العدد 929 صدر بتاريخ 16يونيو2025
بقلوب يعتصرها الحزن والأسى، ودعنا الأسبوع الماضى سيدة المسرح العربى الفنانة سميحة أيوب أيقونة الفن والموهبة، المرأة التى لم تكن مجرد ممثلة، بل كانت شعلة إبداع، ونبضًا حيًّا على خشبة المسرح العربى لعقود. برحيلها، ينطفئ ضوء من أضواء الفن الأصيل، ويُطوى فصل من فصول الإبداع الراقى.
كانت صوتًا نسائيًا جريئًا فى زمن الصمت، ووجهًا مشرقًا فى زمن التحدى، حملت قضايا مجتمعها على كتفيها، وجسّدتها بصدق وحرارة على الخشبة، فبكت القلوب معها، وصفق الوعى لها.
رحلت جسدًا، لكنها باقية فى كل مشهد حيّ، فى كل نص خالد، فى ذاكرة المسرح، وفى قلوب كل من عشق الفن النبيل.
خصصنا تلك المساحة لنجمع مجموعة من الشهادات من مختلف المسرحيين من مختلف الأجيال عن عطائها ومشوارها الكبير.
اليوم تنكس رايات الإبداع ألما ووفاء
نعى المخرج خالد جلال رئيس قطاع المسرح، الفنانة الكبيرة سميحة أيوب وقال جلال، اليوم تنكس رايات الإبداع ألما ووفاء لرحيل سيدة المسرح العربى، وإحدى أبرز القامات الفنية الشامخة، مضيفا أنه ربطته بالراحلة الكبيرة علاقة وثيقة لمس خلالها قدرا كبيرا من الولع بالفن والإخلاص له على مر السنين، رحم الله المبدعة سميحة أيوب وغفر لها، وألهم أهلها ومحبيها الصبر والسلوان.
واحدة من أعمدة الفن المصرى والعربى
قال الكاتب محمد عبد الحافظ نصف نائب الهيئة العامة لقصور الثقافة: «سميحة أيوب واحدة من أعمدة الفن المصرى والعربي؛ شاهدة على تاريخ بدايته وتقدمه وازدهاره، فهى واحدة من رموز القوة المصرية الناعمة التى تركت مشاعر وذكريات لن تمحو من عقل ووجدان المواطن العربى والمصرى بأدوارها المتميزة والفارقة فى المسرح والسينما والتليفزيون.
ستظل سميحة أيوب سيدة المسرح العربى التى تركت بصماتها الباقية وأدوارها التى لا يغيب عنها النور، فأكثر من 75 عاما من العمل فى الحقل الفنى جعلها رمزا فنيا عالميا قبل أن تكون رمزا مصريا وعربيا.
لا شك أن مصر خسرت كثيرا بغياب سميحة أيوب جسدا لكنها ستظل بأعمالها الفنية الراقية.
فنانة أثرت حياتنا ومنحتها كثيرا من البهجة والمتعة
أما المخرج الكبير عصام السيد فتحدث عن الراحلة سميحة أيوب وكتب عنها فى إحدى مقالاته وذلك بمناسبة قرار وزارة التربية والتعليم بتدريس مسيرتها فذكر قائلًا: «فى مناسبة قرار وزارة التعليم بتدريس سيرة الفنانة سميحة أيوب لتلاميذ الفصل السادس الابتدائى، نقول إنها تستحق هذا التكريم الرفيع، باعتبارها فنانة أثرت حياتنا ومنحتها كثيرا من البهجة والمتعة، فقد غذت عقولنا وأشبعت أرواحنا ومنحتنا القدرة على تحمل مشاق الحياة بفهم أسرارها ومعرفة دقائق النفس ومستورها عن طريق فن يحترم العقل ويرقى المشاعر.
وإننا ربما ننسى وجود تلك القمم فى خضم أحداث الحياة، ولكن لا يمكن محو أثرها فى نفوسنا أبدا ولا يمكن أن ننكر فضلها فى يوم من الأيام.
وفى الثامن من مارس المضى بلغت إحدى تلك القمم عامها الواحد والتسعين – بارك الله فى عمرها – لتصبح بذلك صاحبة الرقم القياسى فى عدد السنوات التى مارست فيها التمثيل ربما على مستوى العالم، ولا ينافسها فيه إلا السيدة (أمينة رزق) التى احتفلنا عام 2005 ببلوغها 75 عاما من العمل على المسرح.
