«فــريـــدة» مونودراما السهل الممتنع

«فــريـــدة» مونودراما السهل الممتنع

العدد 876 صدر بتاريخ 10يونيو2024

المونودراما هي نوع من الأداء المسرحي الذي يؤدي فيه ممثل واحد فقط على خشبة المسرح، ويصور شخصيات أو أدوار متعددة في امكنة وأزمنة مختلفة، وهى محاكاة أيضا لفعل درامي محدد له طول معين لشخصية واحدة يقدمها ممثل واحد، مستعرضا أزمة الشخصية تجاه نفسها أو تجاه الآخرين من خلال المناجاة والجانبية والحوار مع شخصيات افتراضية، وهو المسئول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالاتها جنباً إلى جنب مع عناصر المسرحية الأخرى، وكلمة المونودراما Monodrama هي كلمة يونانية تنقسم إلى Mono وتعني ( وحيد )، وDrama وتعني ( الفعل )، وترتبط المونودراما بالأداء الفردي الذي يعتبر قديماً قدم الإنسان، ولكن المونودراما كفن ارتبطت بإرهاصات المسرح الأولى عند اليونانيين، التى انتقلت مع المسرح اليوناني القديم من مرحلة السرد إلى مرحلة التمثيل مع أول ممثل في التاريخ ثيسبيس Thespis، والذي أخذ من إسمه المصطلح الأنجليزي Thespian ويعني مسرحي أو ممثل، والمونودراما الحديثة كما هي معروفة اليوم تعود تاريخ ظهورها، كما تشير الدراسات إلى القرن الثامن عشر على يد رائد فن المونودراما الممثل والكاتب المسرحي الألماني جوهان كريستيان برانديز (1735-1799)، الذي أعاد الحياة لفن ثيسبيس واستحضره في مسرحياته التي كان يقدمها بنفسه وبشخصية واحدة فقط بمرافقة الجوقة، ويعود أول نص مسرحي يصنف كمونودراما مكتملة الشروط الفنية إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسي جان جاك روسو وكان ذلك عام 1760 م، وهو نصه ( بجماليون )، ولكن أول من أطلق مسمى مونودراما على نصه كان الشاعر ألفريد تينيسون عام 1855، ومن بعدها توالت نصوص المونودراما وبدأت تنتشر على مستوى العالم أجمع . 
و المونودراما هي أنسب الأشكال المسرحية للتعبير عن العبثية، فوحدانية كلا من الممثل والشخصية المسرحية على خشبة المسرح، وانعزاله النفسى عن كل العوامل المحيطة الأخرى هي منتهى العبثية، وفى مونودراما العرض المسرحى « فريدة « من انتاج مسرح الطليعة التابع للبيت الفنى للمسرح، تحت ادارة الفنان القديرعادل حسان الذى يحسن اختيار نصوص مسرحه التى يتوفر لها المعادلة الصعبة من النجاح الجماهيرى والنقدى، ومن بطولة الفنانة القديرة عايدة فهمى، وكتابة واخراج المخضرم أكرم مصطفى، نجد هنا « عبثية الوجود أو الحياة « متجلية في اسمى صورها، فنحن امام ممثلة تدعى « فريدة حلمى « كانت يوما ما تطوف البلدان لتنتظرها الجماهير هنا