جماليات المسرح الوثائقي في تجربة المسرح الحر

جماليات المسرح الوثائقي في تجربة المسرح الحر

العدد 796 صدر بتاريخ 28نوفمبر2022

المسرح الوثائقي» التسجيلي هو مسرح الحقائق، يعتمد –في الأساس- على المادة الوثائقية، ويتميز هذا النوع المسرحي بعدة خصائص، منها:
أنه يستخدم الحقائق في عروضه، ويكون هدفه التحريض على التفكير، ومناقشة أحداث التاريخ.
وكذلك يكون للشخصيات فيه طبيعتها الخاصة التي تعتمد على الواقعية في الأداء، كما أن الحوار في المسرح الوثائقي يكون موجها.
ويرجع مؤرخو المسرح أول مسرحية وثائقية إلى «اسخيليوس» المؤلف اليوناني القديم من خلال مسرحيته «الفرس» والتي ألفها عام (472 ق.م) والتي يوثق فيها انتصار اليونان على الفرس في المعركة المشهورة تاريخيا.
وفي تجربة المسرح الحر في مصر نجد مجموعة من العروض التي قدمتها فرق مختلفة اعتمدت على شكل المسرح الوثائقي.ففي عام 1998 أقامت فرقة»أتيليه المسرح» ورشة مسرحية للبحث في حقيقة ثورة القاهرة الثانية  بمناسبة «مئوية العلاقات المصرية ـ الفرنسية» وأعدت نصا مسرحيا تحت عنوان «القاهرة 1800» مستفيدا من النص المسرحي «سلميان الحلبي» لألفريد فرج، ولم تجد الفرقة جبهة تقبل تمويله فقدمته بجهود ذاتية لأول مرة في لقاء شباب الجامعات.
ويعد هذا العرض نقطة التحول الكبرى في مفهوم فرقة «الأتيلية» للنص المسرحي، فقد أخذت على عاتقها تقديم مشروع فني وجماهيري ذي صبغة خاصة للغاية يقوم على إعادة قراءة تاريخ مصر الحيدث، وكان من نتائج هذه التوجه أن قدم المخرج محمد عبد الخالق بالتعاون مع مركز الهناجر للفنون مشروع وثيقة مسرحية للتاريخ الحديث ما بعد ثورة يوليو 1952، تحولت هذه الوثيقة إلى ورقة عمل دقيقة ترصد هذا النوع الشائك والشائق من الفن المسرحي وضرورته في إعادة إنتاج الوعي السياسي والتاريخي وربطه بأبعاد جماهيرية.
وقد القت د. هدى وصفي ـ رئيس مركز الهناجر للفنون ـ هذه الوثيقة كورقة عمل في فعاليات مهرجان قرطاج عام 1999.
وسعيا وراء تحويل هذا المشروع إلى إطار تطبيقي قامت الفرقة بعمل حلقات دراسية ساهم فيها مركز الهناجر للفنون ـ بالمسرح القومي ـ تناولت تجربة «مسرح الشمس» لإريان مونوشكين كنموذج لهذا النوع المسرحي «مسرح التاريخ» ثم أقيمت «ورشة مسرح الناس» التي تم من خلالها جمع ما يقرب من 32 ساعة من التسجيلات الصوتية لأشخاص عاصروا حريق القاهرة من رؤى وتوجهات فكرية مختلفة ضمت نماذج لـ»شيوعيين وإخوان ووفدين ورجال ثورة ومواطنين ليس لهم توجه فكري واضح» وقد قدمت الفرقة هذه التسجيلات في عرض «الحريق» من خلال طرح كل الحقائق والأكاذيب بتفنيد الشهادات الصوتية مع المشهد المسرحي.
وقد طبق هذا المنهج ـ أيضا ـ على عرض «الساعة» إخراج محمد عبدالخالق، وقد شاركت به الفرقة في المهرجان الحر الخامس ثم مهرجان افتتاح الموسم المسرحي لمكتبة الإسكندرية ثم المهرجان المستقل الأول.
ومن الفرق المسرحية التي اعتمدت على فكرة المسرح الوثائقي فرقة سعد الدين وهبة المسرحية، وكانت مسرحية «رصاصة في العقل» باكورة إنتاج الفرقة والتي تتناول حياة المفكر المستنير د. فرج فودة الذي راح شهيدا برصاصات الإرهاب المتأسلم وكشفت المسرحية عن زيف الفكر المتأسلم وهشاشته ويكفي أن عنصر الكوميديا في العرض الذي أضحك الناس كان عبارة عن مقاطع حقيقية من كلمات أو بيانات أو كتابات هذه الجماعة.
