النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(16) مؤلفًا مسرحيًا رغم أنف الرقباء!

النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(16) مؤلفًا مسرحيًا رغم أنف الرقباء!

العدد 920 صدر بتاريخ 14أبريل2025

مسرحيتا «المنحرفون» و«السعد وعد» كفيلتان بإقناع كاتبهما «فلان الفلاني» بالتوقف عن الكتابة، لما تعرض بسببهما من هجوم الرقباء وسخريتهم! لكنه ما زال مُصرًّا على الإبداع والتأليف المسرحى! ففى يناير 1986 تقدم إلى الرقابة بنص مسرحى جديد ثالث من أجل الترخيص بتمثيله باسم المؤلف! والنص بعنوان «بكره الفرح تم»، فطالبته الرقابة بتعديلات، قام بتنفيذها خلال أيام وتقدم بالتعديل تحت عنوان جديد للمسرحية وهو «سرقة من غير حرامي» والمحفوظ تحت رقم «247». ومن الواضح أن المؤلف أراد أن يثبت للرقباء أنه كاتب مسرحى لا يشق له غبار، فلم يكتب ملخصًا للمسرحية كما فعل سابقًا، بل زيّن نصه بصفحة أولى كتب عليها عنوان «المستخلص العلمى لمسرحية» سرقة من غير حرامى المعدلة من وبكده الفرح تم، قال فيه الآتي:
«إن الحياة كالبحر فمن أبحر بمعيشتها معد للرحلة التى تنقضى مدتها مع فترة العمر كل مستلزمات النجاة فهذا هو الذى سيستمتع بالرحلة استمتاع أبدى، ومن تهاون فى إقلاعه لرحلة الحياة بقلة المعرفة الحقة لمقاومة التيارات والزوابع التى قد تهب عليه فلن يناله غلا الفرق وهذا الفرق قد يسمح له بالمعيشة الجسمانية ولكن ذليلا للأمواج الجارفة التى تقذف به فى أى مكان قد لا يحبه الناس ويتحول الغريق إلى محور حديث كل الناظرين. إن الإبحار رحلة إجبارية لكل مخلوق تبدأ منذ الوعى العقلي. إن كل إنسان هو القائد لرحلته وعلى كل قائد المعرفة الجيدة لمسيرته حتى يصل على ما يجعل حياته بما تأخذ وتعطى اعتدالا للأبد. الذكاء نعمة قيمة فعلى من منحته الطبيعة تلك الموهبة ألا يتخطاها فيما ليس له حتى لا يدمر حياته وتتحول النعمة إلى نقمة ويسبقه العاديون. إن الحقيقة كالشمس مهما غيمت عليها السحاب فلا بد من عودة ضيائها لتطفئ كل الأباطيل. النور والظلام موجودان والحق والباطل موجودان فمن فضل العمل فى الظلام منكرًا للنور قيمته فذلك هو المبطل. ومن فضل العمل فى النور مهما أغراه الظلام فذلك هو المُحق. من مشى فلا بد أن يصل ومدة الوصول تتوقف على سرعة الخطى للماشى ونوعية المشوار والدراية العلمية به. أجمل ما فى الحياة المعيشة مع الناس فالعزلة لا تورث إلا الجفاء وعدم وضوح الرؤيا الحقيقية. جميل قبل أن نقرر نعيش حياة من يستلزم بالقرار. بالعمار الدنيا تحلى بالعمار والدمار قرر بها جر بالفرار. الحقيقة هى دائمًا ازدهار، والشر ديمًا فى انهيار”.
هذا المستخلص العلمى – كما أسماه المؤلف – يبين غرضه أو رسالته من نصه المُقدم إلى الرقابة، ولكنه لم يكتب ملخصًا للنص كما هى عادته! فقام الرقيب «شوقى شحاته» بكتابة ملخص للنص فى تقريره، قائلًا: أحمد يفشل فى دراسته وذلك لتدليل والدته له واستجابتها لكل مطالبه، لأنه وحيد ووفاة والده وهو صغير، وترك له أموالًا كثيرة مما جعله يهمل دراسته وينقاد لنزوات الشباب، فكان المال وتدليل والدته سببًا فى ضياع مستقبله بعكس الآخر الذى يعول أسرة كبيرة العدد رغم دخله المحدود ولكن بالحزم والتربية السليمة لأولاده استطاع أن يجعلهم ينالوا قسطًا من التعليم ويعتمدوا على أنفسهم وهكذا أخذ سعد ابنه أن يكون مستقبله، حيث قرر السفر إلى الخارج بعد أن نال شهادته الجامعية ويجمع ثروة لا بأس بها ويفكر فى استثمار هذا المال ويلتقى بشخصين يدعى احدهم أنه من دولة عربية شقيقة ويرغب فى عمل مشروع استثمارى يشاركه فيه أحد المصريين وهكذا استطاعا أن يوهما سعد بالمشروع الخيالى الذى سوف يدر عليهم أرباحًا طائلة وبذلك يستوليان على أموال سعد ولكن حقيقة خداعهما ينكشف وتقبض عليهما ويقدمان للعدالة لينالا جزاءهما ويسترد مسعد أمواله التى جمعها بكده وتعبه”.