وهناك شغفا وترقبا لوصولها، من أجل أن يحظى كل فرد منهم بتوقيع على اوتوجراف أو صورة للذكرى تجمعه بتلك النجمة المتألقة، ومن اجل متعة الفرجة على تمثيلها المتقن المتفرد عن غيرها من ابناء وبنات جيلها، وهى تحتضن امامهم شخصياتها المسرحية لتتماهى معهم، وتصبح هي والشخصية نسيج واحد لا يتجزأ كلاهما عن الآخر، ثم يمر العمر سريعا وقد وهبت نفسها لفنها، دون أن تتزوج أو تفكر في الإنجاب فقط مخلصة لجمهورها لتعيش راهبة في محراب الفن، ومن ثم تنظر إلى مرآة الزمن لتجد نفسها فجأة وقد طال الشيب شعرها والإنحناءة لظهرها، ليتخلى عنها الجميع لتفضى ما تبقى لها من عمرها، بلا اصدقاء بلا كاميرات بلا مسرح بلا شهرة بلا اضواء بلا جمهور، فقد انتهت المصالح بإنتهاء نجوميتها، ومن ثم تعرف طريق الخمر من اجل النسيان لتصيبها كل امراض الشيخوخة، ليصبح كلا من المرض والخمر هما آخر ما تبقى لها من الأضدقاء، وذات ليلة يأخذها الحنين لمسرحها القديم، فتقرر الذهاب اليه لمشاهدة احدى البروفات وهناك تصيبها الصدمة، حينما يتجاهلها جميع من بالمسرح من ممثلين وعمال بل منهم من لا يعرفها، لتتسلل من الكواليس إلى خشبة المسرح بعد انتهاء البروفة في وقت متأخر من الليل، ومع مفردات الخشبة وهيبتها تتحول فريدة لتخلع ثوب الشيخوخة وترتدى ثوب الشباب، وتجتر معه ذكرياتها السعيدة من أعظم ادوارها على تلك الخشبة وكأن الجمهور حاضر أمامها في الصالة، لتقضى على خشبته ليلة من الف ليلة إلى أن تفيق من تلك السعادة الزائفة على صوت غاضب لأحد عمال المسرح، وهو يطلب منها مغادرة خشبته بعد أن اكتشف وجودها عليه وقد اشرف شعاع الفجر على البزوغ، لتطلب منه وبكل حسرة والألم ينتابها الرحيل من كواليس مسرحها مثلما دخلت منه، ليكون هذا بمثابة الرحيل الأخير لها عن عالم الفن دون رجعة لتشبه في ذلك رحيل البجعة بعد اغنيتها الاخيرة، في عبثية واضحة لعمر أفنته من أجل فنها، وفى النهاية لم تنال ما تستحقه من تقدير مقابل ما قدمته من تضحيات .
وحسبما علمت أن عايدة فهمى هي من اختارت النص، وطلبت من المخرج أكرم مصطفى أن يعيد صياغته إلى مونودراما، تتلاءم مع طبيعة شخصيتها كامرأة وامكانياتها كممثلة، فالنص المسرحى « فريدة « هو في الأصل نص مأخوذ فكرته من قصة قصيرة للكاتب الروسى الكبير انطوان تشيكوف (1860– 1904) تدعى « كلخاس» تلك الشخصية التى يجسدها « فاسيلى فاسليفتش»، والتى قام تشيكوف بتحويلها فيما بعد إلى ديودراما بين شخصيتين اطلق عليها «اغنية البجعة» أو «اغنية طائر التم» عندما اضاف لها شخصية صديقه الملقن العجوز «سلفيتلوفيدروف» والتى كتبها عام 1887م .