فها هى سيدة المسرح العربى وأيقونة المسرح المصرى الأستاذة (سميحة أيوب) تكمل نفس المدة منذ أول عمل احترافى لها فى السينما (فيلم المتشردة 1947)، والذى كتب اسمها على ملصقاته (سميحة سامى)، حيث كانت تبلغ من العمر 15 عاما، ثم قدمت لنا على المسرح ما يقرب من 170 عملا مسرحيا كممثلة وأخرجت منها عملين.
وأنتجت مئات الأعمال أثناء رئاستها للمسرح الحديث والمسرح القومى، ومن خلال شركتها الخاصة أو الجمعية التى ترأسها.
ولو تتبعنا الأرقام فى حياة تلك السيدة (سميحة أيوب) – التى تستحق لقب الأسطورة عن حق – لغرقنا فى عدد الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والاذاعية التى قدمتها طوال مسيرتها، فليس هناك حصر دقيق للأعمال التى شاركت بها، فهناك من يقول أنها قدمت 260 عملا كممثلة، وهناك من يقول إنها أكثر أو أقل.
لمعت فى معظمها وسجلت حضورا طاغيا سواء فى الإذاعة أو السينما أو التليفزيون، أما المسرح فكان ملعبها الأساسى وما زالت أدوارها علامة مضيئة جعلتها تحصل على أرفع الأوسمة وأكبر التكريمات، حتى إنها أول فنانة تفوز بجائزة النيل وهى أرفع جوائز الدولة فى مصر عام 2015.
وكل هذا معروف ومشهود به، لكن الحديث لم يتطرق إلى (سميحة أيوب) المديرة والإدارية الناجحة ذات الشخصية القوية التى لم تكن تخاف أو تهادن، يشهد بهذا كل معاصريها والمتعاملين معها، وكنت واحدا منهم.
فى عام 1986 توفى الشاعر الكبير صلاح جاهين، وقرر مسرح الطليعة برئاسة المخرج الكبير سمير العصفورى أن يحتفى بالرجل، ولكن بالمشاركة مع المسرح القومى، فقدمنى للأستاذة (سميحة أيوب) لتقديم أمسية عن الراحل، فقامت الأستاذة بتسهيل كل الأمور لى برغم أنى – فى ذلك الوقت – كنت مجرد شابا مغمورا.
واكتشفت فيما بعد أنها كانت تتابع البروفات دون أن أراها لتكتشف أنه عرض كامل وليس أمسية، فتقرر عرضه لمدة شهر كامل وتسعى لأن يمثل مصر فى أول دورة تعود فيها للمشاركة فى مهرجان دمشق الدولى بعد انقطاع دام لعدة أعوام.
مسيرة ملهمة وإمبراطورية فنية خالدة
قال الفنان والمخرج مازن الغرباوى، رئيس مهرجان شرم الشيخ الدولى لمسرح الشباب عن سيدة المسرح العربى الفنانة سميحة أيوب وهى الرئيس الشرفى لمهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى أن الراحلة سميحة أيوب كانت قامة فنية وإنسانية فريدة، وصاحبة تأثير بالغ فى مسيرته المهنية والشخصية. واصفًا إياها بأنها قائدة حكيمة ألهمت أجيالًا من المسرحيين، حيث كانت واحدة من الأساتذة الملهمين فى حياته، وركنًا أصيلًا فى تأسيس المهرجان منذ دورته الأولى وحتى قبل رحيلها.
وأضاف الغرباوي: “كانت صاحبة رؤية عميقة، أطلقت معنا اسم جمعية نادى المسرح المصرى للثقافة والفنون، لتكون المؤسسة الحاضنة للمهرجان، وعملت بجوارها عن قرب لسنوات طويلة، فتعلمت منها الكثير؛ كانت إنسانة رائعة، وأمًا حنونة، ومديرة حكيمة توزن الأمور بميزان من ذهب“.
وأشار إلى أن سيدة المسرح العربى سميحة أيوب لم تتوقف يومًا عن العمل والعطاء، بل كانت رمزًا للتفانى والنشاط والإيمان الراسخ برسالة المسرح. حين تستمع إلى سيرتها، تشعر أن تاريخ مصر يتحرك أمامك، يقول الغرباوى، مؤكدًا أنها كانت تصنع من المسرح مجدًا ونجومية ومكانة عربية ودولية حقيقية.
