العدد 672 صدر بتاريخ 13يوليو2020
ضمن مشروع مسرح الأون لاين - وهو مسمي مسرحي لم يتبلور بعد كاصطلاح فني - كان العرض التليفزيوني لمعالجة مسرحية لإحدى قصص تشيكوف القصيرة .. مسرحية (مشهور مش مشهور) .. بطولة الفنان القدير سامي مغاوري .. وتم العرض عبر موقع يوتيوب.
المسرحية تتناول لحظة فردية خاصة جدا لرجل أفنى عمره في حب المسرح واشتهر داخل المسرح وأصبح المسرح والعمل به هو مركز الكون بالنسبة له .. هو معمار وجوده داخل الحياة بلا أى مبالغة .. لم يتزوج ويعيش وحيدا في منزل صغير هو فقط للنوم ... وكأننا أمام أحد سدنة ورهبان فن المسرح في شيخوخته التى يجتر من خلالها مشوار حياته المفعم بالأعمال والأفعال واللقاءات والابداعات المسرحية ... وسرعان ماينقلب اتجاه هذا الاجترار إلى الحقيقة الصادمة .. فهو ليس مشهورا ولا أحد يعرفه ... بل هو ممثل الجملة الواحدة طوال حياته بما يحمل من الاحلام والاماني في الابداع والشهرة والنجومية ... مستغرقا في تفاصيل التدريبات والكواليس وتفاعلات المسرحيين في تحقيق الحلم في التجربة النهائية (البروفة الجينرال) ... ليقابله نفس النموذج الإنساني في شاب صغير (الفنان محمد طلبة) يخرج إليه من - الكمبوشة - مكان الملقن .. ليعلن له أنه من سكان المسرح في إقامة كاملة لضياع بيته في الزلزال .. وكأنه الوجه الآخر لمشهور وامتداه في عالم المسرح .. عالم الحلم بامتلاك المسرح والإنتاج والنجومية الكبرى .. في مقابل موت الحياة الاجتماعية المتمثلة في الأسرة زوجة وأطفال وطعام المنزل ... فالمسرح دنياهما .. انعزلا عن الحياة الطبيعية واستبدلا بها الحياة المهنية ... رغم أنهما مجرد كومبارس غير فاعلين في هذا المكان ولا هذه المهنة ... إنه عالم الأحلام والأماني ... المنطلق من تفاصيل المكان كخشبة مسرح وديكورات مختلفة وإضاءة وإظلام وبؤر ضوئية شكلت وسائل لتنوع الصورة المسرحية ...
إن الأحلام ليس لها سقف ولا منتهى ... وليس لها زمن يبدأ وينتهى .. وليس لها شخص يحملها ويموت .. بل هى دائمة خالدة في النفس الانسانية مهما كانت الظروف بين الغنى والفقر والشهرة واللا شهرة .. حتى تنتهى المشاهدة ببطل الدراما - مشهور - يرتدى بدلة سهرة فاخرة ويدخل إلى باب المسرح الخارجى .. ويقرأ اللافتة باسم المسرح (مسرح مشهور) .. ثم يدخل من باب صالة المتفرجين وتراه الكاميرا من مكان خشبة المسرح والصالة كاملة بمقاعدها الخاوية ليسير هوينا بين المقاعد حتى يصعد إلى مقدمة خشبة المسرح ويقف أمام الستارة الفخيمة الكلاسيكية للمسرح القومي المصري ويحي الجمهور على الفتح البطئ للستارة .. وينتهى العرض ....
تعرض الدراما لحالة إنسانية عميقة في تحليل نفسي تتسم به أعمال تشيكوف الطبيعية في القصة والمسرح ... في جودة أداء راقي للفنان القدير سامي مغاوري واجتهاد كبير للمخرج مازن الغرباوى في تنوع الأماكن والإضاءة داخل حالة ثبات في شخصية واحدة تتحرك وسط هذا العالم المسرحي ...
إلا أنه خرج من عالم خشبة المسرح إلى خارج المبنى باب دخول المسرح ثم باب صالة والصالة إلى أن يصل إلى مقدمة خشبة المسرح ... وبالتالى خرج من إطار الإخراج المسرحي الساكن على خشبة المسرح إلى أماكن أخرى في عمل تليفزيونى راقي وبسيط في زمنه وعميق في أثره ..
دراما تليفزيونية تتناول موضوعا مسرحيا بطله كومبارس أفنى عمره داخل هذه المهنة ذائبا في أحلامه وأماله ...
وهنا نضع أيدينا على على أزمة كبرى يواجهها المسرح المصري بل والعالمي في ظل وباء منع التجمعات البشرية وأغلق دور العرض المسرحية والسينمائية وكافة الفعاليات الثقافية والفنية .. فكان البحث عن البديل في استغلال الوسيط الإلكتروني (موقع يوتيوب) على شبكة الإنترنت ليقدم الحفلات والعروض عليه كى تستمر المشاهدات ...
وكان تحت اصطلاح مسرح الأون لاين .. الذي يناقض طبيعة فن المسرح الذي يعتمد على المثلث المقدس .. (مؤدي - مكان عرض - متفرج) في حالة حضور حيوي ...
في محاولة لإيجاد البديل المسرحي وإعادة إحياء فن المسرح في ظل أزمة لايعرف أحد موعد نهايتها حتى الآن.
ما شاهدته على موقع يوتيوب هو عمل تليفزيوني وليس مسرحيا على الإطلاق .. إنها تمثيلية تليفزيونية تعتمد على وسيط الكاميرا وفنون المونتاج .. وهى جيدة جدا في محتواها الفكرى والأدائي.
مشروع مسرح “الأون لاين” هو اجتهاد محمود لأصحابه ولكن لم ولن يحقق طبيعة فن المسرح .. فالجمهور هو الضلع الأساسي في العرض المسرحي وبلا وسيط رؤية إلا العين الحية .. لكل آليات وعناصر العرض المسرحي .. ولكنه ربما يكون نواة لإنشاء قناة تليفزيونية متخصصة في فنون المسرح أو في أنشطة وزارة الثقافة بشكل عام .. أو نواة لإعادة إنتاج الدولة لأعمال درامية تليفزيونية وسينمائية عبر وزارة الثقافة كما كان يحدث من ستينيات القرن العشرين حتى مطالع القرن الحالى الواحد والعشرين .. بما خلف رصيدا كبيرا من الأعمال المسرحية بجمهورها، الموجودة بأرشيف ماسبيرو والقطاع الإقتصادي بوزارة الإعلام المصرية .
التجربة جيدة والاجتهاد عظيم ... ولكن لا بد من الضبط الاصطلاحي للمسمى (مسرح الأون لاين) والعودة للاصطلاح القديم (المسرحية التلفزيونية) والتى تتطلب بالضرورة وجود جمهور برد الفعل الجماهيري على الحالة الأدائية ...
شكرا للاجتهاد