حقيقة استطاع اكرم مصطفى مخرج العرض وكاتبه أن ينسج خيوط جديدة للعرض المسرحى لم تكن موجودة بالنص الأصلى معتمدا على الفكرة فقط، مما استحق معه أن يكون كاتبا متفردا أيضا للعرض المسرحى «فريدة»، حيث قام بتحويل ديودراما «اغنية البجعة» لتشيكوف إلى مونودراما لشخصية واحدة ألا وهى « فريدة حلمى» أو «عايدة فهمى» من تقوم بتجسيدها، وهذا ليس بالأمر اليسير بل يحتاج إلى حرفية خاصة في الكتابة، حيث أن صعوبة المونودراما هنا تكمن في أسلوب كتابتها وايقاع تمثيلها، بما لا يبعث على الملل لجمهور المتلقى طوال احداث العرض المسرحى، كما مارس اكرم هنا أيضا دور الناقدعلى نص تشيكوف ولكن بشكل غير مباشر، وذلك من خلال عمله على تقويم النظرة التشاؤمية لدى انطوان تشيكوف في نصه المسرحى «أغنية البجعة»، وتحويلها إلى نظرة تفاؤلية في نصه المسرحى «فريدة»، فشخصية «فاسيلى» في نص تشيكوف هي شخصية متشائمة محبطة نادم وغير راض عن مسيرته الماضية، ويرى أن المسرح خدعه بما قدمه له من تضحيات طوال حياته، فهو ينظر لمهنته كممثل نظرة دونية ويرى أن الفنان ما هو ألا لعبة في يد الآخرين وان المسرح ما هو ألا محض هذيان وخداع افنى عمره فيه بلا جدوى، بينما شخصية «فريدة» في نص اكرم مصطفى هي فنانة تحب المسرح ومعتزة بنفسها وبماضيها وفخورة بتاريخها المسرحى، فقط هي تعاتب الزمن عما آل اليه حالها من تجاهل الآخرين لها ونسيان مجدها، بعدما قدمت العديد من التضحيات للمسرح على حساب عمرها وحياتها الخاصة . 
فكرة تحويل الشخصية المسرحية من رجل عند نص تشيكوف إلى امرأة في نص اكرم مصطفى، هي فكرة صائبة وفى محلها تماما حيث من المعروف أن عاطفة المرأة تجاه لأماكن اكثر من عاطفة الرجل بمراحل، كما أن المرأة تتعلق بذكرياتها لفترات اطول من تعلق الرجل بها، ومن هنا جاءت فكرة النص المسرحى « فريدة» أكثر جاذبية ومصداقية لدى جمهور المتلقى .
للوهلة الأولى عند مشاهدتك لعايدة فهمى وهى على خشبة المسرح تؤدى شخصية « فريدة حلمى «، ستشعر بإنك لست من جمهور المتلقى وانك فرد متسلل إلى المسرح تتلصص على ما تفعله تلك السيدة على المسرح، مستمتعا بما تعرضه لك من شخصيات درامية، منصتا بشجن وشغف لما ترويه عن نفسها من احزان وذكريات، المهم انك لن تشعر ابدا ولو للحظة واحدة من فرط الصدق الذى امامك، ومدى التماهى والتوحد بين الشخصيتين على خشبة المسرح ( الممثلة والشخصية التى تقوم بآدائها )، بإنك تشاهد عرض مسرحى وان من امامك هي ممثلة قديرة تجسد شخصية وهمية غير حقيقية، وسيختلط عليك الأمر وتعتقد أن عايدة فهمى هي فريدة حلمى والعكس صحيح فكلاهما واحد، فقد وصلت عايدة فهمى في ذاك العرض إلى أعلى مراحل النضج الفنى، وهى مرحلة لا يصل اليها أي فنان سوى اصحاب الحظوظ من الإمكانيات المتفردة