واختتم الرقيب تقريره برأى قال فيه: “يحاول الكاتب أن يبين أن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان العقل يميز به الخبيث من الطيب وأن يستغل عقله فى العمل الصالح الذى ينفعه وحتى لا تسيطر عليه شهواته ونزواته كما أن الحق لا بد أن ينتصر على الباطل ليعود الحق إلى أصحابه وينال من يفعل السوء جزاءه وذلك بأسلوب ركيك وحوار غير مترابط مُجهد لفهم ما يريده، لذا أرى عدم الترخيص بالنص”.
أما الرقيب «فتحى عمران» فقال فى تقريره: “بعد قراءة النص المقدم من المؤلف والذى يدور حول معانى الأمانة والشرف والحث على العمل وعدم تدليل الأولاد لينشأوا فى مناخ صحى، إلا أن المؤلف لم ينجح فى عرض هذه الأفكار فى النص فقد شرحه فى ملخص النص ولم يظهر أية أفكار فى الحوار الذى هو العمل نفسه أو المطلوب الترخيص به وذلك لافتقاده – أى المؤلف – أساليب المسرح حتى التقليدية نفسها. وإذا أخضعنا هذا النص لما يسمى بالتجارب الطليعية بغيره لا تنفعه مع أى منها، فالحوار مفكك غير مترابط لا يؤدى إلى أى فهم أو حتى توصيل فكرة من الأفكار التى زحم بها الملخص. إلى جانب غلطاته الإملائية الواضحة التى تدل لا على جهله بالعربية فقط بل تدل على تسرعه فى الكتابة، فالكاتب يفتقد التأمل الذى ينتج عنه الفكر، مما جعله سطحى بشكل ملحوظ. هذا إلى جانب عدم فهمه لكثير من الحقائق والبديهات. مثال: فى الفصل الأول أراد أحمد أن يتزوج من إحدى قريباته فقالت له أمها: «أنت نسيت أنتو راضعين على بعض»! ورغم هذه الجملة التى قد ينشأ عنها رفضه لهذه الزيجة إلا أنه خطبها وسار فى الإعداد للزواج منها، وهذا على سبيل المثال. أيضًا الشخوص التى يقدمها المؤلف لم يحسن خلق التفاعل بينها رغم ما بينها من تناقضات فكلها مهزوزة تنطق ما لا تعرف أو ما لا يتفق معها. وعلى هذا أرى الرفض وعدم التصريح بما أسماه المؤلف مسرحية «سرقة من غير حرامي»».
أما الرقيبة الثالثة «تيسير حامد» فكتبت تقريرًا بالموافقة مع حذف عبارتين فقط!! فكتب المدير تقريره النهائى بالموافقة مبررًا ذلك قائلًا: إن المؤلف يحاول أن يعرض من خلال مسرحيته أن الشر استمرار الخير ودور الدولة فى لهفة المظلومين، ولا مانع من الترخيص بها «تشجيعًا للمؤلف»!! أما «المدير العام» الذى سيفصل فى أمر النص المرفوض من قبل رقيبين، وموافقة الرقيب الثالث، وموافقة مدير الرقابة المسرحية، فقد قرأ النص وكان أمامه على المكتب «روزنامة ورقية» فانتزع ورقة اليوم الموافق 21/1/1986 – وهو تاريخ صحيح بالنسبة لتواريخ التقارير – وكتب خلف الورقة الآتي: “أحمد المُدلل، أمينة والدة أحمد، احترس، الأسرة سعد ابن احترس، على الأسطى المحترف، والمحتال هفهف مساعد علي”. وواضح أنها أسماء فى النص أراد أن يكتبها على الورقة ليفهم النص أثناء قراءته! وفى الورقة أيضًا كتب فقرة، جاء فيها: “أتعب قلمه وأجهدنا لكى يقول لنا إن الله وهبنا العقل لكى نفرق به بين النور والظلام والحق والباطل لننعم فى حياتنا وإلا تحول إلى نفخة، وأن الحق كالشمس لا بد أن يعم ضياؤها مهما حاولت السحب أن تحجب نوره. ولا مانع من الترخيص بالمسرحية دون ملاحظات”. وبالفعل نال النص الترخيص باسم المؤلف برقم «90» بتاريخ 16/4/1986.
