بدايات المسرح في بور سعيد (الأخيرة) اتحاد النوادي المسرحية

بدايات المسرح في بور سعيد (الأخيرة) اتحاد النوادي المسرحية

العدد 717 صدر بتاريخ 24مايو2021

أوضحنا في المقالة السابقة الصراع الكبير الذي نتج عن المنافسة بين نادي رمسيس ونادي المسرح، حيث استمرت المشاحنات بينهما أكثر من عامين حتى اجتمع العقلاء وقرروا ضم جميع النوادي التمثيلية في بور سعيد تحت اسم واحد، وهو «النادي الأهلي»! وهذه النوادي هي: «نادي رمسيس، ونادي المسرح، ونادي الموظفين». وهكذا ظهر النادي الأهلي عام 1935، وكانت بدايته متعثرة بسبب ما في نفوس المتنافسين في النوادي الثلاثة من مشاعر عدائية، وصعوبة التعاون بينهم. ووصل الأمر بأن «النادي الأهلي» كاد أن يتوقف عن نشاطه بسبب الحاجة إلى المال، وهذا ما عرفناه مما كتبته مجلة «الصباح» في مايو 1937 تحت عنوان «النادي الأهلي ببور سعيد وإعانة وزارة المعارف»، قائلة:
أرسل إلينا حضرة الأستاذ «يوسف أفندي سيد علي» أمين جمرك بور سعيد ورئيس النادي الأهلي بها (وهو يضم الأندية التمثيلية السابقة بها) صورة تقرير مرفوع إلى حضرة صاحب المعالي وزير المعارف عن صرف الإعانة السنوية إلى النادي عن سنتي 1935 و1936. وقد بدأ التقرير بشرح تفصيلي لأغراض النادي وأعماله ثم بمسألة الأندية (رمسيس والموظفين والمسرح)، واضطرارها للاندماج تحت لواء واحد باسم «النادي الأهلي» بسبب حاجتها إلى المال، وتلا ذلك قوله: «ما كان بودي أن يشتد بي الضيق فاضطر لأن أصرح لمعاليكم بأنه يوجد لكل جالية ببور سعيد أندية مشابهة في أغراضها وغاياتها لنادينا، وهي لا تفتأ تتلقى في الفينة بعد الفينة الهبات والإعانات من حكوماتها وكبار أعيانها إبقاء لها وتشجيعاً لمراميها، وهي بجوارنا أو تطل علينا يرفرف فوق كل بناية منها علم حكومتها، وهي دائمة عامرة بحفلاتها زاخرة بقصادها زاهية بجلالها وعظمتها وأخشى ما أخشاه إذا دام إعراض الوزارة عن معاونتنا وإمدادها لنا بإعانتها أن لا يرى العلم المصري من بين أعلامها. ونحن نأسف لأن تصل حال (النادي الأهلي ببور سعيد) إلى هذا الحد الذي يتحدث به رئيسه، ونرجو أن لا تضن عليه الوزارة بالإعانة السنوية التي كانت مقررة له والتي ساعدته على المضي في سبيله عدة أعوام».
ومن عروض النادي الأهلي المسرحية «الفاكهة المحرمة»، التي عرضها في فبراير 1938 على مسرح الألدورادو، وكذلك حفلته الخاصة يوم 6 أغسطس في العام نفسه، بمناسبة ذكرى مباشرة جلالة الملك فاروق لسلطته الدستورية! وآخر خبر وجدناه منشوراً عن النادي كان في مجلة «روز اليوسف» أواخر عام 1938، تحت عنوان «التمثيل في بور سعيد»، قالت فيه المجلة: «رفع النادي الأهلي – رمسيس والموظفين والمسرح – ببور سعيد إلى معالي وزير المعارف تقريراً شاملاً بالمجهودات التي يبذلها في خدمة المسرح ببور سعيد مع التماس بمنح النادي إعانة سنوية كالمعتاد لتساعده على المضي في عمله وهو إحياء فن التمثيل العربي في ثغر أكثر سكانه من الأجانب. والنادي يتلقى إعانة الوزارة أكثر من خمس سنوات وله حفلات تمثيلية باهرة يقيمها في كل عام، ويجمع في عداد أعضائه نفر من أقدر هواة التمثيل وفي مقدمتهم الأستاذ «مصطفى الصفتي» الذي لا يزال يمثل أدوار الفتي الأول على الرغم من أنه تزوج وأنجب خمس بنات!!».