والخبرات الطويلة، وعايدة فهمى صاحبة مسيرة فنية طويلة ومشرفة، ولطالما وقفت امام كبار النجوم في المسرح والسينما أمثال احمد زكى ونور الشريف وغيرهم الكثير، كما انها قامت بالعديد من البطولات المسرحية المطلقة طوال مشوارها الفنى، منذ أن كانت طالبة بالمعهد العالى للفنون المسرحية حتى وقتنا هذا، وتأثرت بالعديد من المخرجين اشهرهم استاذها مخرج الروائع التراثية والشعبية عبد الرحمن الشافعى، ومؤخرا تم تكريمها بالمعهد بيتها الكبير وسط الطلاب واساتذتها، واذا كان يجب أن نطلق تسمية على مرحلة النضج التى وصلت اليه عايدة فهمى في هذا العرض، فأنا اطلق عليه من وجهة نظرى الشخصية «مرحلة الصوفية في التمثيل»، وهو تعبير مجازى عن تلك المرحلة التى يصل فيها الممثل إلى استحضار روح أي شخصية صعبة ومركبة، والتوحد معها بكل سهولة بمجرد قراءتها فقط من اول مرة، وبدون ادنى جهد منه في دراسة ابعاد الشخصية، نتيجة وصوله إلى مرحلة فريدة من السمو الروحانى التى تمكنه من تقمص أي شخصية بمجرد قراءتها، لما لديه من مخزون وافر من الخبرات والذاكرة الانفعالية النشطة والحاضرة دوما، لهذا السبب رأينا عايدة فهمى وهى في ثوب فريدة حلمى تتنقل بين اكثر من شخصية مسرحية سواء أن كانت مصرية أو عالمية، وبكل مرونة وانسيابية بالرغم من تناقضاتهم وثقافتهم المختلفة، ما بين الليدى ماكبث بكل قسوتها، وميديا بكل دمويتها، والماسة في طقوس الاشارات والتحولات، والفتاة الريفية الطيبة، والمرأة العاهرة والمرأة المغلوبة على امرها بما ينتابها من شعور بالظلم والقهر، الخ من الشخصيات النمطية والمركبة معا، لتشعرك في النهاية كمتلقى انك امام عرض مسرحى جراند به اكثر من شخصية مسرحية وليست مونودراما لشخص واحد فقط، وبالطبع يعود ذلك إلى وعيها الإكاديمى بجانب توحدها التام مع كل شخصية تلعبها بإتقان وحرفية وبراعتها في التعامل مع موتيفات ومفردات المسرح الأخرى، وذاك هو ما يطلق عليه بلغة المسرح والفن عموما بالسهل الممتنع . 
و من كل ما سبق نستطيعش القول بإنه اذا كانت الفنانة العظيمة سميحة أيوب يطلق عليها لقب « سيدة المسرح العربي «، فأنا أرى أن الفنانة القديرة عايدة فهمى أيضا تستحق لقب « سيدة مسرح الدولة «، وذاك اللقب لم تستحقه من فراغ، بل أن له حيثيات عديدة من اهمها أن عايدة فهمى تعد رائدة من رواد المسرح المصرى أمثال من سبقوها من كبار الفنانات، وذلك لما قدمته لمسرح الدولة طوال تاريخها من ثراء للحركة المسرحية، سواء في مرحلة إدارتها لأحد اكبر الفرق المسرحية ألا وهى فرقة المسرح الكوميدى من 2011 إلى 2015 في وقت صعب اقتصاديا واجتماعيا وفنيا، أو طوال تاريخها كممثلة قدمت العديد من النصوص والأدوار المركبة ذات القيمة والرسالة وأصحاب الرسالات يعيشون ويخلدون .
