جهود أحمد عبد الحليم في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت (2)

جهود أحمد عبد الحليم في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت (2)

العدد 627 صدر بتاريخ 2سبتمبر2019

في معهد الكويت
بهذه الخبرة الإخراجية، التي تشكلت في مصر – مع خبرة محدودة في التدريس بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة - سافر أحمد عبد الحليم إلى الكويت مع بداية العام الدراسي 74/ 1975، وهو العام الثاني لافتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية، وشغل وظيفة أستاذ في قسم التمثيل والإخراج. ومن الواضح أن صفته الإخراجية، كانت الصفة الغالبة عليه أكثر من صفته كأستاذ في المعهد! ومن الشواهد على ذلك تأثره بالمخرج صقر الرشود في أول أيام قدومه إلى الكويت، وعن هذا الأثر، قال أحمد عبد الحليم في جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 3/ 1/ 1979:
“... عندما جئت لهذا البلد الكريم في نهاية عام 1974 لأول مرة التقيت بصقر ورفاقه الفنانين بمسرح الخليج، فأعطاني صقر انطباعا عظيما عن شخصه كرجل للمسرح، وأحسست في التو واللحظة بأن المسرح طالما فيه مثل نوعية صقر فهو بخير... تحادثنا في تلك الليلة في شتى أنواع الموضوعات المتعلقة بقضايا المسرح... وتابعت بعد ذلك أعماله الفنية بشغف واهتمام فكانت خير دليل مادي لهذا اللقاء الأول، وأحسست أنني في كل مرة التقي به في عمل فني أنه لقاء جديد متجدد أكتشف فيه جديدا”.
ومما يؤكد أن أحمد عبد الحليم بدأ حياته في الكويت مخرجا – لا أستاذا – قيامه بإخراج مسرحية (أربعة واحد) لفرقة المسرح الشعبي، تأليف لينين الرملي - وقد أعدّها صالح موسى عن مسرحية (مين يقتل برعي)، الذي قدمها جلال الشرقاوي في القاهرة بعنوان (إنهم يقتلون الحمير) – ومسرحية (أربعة واحد)، عُرضت على مسرح كيفان ابتداء من 10/ 11/ 1975 بطولة عبد الرحمن الضويحي. وبعد عام وشهرين أخرج مسرحيته الثانية (مغامرة رأس المملوك جابر) لفرقة المسرح الشعبي أيضا، تأليف سعد الله ونوس. وتم عرضها يوم 2/ 1/ 1977 على مسرح كيفان، وعرضت في العام نفسه في البحرين ومصر وتونس. وقام بتمثيلها: أحمد الصالح، أحمد مساعد، طيبة الفرج، جاسم النبهان، علي الزفتاوي، صالح موسى، جاسم الصالح، عبد الإمام عبد الله، عبد الله غلوم، قحطان القحطاني، إبراهيم الحربي، أحلام محمد، عبد الله السيفان، عبد العزيز الخراز، سيار الكواري، دخيل الدخيل، نور الهدى الرازقي، عوض محسون.
أما عمل أحمد عبد الحليم في المعهد – في هذه الفترة - فكان يُدرّس لطلاب الفرقة الثانية مشاهد مختارة من بعض المسرحيات العالمية، مثل: فيدرا، حلاق إشبيلية، السيد، مكبث، عطيل، الملك لير، ريتشارد الثالث.. إلخ! وهذا كان أسلوب التدريس في مادتي التمثيل والإخراج للفرقة الثانية؛ حيث كان الأستاذ أحمد عبد الحليم، ينتقي لطلابه أطول المشاهد الموجودة في المسرحيات السابقة؛ «لأنها الأساس التعليمي الفني لبناء الطالب روحيا وذهنيا، وإعداده للدخول في مرحلة شبه الاحتراف ابتداء من السنة الثالثة، التي يقدم فيها الطالب عرضا جماعيا كاملا»، هكذا قال أحمد عبد الحليم في مجلة «صوت الخليج» يوم 20/ 5/ 1976.
