المسرح الجامعي رافد من روافد المسرح

المسرح الجامعي رافد من روافد المسرح

العدد 881 صدر بتاريخ 15يوليو2024

كان تحديد مفهوم «المسرح الجامعي» في كتاب”المصطلح المسرحي عند العرب» على النحو التالي:»المسرح الجامعي مسرح يمارَس في فضاء الجامعة. والفعل  السابق (يمارَس) يحيل مباشرة على العرض المسرحي. لذا فإن المسرح الجامعي لا يتعلق بالنص الدرامي، الذي قد يكتبه أستاذ جامعي أو حتى طالب جامعي أو مؤلف غير جامعي، لأن المسرح الجامعي لا يشترط أن يكون النص الدرامي مؤلفا من قبل منتسب إلى الجامعة، أستاذا أو طالبا. زد على هذا، أن التجربة بينت أن المسرح الجامعي قد يمسرح نصا دراميا قد لاينتسب مؤلفه إلى الجامعة. على ضوء ما سبق، يتضح أن المسرح الجامعي يتعلق بالعرض المسرحي الذي ينجزه المنتسبون إلى الجامعة، أساتذة وطلبة. والأستاذ لا يقوم بذلك بصفته المهنية -لحد الآن- لأن مهنته هي التدريس. ولكنه يقوم بذلك بصفة تطوعية. والتطوع هواية. أما الطلبة فمن نافلة القول ذكر أنهم يمارسون المسرح بصفة تطوعية ومرحلية، مادامت المرحلة الطلابية محدودة في الزمن. وقد لا يهتم طالب مارس المسرح –تشخيصا- تحت مسؤولية أستاذ بالجامعة حينما يخرج إلى الحياة العملية»1.
  العناصر الأساسية في هذا التحديد هي 1-الانتساب إلى الجامعة 2-العرض المسرحي 3- التطوع. لكن هذا العنصر الأخير، أي التطوع/الهواية، ليس ثابتا وقارا في تحديد مفهوم «المسرح الجامعي». ذلك أن هناك معاهد جامعية متخصصة تقوم بتكوين الطلبة تكوينا مسرحيا من أجل الاحتراف وليس الهواية. من هذه المعاهد، على سبيل المثال، “المعهد العالي للفنون المسرحية” بمصر، وأكاديميات الفنون التابعة للجامعات بالعراق، و”المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي” بالرباط، و»المعهد العالي للفنون المسرحية» بالكويت. و يبدو أنه من المفيد التمييز بين المسرح الجامعي والمسرح في الجامعة. سبب هذا التمييز هو أنه قد تقدم فرقة أو فِرَق مسرحية غير جامعية عروضا مسرحية في الجامعة أوفي إطار  المهرجان الذي تنظمه هذه الأخيرة الذي قد تشارك فيه فِرق مسرحية دون أن تكون  جامعية.
  ومن الناحية التاريخية، يمكن القول إن أصول المسرح الجامعي تعود إلى” العروض التي كان يقدمها الطلبة في الكليات والجامعات في انجلترا وفرنسا وألمانيا منذ القرن الخامس عشر. وقد لعب هذا التوجه دوره في ترسيخ  أصول الإلقاء وفي نشر الربرتوار  المسرحي القديم، وفي التعريف بنظريات المسرح، وتلك كانت على الأخص مساهمة المجموعة التي أُطلق عليها اسم فطناء الجامعة University Wits في أنجلترا بين عامي 1579 و1599»2.
  وفي العصر الحديث، تجدر الإشارة إلى أن الناقد الفرنسي رولان بارت Roland Barthes  (1915-1980) كان قد مارس المسرح في جامعة السوربون Sorbonne الفرنسية قبل أن يصير ناقدا أدبيا/سيميائيا وناقدا مسرحيا كذلك. كما أن المخرجة الفرنسية آريان منوشكين Ariane Mnouchkine (1939-...) كانت قد مارست المسرح في الجامعة ذاتها قبل أن تتخصص في الإخراج المسرحي. وهذان مثالان فقط.