لم يستمر النادي الأهلي كثيراً في نشاطه الفني المتقطع، واقتنع الجميع بفشل فكرة ضم الأندية الثلاثة في ناد واحد، فتم إيقاف النادي الأهلي عام 1940 – تقريباً - وعادت النوادي إلى نشاطها المسرحي قبل الاندماج، وكل ناد بدأ يعمل باسمه القديم.
نادي رمسيس
عاد نادي رمسيس إلى نشاطه من جديد تحت اسمه المعروف «نادي رمسيس» حيث مثّل في نوفمبر 1940 مسرحية «زهرة الشاي» لعباس علام وبطولة «زوزو حمدي الحكيم». أما آخر خبر اخترناه لهذا النادي، نشره من بور سعيد «أحمد عبد اللطيف بدر» في مجلة «الصباح» بتاريخ ديسمبر 1943 تحت عنوان «الأدب والفن ببور سعيد»، قال فيه:
«كان خريجو المدارس الأميرية في ثغرنا الباسم محرومين من هذا النادي، فأبدوا نشاطهم الثقافي، واتخذوا من نادي رمسيس موئلاً يظهرون فيه عبقرياتهم التي يعوزها التوجيه. ولقد أقاموا حفلاً شائقاً ابتهاجاً بشفاء جلالة الملك المعظم المحبوب، ومثلوا مسرحية لطيفة هي «الأرملة» من وضع الأديب «علي الزرقاني»، وإخراج الأديب «شتا» وقام الشاب الظريف «نصر الدين الغريب» بدور «شمس» الخادم الذي يقف على أسرار البيت ويعرف دخائله ويتهكم على من فيه في أسلوب لطيف، ودعابة مستملحة فأجاد دوره كل الإجادة وكان موضع الإعجاب الكثير وقام الأديب «محمد الألفي» بدور «أحمد»، فكان مثال الشاب الوادع النبيل النفس، الممتلئ رجولة، والمتدفق شعوراً وإحساساً. وأدى الأديب «حسني أبو عوف» دوره فمثل الرجل الشهواني الذي يذهب كرامته، ورجولته، وكيانه، ويترامى على أقدام النساء في سبيل إشباع رغباته الحيوانية فكان موفقاً، وإن كانت ضحكاته مفتعلة! وقام «شوقي الجاولي» بدور الابن المتغطرس و«نجيب جبر» بدور ابن الذوات هو و«أحمد الدهشان» فكان كل منهما موفقاً، ومثل «عزت أمين» دور الضابط فكان «مضبوطاً»! وقامت السيدة «أنصاف منصور» في دور «سنية هانم» فكانت طبيعية متزنة وإن قالت: «اخرج من بره» بدل أن تقول: «اخرج برة!» وقامت الآنسة «كوثر محمد» بدور «ناهد» فمثلت الفتاة الساذجة البريئة القوية. وإننا إذ نشير هذه الإشارة على صفحات الصباح الزاهرة، إنما نريد الاستزادة من تلك التحفات وندعو شباب بور سعيد إلى المناهضة في سبيل إحياء الأدب والفن في بلده الحبيب».
نادي المسرح
وكما عادة نادي رمسيس، عاد نادي المسرح أيضاً إلى نشاطه منفرداً، فنشر في مايو 1940 «عبده حسن عبد اللطيف» من بور سعيد كلمة بهذه المناسبة في مجلة «الزعيم»، قال فيها: «أقام نادي المسرح لفن التمثيل في بور سعيد حفلة سمر لمناسبة افتتاح النادي وعيد الجلوس الملكي، حضرها سعادة محافظ القنال وأعيان المدينة. وكان أعضاء النادي يستقبلون المدعوين بالحفاوة والتكريم، وافتتحت الحفلة بقراءة القرآن الكريم ثم كلمة رئيس النادي الدكتور «محمد أبو الغيط» وزجل للأستاذ علي السوهاجي وبعض المنولوجات من كمال مصطفى. ثم قام أعضاء النادي بتمثيل رواية اجتماعية، وقد أجادوا جميعاً أدوارهم. ونخص بالذكر منهم أحمد الحلوجي، وأحمد عبد النور، وعبد الحميد عطا الله. كما لا يفوتني أن أشير إلى مجهود «طلبة رضوان» الذي قام بإخراج الرواية خير إخراج».