ولم يمر العرض في صمت إعلامي بل أشارت عدة قنوات لهذا العرض وعرضت معظمه قناة النيل الثقافية وكتبت مقالات عن العرض في «الأهالي، كايرو تايمز، وطني» وغيرها وكانت بطولة العرض للفنانين الشباب: عادل مبروك، صفاء المهدي، الشيماء سمير، محمود مهدي، وإسماعيل جمال.
وكان العرض الثاني للفرقة هو مسرحية «سكلانس» عن مأساة الدكتور نصر حامد أبو زيد وقصة صراعه مع هذا التيار والذي انتهى بنفيه من البلاد بعد حكم المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته د. ابتهال يونس للردة، وكان هذا العرض أكثر وثائقية من العرض السابق حيث اعتمد المؤلف والمخرج أشرف أبو جليل على كل ما كتب حول القضية والذي وصل إلى 24 كتابًا وأكثر من 500 مقال صحفي وعرضت المسرحية في يوليو 2000 برعاية جمعية التنوير والمدهش أن العراق الفكري والثقافي انتقل من خشبة المسرح إلى الجمهور الذي أيد نصفه موقف نصر والنصف الآخر أيد موقف الأصوليين حتى نهاية المسرحية التي انتصر فيها موقف نصر حامد أبو زيد وزوجته.
واستعدادا لاحتفالات مصر بثورة يوليو قدمت الفرقة مسرحية «مدد يا سيدي المنصوري» في عودة منها إلى المسرح الوثائقي وقد تناول العرض سيرة رائد الفكر الاشتراكي محمد حسنين المنصوري باعتباره صاحب أول كتاب علمي عن الاشتراكية في العالم العربي عام 1915 والذي فصل عن عمله ونفي إلى منفى اختياري في إحدى قرى الفيوم والتي أقام فيها ـ حسب رؤية مؤلف العرض ـ دولته الاشتراكية، وبعد الثورة تأكدت الجماهير من صدق ما كان يقوله لهم قبل الثورة وإمكانية تحقيقه، وفي السبعينيات يحدث الانقلاب على المنجز الاشتراكي فيحول التيار الإسلامي والسلطة «المنصوري» إلى ولي من أولياء الله الصالحين فقد تنبأ للناس ببعض الإنجازات وجاءت الثورة وحققتها للجماهير، ولكن طاهر وسناء المثقفان المعاصران يصران على كشف ما لحق بالمنصوري من خرافات ويذهبان لقريته التي عاش فيها ويواجهان رجال الدين الذين روجوا هذا الكلام فيتضح لهما الموقف في النهاية بأنهم فعلوا ذلك عن عمد لصرف الناس عن فكر المنصوري الاشتراكي وربطهم بالدين وبالجماعات الإسلامية، وقدمت الفرقة هذا العرض في مهرجان سعد وهبة بمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة يوليو ومهرجان شبرا الخيمة المسرحي وخمس ليال في معرض القاهرة الدولي للكتاب من إخراج محمد خليفة وبطولة صفاء عبدالباقي، وأمل طلعت، وأشرف أبو جليل، وفاطمة علي ومحمد العبد، ونهاد شوقي.
وفي عام 2002 قدمت الفرقة عرضا وثائقيا جديدا عن قضية الجندي سليمان خاطر بعنوان «حديث سليمان» وهو عبارة عن نص شعري حداثي للشاعر حلمي سالم من ديون «سيرة بيروت»  تم تضفيره مع نص التحقيقات العسكرية لقضية سليمان خاطر في مقاطع للراوي مأخوذة من أشعار الشاعر الكبير عبد الرحمن الأنبودي، وقد أشاد كثير من النقاد بهذا المزج ودقته.
ثم تكتف الفرقة بهذا بل أقامت معرضًا وثائقيًا ضم جميع ما كتب عن سليمان خاطر في الصحف المصرية وكانت تقوم بتعليق المعرض أمام صالة العرض في شبرا الخيمة وسمنود، وميت غمر والمعادي ومعرض الكتاب فكان يؤدي إلى حالة تلق جيدة للعرض وفاز بجائزة أحسن عرض وأحسن ممثل وثاني إخراج في مهرجان سمنود المسرحي وقد قام ببطولة العرض أحمد مهدي وفاطمة علي وحسن المكاوي وإخراج أشرف أبو جليل.


عيد عبد الحليم