابقى الذى له علاقة بالعروض الفنية المشتركة، تضم ندوات وموائد مستديرة وشهادات وأوراق بحثية يقوم بها نقاد وكتاب. وتزامن هذه المهرجانات وتداخلها يقلل من فرصة كل مهرجان فى أن يعلو بكفاءته ويستعين بالكوادر اللازمة، لأننا رغم وجود عدد كبير من المسرحيين، فإن هناك قلة أو ندرة فى الكفاءات، وحتى نستطيع تغطية هذه المهرجانات فإن ذلك يؤثر على قوة كل مهرجان فى إدارته ويقلل من فرصته فى أن يكون قويًا ومنافسًا.
وأضافت: “وهناك جانب آخر يتمثل فى علامة استفهام حول هذه المهرجانات: هل هى محلية أم دولية؟ فالبعض يطلق عليها دولية لمجرد وجود دولة أجنبية واحدة مشاركة، فى حين أن باقى المشاركات عربية، والأغلب عروض مصرية. لكن بعيدًا عن هذا التصنيف، فإن هذه المهرجانات ـ فى ظنى المتواضع ـ مدعومة بشكل أو بآخر من وزارة الثقافة، سواء ماديًا أو بالرعاية، فلماذا لا تضع الوزارة فى خريطتها فكرة التنسيق حتى لا يحدث هذا التضارب؟ وحتى إن لم تكن مدعومة من الوزارة فهى مهرجانات مصرية تقام على أراضى الدولة، وبالتالى فهى بالضرورة تابعة لوزارة الثقافة حتى وإن لم ترعها. لذلك أعتقد أن من مهام الوزارة التنسيق مع رؤساء المهرجانات حول المواعيد، حتى لا يكون الأمر صراعًا على أرض الواقع والبقاء للأقوى، لأن فى النهاية هذا ليس فى مصلحة الحركة المسرحية أو الفنية بشكل عام.
واستطردت قائلة: “ما يهمنا أن تكون لدينا مهرجانات متعددة ونوعية، لكن الأهم أن يكون هناك تنظيم وتنسيق لمتابعة هذه المهرجانات، لأن غياب المتابعة يفقدها جزءًا كبيرًا من رونقها، خاصة أن المتخصصين ليسوا متفرغين لمتابعتها. كما أن هذه المهرجانات قائمة بشكل أساسى على متابعة المتخصصين والنخبة، ولا تعتمد على الجمهور العادى إلا بنسبة قليلة. لذلك أرجو أن يتم التنسيق فى الدورات اللاحقة حتى نستفيد جميعًا للصالح العام، وتكون لدينا مهرجانات لها قوامها وشكلها، وفى الوقت نفسه مهرجانات ناجحة، لأن المهرجان فى النهاية إذا لم يُتابَع ويُشاهد ولم يكن به كوادر مهمة، أعتقد أنه يفقد كثيرًا من تحقيق أهدافه
نحن بحاجة لعقد مؤتمر مسرحى عام لمناقشة حقيقيه لمدى استفادة الحركة المسرحية.
الناقد والباحث د محمود سعيد ذكر قائلًا: من الطبيعى أن فى الحركه حياة وفى السكون موت وجفاف، ولكن ليست كل حركة تمثل خطوة للأمام، بل قد تكون بمثابة خطوات للخلف وقد يصل أحيانا لمرحلة التقهقهر أيضًا، كثيرة هى المهرجانات العربية والمصرية إلا أن المنتج هو القليل للأسف، فمن الطبيعى أن نبحث عن المنتج عن ما تم تحقيقه، إذ انه أصبح الشغل الشاغل لكل مسؤل مهرجانى هو استمرار مهرجانه، اى ان لعبه الاستمرار هى الهدف دون الوعى بالاهداف او النتائج المرجوة من هذا الاستمرار، خاصه فى ظل التداخل المرعب للمهرجانات المسرحية خاصة فى النصف الثانى من العام، لدرجة أننا نسمع عن مهرجانات كثيرة فى نفس البلد فى نفس التوقيت وبلا أى شك أو ريبة هذا يحدث تشتت واضح وضعف للحركة المسرحية، إذ أصبح الشغل الشاغل لبعض رؤساء المهرجان هو استقدام المسؤل المهرجانى فى البلد الفلانى، وتكريم المدير الحالى للمهرجان العلانى، وتكريم الفنان المشهور حتى لو تم تكريمه أكثر من عشر مرات فى ثلاث سنوات، وذاك امر طبيعى فى ظل كثره وتداخل المهرجانات والتى لم تعد مناسبة حقيقية لاكتشاف الجديد من المواهب كسابق العهد، أو حتى لتكون فرصة لتبادل الخبرات مابين الفرق والمهرجانات لكنها أصبحت فرصة لتبادل أعضاء لجنة التحكيم أو المكرمين، وبالتالى وبشكل طبيعى أصبحت هناك صعوبة أمام التغطية الإعلامية أو الجماهيرية لتلك المهرجانات بشكل جعل بعضها يبدأ وينتهى دون أن يشعر بها أحد، الأمر جد خطير وفى حاجة لوقفة حقيقة أو تحديدًا نحن بحاجة إلى عقد مؤتمر مسرحى عام لمناقشة حقيقية لمدى استفادة الحركة المسرحية من المهرجانات وليس عيبا ان تتم عمل لجان حقيقية للتقييم وما يستحق أن يستمر فليستمر وما يستحق الدمج او الإلغاء
وتابع: “علينا بعمل ذلك، فقد أصبحت المهرجانات المسرحية فى أغلبها بؤر لتبادل الصفقات والهبات دون أى اهتمام بالمنتج الحقيقى.
