الأدب الفرنسي على مسارح بريطانيا

الأدب الفرنسي على مسارح بريطانيا

العدد 860 صدر بتاريخ 19فبراير2024

نلتقي اليوم مع مسرحية جديدة تطوف عدة  مدن بريطانية وتحقق نجاحا كبيرا. تقدم المسرحية فرقة مسرحية بريطانية قد يكون اسمها غريبا وهو “الأطفال الحكماء”. وهذا هو اسم رواية للأديبة البريطانية آنجيلا كارتر (1940 -1992). وكانت صحفية وقصاصة ومترجمة لعيون الأدب الفرنسي والألماني إلى الإنجليزية.
 ورغم وجود ترجمات بالفعل لمعظم الأعمال التي تصدت كارتر لترجمتها كانت تصر على القيام بترجمة خاصة لها برؤيتها الخاصة. وكانت رغم عمرها القصير صاحبة إنتاج أدبي غزير. وعقب وفاتها بعد صراع مع مرض سرطان الرئة كان هناك اقتراح بإطلاق اسمها على الفرقة. لكن “ايما رايس” التي المديرة الفنية للفرقة اختارت واحدة من أشهر رواياتها لتطلق اسمها على الفرقة وهى الأطفال الحكماء. هذا رغم أنها لم تكن مسرحية أصلا بل واحدة من قصصها القصيرة للأطفال التي تحولت إلى مسرحية مرات عديدة.

اللحية الزرقاء
أما المسرحية نفسها فهي اللحية الزرقاء وهي من عيون الأدب الفرنسي للأديب الفرنسي شارل بيرو (1628 -1703) الذي يعتبره البعض رائدا لأدب القصة الخيالية في الآداب الأوروبية. 
 وتقول ايما رايس إنها لم تكن معجبة إطلاقا بالقصة. فكيف تعجب بعمل أدبي يدعو – في رأيها -  إلى التعاطف مع شخص غريب الأطوار اعتاد قتل زوجاته والرقص على جثثهن وعلى الضحايا الإناث اللاتي يقعن تحت تعويذته الخطيرة. ومن غير المعقول عرض مثل هذا العمل على أطفال الذين يشهدون عادة مسرحيات الفرقة بأعداد كبيرة وفي رحلات مدرسية.
لكنها عادت ورأت أن من الخطأ إهمال هذا العمل الذي يعد من عيون الأدب الأوروبي ومن الأفضل عرضه برؤية مناسبة تحذر من استخدام العنف مع الآخرين.
 ويشير النقاد إلى أنها نجحت في تحقيق أهدافها وعرض الموضوع بشكل ينفر من العنف رغم أن ذلك جاء على حساب الحبكة الدرامية ووحدة العمل... لكن لابأس طالما كان ذلك هو الهدف.

ثلاث قصص
والمسرحية في الحقيقة عبارة عن ثلاث روايات متشابكة تنضم إلى بعضها البعض في نهاية تثير الإعجاب.  
وتدور المسرحية حول كاتي أوين التي تصادف الشاب آدم ميرسكي وتبدأ معه في تبادل القصص، إحداها عن ساحر مبهر بخزانة مليئة بالأسرار المروعة. وواحدة عن أخ وأخته الموسيقية الذين يتشاجرون ويحبون بعضهم البعض بنفس القدر. أما القصة الثالثة فإنها قصة ذي اللحية الزرقاء التي تحمل المسرحية اسمها وتشكل الحدث الرئيسى في المسرحية. وهي التي تحظى بوقت كبير على المسرح وتنعكس عليها القدرات الإخراجية المتميزة لايما رايس. وساعد على ذلك بعض الأغاني الخفيفة التي تجاوب معها الجمهور بالتصفيق. هذا فضلا عن اختيارها الموفق لمن يجسدون الشخصيات مثل روبن سنكلير التي جسدت دور إحدى الشقيقتين وستيفاني هوكلي التي جسدت دور الشقيقة الأخرى. وهناك الممثلة التي جسدت شخصية زوجة الساحر التي تخضع لسحره.
فقط يأخذ عليها ناقد الديلي ميل البريطانية – وحده دون غيره – اختيار  تريستان ستوروك لدور اللحية الزرقاء. هذا على الرغم من كونه باعتراف الناقد ممثلًا جيدًا، يفتقر إلى الجاذبية والجاذبية الخطيرة التي من شأنها أن تجعل لحيته الزرقاء وحشًا حقيقيًا. 
 ومع ذلك يرى الناقد أن رايس ربما تعمدت ذلك للتأكيد على نقطة معينة أرادت التطرق إليها وهي أن الشخص العادي في مظهره قد لا يكون عاديا في مخبره. وهي توازن في النهاية الأمر بشكل جيد  عندما تتحد  ثلاث نساء معًا لوقف تهديد واحد من قتلة النساء. 

حكاية شعبية
واللحية الزرقاء عموما حكاية شعبية فرنسية، سبق وعالجها العديد من الأدباء الفرنسيين بأشكال مختلفة. وأشهر نسخة باقية منها كتبها تشارلز بيرو ونشرها باربين لأول مرة في باريس عام 1697. وهى تحكي قصة رجل ثري معتاد على قتل زوجاته. وتحاول أحدث زوجاته الهروب من مصير أسلافها. وهنا تكون العقدة والصراع.
وفي القصة الشعبية الفرنسية يكون بلوبيرد رجلأ نبيلأ وثريا وقويا تزوج ست مرات من نساء جميلات اختفين جميعًا في ظروف غامضة. عندما يزور جاره ويطلب الزواج من إحدى بناته، يشعرون بالرعب. بعد إقامة مأدبة رائعة، تقرر الصغرى أن تكون زوجته وتذهب لتعيش معه في قصره الغني والفخم في الريف، بعيدًا عن عائلتها.
ويعلن اللحية الزرقاء أنه يجب عليه مغادرة فرنسا لأمر عاجل  ويعطي مفاتيح القصر لزوجته. إنها قادرة على فتح أي غرفة معهم، تحتوي كل منها على بعض من ثروته، باستثناء غرفة تحت الأرض يمنعها بشدة من دخولها خشية أن تتعرض لغضبه. ثم يذهب ويترك القصر والمفاتيح في يديها. قامت بدعوة أختها آن وأصدقائها وأبناء عمومتها لحضور حفلة. ومع ذلك، فقد تغلب عليها في النهاية حب الاستطلاع والرغبة في رؤية ما تخبئه الغرفة السرية، وتتسلل بعيدًا عن الحفلة وتغامر بالدخول إليها.
تكتشف على الفور أن الغرفة مليئة بالدماء وأن الجثث المقتولة لزوجات بلوبيرد الست السابقة معلقة على خطافات من الجدران. مذعورة، أسقطت المفتاح في الدم وهربت من الغرفة. تحاول مسح بقعة الدم عن المفتاح، لكن المفتاح سحري ولا يمكن إزالة البقعة منه.
يعود بلوبيرد بشكل غير متوقع ويجد المفتاح الدموي. في حالة من الغضب الأعمى، يهدد بقتل زوجته على الفور، لكنها تطلب صلاة أخيرة مع آن. بعد ذلك، بينما كان بلوبيرد على وشك توجيه الضربة القاتلة، وصلت آن وإخوة الزوجة وقتلوه. ترث الزوجة ثروته وقلعته، وتدفن زوجاته الست المتوفيات. إنها تستخدم الثروة لتزويج إخوتها ثم تتزوج بنفسها مرة أخرى، وتنجو أخيرًا من الرعب الذي عاشته مع  اللحية الزرقاء.


ترجمة هشام عبد الرءوف