  وفي العالم العربي، كان عبد الرحمن ياغي قد ذكر في كتابه «في الجهود المسرحية الإغريقية، الأوروبية، العربية” عددا من الكليات التابعة للجامعة الأردنية التي قُدمت فيها عروض مسرحية تنتمي إلى المسرح الجامعي. ومما ذكره في كتابه، ارتباطا بالموضوع، قوله:»كذلك قامت كلية الآداب في الجامعة الأردنية بمحاولات في هذي السبيل عن طريق الطلبة والطالبات..في لجانها المختلفة..ففي العام ذاته 1968..قدم نادي اللغة الانكليزية مسرحية برنارد شو ..”السلاح والرجل” باللغة الانكليزية.. وهي المسرحية مثلت أول ما مثلت في انجلترا على مسرح أفنيو  (Avenue Théâtre ) لندن في 21 إبريل-1894..كما قدم نادي اللغة الانكليزية في كلية الآداب بالجامعة الأردنية في العام التالي 1969..مسرحية..(لن تقوى على أن تقول-(  You Never Can Tell) وهي رابع مسرحية من مسرحيات شو الكوميدية..وكان قد كتبها عام 1895..وقد قدمها النادي بلغتها الأصلية..وقد أعانت على إخراج المسرحيتين الآنسة الانكليزية فيفان هيمر المدربة المتبرعة بقسم اللغة الانكليزية»3.
    لم يقتصر وجود المسرح الجامعي، حسب ما هو موجود في كتاب «في الجهود المسرحية...» لعبد الرحمن ياغي، على كلية الآداب، وإنما كان موجودا أيضا في كلية التجارة والاقتصاد وكلية العلوم. هذه المعلومة الأخيرة تفيد أن هذا المسرح الجامعي مسرح هواية لا مسرح احتراف ناتج عن التكوين والتخصص كما سيتبين لاحقا. 
  كما أن الجامعة لا تقدم فيها فقط العروض المسرحية  التي تندرج في إطار مفهوم «المسرح الجامعي»؛  بل قد تُدرَّس فيها، في كليات الآداب تحديدا، مادة المسرح كذلك حيث تكون هذه المادة  ضمن المواد الأدبية. من خلال مادة المسرح يكون تدريس تاريخ المسرح، والتعريف بنظريات المسرح، وتحليل النص الدرامي. وفي كلية الآداب تُدرَّس أيضا مناهج النقد. وبطبيعة الحال، فتدريس هذه النظريات، وتحليل النص الدرامي، وتاريخ المسرح ليسوا مسرحا. وفي”المغرب كان يدرس المسرح كمادة أدبية في بعض الكليات»4 ومازال يُدرَّس فيها إلى اليوم.  في كليات الآداب في المغرب «تُدرَّس فيها  مادة المسرح باعتبارها نصا أدبيا مكتوبا وليس معروضا. ذلك أن الطالب يتلقى تحليلا دراماتورجيا أي إبراز الأحداث الموجودة في النص، ودلالة هذا الأخير التي تقدم في الغالب رؤية مؤلفه للعالم، فضلا عن العناصر المكونة لشعريته. هذا لم يتجاوز إطلاقا ما هو نظري، أي محاولة جعل  النص الدرامي ملعوبا حيث تكون الإضاءة، والظل، والصمت، والألوان وكل العناصر الخاصة بسيميائيات التطبيق السيميائي.
  كانت الإرشادات، الإرشادات المتعلقة بالفضاء والزمن، العناصر الديداكتيكية الخاصة بالعرض، قليلا ما ما تكون مصحوبة ب «كيف نلعب؟”5.      
 وفي تاريخ المسرح العربي هناك أسماء كان لها دور في المسرح الجامعي إما تأليفا أو إخراجا أو هما معا. ففي جامعة الخرطوم جمع خالد المبارك بين التأليف والإخراج. من هذه الأسماء أيضا روجيه عساف (1941-...) (لبنان)، وفواز الساجر (1948-1988) (سوريا)، ومحمد حسين حبيب (العراق)، وصلاح القصب (العراق)، ومدحت الكاشف (مصر) ومحمد الكغاط (المغرب)...