القصة المزدوجة للدكتور بالمي
مرحلة شبه الاحتراف هذه، حققها أحمد عبد الحليم لطلاب الدفعة الثانية - من خريجي قسم التمثيل والإخراج في المعهد عام 1978 – من خلال إشرافه على مشروع تخرجهم، وهي مسرحية (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) للكاتب الإسباني أنطونيو بويرو باييخو، وترجمة الدكتور صلاح فضل. وهذه المسرحية تُعد أول مسرحية اختارها أحمد عبد الحليم كي يقوم بإخراجها داخل المعهد – بعد أن أخرج مسرحيتين لفرقة المسرح الشعبي خارج المعهد - وهذا الاختيار كان بسبب موضوعها الإنساني؛ بوصفها تجربة إنسانية تكشف الفضاء البشري، والتناقض بين الخير والشر في الحياة! إذن اهتمام أحمد عبد الحليم بالموضوعات الإنسانية السابقة، انعكس على أول اختيار له، لأول مشروع متكامل أخرجه بمشاركة الطلاب من أجل تخرجهم!
وهذه المسرحية تدور أحداثها حول قضية تعذيب المعارضين! فبطلها شاب قوي البنية وزوج حديث، يُصاب بعجز يمنعه من معاشرة زوجته رغم حبه الشديد لها. وحين تفشل مختلف الوسائل والحيل في علاجه يلجأ إلى طبيب نفسي، سرعان ما يكتشف سبب مرضه المفاجئ! فالشاب يعمل في المخابرات، ويشارك بشكل إلى في تعذيب معارضي النظام. وكانت آخر عملية قام بها هي القضاء على رجولة ضحيته! ورغم قسوة الفعل، فإنه لم يشعر بالندم، لذلك قام عقله الباطن باختيار هذا المرض بالذات لإعلان ندمه. وحين تكتشف الزوجة طبيعة عمل زوجها، ترفضه بعنف، وتصر على أن تتركه بأي ثمن. ومع سرعة الأحداث وتعقدها، تضطرب الزوجة وتختل أعصابها وتقوم بقتل زوجها في لحظة انفعال لتحمي رضيعها من المصير المفزع الذي ينتظره.
والسؤال الذي يجب طرحه الآن: ما العلاقة بين الموضوع الإنساني، الذي يهواه أحمد عبد الحليم بوصفه مخرجا، وبين اختياره للموضوع نفسه ليكون مشروع التخرج؛ بوصفه أستاذا؟! الإجابة ذكرها أحمد عبد الحليم – مخاطبا طلابه في كتيب مشاريع التخرج لعام 1978 – قائلا: «لقد أتبعنا سويا كمجموعة عمل مسرحي أكاديمي منهجا علميا معينا لنحقق التواصل الذهني والوجداني مع الجمهور وهو إدراك العفوية والتلقائية الفنية حتى نستطيع أن نعكس التجربة الإنسانية العميقة».
إذن اختيار أحمد عبد الحليم – لما يهواه فنيا وإخراجيا – كان اختيارا أكاديميا تعليميا موفقا من أجل صناعة الممثل، وفقا للعمل الجماعي! وكفى بنا أن نعلم أن الطلاب العاملين معه في هذا المشروع، وتم تخرجهم بعد عرض المسرحية، هم: مريم الصالح، كنعان حمد بوعركي، أحمد مساعد، قحطان القحطاني، سيار الكواري، محمد المسلماني، حسن إبراهيم، سوزان محمد علي.