و أيضا بسبب استحضارها لروح أي شخصية مسرحية من الورق، والتوحد معها بكل صدق وحرفية، وأيضا بسبب إتقانها البالغ للغة العربية ومخارج ألفاظها السليمة، إضافة إلى حسن بصيرتها في انتقاء النصوص المسرحية التى تتماس مع مجتمعنا المصرى ومشكلاته وهمومه وطموحاته، وليست النصوص الشاذة أو البعيدة عن عاداته وتقاليده، وقد يبدو للبعض من جمهور المتلقى أن نص «فريدة» هو نص خاص بشريحة معينة في المجتمع ألا وهى شريحة الفنانين، ألا أن هذا التصور عارى تماما من الصحة، فإختيار الشخصية المسرحية انها تكون فنانة، فقط راجع إلى النص الأصلى لتشيكوف، ولكن الدراما التى صنعها المخرج المتفرد اكرم مصطفى فى النص المسرحى «فريدة» أعطت له جاذبية واسقاط نفسى غير مباشرعلى كل شرائح المجتمع المختلفة، وتتماس مع أي فرد من جمهور المتلقى يعشق عمله ويقدس المكان الذى يمارسه وافنى عمره فيه بمنتهى الحب والإخلاص سواء أن كان محاسب أو مهندس أو طبيب .. الخ من الوظائف المجتمعية، وبالتالى عندما تحين اللحظة التى يجب أن يتقاعد فيها ويترك عمله ويودع زملائه والمكان الذى يحبه، هنا يمر ذاك المتلقى بكل المشاعر المتضاربة التى رأينا فريدة حلمى قد مرت بها في العرض المسرحى، ومن ثم يحدث هنا ما يسمى بالتطهير المسرحى بجعل جمهور المتلقى من الشباب من هم في مقتبل الحياة يخرج من العرض وهو يعى الدرس جيدا بوجوب اهتمامه بحياته الشخصية بنفس القدر من اهتمامه بعمله متوازيان والا يطغى ايا منهما على حساب الآخر، اما جمهور المتلقى من العجائز وكبار السن سيخرج من العرض، وهو في حالة رضا نفسى تام عن ماضيه وما قدره الله له فيه بحلوه ومره، وتقدير ذاتى عما قدمه فيه من مسيرة عطاء لوطن يستحق، دون انتظار أي ثناء من الآخرين، ومن ثم يستعد لبناء حياة جديدة هادئة لا يشوبها الندم أو العصيان والتمرد، وكعادة كل عروض المونودراما دوما جاء تصميم الديكور لدكتور عمرو عبد الله كعامل مساعد للممثلة في آداء مهمتها الخيالية والآدائية من خلال مسرح الميتاتياترو أو المسرح داخل المسرح، فوجدنا كل موتيفات العرض المسرحى بمفرداته المتناثرة على الخشبة ملائمة للحالة المسرحية وما ترمز له من عزلة وجمود، ومعبرة بإتقان عن كل ما يجول باخل الممثلة من ذكريات، كما وجدنا بعض قطع الديكور التى استخدمت في أكثر من وظيفة مثل النافذة والمرآة، كما كانت الإضاءة المسرحية هنا لعمرو عبد الله أيضا بمثابة بطل آخر امام الفنانة عايدة فهمى لما اسهمت به بشكل كبير في بث روح الشخصيات للممثلة اثناء تجسيدها لها، من خلال الألوان الباردة والساخنة والباهتة حسب الموقف المسرحى، إضافة إلى انها ساعدت على الاستغناء عن العديد من وحدات الديكور من خلال القيام بوظيفتها الوهمية، كما ابرزت الإضاءة أيضا بشكل غير مباشر عنصرى العزلة والوحدانية التى تعانى منهم الممثلة فريدة حلمى، من خلال انتشار ظلالها بشكل منظم ذو تأثير على كلا من عين المتلقى وقلب الممثلة في شكل جمالى بديع يحسب للمصمم المتمكن من ادواته عمرو عبد الله . 
كما جاءت الموسيقى لمحمد حمدى رؤوف معبرة بحرفية عن مشاعر العزلة والوحدة التى تعانى منها الممثلة وكل مواقف الانكسار والحنين والفخر والأمل .. الخ من المشاعر المتضاربة لها، وساعدت بشكل كبير على تسرب تلك المشاعر وولوجها إلى قلب وعقل المتلقى مما اسهم إلى حد كبير في نجاح العرض المسرحى . 
الملابس لشيماء عبد العزيز غابت عن المنظر المسرحى ولم تكن ثرية بما يتلائم مع ثراء العرض، ولكن على الرغم من ذلك احسنت عبد العزيز في اختيار ملابس الممثلة فريدة حلمى الخاصة، والتى تميزت بالسواد القاتم دلالة على ما ينتابها من مشاعر حزن وحسرة على ما آل اليه حالها من بعد سنوات شهرة ومجد .
