وداعا أصحاب المواهب المتفردة والبصمات المتميزة

وداعا أصحاب المواهب المتفردة والبصمات المتميزة

العدد 769 صدر بتاريخ 23مايو2022

يااااا وجع القلب ولوعة الفراق .. يأبى القدر أن يمهلنا ولو برهة قصيرة لالتقاط الأنفاس فتتكرر وتتجدد الأحزان سريعا مع توالي الأيام .. نحن جميعا نؤمن بكل يقين بأن البقاء والدوام لله وحده وأن الموت هو قدرنا ومصيرنا جميعا وأن لك أجل كتاب محدد، ولكن مع ذلك ما أصعب مشاعر الفراق للأصدقاء والأحباب الذين ارتبطنا معهم بأحلام وآمال وأعمال وذكريات، وخاصة إذا كانوا ينتمون إلى فئة هؤلاء المبدعين الذين يمثلون القدوة المشرفة للإبداع الفني والوجه المشرق لقوتنا الناعمة. 
لقد ودعنا بكل مشاعر الحزن والأسى خلال الأيام الماضية اثنين من كبار الفنانين خلال أقل من 48 ساعة، ودعنا نجمين من رجال الفن العربي والمسرح المصري، وهما المخرج القدير/ عبد الرحمن الشافعي، والفنان الشامل/ سمير صبري، واللذين جمعت بينهما كثير من الصفات والسمات وعدة مواقف متشابهة ومشرفة، ويكفي أن أشير إلى تلك الحلقة التاريخية التي جمعت بينهما عام 1997 من خلال برنامج «كان زمان» (فكرة ومادة تاريخية/ علي أبو شادي)، سيناريو وتقديم/ سمير صبري، وهي الحلقة التي استضاف فيها الفنان/ عبد الرحمن الشافعي للحديث عن مشواره الفني وأهم اسهاماته بمجال المسرح الشعبي.
لقد اتضح جليا من خلال تلك الحلقة مدى انتماء كل منهما إلى تلك النوعية من الرجال المبدعين العاشقين لوطنهم، المؤمنين بدور المسرح في التنوير والتثوير ونشر الوعي الجمالي، هؤلاء الذين لم تكن الشهرة أو حصد الأموال هي طموحاتهم أو أقصى أمنياتهم - كما يحدث حاليا للأسف - بل كان فكرهم الحر وإخلاصهم للعمل وإيمانهم بدورهم الريادي هو محركهم الأساسي، كما كان ضميرهم الحي هو الذي دفعهم للمخاطرة والتضحية والتفاني، لذا ستظل أعمالهم القيمة باقية كما تظل سيرتهم وذكراهم العطرة خالدة، وأطول كثيرا من أعمارهم.
والفنان القدير/ عبد الرحمن الشافعي: الذي رحل عن عالمنا مساء يوم الأربعاء الموافق 18 من مايو (2022) هو أيقونة المسرح الشعبي المعاصر بلا منافس، ويعد أستاذا رائدا في الفنون المسرحية والشعبية، خاصة بعدما وفق في الجمع بين الموهبتين الإبداعية والإدارية، وترك بصمة لا يمكن أن تنسى في المسرح المصري وفنونه بكل ما قدمه من تراث شعبي وفنون تلقائية. ويكفي أن نذكر له إخراجه المتميز لأكثر من خمسة وسبعين عرضا، وكذلك فضله في التطور الكبير الذي شهدته فرقة النيل (وهي الفرقة الأم لفرق الآلات الشعبية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة)، فبمجرد توليه مسئولية إدارتها حرص على تدعيمها بعناصر جديدة من الفنانين الشعبيين، وضخ دماء جديدة بها ليبرز من خلالها – محليا وعالميا - أصالة الفن الشعبي المصري التقليدي بالشكل الجمالي للموسيقى والغناء الشعبي، كما يحسب له أطلاقه عليها اسم «فرقة النيل» كأهم المعالم الحضارية والتاريخية لمصر.
