العدد 776 صدر بتاريخ 11يوليو2022
يقول المثل الشهير «الطريق إلي جهنم مفروش بالنوايا الحسنة». تذكرت هذا المثل وأنا أطالع خبر وفاة الكاتب والممثل ومؤلف الأغانى المسرحى الأمريكي “جيمس رادو” عن تسعين عاما بأزمة قلبية مفاجئة لم تمهله طويلا بعد أن عاش متمتعا بصحة جيدة.
رغم إنتاجه الغزير فى المسرح الأمريكى وأغانيه والأدوار التى جسدها سواء فى مسرحيات من تأليفه أو من تأليف أخرين، لا يكاد جمهور المسرح فى الولايات المتحدة يعرفه إلا من مسرحيته “الشعر” (بفتح الشين) الموسيقية الغنائية.
عرضت المسرحية لأول مرة عام 1967 على مسرح “بابليك” فى نيويورك خارج برودواى واعتمدت على موسيقى الروك وبعض موسيقى السكان الأصليين. واحتاج الأمر عامين ليثبت نجاحها وتنتقل إلي برودواى وتحقق نجاحا أخر. ورغم هذا النجاح لم تفز المسرحية فى حينها بجائزة تونى كأفضل عمل مسرحى موسيقى والت الجائزة إلي مسرحية أخرى ناجحة وقتها وهى “1776”التى نرجو أن نطالع القارئ بموضوع عنها قريبا.
وترجع شهرة هذا العمل بالذات إلي عوامل عديدة منها انه أول عمل لموسيقى الروك يتم عرضه فى برودواى عاصمة المسرح الأمريكي بعد سنوات من رفض هذه الأعمال واعتبارها لا تنتمى إلي فن المسرح. وقد عرضت المسرحية منذ ذلك الوقت وحتى الآن لأكثر من 1800 ليلة عرض على برودواى. وكانت بداية لعرض هذا النوع من المسرحيات على مسارح برودواى.
السبب الرئيسي
لكن السبب الرئيسي أن هذه المسرحية كانت المسرحية الأولى فى برودواى التى يظهر فيها تبادل القبل بين أبناء الجنس الواحد وكذلك المسرحية الأولى التى يظهر فيها بعض الأبطال عراة. وكان من المفارقات أن مشاهد العرى تم حذفها من العرض الأول خارج برودواى لكن ذلك لم يحل دون نجاحها.
تعرض رادو وقتها لهجوم حاد من أوساط عديدة سواء من نقاد عاديين أو من رجال دين أو خبراء تربية بسبب تلك المظاهر التى لم تكن قد فشت فى الولايات المتحدة على النحو الذى نشهده الآن .
ودفاعا عن نفسه قال رادو أن المسرحية التى كانت من إخراجه أيضا تفضح بعض عيوب المجتمع الأمريكي مثل العنصرية والفوضى الجنسية وتعاطى المخدرات والعدوان الأمريكي على فيتنام. وقد راعى عرض هذه المظاهر بشكل ينفر الناس منها على حد قوله . وقام رادو نفسه بدور من أدوار البطولة وهو كلود وهو شاب أمريكي كان على وشك التجنيد الإجباري لإرساله إلي فيتنام. وأكد أن المسرحية لها رسالة روحية!!! .
حجة مرفوضة
ورفض منتقدوه تلك الحجة واعتبروها مجرد تبرير لمناظر فاضحة يتضمنها العمل. وقال ناقد دالاس مورننج ستار أننا لو فرضنا انه صادق فيما قال فقد أسرف فى اللجوء إلي هذا الأسلوب إلي حد مقزز ومثير للغضب والتقزز حيث يظهر جميع الممثلين عراة فى نهاية الفصل الأول وهم يرددون أغنية إلي أين أذهب.