 وعلى سبيل المثال، فقد قدم مدحت الكاشف في”معهد الفنون المسرحية» بمصر المسرحيات التالية: «هاملت»، «عطيل»، «يوليوس قيصر، «مكبث”، تاجر البندقية”، “حلم ليلة صيف” وهي كلها من كتابة شكسبير الدرامية؛ و»الشقيقات الثلاث»، و»بستان الكرز»، و»الخطوبة»، و»الجلف»، وأغنية التم» وهي كلها من الكتابة الدرامية لأنطون تشيكوف؛ و»الجريمة والعقاب» (إعداد) لديوستوفسكي؛ و»القرد كثيف الشعر»، و»الراكبون إلى البحر» وهما من الكتابة الدرامية ليوجين أونيل؛ «الضفادع»، و»برلمان النساء» لأرستوفان؛ «أندروماك”، فيدر” لراسين؛ زواج فيغارو” لبومارشيه؛ «الكترا” و»أنتيغون” لسفوكليس؛ و»الجلادان» لفرناندو آرابال؛ و»رقابة مشددة» لجان جونيه. هذه النصوص المسرحية كلها من المسرح العالمي.
 ومن المسرح العربي أخرج مدحت الكاشف النصوص المسرحية التالية وقدمها في المعهد المذكور أيضا: «أهل الكهف»، و»أريد أن أقتل» وهما من الكتابة الدرامية لتوفيق الحكيم؛ و»الناس اللي تحت»، و»عائلة الدوغري” لنعمان عاشور؛ و”الأميرة تنتظر”، و”مسافر ليل”، وبعد أن يموت الملك” لصلاح عبد الصبور؛ و”طقوس الإشارات والتحولات” لسعد الله ونوس6.  وآخر مسرحية أخرجها محمد حسين حبيب، إلى حد الآن (يونيو 2021)، هي مسرحية «الراديو» في كلية الفنون الجميلة بمدينة بابل التابعة لجامعة بابل. و”الراديو” نص مسرحي للكاتب النيجيري كين-تسارو ويوا. 
  لكن إذا كان المسرح الجامعي، وفق ما تم بيانه سابقا، مسرحَ هواية، فهل الأمر كذلك بالنسبة للكليات المتخصصة التابعة للجامعات والمعاهد التابعة للتعليم العالي مثل «المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي» بالرباط ؟. هذه المعاهد والكليات منها، على سبيل المثال، «معهد الفنون المسرحية» بمصر، وكلية «الفنون الجميلة» بمدينة بابل بالعراق، وغيرهما. للإجابة عن هذا السؤال، تحسن الإشارة إلى مواد التكوين في المعهد «العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي» (ISADAC) بالرباط، الذي يخضع فيه الطلبة لتكوين مسرحي تطبيقي في المقام الأول طيلة سنوات. عبارة «في المقام الأول» تفيد أن هناك أيضا تكوينا نظريا. هذا التكوين يُتوَّج بتقديم الطالب لعرض مسرحي من إخراجه مثلما كان الأمر، على سبيل المثال، مع أمين ناسور الذي أخرج مسرحية «حياة غاليليو غاليلي “ لبرتولد بريشت سنة 2007. وقد اقتبس سالم كويندي النص الدرامي.
   إن هذا المعهد الذي ظهر سنة 1986 «المعتبر بمثابة مركز احترافي له مهمة تختلف عن مهمة الجامعة، بحيث لن تكون أي جامعة مطلقا منافسة له، بالعكس يمكن النظر إليها باعتبارها حقلا منسجما معه ومختبرا حيث يمكن لمتوجي L ISADAC تجريب وتنفيذ مشاريعهم»8.     
  من المواد المدرَّسة في المعهد المذكور اليوم، الذي تخرج منه أمين ناسور، وهو اليوم أستاذ فيه، وغيره المواد التالية: التعبير الركحي، تاريخ المسرح، الدراماتورجيا، دراماتورجيا الإضاءة، الإلقاء، الكتابة الركحية، التشخيص، مسرح الطفل، منهجية البحث، بحوث حول اللباس...لذا، فهو «ليس مدرسة لتلقي المعارف، بل لاستيعاب التقنيات»7 . هذا التكوين المتخصص هو ما تفتقر إليه كليات الآداب. نتيجة هذا الاختلاف بين هذه الأخيرة والمعهد هي أن الجامعة في المغرب قدمت نقادا وباحثين؛ أما المعهد، وهو اليوم تابع للتعليم العالي، فقدم محترفين في التمثيل والسينوغرافيا إلخ ...وقد تابع بعضهم دراساته الجامعية خارج المعهد. فقد ناقش مؤخرا عبد المجيد الهواس، على سبيل المثال، أطروحته الجامعية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة القنيطرة بالمغرب. وجوابا على السؤال السابق، فإن المتخرج من المعهد المذكور يكون محترفا وليس هاويا. الاحتراف والهواية يعنيان هنا تلقي تكوين جامعي متخصص (الاحتراف) أو عدم تلقيه (الهواية).