وتابع: “الراحلة لم تحصد الأوسمة والألقاب والنياشين من فراغ، بل كانت إنجازاتها شاهدة على مكانتها الراسخة، ونجحت فى أن تفرض حضورها فى بلدان أوروبية عديدة، وعلى رأسها فرنسا، فى زمن لم تكن فيه السوشيال ميديا أداة مساندة للفنان، بل كان العمل هو الفيصل، والعطاء هو المعيار.
وختم الغرباوى حديثه قائلًا: “سميحة أيوب باقية بيننا بأعمالها وسيرتها العطرة، لكنّ الفقد موجع، وأفتقد التواصل الحى معها، والحضور والنقاش والنصيحة التى كانت تمدّنا بها. وسنعمل فى الدورة العاشرة للمهرجان على تقديم تكريم يليق بها وبمكانتها فى قلوبنا، فى مصر والوطن العربى. رحمها الله، وجعل مثواها الجنة، وألهمنا الصبر على فراقها».
مؤسسة قائمة بذاتها، مدرسة فى الأداء، وروح نادرة تسكن خشبة، بينما تحدث الممثل والمخرج ومدير مسرح الشباب تامر كرم عن القديرة سميحة أيوب فقال: «عندما نتحدث عن تاريخ المسرح العربى، لا يمكن أن نتجاهل اسم سميحة أيوب. فهى ليست مجرد فنانة قدّمت أدوارًا خالدة، بل هى مؤسسة قائمة بذاتها، مدرسة فى الأداء، وروح نادرة تسكن خشبة المسرح.
وأضاف قائلًا: «سميحة أيوب بالنسبة لى ليست فقط رمزًا للزمن الجميل، بل هى واحدة من القلائل الذين ظلّوا أوفياء لقيمة المسرح، بروحه ومضمونه، دون أن ينال الزمن من صدقها الفنى. عملها لا يُقاس بعدد الأدوار، بل بعمق التأثير. كانت ولا تزال بالنسبة لى نموذجًا للفنان الذى يدرك مسؤولية الكلمة، ويدافع عن المسرح باعتباره مرآة للوعى لا مجرد وسيلة للترفيه
رأيت عن قرب كيف تتحول النصوص فى حضورها إلى طاقة حيّة، وكيف تُلقى الجملة البسيطة فتُصبح مشحونة بتاريخ وحس إنسانى لا يُدرَّس. لديها قدرة مذهلة على احتواء كل من حولها، لا بسلطة النجومية، بل برُقيّ الإنسانة وبذكاء الفنانة التى تعرف متى تتقدّم ومتى تدفع الآخرين للتألق
سميحة أيوب ليست فقط “سيدة المسرح العربي” لقبًا، بل ممارسةً واستحقاقًا. هى ذاكرة حية، وضمير إبداعى، وكل لقاء معها هو درس جديد فى الالتزام، فى الشغف، وفى احترام الفن.
شكرًا سيدة المسرح، لأنكِ منحتِ هذا الجيل — ومن بعده — ما يكفى من الإلهام ليظل المسرح حيًّا.
قيمة وشخصية فنية نادرة لن تتكرر فى تاريخ الفن العربي
أعرب الفنان محمد محمود عن بالغ حزنه وتأثره برحيل سيدة المسرح العربى، الفنانة القديرة سميحة أيوب، واصفًا إياها بأنها “قيمة وشخصية فنية نادرة لن تتكرر فى تاريخ الفن العربى.
وقال محمد محمود فى تصريحات خاصة: «سميحة أيوب كانت بالنسبة لى مصدر إلهام قبل أن أدخل عالم التمثيل. كنت أذهب إلى المسرح القومى لأشاهد أعمالها، وأحيانًا كنت أحضر البروفات سرًا وأنا ما زلت طالبًا فى المرحلة الثانوية، فقط لأتعلّم منها وأستمع لصوتها الذى لا يُشبهه صوت.
وأضاف: «صوتها كان نادرًا بكل معنى الكلمة. أتذكر حين قدّمت شخصية (سمارة) عبر الإذاعة، كيف كانت الشوارع تتوقف تمامًا ليستمع الناس إليها. كانت حالة خاصة فى الأداء، تملك حضورًا طاغيًا وصوتًا يأسر القلوب.» وتحدث محمد محمود عن الجانب الإدارى للفنانة الراحلة، مؤكدًا أنها كانت شخصية قيادية يُحسب لها ألف حساب: حين كانت مديرة للمسرح القومى، كانت تتمتع بكاريزما وهيبة كبيرة، وكان الجميع يقدّرها ويهاب قراراتها. كانت تفرض احترامها بقوة الفن والثقافة، لا بالسلطة.