هذا التزاحم ينعكس سلبًا على فرص اكتشاف مواهب جديدة
أكد المخرج هيثم الهوارى، رئيس مهرجان مسرح الجنوب الدولى، أن تداخل مواعيد المهرجانات المسرحية قد يشكّل عائقًا أمام الحركة المسرحية إذا ما أقيمت الفعاليات فى مدينة واحدة، حيث يؤدى ذلك إلى تشتيت الجمهور بين العروض والورش المختلفة، ويؤثر على نسب الحضور والتفاعل.
وأوضح الهوارى أن هذا التزاحم ينعكس سلبًا على فرص اكتشاف مواهب جديدة وتبادل الخبرات بين الفرق المسرحية، إذ يجد بعض المشاركين والجمهور أنفسهم مضطرين للاختيار بين ورش متزامنة أو عروض تقام فى الوقت نفسه، وهو ما قد يقلل من الاستفادة المتوقعة من هذه الفعاليات.
وأضاف أن التأثير الإعلامى قد يكون أقل حدّة، خاصة مع تعدد المنصات الصحفية والقنوات التليفزيونية القادرة على تغطية مختلف الفعاليات، إلا أن التأثير الأكبر يظهر بوضوح على الجمهور المحدود نسبيًا للمسرح، وكذلك على داعمى وممولى المهرجانات الذين يفضلون حضور فعاليات مكتظة بالجمهور تعكس صورة حيوية وإقبالًا جماهيريًا واسعًا.
لماذا نصنع مهرجانًا؟
فيما أشارت الكاتب رشا عبد المنعم مديرة مهرجان إيزيس الدولى لمسرح المرأة، قائلة: تتوالى المهرجانات المسرحية فى مصر والعالم العربى إلى حد تصعب معه المتابعة أو التوفيق بين جداولها، وفى أحيان كثيرة نصطدم بفعاليات بلا رؤية واضحة، تفتقد لمعايير العدالة الثقافية والجودة، فضلًا عما يحدث من تضارب وتعارض فى المواعيد.
وتابعت قائلة: “هنا سؤال جوهرى يطرح نفسه، هذا السؤال أطرحه بين حين وآخر لربما أصل لإجابة: لماذا نصنع مهرجانًا؟ وأتساءل أيضًا: هل يسأل صناع المهرجانات منزوعة الهوية، المستندة فقط إلى المصالح، مثل هذا السؤال؟
إن الوظيفة الأساسية لأى مهرجان دولى ترتكز على ثلاثة محاور أساسية: تنمية الفن والفنان، الترويج للمنتج الإبداعى المحلى، الترويج السياحى والثقافى للمكان، هذه المعادلة تتجلى بوضوح فى مهرجان إدنبرة، الذى بدأ عام 1947 وتحول إلى أكبر مهرجان فنى فى العالم، يقدَّم فيه أكثر من ثلاثة آلاف عرض سنويًا، ويستقطب ملايين الزوار، بما يجعل المدينة كلها تتحول إلى مسرح مفتوح وسوق عالمية للفنون.