ومن المؤكد أن أحمد عبد الحليم بذل جهدا كبيرا في تدريب هذه الكوادر الفنية، بدليل تفوقهم على مشاهير الممثلين المصريين في ذلك الوقت! حيث شاء القدر أن مسرحية (القضية المزدوجة للدكتور بالمي)، قدمها المسرح القومي بالقاهرة في 27 مارس 1979 من إخراج د.نبيل منيب، وقدمها باسم (دماء على ملابس السهرة). وكانت من تمثيل: محسنة توفيق، عزت العلايلي، توفيق الدقن، ناهد سمير وآخرون. والطريف في الأمر، أن الناقد فؤاد دوارة شاهد العرضين، وعقد مقارنة بينهما، جاءت في صالح عرض الطلاب!! ومما قاله الناقد في هذه المقارنة: «بالنسبة لدور الأم الذي بدا شاحبا ثانويا، في حين كان أساسيا وفعالا في عرض الكويت، وأتاح لمريم الصالح تقديم أداء ممتاز حقا. وليس ذلك لتفوقها على ممثلة راسخة القدم كناهد سمير يناسب تكوينها الجسماني طبيعة الدور أكثر منها، بل لنجاح المخرج هناك في تحديد أدق ملامح الشخصيات بصورة أفضل مما فعل مخرج عرض القاهرة... كنعان حمد الذي أدى دور رئيس المخابرات ببراعة تصمد للمقارنة بأداء الممثل العتيد توفيق الدقن»، (مجلة الدوحة - أبريل 1979).
البطل في الحظيرة
في يوم 21/ 1/ 1979، قدّم أحمد عبد الحليم مشروعه الطلابي الثاني، وهو مسرحية (البطل في الحظيرة) أو (هرقل وحظيرة أوجياس) لفريدريك دورينمات، وقد اختارها أحمد عبد الحليم لإنسانية مضمونها، ولأنها صالحة لتدريب الطلاب – ناهيك بارتباطها بالواقع المعايش - وفي ذلك يقول أحمد عبد الحليم في كتيب المشروع: «ورغم أنها ترتدي ثوبا يونانيا قديما فإنها ترتبط بواقعنا المعاصر بشكل أو بآخر، وتعتبر هذه المسرحية أيضا تجربة إنسانية فنية، يستطيع من خلالها أن يفجر طالب الفن إمكاناته الكوميدية كجزئية تعليمية ينبغي أن يمر بها».
تدور أحداث المسرحية حول مدينة أليس اليونانية، التي امتلأت شوارعها بروث الحيوانات، وتراكم فيها حتى غطى المنازل والأبنية. ولأن هذه المدينة من أعرق المدن اليونانية، فهي تعتمد على النظام الديمقراطي، فلا بد أن تعرض المشكلة على برلمان الشعب! ويقرر ممثلو الشعب الاستعانة بالبطل القومي لليونان (هرقل) لإزالة روث مدينتهم! ويصل هرقل إلى مدينة أليس، وتستقبله الجماهير مرحبة ومهللة؛ ولكنه يقع في متاهات الديمقراطية وتكوين اللجان والحصول على أذون المؤسسات.. إلخ، وأخيرا يفشل هرقل، ويتحول إلى أضحوكة في أفواه الناس.
والجدير بالذكر إن من قام بهذا المشروع، هم طلاب الفرقة الثالثة: عبد الله غلوم، صالح المناعي، دخيل الدخيل، مبارك سويد، حميدي مشعان، إبراهيم الحربي، أمينة القفاص، ماجدة سلطان، مسافر عبد الكريم، عبد الأمير مطر، كاظم الزامل، شريدة الشريدة، خليل زينل، خالد بو حمدية، سعد العنزي. وأشاد بعض النقاد بدور مبارك سويد، وأمينة القفاص في هذا العرض، ومنهم وليد أبو بكر، الذي قال في جريدة الوطن الكويتية يوم 23/ 6/ 1979: «قام بدور هرقل الطالب مبارك سويد، الذي تميز واستطاع أن يعبر عن البطولة الفردية بالعرض الجيد، وبالصوت. كما استطاع أن يتقن أداء لحظات التحول من البطولة إلى التهيج، بتأثير صديقته السابقة الطالبة أمينة القفاص». كما أجاد جميع الطلاب، عندما أعادوا عرض المسرحية مرة أخرى في الأسبوع الثقافي الكويتي، الذي أقيم في المغرب. وتم عرض المسرحية مرتين على مسرح محمد الخامس والمسرح البلدى في مارس 1979.