واستعاد الفنان محمد محمود ذكريات عمله مع سميحة أيوب قائلًا: تشرفت بالوقوف أمامها فى مسلسل (ضبط وإحضار) الذى شارك فى بطولته الفنان الكبير محمود قابيل، وكان ذلك منذ أكثر من عشرين عامًا. كما جمعتنا خشبة المسرح فى أمسية فنية لتكريم الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، حيث قدمنا المشهد الأخير من مسرحية (سكة السلامة)، وقد جسدت حينها دور الفنان الراحل عبدالسلام محمد رحمه الله.
وختم محمد محمود تصريحه بتأثر بالغ: «لن أنسى هذا اليوم أبدًا. لن أنسى تفاعل الجمهور، ولا الضحكات التى ملأت القاعة. سميحة أيوب كانت قامة فنية، وإنسانة نادرة التكرار. رحمها الله رحمة واسعة، وأسكنها فسيح جناته.
أمٌّ وأستاذة ورائدة قرأتنى بعيون المبدعين
الفنان حسن العدل يروى شهادته المؤثرة عن سيدة المسرح العربى سميحة أيوب: قال الفنان القدير حسن العدل فى شهادة مؤثرة عن سيدة المسرح العربى، الفنانة الكبيرة سميحة أيوب، إن الحديث عنها يطول ويصعب اختزاله، فهى فنانة من طراز نادر، صاحبة بصمة لا تُنسى فى تاريخ المسرح المصرى والعربى. واستعاد “العدل” بداياته الفنية، قائلًا: “كانت انطلاقتى مع مسرح باب اللوق فى أواخر السبعينيات، حيث شاركت فى مسرحيتين عام 1979 و1980، إحداهما كانت من إنتاج مصطفى بركة بعنوان «سيرك يا دنيا»، “ واللى عنده كلمه يلمها “ وشارك فى المسرحية الأولى فيها كبار النجوم، مثل شكرى سرحان، محمد توفيق، محمد شوقى، نجاح الموجى، وغيرهم».
وتابع: “فى المسرحية الثانية، شاركنا الفنان القدير توفيق الدقن، وكان معنا أيضًا أحمد بدير، تيسير فهمى، وسعيد عبد الغنى. وبعد انتهاء العرض بأيام قليلة، فوجئت بمن يبحث عنى فى منتصف الليل.. كان المخرج الكبير عبد الغفار عودة، الذى أخبرنى أنه بصدد إخراج مسرحية «مهاجر بيرسبيان “ للمسرح القومى، وهى مأخوذة عن نص إسبانى.
وقد اعتذر أحد الزملاء عن المشاركة وكان الفنان الراحل حاتم ذو الفقار بسبب ارتباطه بتصوير مسلسل فى دبي»، ويضيف العدل: “أُعطيت الرواية فى الليل، وطُلب منى الحضور فى اليوم التالى الساعة التاسعة صباحًا. ومن هنا بدأت رحلتى مع المسرح القومى، حيث شاركت فى البروفات رغم ضيق الوقت قبل الافتتاح.
ويتابع حديثه عن اللقاء الأول مع سيدة المسرح قائلًا :» فى يوم الافتتاح، فوجئت بالأستاذة سميحة أيوب، وكانت حينها مديرة المسرح القومى، تستوقفنى وتقول: (تعال، تعال.. أنت مين؟ إيه حكايتك؟). ضحكت، وقلت لها: حكايتى طويلة جدًا. حكاية فيها مشوار عمر، من النشاط الثقافى والفنى فى جامعة المنصورة، حيث كنت مديرًا له، إلى عملى بعدها فى جامعة القاهرة. ويبدو أنها رأت فيّ شيئًا، فقد اتصلت على الفور بوزير الثقافة وقتها، الأستاذ عبدالحميد رضوان، وأوصت بنقلى من الجامعة إلى المسرح. ومن هنا بدأ مشوارى الحقيقى مع الفن.
وأضاف العدل: “كانت الأستاذة سميحة أيوب سببًا مباشرًا فى تحولى من موظف إدارى إلى فنان مسرحى حقيقى. لم تكن مديرة عادية، بل كانت أمًّا حقيقية لكل من يعمل معها. سيدة لها نظرة ثاقبة، تدرك جوهر الشخصية، وتقرأ ما بين السطور.
