سينما 30 .. أن تغرد خارج السرب

سينما 30 ..  أن تغرد خارج السرب

العدد 519 صدر بتاريخ 7أغسطس2017

 عندما فى فكرت فى حضور عرض “سينما 30” الذى قدم على مسرح العرائس ضمن فاعليات المهرجان القومى للمسرح المصرى، كان أكثر ما يشغلنى هو أنه عرض ينتمى إلى مسرح الجامعة، بمشاكله الكثيرة وأبطاله الذين يحتاجون إلى الكثير من التدريب، غير أن ما رأيته فى هذا العرض جعلنى أرى مسرح الجامعة من منظور آخر أكثر رحابة وزواية أخرى أكثر انفتاحا.
فقد نجح فريق كلية التجارة بجامعة عين شمس من خلال هذا العرض فى تقديم رسالة مهمة بأسهل وأبسط الأدوات، رغم أن الإطار الذى اختاره المخرج، رغبة منه فى أن يقدم عرضا بتقنية الأبيض والأسود وبإمكانيات بسيطة كان دربا من الخيال، والتحدى، وبل ويمكن بكل ثقة أن تسميها مغامرة غير محمودة العواقب.
 قبل العرض فصلنا المخرج ومؤلف العمل محمود جمال عن العالم الذى نعيشه وعن هموم عصرنا ومشاكله، ليضعنا أمام شاشة تعرض نفس مشاكلنا لكنها تأتى عبر مشاهد من أشهر وأهم الأفلام المصرية التى قدمت بتقنية الأبيض والأسود، وبعد نحو 15 دقيقة أو يزيد، بدأ العرض، الذى يدور حول أحد المخرجين الذى يحل ضيفا على القرية لتصوير أول فيلم مصرى ناطق، وأمام رغبته فى “التغيير” يصطدم بمشاكل الأهالى الذين يعانون كثيرا بسبب سطوة العمدة والباشا، واللذان يقفان أمام أى رغبة فى التطوير والتغيير بالمرصاد مستعينين فى ذلك بقوتين فى غاية الأهمية، القوة الدينية ممثلة فى الشيخ الذى يفسر الدين حسب الأهواء الشخصية، والعصا الأمنية ممثلة فى المأمور الذى يمارس القانون من منطقه الخاص.
وبمرور الأحداث يرفض المخرج الاستسلام للواقع الذى يراه يتجسد أمامه جليا، فيحاول أن يختار أبطاله من أهالى القرية، رغبة منه فى أن يقدم عملا واقعيا خالصا، وبعد اختياره لأبطال العمل، وحين يستشعر العمدة أن بذرة التمرد قد بدأت فى النمو، وأن الأصوات الخانعة قد بدأت فى الارتفاع،يتدخل ومعه المأمور والشيخ والباشا لمنع التصوير، فيطلبوا من المخرج أن يعود إلى القاهرة محملا بالكاميرا التى فتن سحرها الجميع بعدما أدركوا أنها تراهم عن قرب، وترصد أدق تفاصيل حياتهم، وما يعانونه من قهر وظلم.
هنا يتنصر أهل القرية لرغبة المخرج وينجحون فى تصوير الفيلم، ورغم حصار قوى الشر والظلام لهم، إلا أن إحدى الفتيات تفلت من هذا الأسر، وتظهر وهى حاملة قبعة المخرج وقد ارتدت ألوانا مبهجة على عكس أهل القرية، للتدليل على أن الفكرة لن تموت وأن هناك من سيحمل راية التنوير والتغيير للوصول لمستقبل أفضل.
وفى النهاية تعود الشاشة التى بدأ بها العرض لكنها تقدم لنا هذا المرة الفيلم الذى تم تصوير، وقد رصد ثورة الأهالى على العمدة والمأمور والشيخ وكل قوى الظلام التى قهرتهم، معلنين بدأ حياة جديدة لا تعرف سوى العدل والانصاف. لقد اعتمد المخرج على أن يقدم لنا صورة “بالأبيض والأسود” ليضعنا فى أجواء الزمن الذى يقدم فيه العرض وتحديدا فترة الثلاثينات ومن هنا كان الديكور المستخدم والملابس وحتى المكياج من ، درجات الأبيض والأسود والرمادى، وقد نجح فعليا فى أن يحيلنا إلى هذا الزمن ولعل الفضل الأبرز يرجع فى ذلك إلى تكنيك الإضاءة الذى اعتمده ابو بكر الشريف، والذى لجأ إلى زوايا متعددة ومتنوعة أضافت مع المكياج أبعادا ضوئية جعلت المتلقى يرى العرض وكأنه فى زمن الأبيض والأسود فعليا. فريق التمثيل، زياد هانى، حسن خالد، عصام الدين اشرف ،محمد عبد الرازق، شروق حسنى، مصطفى طارق ، نسمة عادل، صلاح محمد، فادى أحمد، أحمد بيرسي، ماريو نعيم، أحمد حرز الله، مصطفى طلعت، روان أحمد، وشريهان عبد الله، كان هو الأخر أحد أهم عناصر نجاح العرض، ورغم العدد الكبير المشارك فى المسرحية إلا أن المخرج نجح فى تحريكهم بصورة أكثر من جيدة، وبدا من اللحظة الأولى أنه بذل مجهودا كبيرا فى تدريبهم، لدرجة أن مشاهد الصمت كانت أبلغ كثيرًا من المشاهد الحوارية، غير أن بعض الشباب مازال بحاجة إلى التدريب على التعامل بشكل جيد مع مخارج الألفاظ خصوصا حين يكون صوتهم عاليا، كما أن بعض المشاهد كانت بحاجة إلى تكثيف بدرجة أكبر حفاظا على الإيقاع المتدفق للعرض وأذكر هنا تحديدا مشهد اختيار الممثلين واختبارهم والذى بدا طويلا بعض الشيىء وأفقد العرض إيقاعه السريع من البداية.
مشكلة أخرى سقط فيها العرض تتعلق بالمكياج، فمع الإمكانيات البسيطة وحتى يظهر الممثلون وكأنهم فى زمن الأبيض والأسود، تم طلاء الوجوه باللون الرمادى، غير أن هذا الطلاء طال الوجوه فقط ما جعل باقى مناطق الجسد المكشوفة للجمهور تفسد هذه الخدعة.
كذلك الموسيقى، فرغم أن مخرج العرض اعتمد تقريبا على مقطوعتين طوال العرض ورغم أنهما أديا الغرض على أكمل وجه، إلا أنهما جاءا من المقطوعات العالمية، ولم نسمع فى أى منهم آلة واحدة عربية، وشخصيا أعتقد أن اعتماد المخرج على مقطوعات شرقية كان سيضيف كثيرا إلى العرض، خصوصا وأن يقدم عملا غارقا إلى حد كبير فى المحلية.


إلهامي سمير