وفي إبريل 1941 عرض النادي مسرحية «طرطوف» لصالح جمعية الإحسان النوبية الخيرية ببور سعيد؛ حيث إن المسرحية هي إحدى المسرحيات النموذجية لوزارة المعارف لترقية المسرح المصري. والمسرحية من إخراج إسماعيل الزغبي، وتمثيل: أحمد الدنف، ومحمود شحاتة، وعبد الحميد عطا الله، وأحمد الحلوجي، وعبد المنعم جبر. والأدوار النسائية كانت لنجمات الفرقة القومية: نجمة إبراهيم، وسرينا إبراهيم، وسامية فهمي.
وفي أكتوبر 1944 مثّل النادي مسرحيتي «من الملك؟» و«هروب» من إخراج «أنور شتا»، وتمثيل: منير الألفي، ومحمد والسيد عيد، والسيدة قدرية حلمي، ومحمد رزق، وديدي. وفي سبتمبر 1945 كان آخر خبر وجدناه عن النادي، نشرته مجلة «الصباح»، قائلة: «أقام نادي المسرح ببور سعيد حفلة تمثيلية مساء الجمعة الماضي احتفالاً بعيد الفطر المبارك، شهدها حضرة صاحب السعادة «إسماعيل تيمور باشا»، وسعادة حسن رفعت باشا وصفوة ممتازة من ذوي الحيثية والمقام، وقد مثلت في هذه الحفلة رواية «كل الستات كدابين» فلاقت نجاحاً عظيماً وقامت بتمثيل الدور الأول «زوزو نبيل» إحدى ممثلات الفرقة المصرية، فلاقت نجاحاً كبيراً».
خاتمة المقالات
وهكذا تنتهي مقالات «بدايات المسرح في بور سعيد»، والتي كتبتها بمناسبة اختيار «بور سعيد» المدينة الثقافية لمصر عام 2021، وقد حددت فترة البدايات - من وجهة نظري – من عام 1881 إلى عام 1948 تقريباً، لتبدأ فترة أخرى مع ثورة 1952، أتمنى أن يقوم بها أحد الباحثين أو أحد المؤرخين المسرحيين من داخل بور سعيد، ليستكمل مشروع التأريخ المسرحي لمدينة بور سعيد.
وربما أعود إلى بور سعيد مرة أخرى مستقبلاً، كي أكتب عن تاريخ العدوان الثلاثي عام 1956 من خلال تاريخ المسرح وتوثيقه! لأنني أرى أن هذا الجانب لم يُكتب عنه مسرحياً، بقدر ما كُتب عن العدوان الثلاثي سياسياً وحربياً، ولكن لم يُكتب عنه مسرحياً وفقاً لأسلوبي في الكتابة ووفق مشروعي في التأريخ المسرحي! فعلى سبيل المثال لا أظن أن أغلبنا يعرف أن الصاغ «أمين صادق» كتب مسرحية في ديسمبر 1956 تدور أحداثها في أحد منازل حيّ المناخ ببور سعيد أثناء العدوان الثلاثي! كذلك قيام فرقة «المسرح الحر» بتمثيل مسرحية «كفاح بور سعيد» في ديسمبر 1956 أيضاً، والتي اشترك في تأليفها كل من: محمد عبد الرحمن، سعد أردش، عبد المنعم مدبولي، أمينة الصاوي، أنور فتح الله، واشترك في إخراجها ثلاثة مخرجين هم: كامل يوسف، سعد أردش، صلاح منصور. كما عرضت فرقة إسماعيل ياسين مسرحية «مراتي من بور سعيد»، وعُرضت مسرحيات كثيرة في هذا التوقيت تتعلق بالعدوان الثلاثي، مثل: «إيدك في إيدي، في صميم المعركة، قهوة أم سعيد، وطن لا يموت، مش حنسلم، معركة بور سعيد، صوت مصر». وفي يناير 1957 أقيم مهرجان النصر وتحرير بور سعيد بمسرح المعهد العالي للموسيقى العربية، مُثلت فيه مسرحيات: السجين الحر، قاضي الضمير، أناشيد بلادي، الهلال، النصر وبور سعيد.