   هذا ويمكن التأريخ لبداية المسرح الجامعي في كل بلد عربي على حدة. ففي المغرب، كان قد ظهر المسرح الجامعي أول مرة في الرباط في ستينيات القرن العشرين. ذلك «أن المخرج المسرحي فريد بن مبارك قدم عرضين مسرحيين باسم المسرح الجامعي   هما «بنادق الأم كرار» (Fusils de la mere Carrare) لبرتولد بريشت، و»نزهة» (Pique-Nique en compagne) لفرناندو آرابال. وهما معا من أداء طلبة جامعيين باللهجة المغربية. وقد كان الديكور من إنجاز الهاشمي بنعمر”9 .  

 المهرجانات
   “يتضح من الكلام السابق أن المسرح الجامعي ليس وقفا على كلية دون أخرى، ولكنه يشمل سائر الكليات المختلفة التخصصات. وفي المغرب كان المسرح يدرس  كمادة أدبية في بعض الكليات؛ علما بأن الطلبة كانوا يقدمون، بين الفينة والأخرى، عروضا مسرحية تحت إشرافهم وتسييرهم. يختارونها وفق توجهاتهم، إذ تكون هذه العروض المسرحية، في الغالب، من إنجاز جمعيات للهواة. غير أن الأمر تطور بعد أن صارت بعض الكليات لا تنجز عروضا مسرحية فقط، ولكن تنظم المهرجانات. ذلك أن كلية الآداب بابن امسيك بالدار البيضاء كانت تسهر على تنظيم مهرجان دولي للمسرح. وكانت الانطلاقة الأولى سنة 1988. كما بادرت جامعة المولى اسماعيل بمكناس بتنظيم مهرجان سنوي للمسرح أيضا. وقد توقف الآن»10. كما بادرت جامعة ابن زهر بأكادير بتنظيم مهرجان دولي للمسرح الجامعي. وكذلك كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، ومهرجان فاس للمسرح الجامعي الذي تنظمه جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.
  إن هذه المهرجات الجامعية، ومنها الدولي (مهرجان كلية ابن لمسيك بالدار البيضاء)، ومنها الوطني (مهرجان جامعة المولى اسماعيل بمكناس) مناسبة فنية للاطلاع على تجارب مسرحية متنوعة، أخذا بعين الاعتبار كل المهرجانات، من بلدان عديدة، عربية وغير عربية، ومن المغرب نفسه. كما أنها مناسبة لانتشار الثقافة المسرحية. وكان حسن المنيعي قد حكم على الفرجة المسرحية المغربية ومنها المسرح الجامعي قائلا: “ونظرا لتعدد هذه الفرق وتنافسها، فقد تحول الجهاز المسرحي إلى بناء متقن  بعد أن نضجت مقوماته على أيدي الكتاب والتقنيين والمشخصين. بل يمكن أن نقول بكامل الصراحة أن الفرجة المسرحية في المغرب قد أخذت توازي نظيرتها في الغرب من خلال ما تعلن عنه من فنيات، وما ينطوي عليه النص من شحنات فكرية  تعكس هموم المجتمع، وتعالج قضاياه العريضة.
  إن هذا الحكم ينسحب على الأعمال الجادة التي أنجزها المسرح الجامعي ومسرح القناع الصغير وبعض أعمال الهواة»11. هذه المهرجانات في حاجة إلى دراسة أو دراسات صونا للذاكرة المسرحية، ومن أجل تحليل البنيات المسرحية ولغاتها المسرحية.
  وقد ظهرت في الآونة الأخيرة (2018)  دراسة باللغة الفرنسية للباحثة المسرحية فوزية الأبيض عنوانها «LA Pépinière Du Théâtre Universitaire Au Maroc   “12 (مشتل المسرح الجامعي بالمغرب). يتكون هذا الكتاب من قسمين وملاحق وببليوغرافيا. عنوان القسم الأول هو “ميلاد المسرح الجامعي بالمغرب”، وعنوان القسم الثاني هو “وقائع المهرجانات، ذخيرة وحصيلة”، ثم»خاتمة عامة» تضمنت»ملاحق وإحصائيات»، و»ببليوغرافيا”13.