وختم شهادته بتقدير بالغ، قائلًا: «عملت معها فى عدة مسرحيات، وتعلمت من توجيهاتها الكثير، فهى ليست فقط ممثلة عظيمة، بل مخرجة ذات حس مرهف، وسيدة تُشبه الوطن فى احتوائها. كانت ترافقنا فى السفر وكأنها أمّ لنا، لا مديرة. قدّمت لى ما لا يُنسى، ولن أتخلى عنها أبدًا، فهى أستاذتى التى قرأت حبى للمسرح، وأعادت توجيه، ويقول العدل:
كنت مشرفًا على أحد العروض المسرحية للأستاذ سعد أردش، وكان ذلك ضمن مجموعة من الأعمال التى جمعتنى به. ومن بين هذه العروض، جاءت رواية بعنوان (الشبكة)، كانت آخر عمل تشارك فيه الفنانة سميحة أيوب على خشبة المسرح.
ويتابع :”طلب منى أن أكون مشرفًا على العرض، وكان دورى أن أراقب الأداء العام وأتابع التزام الزملاء بالنص. وفى أحد المشاهد، شعرت أن الأستاذة سميحة تضايقت من شيء ما، وكأنها لم ترتح لتفصيلة معينة. فتوجهت إليها وقلت: (ما ينفعش، أستاذتنا الكبيرة، الفنانة اللى بنتعلم منها).. ووجدتها تستجيب بروح طيبة وبابتسامة دافئة، فى تواضع يُدرّس.
وأكد حسن العدل أن ما يميز الفنانة سميحة أيوب لم يكن فقط موهبتها المتفردة، بل تواضعها وثقافتها العالية وإحساسها العميق بالبشر، مضيفًا: كانت تعزمنا فى بيتها بمحبة صادقة، لا رياء فيها ولا تكلف. هذا ليس مجرد كرم، بل هو تعبير حقيقى عن إنسانيتها. ويقول العدل إن الفضل فى وجوده بالمسرح القومى يعود إلى الأستاذة سميحة أيوب، موضحًا: عملت معها فى أكثر من رواية، واستمتعت بكل لحظة على خشبة المسرح معها. تعلمت منها كثيرًا، وليس أنا فقط.. كل من تعامل معها خرج بشيء من روحها، ومن لم يعمل معها تعلم من سلوكها ومواقفها كفنانة وإنسانة. واختتم كلمته قائلًا: رحم الله الأستاذة القديرة سميحة أيوب، ستظل ذكراها حية لا تموت. كانت بحق سيدة المسرح العربى، وستبقى حاضرة فى وجدان كل من عرفها أو لمس أثرها. رحمات الله الواسعة عليها، وجعل الجنة مأواها.
لم تضع نفسها فى شرنقة الحرير تحمى نجوميتها
فيما نعى الفنان القدير عزت زين سيدة المسرح العربى وقال عنها :” كان آخر نداء لها فيما أظن.. هو نداؤها بالإبقاء على المسرح الكوميدى، قالت: مصر تحتاج إلى مسارح مش إزالة مسرح.
بعيدا عن أدائها التمثيلى وتاريخها المتفرد فقد جمعت إلى ذلك قدرتها على الإدارة وقدرتها على اتخاذ الموقف كلما دعت الضرورة.. وفى كل الأحوال لم تضع نفسها فى شرنقة الحرير تحمى نجوميتها بل تفاعلت مع الحياة الثقافية والفنية ودعمت ما رآت إنه يستحق الدعم والمساندة فما استحق أن يولد من عاش.
ماما سميحة.. مع السلامة
قال المخرج حسن الوزير عن سيدة المسرح العربى سميحة أيوب :” حقا.. إنه شعور بالأمومة لازمنى تجاه هذه السيدة ؛ منذ أن التقيت بها فى منزلها فى العام 1996 وحتى اخر لقاء حين شرفتنى بالحضور لعرضى الأخير بمسرح الطليعة عام 2024.
كان اللقاء الأول بمنزلها على اثر موعد مع زوجها وأستاذنا الجليل سعد الدين وهبة بعد أن شاهدا لى بالمسرح القومى عرض “أرض لا تنبت الزهور”، حيث عبر الأستاذ سعد الدين وهبة عن إعجابه بالعرض ودعانى للقائه بمنزله للحديث عن إعادة نصه المميز “سكة السلامة”.
استقبلتنى بمنزلها بمشاعر أمومة صادقة لم تفارقها؛ كما دار حوار مطول بيننا عن المسرح والفن والوطن.