ومن أسباب رغبتي في الكتابة عن العدوان الثلاثي على بور سعيد مسرحياً، الحديث عن مبادرة «جورج أبيض»، التي أوضحها في خطاب رسمي أرسلة إلى الرئيس «جمال عبد الناصر» يوم 18 ديسمبر 1956، قال فيه: «السيد رئيس الجمهورية وبطل مصر المفدى «جمال عبد الناصر»، يتقدم جورج أبيض تحت لوائكم، لواء النصر والحرية لإحياء ليلة تمثيلية بمسرح الأوبرا يخصص إيرادها لبور سعيد الباسلة ويعرض مشتركاً مع زملائه أبطال المسرح إحدى رواياته الوطنية الخالدة «صلاح الدين وفتح بيت المقدس». وأملي أن تشملوا هذه الحفلة برعايتكم وتشريفكم لتلمسوا وتتحققوا من أن المسرح العربي في عهدكم حيّ لم يمت. فقد أكسبتموه من روحكم الوثابة شباباً وازدهاراً لا يمحوهما إشاعات وتقولات المغرضين. وتفضلوا يا سيدي الرئيس بقبول عظيم الاحترام والتقدير».
وبعد يومين تسلم جورج أبيض خطاباً من مكتب رئيس الجمهورية بتوقيع «صلاح سالم»، هذا نصه: «السيد الأستاذ جورج أبيض، تحية طيبة. إيماءً إلى كتابكم بتاريخ 18 ديسمبر 1956، بشأن طلب وضع الحفلة التمثيلية التي تزمعون إقامتها بمسرح الأوبرا تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية. والتي سيخصص صافي إيرادها لمساعدة أسر شهداء بور سعيد. نفيد أنه بعرض الأمر على السيد الرئيس، وافق سيادته على إقامة هذه الحفلة التمثيلية تحت رعايته، أما بخصوص تشريف سيادته الحفل فلم يبت في الأمر بعد نظراً للظروف الحاضرة وكذا ارتباط سيادته بمواعيد أخرى. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».
صباح الخير
والحق يُقال: إن أهم سبب من أسباب رغبتي في الكتابة عن العدوان الثلاثي على بور سعيد مسرحياً، هو التطرق إلى نص مسرحي مخطوط (مكتوب بالآلة الكاتبة وبه صور مرسومة) عام 1965، وأظنه غير منشور – وربما كان مجهولاً لأغلبنا - عنوانه «صباح الخير» تأليف «شكري عبد المعطي محمد» مدير المسرح الوطني، الذي كتب كلمة – بوصفها مقدمة - لعمله، قال فيه: «صباح الخير مسرحية في ثلاثة فصول، تكشف الحقيقة عارية عن الاستعمار والعدوان الثلاثي ونضالها الذي يسجله التاريخ تاريخنا العربي الخالد في بور سعيد. وليس بالكثير على كاتب القصة اشتراكه في المعركة لا بهذه القصة الوطنية فحسب بل اشتراك بنفسه وفكره ووجدانه وسلاحه وإيمانه مع بور سعيد في معركة التحرير من الرجعية ورأس المالية المستغلة والاستعمار. وخاض أرض المعركة كما هو في القصة تماماً يراسل الإنجليز برسالات كاذبة مضللاً في ذلك اتجاهه إلى المعركة. وكانت رسالاته للمعتدين لها أكبر كسب وانتصار البلد على العدوان الثلاثي الغاشم وسجل الكاتب إيمان ووطنية اللواء سعدى نجيب الذي كان يقود قوات بور سعيد سنة 1956 برتبة مقدم والذي قاوم قوات برية تفوقه بنسبة عشرين إلى واحد! وقوات جوية وبحرية تسود سيادة مطلقة. فقد اشترك هذا القائد العربي في حرب فلسطين سنة 1948، ومعركة بور سعيد سنة 1956، ومعركة اليمن سنة 1962. وإنه في ذلك إذا استقبل نضاله في هذه المعارك أتوجه بعين الإكبار إلى سيادته وإلى بور سعيد الباسلة واليمن السعيد وإلى كل من ساهم في هذه المعارك الثلاث لتحرير الوطن العربي».
وفي آخر المسرحية وجدت كلمة توثيقية مهمة، جاء فيها: «كتب القصة وأتممها المؤلف في ثلاثة أيام من يوم 23 ديسمبر سنة 1964 إلى 25 ديسمبر سنة 1964 ليسجل الكاتب نضال اللواء سعدى نجيب قائد معركة بور سعيد ويسجل أيضاً المزيد من كفاح بور سعيد. وللمسرح والتاريخ: تأليف وحوار الكاتب المسرحي الوطني «شكري عبد المعطي محمد» مدير «المسرح الوطني» ورئيس لجنة النصوص والمصنفات الفنية للمسرح الوطني 66 شارع أبي الدرداء بالإسكندرية».


سيد علي إسماعيل