نجاح إدنبرة قائم على وضوح الرؤية، فالمهرجان منصة للفنانين، وداعم للاقتصاد المحلى، وجاذب للسياحة الثقافية، وقد تحقق هذا النموذج فى مصر فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى منذ تأسيسه عام 1988، فقد كان نافذة مهمة على تيارات المسرح العالمى، وأسهم فى تجديد لغة المسرح وتوسيع آفاق الفنانين، لكنه صار بحاجة، مثل غيره من المهرجانات، إلى إعادة التفكير فى الرؤية والدور، وفتح حوار جاد حول مفهوم «التجريب» ومرتكزاته.
وتابعت: “التحدى الأكبر هو الغياب الاستراتيجى، ما يدفعنا لطرح السؤال: لماذا لا توجد خريطة معلنة للمهرجانات الدولية فى مصر؟ ولماذا تتزاحم فعاليات كبرى فى نفس التوقيت ونفس المكان الجغرافى؟ لماذا لا نضع سياسة واضحة تضمن التكامل والتنافس لا التعارض والتكالب على الفرص؟
إن صناعة المهرجانات ليست ترفًا، بل آلية استراتيجية لصناعة الثقافة وترويجها. مصر، بما تملكه من رصيد حضارى وثقافى، تحتاج إلى إعادة صياغة رؤيتها، فالمهرجانات تنطلق من احتياجات الفنان والجمهور، وتضع الثقافة فى قلب مشروعها التنموى.
المهرجانات المسرحية، سواء فى القاهرة أو فى أى مكان فى العالم، تتجاوز كونها فضاءات للعرض الفنى لتصبح منصات استراتيجية للقوى الناعمة، فهى تصنع صورة ذهنية عن الدولة، وتخلق شبكات تواصل دولى، وتفتح الباب أمام حوارات تتجاوز الفن لتلامس الاقتصاد والسياسة والسياحة.
وأضافت: “من هنا، تصبح القاهرة قادرة على استثمار مهرجاناتها الدولية المهمة، مثل التجريبى، وتنميتها لتأكيد حضورها الحضارى والثقافى، تمامًا كما نجحت مدن مثل إدنبرة وشارل فيل وأفينيون فى بناء صورتها العالمية من خلال مهرجانها المسرحى.
تراجع الإقبال الجماهيرى نتيجة تزاحم المهرجانات المسرحية
أكد المخرج أكرم مصطفى أن تداخل مواعيد المهرجانات المسرحية وتزاحم فعالياتها أدى إلى تراجع الحضور الجماهيرى وأضعف الحركة المسرحية بشكل عام، مشيرًا إلى أن الطاقة الجماهيرية لم تعد كما كانت فى الماضى. وأوضح أن المهرجان التجريبى فى بداياته كان نموذجًا متفردًا يحظى بدعم الدولة وتغطية إعلامية قوية، مما جعل صداه واسعًا وساهم فى إقبال الجمهور العادى بشكل ملحوظ، حيث كان يتزاحم على مشاهدة العروض.
وأضاف أن ازدياد عدد المهرجانات فى السنوات الأخيرة كان من المفترض أن يجذب جمهورًا أكبر، خاصة أن معظم العروض تُقدَّم مجانًا، لكن الواقع جاء مخالفًا للتوقعات، إذ انخفض الإقبال الجماهيرى وتراجع اهتمام الجمهور العادى بالمسرح. وأرجع ذلك إلى هيمنة وسائل التواصل الاجتماعى، وتسارع الإيقاع الإعلامى والحياتى، وهو ما جعل الأجيال الجديدة أقل ارتباطًا بالعرض المسرحى.
وشدد على أن غياب التغطية الإعلامية الجادة، إلى جانب تضارب مواعيد المهرجانات، يعد من أبرز العوامل التى أثرت سلبًا على حضور الجمهور وأضعفت حيوية الحركة المسرحية.
توزيع المهرجانات على مدى العام ضرورة للحفاظ على حيوية المسرح
أوضح المنسق العام للمهرجان التجريبى وعضو لجنة المهرجانات وعضو لجنة المسرح د. محمد الشافعى قائلًا إن المهرجانات الكبرى، التى امتدت دوراتها لسنوات طويلة وأصبحت معروفة دوليًا، مثل مهرجان أفينيون الذى تصل أيامه أحيانًا إلى أربعين يومًا، تُدرج على الخريطة الدولية للمهرجانات، ويكون من المفترض أن يعرف القائمون على المهرجانات فى العالم مواعيدها مسبقًا، حتى لا تُقام مهرجانات أخرى تتعارض معها أو مع مشاركات الفرق.