وهذا لم يمنع بعض النقاد من الإشادة به باعتباره عملا يتحدث عن اليوم وليس الأمس كما ورد فى تعليق ناقد البوسطن جلوب!!. وقد رفضت مسارح عديدة فى ولايات عديدة عرض المسرحية بواسطة فرق أخرى. وعادت ووافقت على عرضه بعد استبعاد مشاهد العرى والشذوذ رغم تحذيرات رادو أن ذلك يفرغ العمل من مضمونة.
ومن الطريف أن الجيش الأمريكي اعترض على مشاهد العرى باعتبارها إهانة للعلم الأمريكي حيث كان الممثلون يرفعون العلم الأمريكي فى مشهد العرى. وتم منع عرضها فى بوسطن بحكم قضائى فى قضية رفعتها إحدى الكنائس المسيحية. ووافقت بلدية نيويورك على عرضها طالما أن المشاركين فى مشاهد العرى لا يتحركون!!!!.
إعادة
وأعيد عرض المسرحية عام 1977 وبعدها بعامين تحولت إلي فيلم سنيمائى. وأعيد عرضها فى 2009 حيث حصلت على جائزة تونى لأفضل مسرحية معادة.
وتحكى المسرحية قصة الصديقين كلود وبيرجر الرافضين لحرب فيتنام ثم يفاجئان بطلبهما للتجنيد لإرسالهما إلي فيتنام فيرفضان ويقومان علنا بحرق خطابى الاستدعاء ويشاركان فى المظاهرات الرافضة للحرب وينخرطان فى تعاطى حبوب الهلوسة وفى صفوف جماعات الهيبز التى كانت صيحة فى أواخر السينيات وأوائل السبعينيات. وفى هذه المسرحية عرضت اغنية ألفها رادو تعارض الحرب فى فيتنام اشتهرت وأصبحت شعارا رسميا لمعارضى الحرب فيما بعد. ويقول مطلع الاغنية ...لماذا أعيش ..لماذا أموت ...قولوا لى إلى أين تدفعون بى ..ولماذا؟.
وبلغ من نجاح أغانى المسرحية أنها استخدمت فى أعمال فنية أخرى مثل أفلام “غابة جامب” و”عذراء فى الأربعين” ومسلسلات “هل تستطيع الرقص واسمى إيرل. وشارك فى بطولة المسرحية عدد من كبار المسئولين مثل دونا سمر وتيم كارى.
وبلغ من نجاح المسرحية أنها فى وقت ما كانت تعرضها 14 فرقة فى أرجاء المعمورة وفى لندن وحدها تم تقديم أكثر من الفى عرض منها.
الملك الصليبى
ولد رادو فى كاليفورنيا ونشأ فى نيويورك وخدم فى الجيش الأمريكي لمدة عامين . وبعدها اتجه إلي دراسة التمثيل حيث تعرف على مجموعة من زملائه الذين اشتهروا فيما بعد مثل باولا ولى ستراسبرج.
وبعد تخرجه شارك فى عدد من المسرحيات مع فرق صغيرة أو اقليمية. وكانت بداية عهده مع برودواى مسرحية “ماراثون 33” عام 1963 . وبعدها بثلاثة أعوام شارك فى مسرحية “أسد فى الشتاء” فى برودواى أيضا التى جسد فيها شخصية الملك الصليبى “ريتشارد قلب الأسد”. ولم يقصر نشاطه التمثيلى على برودواى حيث كان يقوم بأدوار خارجها مثل المسرحية الموسيقية «اخفض رأسك ومت». وخلال تلك الفترة كان مشغولا بتأليف أولي مسرحياته الموسيقية «الشعر» التى اشتهر بها فيما بعد.
وبعد ذلك كتب عدة مسرحيات غنائية عرضت فى برودواى وخارجها مثل الشمس وقوس قزح والجندى الأمريكي . وكان يكتبها أحيانا بمفرده واحيانا مع شقيقه روبرت وكانت تعرض فى برودواى وخارجها لكن أيها لم يحقق من الشهرة ما حققته مسرحية الشعر.