ثلاث مسرحيات كتبها «فلان الفلاني» كانت كفيلة لإقناعه بالتوقف عن الكتابة المسرحية – بناءً على ما كتبه الرقباء أو النقاد السريين الرسميين - لا سيما وأن المسرحيات لم تُعرض – حسب متابعتى وبحثى الأولى – وكان التصريح بها باسم المؤلف، وكأن المؤلف كان يكتبها لنفسه فقط أو لإقناع نفسه بأنه مؤلف مسرحي!! ولأننا أمام مؤلف مسرحى غير عادى، وجدته يتقدم إلى الرقابة بنصه الرابع، قبل أن يحصل على ترخيص نصه الثالث! والنص الرابع عنوانه «من غير وسطة» ومحفوظ فى ملف رقم «349» ومؤرخ فى مارس 1986، وكالعادة كتب المؤلف صفحة فى بداية النص عنوانها «القصة والمستخلص العلمى لمسرحية “من غير وسطة”»!! وكتب الرقيب «شوقى شحاته» ملخصًا للمسرحية فى تقريره، قال فيه:
«ليلى هانم فتاة ريفية عانت الكثير من والدها الذى كان يعاملها بقسوة وشدة بالغة لذا قررت ترك منزلها لتعمل راقصة فى إحدى الملاهى الليلية بالقاهرة ولتشبع غريزتها فى حب الفن وهكذا استطاعت أن تجمع ثروة كبيرة واستغلت الأموال فى إنشاء شركة للإنتاج الفنى لإظهار أصحاب المواهب الفنية المغمورة واستغلالها، وتسند إدارتها إلى المهدى زوج ابنتها الوحيدة الذى ليس له خبرة بالفن والعمل فى هذا المجال ويعلن فى الصحف أن شركة الإنتاج الفنى تحتاج إلى الذين لهم مواهب فنية حيث إن الشركة سوف تعطى الفرصة لكل من له موهبة فنية الفرصة للوصول إلى عالم الفن والشهرة بالجهد الفردى دون الوصول إلى هدفهم وتحقيق رغبتهم. ويحدث أن يحضر من الريف «بعزق» ابن أخت ليلى هانم التى لم تلتق به من قبل ولا تعرفه باحثًا عن عمل، ويصل بالصدفة إلى شركة ليلى هانم التى لا تعرفه باحثًا عن عمل وعندما تحدثت معه تعجب به وترسله إلى المهدى مدير شركة الإنتاج لكى يعينه فى الشركة وتقع فى حبه وتتزوجه رغم أنها بلغت سن الستين وبعزق يعتبر فى سن أولادها بالإضافة إلى الحقيقة الخافية عليها وهى أن ليلى هانم تعتبر خالته ثم تطور الأمر وتعينه مديرًا للشركة بديلًا من المهدى زوج ابنته الوحيد الذى أصبح نائبًا للمدير ويكتشف بعزق علاقة القرابة التى تربطه مع ليلى هانم ولكن ليلى تكتشف أنه ابن أختها الوحيدة فيتم الطلاق بينهما”. ويختتم الرقيب تقريره برأى قال فيه: “المسرحية كوميدية تبين العمل فى الوسط الفنى وكيف يقوم على أساس العلاقات الشخصية وأن مواهب كثيرة مغمورة لأنها لا تملك الوساطة والعلاقة الشخصية، ولا مانع من الترخيص بعد تغيير مشهد زواج بعزق من خالته ليلى هانم”. وكتبت الرقيبة «راضية سيد» تقريرًا بالموافقة أيضًا اختتمته بقولها: “لا مانع من أداء المسرحية التى تهدف إلى تقدير الموهوبين مع مراعاة الأغانى، تعرض على رقابة الأغاني”. أما الرقيب الثالث «فتحى عمران» فقد قال فى تقريره: “الرأي: يحاول المؤلف تقديم صورة ساخرة لذوى النفوس الضعيفة الذين يعطلون كل فن جيد نتيجة عدم فهمهم وإدراكهم لحقيقة أن الأصالة تفرض نفسها مهما كانت العراقيل، ولا مانع من الترخيص بهذا النص بدون ملاحظات”.