تعجبت كثيرا لحضورها المبهج والنبيل على خشبة المسرح فى جميع أعمالها؛ كما تعجبت لمسيرة حياتها الشخصية التى اختارتها بإرادتها الحرة دون التقيد بتقاليد بالية، وكان الثنائى الذى ملأ خشبات مسارحنا بأعمال خالدة.
سعد الدين وهبة مؤلفا وسميحة أيوب بطلة لأعماله
ولا يزال نموذجا يحتذى به لم يمهلنى القدر بالعمل مع الأستاذ سعد الدين وهبة فقد مرض عام 1997 ورحل عن عالمنا فى نفس العام ؛ ولقد فقد المسرح العربى فى هذا العام سعدين عظيمين، سعد الدين وهبة _ سعد الله ونوس.
وكان تأبين المسرح القومى للراحل سعد الدين وهبة مهيبا؛ ووقف الدكتور يسرى العزب ليلقى قصيدته ضد الموت تقديرا للراحل العظيم، ولقد كان المعنى الحقيقى للقصيدة ضد التطبيع، ما دفعنى إلى أن أحول هذه القصيدة لعرض مسرحى بعنوان «الوعد سعد» وتم عرضه على المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية فى نفس العام، ولقد كان توثيقا لتلك العلاقة الزوجية الفنية التى جمعت بين كاتب كبير وممثلة قديرة محورا مهما فى العرض؛ ما كان يستلزم أكثر من لقاء مع الفنانة الفقيدة سميحة أيوب هذه الفنانة التى شرفت فنها ووطنها واستحقت كل التقدير من جميع العاملين بالمسرح، اللهم اغفر لها وارحمها فأنت أرحم الراحمين.
سميحة أيوب.. صوتها كان يتغلغل فى القلوب وشخصيتها تروى تاريخ المسرح
استعاد مهندس الديكور المسرحى حازم شبل ذكرياته مع سيدة المسرح العربى الراحلة سميحة أيوب، قائلًا إن علاقته الأولى بها تعود إلى الطفولة، حين كان يسمع اسمها يتردد على لسان والده الفنان جمال شبل رحمه الله الذى كان ممثلًا بالمسرح القومى، وكان قد التقى بها فى أواخر السبعينيات عندما كانت تشغل منصب مدير المسرح القومى.
وأضاف: كان والدى يشعر بالملل من العروض التاريخية باللغة العربية الفصحى، فقال لها ممازحًا: ‘أنا أود الذهاب للمسرح الكوميدى حتى ارتدى ملابس خفيفة وبالفعل وافقت، وانتقل للمسرح الكوميدى، ويروى شبل موقفًا طريفًا حدث فى عرض مسرحية “ممنوع الضحك” إخراج السيد راضى حين كان والده يؤدى دور طبيب بيطرى، ويعالج “كلبه” وبسببها يتسخ بنطلونه ويرتدى “التنورة“ ويصعد على السلم ليدخل المسرح وهو مرتدى الجيبة وفجأة ارتفعت ضحكة مميزة فى القاعة.. كانت سميحة أيوب نفسها حاضرة العرض، ما أضفى على الحكاية رونقًا خاصًا ظل عالقًا فى الذاكرة.
وعن لقائه المباشر بها، قال شبل: «أول مرة اقتربت منها فعليًا كانت فى مهرجان المسرح العربى بالمغرب عام 2015. صادف أن كنا نتناول الفطور فى التوقيت نفسه يوميًا، فكنت أستمع إلى حكاياتها بشغف؛ من ذكرياتها مع الأستاذ زكى طليمات، إلى تفاصيل البروفات التى كانت تبدأ من العاشرة صباحًا، ومسرحية سكة السلامة.. كنت أسمع منها تاريخ المسرح بصوت حى.
كما تحدث عن زمالته معها فى لجنة المسرح التابعة للمجلس الأعلى للثقافة عام 2018 والتى كان يرأسها آنذاك الدكتورة هدى وصفى وتضم كبار المسرحيين منهم الاستاذ جلال الشرقاوى والفنانة سميحة أيوب قائلًا:
رغم أن بعض النقاشات كانت محبطة ومكررة، فإن وجودها كان يمنح للجلسات روحًا خاصة.
كنت أحيانًا أجلس فقط لأستمتع بنبرات صوتها وأدائها المميز، الذى يُشعرك وكأنك ما زلت فى قاعة عرض مسرحى.