وتحتفظ الذاكرة لهذا الفنان القدير بعدد كبير من المواقف الإيجابية التي لمستها عن قرب – وهي وإن كانت ترتبط بصفة شخصية بمسيرتي الفنية إلا أنها تكشف عن نبل سلوكياته وعطائه ودعمه المستمر مع الجميع -  ويكفي أن أذكر فضله وتأثيره الكبير في إحترافي للإخراج المسرحي، وذلك عندما بادر وأصر على اعتمادي كمخرج بجهاز الثقافة الجماهيرية (الهيئة العامة لقصور الثقافة) عام 1982 بمجرد مشاهدته وإعجابه بعرض «النار والزيتون» الذي شرفت بإخراجه كباكورة إنتاج «الجمعية المصرية لهواة المسرح» بقصر ثقافة قصر النيل، حيث طلب مني تقديم طلب بتاريخ سابق (ثلاثة أيام) كما قام بتشكيل لجنة للتقييم والإعتماد من الأساتذة: محمد سالم، رؤوف الأسيوطي، أمير سلامة الذين تصادف أيضا حضورهم وإعجابهم بالعرض، وبالتالي يتضح مما سبق أنه لم يكن مسئولا روتينيا على الإطلاق. 
أما الفنان النجم/ سمير صبري: الذي رحل عن عالمنا يوم الجمعة الموافق 20 من مايو (2022) عن عمر يناهز الخمسة والثمانين عاما فهو فنان شامل بمعنى الكلمة ومبدع متعدد المواهب، يحسب له بصفة عامة تألقه ممثلا ومطربا وراقصا ومذيعا ومنتجا في مشاركاته المتعددة بمختلف القنوات الفنية (سواء السينما أو المسرح أو بالدراما الإذاعية أو التليفزيونية)، حيث مارس من خلال تلك القنوات كل من التمثيل والغناء كما تألق أيضا في تقديم البرامج الفنية والمنوعات، ويكفي أن نسجل له تفوقه وتميزه في تقديم عدد من البرامج التليفزيونية المهمة بالتليفزيون المصري من بينها برامجه الشهيرة: النادي الدولي، هذا المساء، وكان زمان.
والذكريات المشتركة التي ربطت بيني وبين هذا الفنان الموهوب جدا متعدد المواهب ذكريات كثيرة وغالية. لقد بدأت بمتابعتي له كمقدم للبرامج الإذاعية والتليفزيونية وخاصة مهرجانات التليفزيون التي كانت تستضيف بعض النجوم العالميين وإعجابي الكبير بأسلوبه المميز وإجادته الحوار باللغات الأجنبية، ثم أتاح لي القدر فرصة اللقاء الأول معه حينما استضافني ببرنامجه الشهير «النادي الدولي» في فقرة مخصصة عن التجارب المتميزة للشباب بالمسرح الجامعي، ولتتوالى بعد ذلك اللقاءات والتي كان آخرها استضافتي مع الأستاذة/ فاطمة حسين رياض ببرنامجه الشهير بإذاعة الأغاني (إف. إم) للحديث عن الكتاب الذي شرفت بتأليفه بعنوان «حسين رياض الفنان صاحب الألف وجه». وللأسف الشديد لم يمهلنا القدر لتنفيذ مشروعنا المشترك بإعادة تقديم المسرحية المتميزة «الجنزير» للكاتب الكبير/ محمد سلماوي، حيث اتفقنا نحن الثلاث على تقديم المشروع لفرقة المسرح الحديث، وبالفعل رحب بذلك الفنان/ إسماعيل مختار، والذي وافق على اقتراحي بضرورة إضافة بعض الأحداث الدرامية لتتناسب مع الأحدث التاريخية بعد قيامي ثورتي 2011، و2013 وكشف القناع عن الوجه البغيض للإرهابيين الذين قاموا بكثير من العمليات الإرهابية الخسيسة ضد جيشنا الباسل. 
رحم الله كل من الصديقين المبدعين وأدخلهما فسيح جناته جزاء أخلاصهما في العمل، وفيما يلي محاولة توثيقية لمجموعة الإسهامات القيمة الخاصة بكل منهما. 


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