براكسا
كان المشروع الثالث طفرة في تاريخ مشاريع أحمد عبد الحليم الطلابية، وهو مسرحية (براكسا) لتوفيق الحكيم، وتم اختياره بعناية فائقة؛ ليحقق أمورا كثيرة، منها إخراجه بصورة تجريدية؛ ذلك الأسلوب الأثير لدى أحمد عبد الحليم، والذي طبقه في الديكور، ناهيك بالصراع في هذه المسرحية – والتي عبرت عنه جريدة «الرأي العام» الكويتية يوم 1/ 6/ 1979 قائلة - وهو «صراع الأفكار الذهنية.. فالحرية والقوة والعقل معانٍ مجردة تجسد من خلال شخوص إنسانية.. وهذا التجريد ينبع من منطلق الواقع... كما أن المخرج جرّب في الأزياء، عندما جعلها معاصرة»، رغم أن المسرحية يونانية الموضوع، تدور أحداثها حول قضية حُكم الشعوب، ومن هو الأولى والأفضل للتصدي لمسؤوليات الحكم في أية دولة؟! هل هو الرجل العاقل الفيلسوف المفكر؟ أم الرجل القوي صاحب السطوة والقدرة القتالية؟ أم هي العاطفة الصافية والنقية الطاهرة المتمثلة عادة في المرأة؟
نجحت المسرحية، عندما عُرضت على مسرح كيفان يومي الخامس والسادس من يونية 1979! وتألق طلاب وطالبات البكالوريوس، وهم: سعاد عبد الله، علي المفيدي، خليفة خليفوه، كاظم الزامل، عبد الأمير مطر، شريدة الشريدة، خليل زينل، خالد أبو حمدية، سعد العنزى، مبارك سويد! فكتب مهنئا الناقد عبد اللطيف العوضي – في جريدة الأنباء يوم 9/ 6/ 1979 - قائلا: «أحمد عبد الحليم أستاذ مادة التمثيل والإخراج أهنئك على المقدرة في صقل عدد من الطلبة الذين كنت أشاهدهم على المسرح ولم أتوقع أن أراهم بهذا المستوى المتقدم جدا».
وعلى الرغم من نجومية أغلب الطلاب المشاركين في هذه المسرحية؛ فإن قدرة أحمد عبد الحليم في اكتشاف المواهب، ظهرت بوضوح في هذه المسرحية، ومثال على ذلك الطالب (خليفة خليفوه) وأداؤه لدور الفيلسوف، الذي قال عنه الناقد وليد أبو بكر في جريدة الوطن يوم 8/ 6/ 1979: «لقد أدى خليفة هذا الدور، من خلال إحساس كامل به، ودون توتر، وبحركة طبيعية حسب توجيهات المخرج، وكل هذا جعل الطالب متميزا في أدائه، وقادرا على خلق تجاوب متصل بينه وبين الصالة إلى حد أدهش الذين شاهدوه من قبل. وهذا النجاح، بقدر ما يشير إلى موهبة الطالب، يؤكد أيضا قدرة المدرس المخرج على اكتشاف هذه الموهبة وتوظيفها في الدور المناسب».

لعبة السقوط
بعد نجاح الطلاب في عرض مسرحية (براكسا) بثلاثة أيام، قامت مجموعة منهم – وهم: عبد الأمير مطر، خليل زينل، علي المفيدي، أمينة القفاص، مبارك سويد - بعرض مشروع آخر من إخراج أحمد عبد الحليم على مسرح كيفان يوم 9/ 6/ 1979، وهو مسرحية (لعبة السقوط)، تأليف مجدي فرج شقيق الفريد فرج. وهذه المسرحية على وجه الخصوص، كانت بداية جديدة في اختيارات أحمد عبد الحليم الفنية والتعليمية!! فمن الملاحظ أن أحمد عبد الحليم – في اختياراته السابقة – كان بعيدا عن الموضوعات السياسية المباشرة، لا سيما التي تؤجج مشاعر الشعوب وتدفعها إلى الثورة ضد قمع حُكامهم، وهذه فكرة المسرحية!