   في هذا الكتاب جرد وبيانات تتعلق بالعروض المسرحية التي تندرج في إطار المسرح المذكور إلى حدود سنة 1999.. هذه المهرجانات هي 1- المهرجان الدولي المسرح الجامعي الذي نظمته كلية ابن امسيك بالدار البيضاء طيلة سنوات، وهو مهرجان دولي. 2- مهرجان (دورتان)، وهو مهرجان وطني. 3- مهرجان أكادير للمسرح الجامعي (أربع دورات).
  في الكتاب جداول إحصائية منها جدول تضمن، حسب السنوات، مجموع المشاركات الدولية في مهرجان الدار البيضاء من سنة 1988 إلى سنة 1998. كانت أعلى مشاركة في سنتي 1994 و1997، حيث شاركت في كل دورة منهما أزيد من ثلاث وعشرين  فرقة مسرحية تنتمي إلى  ثلاث وعشرين دولة14، إذ قد  تنتمي فرقتان أو أكثر لدولة واحدة. 
  كما تضمن الكتاب خلاصة تتعلق بالمهرجانات الثلاثة (الدار البيضاء، مكناس، أكادير) في كل الدورات التي غطاها الكتاب، مفادها وجود هيمنة كبيرة للكلاسيكيات ولكبار المسرح العالمي مرتبة عدديا من الأعلى إلى الأدنى مثل موليير Molière، وشكسبير Willim Shakespeare 15، وبرتولد بريشت Brecht Bertolt، وصمويل بيكيت  Samuel Beckett، وداريو فو Dario Fo ...
 وبالنسبة للكتاب المسرحيين العرب، كان نجيب محفوظ، و سعد الله ونوس، وعبد القادر علولة، وتوفيق الحكيم، ومحمود دياب16 ، وغنام غنام، ومحمد مسكين، وشكيب خوري.
  أما بالنسبة للكتاب المسرحيين المغاربة، وهي كذلك مرتبة عدديا مثل السابقين، فتوجد الأسماء التالية: أحمد الطيب العلج، الطاهر بنجلون، محمد الكغاط، عزالدين بونيت17  ، المسكيني الصغير، نبيل الحلو، عبد اللطيف اللعبي، عبد الكبير الخطيبي، ادريس كسيكس إلخ...18.
  يتبين من خلال الجداول والإحصائيات الموجودة في الكتاب أن مهرجان الدار البيضاء المرموز له في الكتاب ب FITUC (المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء) قد انفتح، مسرحيا، على تجارب مسرحية جامعية من قارات مختلفة وبلغات مختلفة. إنه مهرجان دولي بخلاف مهرجاني مكناس (FMTU )وأكادير (FATU) اللذين كانا مهرجانين وطنيين. كما أن مهرجان الدار البيضاء هو الأكثر عددا من حيث الدورات، إحدى عشرة (11) دورة لمهرجان الدار البيضاء من سنة 1988 إلى سنة 1998؛ مهرجان مكناس دورتان (2) سنتا 1993 و 1994؛ مهرجان أكادير أربع دورات (4) من سنة 1996 إلى سنة 1999.
  لكن مهرجان الدار البيضاء لم يتوقف بعد إحدى عشرة دورة، وكذلك مهرجان أكادير لم يتوقف بعد أربع دورات. لقد بلغ مجموع دورات المهرجان الأول من البداية إلى سنة نشر هذا الكتاب (2018) ثلاثين دورة. وبلغ مجموع دورات المهرجان الثاني أيضا إلى حدود السنة ذاتها ثلاثا وعشرين دورة. هذا علما بأن الثاني تحول من مهرجان وطني إلى مهرجان دولي. لذا، يُطرح السؤال التالي: لماذا التوقف في الكتاب عند حدود سنة 1999 بالضبط؟. هل هناك خلفية معرفية أو منهجية لاختيار هذه السنة بالذات أم أن هناك خلفية أخرى؟. لا يقدم الكتاب جوابا على هذا السؤال. بناء على ما سبق، يظهر جليا، أخذا بعين الاعتبار زمن النشر، أن الكتاب يفتقر إلى تحيين المعطيات الموجودة فيه.