وأضاف: فى السنوات الأخيرة، شاركت فى عمل كانت هى بطلته، وكنت أحضر البروفات لما يقرب من شهر. شخصيتها على المسرح كانت لا تزال قوية، رغم تقدمها فى السن. وبعد اعتذارى لظروف خاصة، التقيتها فى الأوبرا، فبادرتنى بابتسامة ومحبة صادقة وكان ذلك فى أحد عروض المخرج والفنان وليد عونى كما أنها شاهدت عرض المتفائل، وأشادت بالعرض من خلال تسجيل فيديو لها وكذلك قامت بتسجيل صوتى قمت بعمل مشاركه له من خلال صفحتى الشخصية على فيسبوك.
واختتم شبل حديثه قائلًا: عرفناها فى كِبرها، حين كانت قد تجاوزت الثمانين، ولكن ظلت فيها ملامح القوة والالتزام والبهاء المسرحى.. كانت تجسيدًا حيًّا لجيل لا يتكرر، جيل المسرح القومى والانضباط جيل فيدرا، وسكة السلامة. رحمها الله، كانت فعلًا قامة كبيرة بل قامة لا تُعوّض.
سميحة التواضع والمبادئ الراسخة
تحدث الكاتب المسرحى دكتور علاء الجابر عن الفنانة سميحة أيوب فقال: «كمتابع للأفلام المصرية، كنت أدرك تمامًا قيمة “سميحة أيوب” الفنانة، التى تذهل المُتلقى بأدائها على شاشة التلفزيون فى أفلام تلك الحقبة، ولكن التأثر الأكبر بشخصيتها جاء من خلال المسرح، حين كنت أتابعها بانبهار فى أدوارها البطولية ضمن العديد من المسرحيات المسجلة تلفزيونيًا مثل: (كوبرى الناموس)، و(سكة السلامة)، فتجعلنى متسمرًا أتابع هذا الحضور البهى، وتلك الهالة التى تمتد لتشمل كل فضاء المسرح.
شاءت الظروف أن نجتمع سويًا قبل سنوات طويلة، خلال إحدى المهرجانات المسرحية خارج مصر، فكانت بداية أول خيط فى نسيج علاقة ابن بوالدته، وصديق بصديقته المقربة إلى قلبه.
تعدَّدت اللقاءات مع الغالية (سموحة)، سواء فى القاهرة؛ حيث نلتقى دائمًا فى بيتها المطل على النيل فى الزمالك، أو فى بعض العواصم العربية التى جمعتنا فيها ذات الدعوة.
وفى كل مرة كانت هى كما عرفتها أول مرة، لا تتغير أبدًا.
لم تغرِهَا أضواء النجومية، لم يشغَلْها هوس الشهرة... ظلت محتفظة بعفويتها، ومفرداتها، وقائمة المقربين منها، رغم كثرة المتحلقين حولها، وإعجاب الكثيرين بها، وانبهار كبار الشخصيات بتاريخها وشخصيتها.
ظلَّت تحتفظ بهذا التواضع الجميل فى شخصيتها، رغم أنها محفوفة باهتمام كبار القامات السياسية والفنية فى العالم العربى، ولعل الأوسمة التى يكاد بيتها يختنق بها دليل على تلك المكانة، التى حملتها عقولُ وقلوبُ القادة لها فى مشارق الوطن العربى ومغاربه.
لكن سميحة النجمة، رغم كل المجد الذى وصلت إليه، ظلت تتعامل مع الجميع ومعى شخصيًا كصديق مقرب بلا لمحة تعالٍ، أو نجومية، أو أى إحساس بالأفضلية، بل لم تكن تخجل من أن تسألنى أحيانًا عن رأيى فى بعض الأمور، ومِنْ ثَمَّ توحى لى بأهمية رأيى فيها رغم يقينى من بساطته.
وتابع الجابر قائلًا: ”من يتعامل معها يلمس بسهولة رقيها ورقتها، وكم كنت شاهدًا على كثير من المواقف، التى تعاملتْ معها بروح الأم فى حين كان الكثيرون يتوقعون منها الثورة فى وجه من أخطأ فى حقها، وعندما كنت أسألها بعد أن ينتهى الحدث، عن سبب عدم انفعالها، أو اتخاذها لأى موقف، تجيب بكل بساطة: لكل منا أسبابه ومبررات ضعفه، سهل أن ننتقم ونغضب، لكن الأجمل مَنْ يستطيع أن يعفو ويتجاوز.