وبناء على موافقة الرقباء الثلاثة، نال النص ترخيصًا بتمثيله باسم المؤلف تحت رقم «112» بتاريخ 13/5/1986. وهذا هو النص الوحيد حتى الآن الذى نال موافقة جميع الرقباء، دون مطالبة أى رقيب برفضه كما حدث مع النصوص الثلاثة السابقة! فهل تعلم المؤلف كيف يكتب مسرحية؟! هل أثرت عليه الرقابة تأثيرًا إيجابيًا، وأفادته مناقشة الرقباء لدرجة أنه استوعب الأمر وأصبح كاتبًا مسرحيًا تنال نصوصه موافقة الرقباء وبالإجماع!
حقيقة لم يترك لنا المؤلف «فلان الفلاني» الفرصة للإجابة، حيث فاجأنا بنصه الخامس يتقدم به إلى الرقابة بعد شهر واحد من استلام تصريح نصه الرابع!! والمسرحية الجديدة عنوانها «أحلى من السكر» ومحفوظة فى ملف رقم «543». وكعادة المؤلف كتب صفحة مرفقة بالنص عنوانها «القصة والمستخلص العلمي»، ثم وجدت عنوانًا جانبيًا «الملخص الفكري»، قال فيه المؤلف: “الحياة نسيج متشابك تكونت خيوطه، من كل آدمى تواجد بالحياة، وباتحاد كل خيط ممثلًا فى كل شخصية، تتألق حيوية الحياة، إن من ينكر أى شخصية متواجدة، كمن يحرق عصا صلب من صلب الحياة، إن لكل موجود قيمة، فمن يهمل قيمته فذلك هو المدمر، أما العاقل وهو سيد المخلوقات، وعلينا بالاقتداء به والاستعانة به عند الاستغراق الفكرى، إن العاقل كالشمعة تحرق نفسها لتضيء للآخرين وبذلك حققت له السيادة”. وتحت عنوان «الملخص القصصي»، ذكر المؤلف ملخصًا حاولت قدر الإمكان نقله بأسلوبه وبأخطائه وركاكته، وفيه يقول:
تحكى مسرحية أحلى من السكر قصة شابين تخرجا من الجامعة، الأول خريج خدمة اجتماعية والثانى خريج زراعة، وبعد التخرج وأداء الخدمة العامة استوقفتهم ما يستوقف كل شاب، وهو العمل ذو الدخل المرتفع، والحصول على الشقة، وكذا العروسة، للاستقرار فى الحياة وحين بحث أحدهم عن عمل مناسب التقيا فى محل كان يرثه أحدهم، وتعرفا هذه اللحظة ليكتشفان المشروع بخبرتهم الدراسية، وفعلًا يتم استعراض مشكلتين على امتداد الرواية، الأولى شخص غير مثقف ثرى يتزوج بغير مثقفة لتستغله استغلال سيئ، مدمرة للقيم الزوجية ولا تستطيع إيقافها عند حدها فيحاول الزواج بغيرها، ويتوعدانه بالذبح والانتقام الزوجين، فيشكو هذه الشكوى لصاحب المكتب ويبدأ الأخصائى فى استدعاء الزوجات والزوج، بعد طرق مختلفة، وكلما حل إشكال ظهر آخر، فيقوم الشخصية بابتكار عدة طرق لاستيقاف الشر والأذى، وتزويد الأسوده بالإنسان إلى رحمه وملائكية وأثبتا الشابين كفائتهم الفكرية فى استقاف الشر بأسره، ذلك الثرى كما تمت الاستفادة بثراءه، وعمل مشروع سكن ذو 24 شقة فتوفرت الشقق للشابين ولغيرهم بحسن التفكير وزلزلو كل شر بالأسرة حتى تحولت إلى أسرة وديعة، كما تقدم شخص آخر مكتئب ومفتتن بصيادة رجال أمكن علاجه بالمكتب أيضًا، وجعله يسلك الطريق الصحيح كما نرا الشابين بفاتنة كانت مدمنة صيد رجال فجعلوا منها عبرة لكل خارجه عن القيم والمبادئ، وتبين المسرحية أن الفكر سيد كل نجاح فمن أهمله فقد تسبب فى تدمير حياته، ومن بحث وابتكر عاش ونجح وصعد”.


سيد علي إسماعيل