أما الأحداث فتدور حول ملك لإحدى مدن ألف ليلة وليلة، يجبر مضحكه (بهلول) أن يحكم الشعب بدلا منه، وبالفعل يوافق بهلول – بعد أن تعذب عذابا شديدا – ويبدأ في تصفية حسابه مع الجميع؛ حيث صنع من الوزير مُضحكا أو بهلولا له، ثم يقوم بقتله لأنه كان يمارس الرذيلة مع زوجته. ومن ثم ينتقم الملك بهلول من زوجته أيضا، لأنها كانت تخونه مع الوزير. ويستمر الحاكم الجديد في الانتقام وتصفية الحسابات، فتسوء أحوال البلاد، ويتفشى المرض والفقر، ويبدأ الشعب في التذمر، فيقوم الملك بقمعه مما أدى إلى هروب أفراد الشعب من المملكة، ويظل الحاكم وحيدا في قصره، فيصاب بالجنون، وتنتهي المسرحية والحاكم في حالة هستيرية يخاطب فيها شعبا لا وجود له!
ومن المُرجح أن أحمد عبد الحليم اختار هذا النص السياسي بصورة غير متعمدة! لأنني وجدت ضمن الوثائق الرقابية المتعلقة به – عندما كان سيُعرض في مصر – تقريرا للرقيب محسن مصيلحي، يقول فيه: «وسط الجو الديمقراطي الذي نأمل جميعا المشاركة في صنعه ونزولا على حرية التعبير الفكري لسائر القوى الوطنية أرى الموافقة على إتمام عرض هذه المسرحية لأن السماح بعرضها سيكون مؤشرا هاما على إعطاء حرية التعبير الفكري للجميع». والثابت تاريخيا أن بقية الرقباء رفضوا النص، ولم يتم عرض هذه المسرحية في مصر؛ ولكن أحمد عبد الحليم عرضها في الكويت بعد عدة أشهر من رفضها في مصر! ومن المؤكد أنه عرضها خالية من فكرتها السياسية؛ حيث إنني لم أجد نقدا منشورا في الصحافة الكويتية، يُشير إلى وجود أفكار سياسية في العرض!
وتوضيحا لهذه النقطة، أقول: بناء على الوثائق الرقابية، المتعلقة بهذه المسرحية أن اسمها الأصلي (السقوط)، وتقرير الرقيب - المرحوم الدكتور - محسن مصيلحي بالموافقة كان مؤرخا في 21/ 11/ 1978. أما بقية الرقباء فرفضوا النص، وثار جدل بينهم، فقرر مدير الرقبة استدعاء المؤلف لتغيير العنوان، وإضافة مشهدين على النص: الأول قبل أحداث المسرحية، والآخر بعد أحداثها، حتى تضيع فكرتها السياسية. وهذا الأمر حدث بالفعل، حيث إن عنوان المسرحية (السقوط) أصبح (لعبة السقوط)! كما وجدت مشهدين بالفعل مكتوبين بخط اليد في بداية المسرحية وفي نهايتها، علما بأن نص المسرحية مكتوب على الآلة الكاتبة. ومن المحتمل أن هذه النسخة – المُعدلة – هي التي اعتمد عليها أحمد عبد الحليم في مشروعه للطلاب.
مما سبق نلاحظ أن أحمد عبد الحليم أشرف على ثلاثة مشاريع في عام 1979! مما يعني أن هذا العام هو أكثر أعوام إنتاجه الفني داخل المعهد.. وخارج المعهد أيضا! ففي هذا العام أخرج مسرحية (المتنبي يجد وظيفة) لفرقة المسرح الشعبي،، تأليف عبد السميع عبد الله، وعرضت على مسرح كيفان في 21/ 2/ 1979، ونال أحمد عبد الحليم الجائزة الفضية عن إخراجه لهذه المسرحية في يوم المسرح العربي لتكريم الفنان المسرحي. كما أخرج أيضا في هذا العام مسرحية (عزوبي السالمية)، تأليف وبطولة عبد الحسين عبد الرضا، وتم عرضها على مسرح المعاهد الخاصة.