فى المقابل كان صوتها يصدح بالحق إذا كان الأمر يتعلق بمبدأ من مبادئها، فلم تتنازلْ، أو تهادِنْ، أو تتملَّقْ مهما كانت سلطة الطرف الآخر، وقد لمستُ بنفسى وعرفت من مواقفها الكثير فى هذا الصدد. غادرتنا سميحة، لكِنَّ مبادئها ومواقفها وكلماتها ظلت راسخة فى قلوبنا، على أمل أن يستفيد منها فنانو الجيل الجديد، الذين فقدوا إحدى أبرز القامات الفنية بعد سنوات طويلة من العطاء، الذى تَوَّجَها سيدة المسرح العربى، وأضاف: وكم أتمنى من المسئولين عن الثقافة فى مصر أن يعتنوا بمقتنياتها الثمينة من دروع وأوسمة وصور وكتب ومجلات نادرة، بالتنسيق مع ابنها العزيز د. علاء مرسى، لأن قامة بحجم سميحة أيوب، تستحق أن تظل فى ذاكرة الأجيال القادمة بصورة ملموسة تخلد اسمها اللامع الكبير.
لم تكن تجربة سميحة أيوب فى المسرح العربى تجربة عابرة أو مجرد تراكم مجموعة من الأعمال المسرحية.
فيما أوضح الكاتب المسرحى جوان جان عدة تفاصيل عن تعرف الجمهور السورى على سيدة المسرح العربى فقال: «تعرَّف جمهور المسرح فى سوريا للمرة الأولى على الفنانة المسرحية الراحلة سميحة أيوب فى العام 1969 من خلال مشاركتها فى الدورة الأولى من مهرجان دمشق المسرحى فى مسرحية “دائرة الطباشير القوقازية” للمخرج سعد أردش، لتتتالى بعد ذلك مشاركات أيوب فى دورات المهرجان، إن لم يكن مشاركة فى أحد عروضه فضيفة عليه، تضفى بحضورها وثقافتها رونقًا خاصًا على المهرجان، وقد عرف فيها جمهوره خاصة والوسط الفنى والثقافى السورى عامة تلك المرأة المنافحة عن الفكر التقدمى التحررى والمعادية لكل فكر متعصّب وجاهل وساعٍ إلى إعادة شعوب المنطقة العربية سنوات وسنوات إلى الوراء.
وتابع جوان: «بعد مشاركتها فى أولى دورات مهرجان دمشق المسرحى تعددت مشاركات سميحة أيوب فى دوراته، ولم يكن لقاؤها بجمهور المسرح فى دمشق الثمرة الوحيدة التى قطفتها نتيجة لذلك، بل أيضًا لقب «سيدة المسرح العربى» الذى أطلقته عليها دمشق فى إحدى دورات المهرجان، وتروى الراحلة أيوب فى أكثر من حوار إعلامى وبكثير من الحنين والاعتزاز كيف أنها وبعد تقديمها لدورها فى إحدى مشاركاتها فى المهرجان فى سبعينيات القرن الماضى وقبل سفر الفرقة فى طريق العودة إلى القاهرة تبلغت قرار تمديد استضافتها فى دمشق لأيام بعد ختام المهرجان، لتعرف فيما بعد أن السبب هو تكريمها من قبل رئاسة الجمهورية وإطلاق لقب «سيدة المسرح العربى» عليها وهو اللقب الذى ظلّت محتفظة به حتى رحيلها، وستبقى محتفظة به ما بقى المسرح حيًا نابضًا بالحياة فى عالمنا العربى.
وأضاف: «لم تكن تجربة سميحة أيوب فى المسرح العربى تجربة عابرة أو مجرد تراكم مجموعة من الأعمال المسرحية لممثلة تحب المسرح وتقدّسه بل تحولت تلك التجربة إلى ظاهرة قلّ أن تتكرر، عزّزها تعاملها مع المسرح لا كممثلة تحاول أن تجسّد أكبر عدد من الشخصيات على خشبة المسرح بل كممثلة صاحبة موقف وفكر مستنير لا يقبل بالحلول الوسط وبالمواقف المتأرجحة فكريًا ولا بما تيسّر من إمكانيات لتقديم أعمال مسرحية كأداء واجب فنى، وقد تجلى هذا واضحًا فى الفترة التى تسلمت فيها إدارة المسرح القومى فى مصر وما تركته من أثر يشيد به كل الفنانين المسرحيين الذين عاصروا تلك الفترة.