العدد 880 صدر بتاريخ 8يوليو2024
لايعلم كثيرون أن هناك حركة مسرحية مزدهرة فى إقليم كردستان العراق . والدليل على ذلك هو «سلمى».
وسلمى هى مسرحية كردية يشارك فيها ممثلان فقط هما الكردى حوار فارس والممثلة الفرنسية اورى امبير. حققت المسرحية نجاحا كبيرا فى العديد من المهرجانات وفازت بالعديد من الجوائز. والمسرحية من إنتاج فرقة مسرحية كردية باسم «حوارة» يقع مقرها فى كركوك. وأنتجتها الفرقة بالتعاون مع فرقة مسرحية فرنسية.
وأخر هذه المهرجانات مهرجان المسرح الدولى الذى يقام بعد أيام فى العاصمة الجورجية تبليسى. وكان ذلك بعد أسابيع قليلة من عرضها فى مهرجان الفن المسرحى فى العاصمة الأردنية عمان. فازت المسرحية باثنتين من جوائز المهرجان. والمسرحية من تأليف دلشاد مصطفى وإخراج نجاد نجم.
تفاؤل
ويعبر مخرج المسرحية عن تفاؤله فى إمكانية أن تحصد المسرحية جائزة أو أكثر كما حدث فى مهرجان الأردن حيث فازت بجائزة احسن نص وجائزة احسن دور نسائى.
وهذا ما حدث فى مهرجانات أخرى لأن سلمى فى رأيه عمل يستوفى العديد من عناصر الجودة. ولولا ذلك ما كانت لتعرض فى 15 دولة حتى الآن. ومن هذه المهرجانات مهرجان قرطاج المسرحى فى تونس الذى يعد مهرجانا عالميا وفازت فيه بجائزة أيضا .
ويرى أن أهم عناصر الجودة فى هذا العمل المسرحى المتميز انها تعالج قضايا مثيرة للحزن والشجن من صمم الحياة الكردية مثل المذابح التى تعرض لها الأكراد فى عهد الرئيس السابق صدام حسين وعمليات التهجير الإجبارى التى تعرضوا لها فى مختلف الدول التى يعيشون فيها.
مرباط
وتدور أحداث “سلمى” فى ولاية كردية اسمها مرباط حول انتشار مرض الجدري بالولاية منذ أكثر من خمسين عاما حيث قضى على أكثر أبناء القرية . كما تطرق إلى الظلم الذي يتعرض له بعض أبناء القرية من شيخ القبيلة، من خلال سلمى التي توفى خطيبها وأراد شيخ القبيلة تزويجها ابنه دون إرادتها، ولكنها تقف أمام ظلمه، وترفض الزواج وتتزوج ابن خالها .
ويقول النقاد إن هذا العرض المسرحي يضعنا أمام جدلية فلسفية من جدليات الحياة، وهي أن النعمة لا تكتمل ولا تدوم لأحد؛ فالشيخ سالم رغم كثرة أمواله، ونفوذه ابتلى بابنه سالم الذي أصيب بتأخر عقلي، وسلمي رغم جمالها ألا إنها عاشت تعيسة، ومسلم ابن خال سلمي رغم نقاء قلبه لم يعيش حبه النقي مع سلمى إلا في أخر حياته .
وربما كان هذا العرض يوجه رسالة أخرى مفادها أن في الحياه فرصة لا تترك، كفرصة سلمي عندما تركت إقبال مسلم عليها بحبه نادمةً بعد فوات الأوان، وكأن لسان حال الأرض يقول لا تتركوا اللحظات الجميلة مع من يحبكم، وتحبونه بسبب خلافات الحياة، أما القيمة الأعمق والأكثر نبلاً كانت قيمة الحب الذي حمله مسلم لسلمي رغم جفائها، و صدها له فحبها حتي الممات .
قالب درامى
كل ذلك جاء في قالب من الدراما الإنسانية المعبرة، والقريبة إلى النفس مع مزيدًا من ألوان الطرب و الفن الشعبي التراثي الخاص بولاية مرباط.