  وكما سبقت الإشارة، ففي الكتاب جداول وإحصائيات وأرقام، وهذا عمل تقني، ولكن لا توجد فيه أي دراسة تحليلية لأي عرض مسرحي جامعي مسجل في فيديو، لتعذر المشاهدة الحية أثناء تأليف الكتاب، قُدم في دورة من دورات المهرجان التي هي موضوع الكتاب19. 
   واللافت للانتباه هو وجود إشارة، في متن الكتاب وليس في الهامش، إلى الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان مسرح الهواة التي انعقدت بطنجة؛ و تنظيم «فرقة البدوي» لمهرجانها في إفران؛ وتنظيم المحمدية للملتقى الثالث بتعاون بين اتحاد كتاب المغرب والبلدية؛ وتقديم فرقة «مسرح اليوم» (ثريا جبران) لمسرحية «النمرود في هوليود” وهي من تأليف عبد الكريم برشيد وإخراج عبد الواحد عوزري؛ والدورة الثالثة لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، مع ذكر عدد البلدان المشاركة فيه (32 بلدا منها أربعة عشر بلدا عربيا وثمانية عشر بلدا أوروبيا) رغم عدم انتسابها كلها إلى المسرح الجامعي.
  ورغم أن الكتاب محصور، من خلال عنوانه، في المسرح الجامعي في المغرب، فإن القسم الأول منه، وعنوانه « La genèse du théâtre universitaire au Maroc »  (نشأة المسرح الجامعي بالمغرب) تضمن معلومات تاريخية معروفة تتعلق بفرجات ظهرت في أزمنة مختلفة هي: البساط، والحلقة، وسلطان الطلبة، وسيدي الكتفي. هذه الفرجات أو الأشكال ما قبل مسرحية20 حسب بعض الدارسين، كانت كلها قبل ظهور الجامعة في المغرب. وهي فرجات شعبية لا علاقة لها بالتعليم الجامعي. فعلى سبيل المثال، إذا كانت تسمية «سلطان الطلبة» تحيل على تعليم عتيق من خلال كلمة “طَلْبَ” (Tolba) كما تُنطق في الدارجة المغربية، وهي جمع  لكلمة طالب أي طلبة التعليم الديني العتيق، فإن سبب ظهور هذا الشكل الفرجوي والإطار الفكري الذي يؤطره، ليسا هما السبب والإطار الفكري المتعلقين بالمسرح الجامعي في المغرب. وفي الكتاب نفسه إقرار بأن أول دورة للمسرح الجامعي في المغرب كانت في الدار البيضاء (في كلية الآداب ابن مسيك) من 7 إلى 20 يوليوز سنة 1988. أما أول مرة استعمل فيها مصطلح «المسرح الجامعي» في المغرب، فكانت في ستينيات القرن العشرين مع فريد بن مبارك حسب الكتاب.
   وعليه، فإذا كانت هذه الأشكال الفرجوية هي التي أدت إلى «نشأة المسرح الجامعي في المغرب»، فهذا يفيد أن نشأة هذا الأخير كانت قبل القرن العشرين أي قبل تأسيس الجامعة المغربية. والحال، أن في مقدمة الكتاب أسئلة هي:»هل هناك حقيقة مسرح جامعي في المغرب يمكن تخصيص كتاب له؟ هل يتعلق الأمر بمسرح جامعي في المغرب أم بمسرح جامعي مغربي؟ هل المسرح الجامعي ظاهرة جديدة في الثقافة  المغربية؟ وهل هو وريث لمسرح الهواة؟”. أسئلة لا تنسجم مع اعتبار الفرجات المشار إيها هي منشأ المسرح الجامعي. وهي ليست جديدة في الثقافة المغربية بخلاف المسرح الجامعي الذي هو وليد الحداثة. ورغم أن الفكرة جاءت في صيغة سؤال، فإن المسرح الجامعي ليس وريثا لمسرح الهواة، ذلك أنه يوجد اليوم في المغرب مسرح احترافي ومسرح الهواة. بناء على ما سبق، يبدو أن الأمر هنا في حاجة إلى وضوح نظري.