من المعروف أن المونودراما يطلق عليها « فن النرجسية « نظرا لأنها تعد بمثابة مادة ثرية لكلا من الممثل والمخرج لإستعراض قدراتهم وامكانياتهم المتفردة من الألف إلى الياء، وبالتالى كنت اتمنى أن يستعين المخرج اكرم مصطفى برؤية سينمائية له في العرض المسرحى بجانب الرؤية المسرحية، التى قام من خلالها بتفكيك عناصر الدراما واعادتها بمنظور جديد، فموضوع العرض يسمح بذلك كثيرا لو افترضنا أن شاشة العرض ستكون بمثابة ذاكرة الممثلة فريدة حلمى مجازا يعرض عليها مواقف من حياتها أو استخدامها في اغراض اخرى متعددة حسب رؤية المخرج للعرض المسرحى، ولكن انصب تركيز اكرم الأول والأخير على استغلال كل قدرات وامكانيات القديرة عايدة فهمى على حساب استغلاله لأفكار وآفاق أخرى عديدة لباقى مفردات العرض المسرحى، لذلك نجح اكرم مصطفى بالفعل من خلال موهبته في التعامل مع كبار النجوم، في خلق كيميا مسرحية بينه وبين عايدة فهمى اسهمت بشكل كبير في استخراج طاقات غاية في الابداع والإبهار للممثلة عايدة فهمى، وهذا يحسب للمخرج في النهاية .
كما استطاع اكرم مصطفى من خلال حركة مسرحية تتميز بالمرونة في التعبير بشكل جيد عن مشاعر الممثلة فريدة حلمى في كل حالاتها سواء ما قبل تقمصها للشخصيات المسرحية أو اثناء ذلك أو بعده، إضافة إلى نجاحه كمخرج وككاتب في إضفاء عنصر الإيقاع السريع على العرض من خلال حرصه على الابتعاد عن المط والتطويل منعا لتسرب الملل إلى جمهور المتلقى، أيضا حرص اكرم مصطفى على كسر الايهام في اكثر من موقف مسرحى من اجل عدم استغراق المتلقى في الآداء على حساب وصول رسالة العرض له، فكان تحول الممثلة لآداء شخصيات عدة مع صوت الهام صديقة البطلة على الهاتف في اكثر من موقف بمثابة كسر لذاك الايهام لكلا من المتلقى والممثلة، كذلك ساهمت الإضاءة أيضا في كسر ذاك الايهام عند المتلقى من خلال تسليط الضوء عليه في بعض الأحيان، بينما كان انتقال عايدة فهمى من اللغة العربية إلى العامية بمنتهى الحرفية، مع انتقالها ما بين الشخصيات المسرحية بإنسيابية ومرونة جسدية بتحولها اثناء تأديتها لها من الشيخوخة إلى الشباب ثم العودة للشيخوخة مرة اخرى مع انتهاء آدائها للشخصية، مع امكانيات صوتية متلونة وآداء انفعالى متعدد وقدرتها المتفردة في انتزاع ضحكات جمهور المتلقى وهو في قمة تأثره وبكائه، كل ذلك يدرج تحت ما يسمى بالسهل الممتنع، والذى هو مدرسة عايدة فهمى في تبسيطها الصعب للمتلقى ليراه سهلا غاية في الإمتاع، وتلك كلها عبقرية تحسب لها تجعلها تستحق أن يفرد لها المنتجين البطولات المطلقة بكتابات خاصة تلائم سنها مثلما يحدث بالخارج، لندرك جيدا بإننا امام ممثلة استثنائية بألف صوت ووجه، تجيد اختيار الأدوار المركبة ايا كانت نوعها أو جنسها والتى تمنحها الجوائز والتكريمات، ويصعب على غيرها آدائها بنفس البساطة والتلقائية والحرفية، وتسهم في تحقيق اعلى درجات التطهير المسرحى .


أشرف فؤاد