وقال إن مواعيد بعض المهرجانات تُعد ثابتة، مثل المهرجان التجريبى الذى لا يتحرك موعده إلا إذا صادف شهر رمضان، وكذلك مهرجانات أفينيون وبرلين، إضافة إلى عدد من المهرجانات العربية والدولية. بينما توجد مهرجانات أخرى دورية وليست سنوية، ولا تلتزم بالضرورة بنفس المواعيد. وأشار إلى أن اللجنة العليا للمهرجانات حينما يُعرض عليها موعد مهرجان ما، توافق على استراتيجيته وأهدافه، أما التوقيت فمقترح يمكن لرئيس المهرجان الالتزام به أو تغييره.
ولفت الشافعى إلى أن بعض المهرجانات المحلية ترتبط بالميزانيات، فقد يحصل المهرجان على دعم مالى فى توقيت معين، فيُقام بالضرورة فى ذلك الموعد. وأكد أن إقامة المهرجانات التى تعرض المنتج المسرحى للجهات المختلفة أمر مهم لأنه يعكس وجود نشاط مسرحى حقيقى، ويستقطب الجمهور.
وأشار إلى أن المشكلة لا تكمن فى إقامة مهرجانات متعاقبة، بل فى التركّز الكبير خلال ثلاثة أشهر مثلًا مقابل غياب كامل للمهرجانات طوال سبعة أو ثمانية أشهر. وشدد على ضرورة توزيع المهرجانات على مدار العام بشكل متوازن، حتى لا يتضرر شكل الحركة المسرحية ولا تتأثر الميزانيات أو الإنتاج، لافتًا إلى أن المهرجانات تظل فاعلية ثقافية أساسية يحافظ بها المسرحيون على نشاطهم سواء داخل الدولة أو خارجها.
الزخم الفنى فى مصر بين الحاجة والواقع
قالت منى سليمان، رئيس لجنة الفرق والعروض بمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، والمدير التنفيذى المشارك لمهرجان إيزيس الدولى لمسرح المرأة، والمدير التنفيذى لملتقى القاهرة الدولى للحكى، ومدير العلاقات العامة بمهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة (دي-كاف):
مصر دولة عظيمة وذات مكانة كبيرة، ولها قيمة فنية وتاريخية لا يستهان بها. ويبلغ عدد سكانها ما يقارب مئة مليون نسمة، وإذا افترضنا أن نسبة نصف فى المئة من المجتمع يعملون فى المجال الفنى سواء فى الإدارة أو الفنيات أو الإخراج أو الإنتاج، فنحن نتحدث عن نحو 500 ألف مواطن، وهو رقم بالغ الأهمية إذا ما أنتج أعمالًا كبرى. هذا العدد من العاملين يواصل إنتاجه طوال العام، رغم الظروف الاقتصادية والسياسية والمناخية التى تؤثر على كل شىء، بما فى ذلك مواعيد المهرجانات. ومن الطبيعى أن يحدث زخم فى أوقات معينة من العام، بينما تبقى فترات أخرى فارغة، رغم أننى أرى أننا بحاجة إلى زخم أكبر لا أقل. فمصر تحتاج إلى المزيد من الفعاليات، لا إلى تقليلها.
النقطة الجوهرية تكمن فى نوعية المهرجانات وتكاملها. فعلى سبيل المثال، لدينا موسم سنوى للمهرجانات الدولية، لكنه مع الأسف انحصر فى الفترة ما بين سبتمبر وديسمبر، وهى الفترة الأنسب لاستقطاب عروض دولية من الخارج، حيث يكون المناخ ملائمًا للأجانب والمصريين. لذلك، من الصعب توزيع مهرجاناتنا الدولية على مدار العام، فالأمر شبه مستحيل، خاصة أن فترات طويلة من السنة تتسم بارتفاع شديد فى درجات الحرارة. كما أن موسم المهرجانات الدولية ينبغى أن يسبق موسم السياحة فى ديسمبر ويناير وفبراير، حيث ترتفع أسعار الفنادق فى ذلك الوقت لكونه موسمهم الرئيسى.
الموضوع إذن معقد وليس سهلًا، ويحتاج إلى فتح مساحات إعلامية أكبر، وتشجيع المزيد من الإنتاج، وتوفير مسارح إضافية قادرة على استيعاب هذا الكم من المهرجانات. وتبقى المشكلة الكبرى أن مواردنا البشرية فى هذا المجال قليلة للغاية، وكذلك المسارح المتاحة نسبة إلى حجم العاملين، خاصة تلك المناسبة لاستضافة المهرجانات وتحمّل إيقاعها المكثف.