ويبدى النقاد اعجابهم بتصاعد الأحداث حتى وصلت إلى ذروتها مع انتشار المرض القادم من مجال مجهول لم يود المخرج أن يذكره، ليقودنا نحو منعطف جديد في المسرحية، أما الصراع فإنه لم يبدو جميلاً بين طرفين في حد ذاتهم بل كان يحركه أهواء ورغبات شخصيات متعددة فوجدناه مرة بين سلمى وذاتها، ثم سلمى وزوجة عمها فاطمة وصراع أهل القرية من أجل غريزة البقاء مع كل هذه التنقلات في الصراع جاءت النهاية لتعطي كل ذي حق حقه، مع الجانب المؤلم لنهاية مسلم لأنه هو الأجدر بحب سلمى .
ويؤكد المؤلف أن سلمى قصة حقيقية حدثت في ولاية مرباط قبل أكثر من ستين عام حيث انتشر مرض الطاعون، وتوفى على أثره الكثير وحتي هذه الساعة لاتزال القبور المدفون داخلها هؤلاء موجودة. ويقول انه قبل كتابته للقصة جلست مع بعضا ًمن كبار السن بالولاية، وحاولت أن أعرف بعض خفايا الاشياء التي حدثت في الواقع وهي قصة مأساوية جدًا. حيث انتشار المرض في ذلك الوقت ولا يوجد له علاج فقضى عدد كبير من الناس.
نقاد
ويلاحظ النقاد هنا أن القصة كانت مختصرة بشكل أضعف النص كثيرا على حد تعبير بعضهم . واتفق معهم أغلب الشاهدين ويرد المخرج على هذا النقد بان تلك هى رؤيته حث رأى العرض مزدحما بصراعات وشخصيات كثيرة لايمكن عرضها كلها مع ضيق الوقت المخصص للعرض. فهو لم يظهر شخصيات واكتفى بالإشارة إليها مثل والد سلمي، وكذلك مسلم الشاب العاشق كانت له مساحة كبيرة.
فالمخرج عندما يتسلم النص من الكاتب يصبح هو قائد السفينة، سواء يحذف أو يضيف، وأكثر المشاهدين اليوم أثنوا على العرض لأن الفكرة وصلتهم على نحو مناسب .
سر النهضة
ويقول الناقد المسرحى الكردى ابراهيم احمد سمو أن السر فى النهضة المسرحية التى تشهدها كردستان العراق يكمن ببساطة فى أن المسرح الكردى بدأ فى السنوات الاخيرة بشكل جاد فى طرح المشاكل وطرح اسبابها وحلولها المقترحة من اجل تصحيح المسارات الخاطئة في كردستان. وكان ذلك يجب أن يتم برؤية كردية ونص كردى. ولا باس من قبول نصوص اجنبية شرط أن تتماشى مع الواقع الكردى.
وأدى ذلك بدوره الى حالة من التنوع المذهبى والفكرى ساهم فى اثراء التجربة المسرحية الكردية. واعتمد المسرح أيضا على النصوص القديمة من الحكايات والاساطير والملاحم الكردية ومنها نصوص جيدة.
وهناك نقطة أهم وهى نشر الوعى باهمية المسرح وثقافته بين الجمهور الكردى. وهذا ليس بالأمر السهل لأن الأكراد يتحدثون ثلاث لغات بعدد 18 لهجة. ويصعب أحيانا على الناطقين ببعض لهجات اللغة الواحدة فهم بعضهم بعضا.
ولاينبغى تجاهل الجوانب المادية لأن العروض المسرحية مكلفة والعاملين فى المسرح بشر يحتاجون أجورا تفى بمتطلبات حياتهم. ويجب على حكومة الإقليم التعامل مع الثقافة عموما على أنها قيمة رفيعة فى حياة الإنسان وليست سلعة يتم التعامل معها بحسابات الربح والخسارة.
فالمسرح شيء مهم وعلى الحكومات والجهات المسؤولة ذات العلاقة والجهات الساندة والمنظمات المشجعة للأمم والتراث العالمي أن تساهم وبقوة في كل مفاصل الحياة وقطاعات بناء الدولة.