   وللكتاب أهميته لأنه يتضمن أرقاما، وإحصائيات، ومعطيات مفيدة، لا يمكن الاستهانة بها، في التأريخ للمسرح المغربي عموما، وخصوصا التأريخ للمسرح الجامعي. ثم إنه أول كتاب مؤلف في المغرب عن المسرح المذكور. ومن السلبيات التي سجلتها الباحثة في هذا الصدد هو أن تظاهرات، والسياق يفيد تظاهرات المسرح الجامعي، ترتبط بأشخاص تزول مع ذهابهم دون مأسسة، وغياب توثيق صحافي، وغياب مصلحة مختصة.  
   وبصفة عامة، إن الجامعة تساهم في الرقي بالمسرح بفضل التكوين الأكاديمي، الذي قد يجمع بين التكوين النظري والتكوين والممارسة التطبيقيين، وكذلك بفضل العروض المسرحية الجامعية  التي يبدعها أساتذتها والمهرجانات التي تحتضنها. بفضل التكوين والممارسة التطبيقيين الجامعيين بدأت تظهر كتب على الصعيد العربي تتعلق بتقنيات الممارسة المسرحية مثل تكوين وإعداد الممثل، والسينوغرافيا، والإضاءة المسرحية... وبفضل التكوين الجامعي أيضا، نلاحظ مواكبة البحث المسرحي العربي، عموما، لجديد البحث المسرحي العالمي. ولا ينحصر إشعاع المسرح الجامعي في الجامعة فقط، إذ قد يمتد هذا الإشعاع إلى خارجها. وعليه، فإن المسرح الجامعي رافد يصب في مجرى المسرح، وهو ليس سوى رافد من روافد أخرى منها المسرح المدرسي، مسرح الهواة، مسرح الطفل، مسرح الشارع، مسرح الدمى والعرائس إلخ.. 

الهوامش:
1-أحمد بلخيري، المصطلح المسرحي عند العرب، البوكيلي للطباعة، القنيطرة، المغرب، ط/1، 1999، ص/156.
2-ماري إلياس وحنان قصاب حسن، المعجم المسرحي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، ط/1، 19997، ص/157.
3-عبد الرحمن ياغي، في الجهود المسرحية الإغريقية، الأوروبية، العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1980، صص/237/238.
4- المصطلح المسرحي عند العرب، ص/157.
5-6- Fouzia ELBAYED, LA Pépinière Du Théâtre Universitaire Au Maroc, Dar Almanahil, P/16.
6- زودني بهذه العناوين مشكورا مدحت الكاشف.
7- Fouzia ELBAYED, LA Pépinière Du Théâtre Universitaire Au Maroc, Dar Almanahil, 2018, P/26.
8-Ibid, P/30.
9-Ibid, P/13 .
10- نفسه، ص/157.
11-حسن المنيعي، المسرح المغربي بين النص والعرض، مجلة «بصمات»، جامعة الحسن الثاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية 2، العدد1، 1988.
12-Fouzia ELBAYED, LA Pépinière Du Théâtre Universitaire Au Maroc, Dar Almanahil, 2018.   
13-Partie 1: La genèse du théâtre universitaire au Maroc. Partie 2: Chronique des Festivals, répertoire et bilan. Conclusion générale: Annexes répertoire et statistiques,Bibliographie.  
14- في الجدول الموجود في صفحة 137 ذكرت ثلاث وعشرون دولة (23) بالنسبة لسنة 1997. وفي الجدول الموجود في صفحة 139 ذُكر رقم 24 بالنسبة للسنة ذاتها. 
15- من النصوص المسرحية التي أبدعها شكسبير “ماكبث”  «  Macbeth”. كلمة “ماكبث” عنوان لنص مسرحي وليست اسما لكاتب مسرحي كما ورد في الكتاب ص/143. 
16- في الكتاب Mahmoud Diyad   ص/143.
17- في الكتاب Azeddine Bounib ص/143.
18- كانت نهاية هذه الفئة الثالثة ب etc…. وهذا خلافا للفئتين السابقتين العالمية والعربية. ومعنى هذا أن هناك أسماء أخرى بالنسبة لهذه الفئة الثالثة.
19-أشارت الباحثة إلى الصعوبات الناجمة عن جمع الوثائق الضرورية (ملفات الصحافة، نشرات، برامج المهرجانات، فيديوهات، السمعي...) ص/7.
20-هي ليست أشكالا ماقبل درامية Pré-drames (ص/11)، بل هي أشكال ماقبل مسرحية Pré-théâtrales (حسب البعض). وهي فعلا فرجات كما ورد في الكتاب.


أحمد بلخيري