«باب عشق» صراع الروح والمادة

«باب عشق»  صراع الروح والمادة

العدد 838 صدر بتاريخ 18سبتمبر2023

يعرض علي خشبة مسرح الطليعة مسرحية باب عشق المسرحية من إخراج حسن الوزير وتأليف إبراهيم الحسيني. وقد حصد النص علي جائز ساويريس للكتابة المسرحية عام 2021، والعرض من إنتاج وزارة الثقافة ومسرح الطليعة بقيادة المخرج عادل حسان. 
جدير بالذكر أن مسرح الطليعة بقيادة المخرج عادل حسان في الآونة الأخيرة ينافس في السباق المسرحي بعدد من العروض ذات الطابع الثقافي والتي تخدم الحركة المسرحية في مصر.
تدور أحداث العرض علي حكاية من التراث العربي حول الأميرة “دعد” ابنة أمير من أمراء نجد، وهي فتاة جميلة تعشق الشعر وتملك الموهبة. طلبت من أبيها أن يكون زوجها شاعر يملأ قلبها وروحها وليس بأمير خيارة الأول القتل. تسابق الشعراء ونظموا القصائد ومن بينهم شاعر من تهامة اسمه “دوقلة المنبجي” أخذ طريقه إليها فقابل في طريقه إعرابيا كان يتطلع إلى الوصول إلى الفتاة. أعجبته القصيدة وأغراه ملك الدنيا فقرر أن يقتل دوقلة ويذهب بالقصيدة إلي أبي دعد الذي يقربه منها، لكن دعد تكتشف كذبه وأنه ليس من تهامة كما يقول في القصيدة، بينما الشعر به ما يشير إلي أن الشاعر من تهامة، هذا بالتزامن مع إخبار وزيرها بقصة كذب هذا الشاعر والتي علمها من الغلام الذي رافق الشاعر في رحلتة وأيقنت حينها الأميرة دعد أن من تقدم علي الزواج هو شخص سرق القصيدة وقتل صاحبها فأمرت بقتله. 
فالعرض يركز علي صراع الروح في مقابل المادة فالشاعر والذي وقع في الحب الأميرة التي تكتب وتتذوق الشعر، حبا يخلوا من الشهوة حبا يسموا بالروح ركيزته حب الشعر من كليهما، وهذا يبرر حزن الأميرة دعد في النهاية عند علمها بمقتل كاتب القصيدة لسمو روحها في الحب فهي الأخرى وقعت في حب من لم تلقى وجهه لكن لقت روحه في كلماته ليجمع قلبيهما حبهما للشعر دون لقاء. 
ووسط هذا السمو في المشاعر يصدمنا الواقع البشر المبنى على الكره والمؤامرات فالشعراء يكتبون الشعر ويتنافسون من أجل الفوز بقلب الأميرة دعد رغبة في المال والسلطة وهنا نجد أن العرض يتعامل مع الشعراء بصفتهم بشر لا يحاول أن يمجد فيمن يكتب الشعر فمنهم العاشق لفنه منهم المرتزق منه ولنا في التاريخ العبر الكثيرة في شعراء كتبوا شعر المدح في الامراء ليحصلوا على العطايا من الأمراء وإن لم يكن لهم مرادهم كتبوا فيهم الهجاء. 
تمكن مؤلف العرض من صياغة حكاية من التراث وتدور أحداثها حول الشعر والشعراء في بساطة لا تصيب قراء العصر الحالي والذي تسيطر السرعة علي حياتهم بالملل وتجذبهم للقراءة في المقام الأول، ليحولها المخرج إلي عرض شعري به العديد من المساحات الغنائية الطربية ليعود بنا العرض إلي المسرح الشعري الغائب عنا منذ زمن، لكنه مسرح شعري مواكباً للتطور في الحركة المسرحية فاللغة والكلمات والحوار في النص وعلي الرغم من أنه قد صيغ بالفصحى إلا أن تلقيه جاء سهلا يسيرا للمتلقي.
لنجد أنفسنا أمام صورة متكاملة للمسرح الشعري الراقي المنضبط، والذي تتناسق كافة عوامله، فديكور فادي فوكية جاء مناسبا للحالة بسيطا في التصميم مما سهل التنقل بين مشاهد العرض في سلاسة ويسر وفي بعض الأحيان كانت تستخدم بعض قطع الديكور المتحركة من قبل الممثلين علي خشبة المسرح ووسط الإضاءة لتغير المشهد وكان الامر سلسلا لا يؤثر على حركة المشاهد. ووسط هذه الصورة تأتي أشعار درويش الأسيوطي واستعراضات محمد بحيري تغلفها موسيقى وألحان محمد حسني ليخرج لنا استعراضات منفردة ومصاحبة للغناء تبهج المتلقي وتسكر الحالة التراجيديا المسيطرة على أحداث العرض. هذا إضافة إلى أزياء مها عبد الرحمن والتي جاءت مناسبة للعرض وحقبته التاريخية.
كل ما سبق ذكره أبدع في تتويجه باقة من الممثلين في العرض والذي يملك أكثرهم ملكة الغناء والصوت الطربي لتكتمل أركان الصورة المطلوبة لعرض مسرح شعري غنائي.  
حيث مزج المخرج حسن الوزير بين الممثلين ذوي الخبرة والممثلين الشباب ليخرج لنا هذا النسيج المتضافر بين الخبرة والشباب عرضاً مفعماً بالحيوية.
ليصور لنا العرض صراع الروح والمادة مؤكد على أنه علي مر التاريخ لم يحصد من سعوا خلف المادة متخليين عن روحهم البريئة إلا اللعنة والخسارة وإن حصدوا المكاسب في البداية، وتبقي سيرة من سمة روحه مخلدة ذكراهم علي مر العصور. فكل يلقى جزاء ما يفعل، فالعمل دائما ما يرد إلى صاحبه 


محمد أحمد كامل