مركب بلا صياد
في العام التالي، عاد أحمد عبد الحليم إلى الموضوعات الإنسانية من خلال مسرحية (مركب بلا صياد) تأليف أليخاندرو كاسونا – ترجمة د.محمود علي مكي – وتدور أحداثها حول ثري فقد أمواله في صفقة خاسرة، فانفض من حوله كل الناس! وفي لحظة يأس يأتيه الشيطان ويرد له ماله شريطة التوقيع على عقد بأن يقوم بجريمة قتل، فيوافق الثري. ويموت أحد الأبرياء، فيتصور الثري إنه سبب موته، ويحاول أن يُكفّر عن ذنبه بكل الطرق دون جدوى، وقبل أن يعترف الثري لزوجة الضحية بأنه سبب موت زوجها، يظهر القاتل الحقيقي. فيذهب الثري إلى الشيطان ليستطلع الأمر، فيخبره الشيطان بأنه بريء بالفعل، ويذكره بالعقد المبرم بينهما. وعندما يحاول الشيطان إجبار الثري على تنفيذ العقد بارتكابه لجريمة قتل لأحد الأشخاص، يقوم الثري بالانتصار على الشيطان بأن يواجهه بأن العقد ينص على القتل دون تحديد القتيل، لذلك يقوم الثري بالانتحار!
هذه المسرحية عرضها الطلاب على مسرح كيفان يومي 13 و14/ 6/ 1980. ومن الملاحظ أنها لاقت نجاحا كبيرا، فالناقد حسن عبد الهادي كتب عنها مقالة – في مجلة «عالم الفن» الكويتية يوم 22/ 6/ 1980 - تحت عناوين ثلاثة، تدل على أن العرض كان جماهيريا بصورة فاقت عروض الفرق الكويتية الأهلية في هذا الموسم! فالعنوان الأول يقول: (وأنقذ الطلاب موسمنا المسرحي كالمعتاد)، والثاني يقول: (مركب بلا صياد مسك ختام موسمنا المسرحي)، والثالث يقول: (أحمد عبد الحليم قاد المركب إلى بر الأمان). وعن عمل المخرج في هذا المشروع، قال الناقد: «استطاع أحمد عبد الحليم أن يحقق رؤية متكاملة للجمهور إذ إنه لم يتبع أسلوبا موحدا في عرضه بل لوّن فيه مستفيدا من الحوار الجيد الذي احتواه النص ووفق بين الكلمة والحركة إلى حد كبير، وكان رومانسيا في مشاهد البحر واستحضار الشيطان مجسما، وقدم لونا متطورا من الإبداع الفني فكانت بصماته واضحة على العمل منذ البداية وحتى النهاية بحرفية متقنة».
وتحت عنوان (الممثلون في سطور)، قال الناقد: «مسافر عبد الكريم أثبت أنه ممثل جيد بإمكانه أن يقدم أكثر من لون، ماجدة سلطان مكسب كبير لمسرح البحرين الشقيق، صالح المناعي طاقاته أكبر من دوره بكثير، حميدي مشعان حضور مسرحي وخفة ظل، عبد الله غلوم أداء كبير لدور قصير جيد، دخيل الدخيل أثبت كفاءة عالية وموهبة متطورة، أمينة القفاص تلعب أدوارها بحرفية متميزة، فايزة كمال أداء جيد وحركة واعية تبشران بمستقبل حسن».
وهذا الرأي، يعكس لنا حُسن اختيار المخرج لنص المسرحية – ذي الموضوع الإنساني – الملائم لقدرات الطلاب في تجسيدهم للشخصيات! والجدير بالذكر في هذا المُقام: إن الفنانة القديرة أمينة القفاص – التي شاركت في هذا العرض – أخبرتني عن هذا المشروع – بعد مرور 34 سنة - قائلة: إن المرحوم أحمد عبد الحليم كان يناقشهم في اختيار المشروع قبل إقراره، وخصوصا عرض (مركب بلا صياد)، وذلك وفقا لرؤية كل طالب لدوره في المشروع! كما أكدت لي أن المشروع من الممكن تغييره أكثر من مرة، حتى يتم التوافق عليه من قبل الطلاب والمشرف.

 


سيد علي إسماعيل