استلهام وتوظيف التراث فى مسرحية رجل وامرأة وقضية

استلهام وتوظيف التراث فى مسرحية رجل وامرأة وقضية

العدد 821 صدر بتاريخ 22مايو2023

     إن الحادثة/ الواقعة التاريخية تحدث مرة واحدة، ولكنها تُكتب وتأول ويتم تناولها آلاف المرات، ويُعد التراث بالنسبة للمبدعين معينا لا ينضب، وموردا ثقافيا نشطا، لما يحويه من فكر وقيم ومبادئ إنسانية حية، وكذلك يُعد التاريخ حلقة الوصل بين الماضي والحاضر، ومن ثم يلجأ معظم المبدعين للتاريخ والتراث، ليس فقط من أجل ممارسة حنينهم نحو ذلك الإرث، ولكن أيضا من أجل إفراز معاناتهم وإسقطاها على معطيات التراث، وبهذا تمتد صلة التاريخ بالحاضر عبر استخدام أدوات فنية، فيأخذون منه ويضيفون إليه أبعادا جديدة من خلال رؤيتهم المعاصرة.
  ويُعد اختيار الكاتب/الشاعر أشرف أبو جليل– فى مسرحيته رجل وامرأة وقضية-حقبة زمنية معينة ترجع إلى القرن السادس والسابع الميلادى/ نهاية العصر الجاهلي وبدايات القرن الأول الهجري، إشارة مهمة ليس فقط من أجل اللجوء إلى التاريخ ومسرحته أو توظيف التراث على أنه يمثل الماضي؛ بل أيضا من أجل الإسقاط على الحاضر، عبر تقنيات وصياغة شعرية متقنة، فجاء اشتغاله عبر خطاب ميتا مسرحي معاصر، يهدف إلى انتقاد وتعرية الحياة الاجتماعية السياسية والدينية والثقافية.
  ونستند بداية إلى عنوان المسرحية (رجل وامرأة وقضية) كونه يشكل أول عتبة يمكن أن نطأها، قصد استنطاق واستقراء النص، وقصد كونه يُشكل إشارة تواصلية بين المرسل والمتلقي؛ ومن ثم يصبح مفتاحا دلاليّا، يفتح بعضا من انغلاق النص، فعنوان «رجل وامرأة» جاء محملا بخطاب يتأسس على بعد مزدوج فى آن واحد، ويُحيلنا إلى مجموعة مقومات منها النوع والعلاقة، وكذلك كلمة «قضية» تحيلنا أيضا إلى قضايا عدة، اجتماعية، أو سياسية، أو دينية.. إلخ، ومن هنا أصبح العنوان يجمع بين مكونين أحدهما يشير إلى شكل المسرحية، والآخر يحيل إلى مضمونها.
   اعتمدت مسرحية «رجل وامرأة وقضية» على البناء التراكمي في صور مشاهد متعاقبة بترتيب سير الأحداث، حيث تتكون المسرحية من أحد عشر مشهدا، وجاء توظيف واشتغال الكاتب على حدثين رئيسيين أحدهما موضوع/ قضية «الحُرقة» هند بنت الملك النعمان في مشاهد مقطوعة، يتخللها مشاهد من الحدث الموازي الآخر لموضوع/ قضية «الملك الضليل» أمرؤ القيس، من أجل أن يضع المتلقي في مقارنة بين ما تفعله المرأة؛ كاشفا الحياة الاجتماعية والسياسية والقيم الأخلاقية، وبين ما يفعله الرجل؛ كاشفا أيضا الظروف الاجتماعية والسياسية، موضحا الـ(قضية) أن المرأة تستعين وتستنجد بالقبائل العربية في محاولة للم الشمل العربي المشتت، من أجل مواجهة كسرى ملك الفرس/ الاستعمار، بينما الرجل يستعين بالأعداء/ القيصر الروماني من أجل الثأر من العرب لمقتل أبيه.
    ويتمثل الحدث الرئيسي الأول في موضوع الحُرَقة، هند بنت الملك النعمان التي انقلبت حياتها وحياة أبيها رأسا على عقب، حينما طلبها كسرى ملك الفرس للزواج، فرفض النعمان تزويجها، مما أغضب كسرى وعزم على الانتقام منه لإهانته إياه، وقد تبدلت حياتها بعد موت أبيها، فراحت تجوب البيداء باحثة عمن يؤيها ويحميها من بطش كسرى، الذي أرسل للقبائل العربية يطلب منهم تسليم أهل النعمان وسلاحه، ويحذر كل من يأوي هند بنت النعمان، وقد تخلى الكثير من القبائل عنها، ولكن الحُرقة مُنحت ملاذا بين قوم بني شيبان بوقوف أميرتهم وشاعرتهم الحُجيجة صفية بنت الشيبانية إلى جوارها، وقد طلبت صفية من أخيها عمرو أن يدعمها، وحثت قومها أن يحموا جارتهم العربية من بطش كسرى وظلمه، وألا يكونوا جبناء مثل بعض القبائل الأخرى التي تخلت عن الحُرقة، وراحت تحث القبائل المجاورة على دعمهم لصد عدوان كسرى، بعدما عزم على سفك دماء العرب، وبالفعل تُحقق الوحدة وتجمع شمل العرب ويهزموا جنود كسرى شر هزيمة.
  ويتمثل الحدث الرئيسى الموازي الآخر في موضوع «الملك الضليل» امرؤ القيس الذي نشأ مترفا؛ ويقوم بتنظيم الشعر الإباحي ومخالطة الصعاليك، وبالرغم من نهي والده له عن ذلك، فإنه ظل يحيا حياة اللهو والترف، فيطرده والده، ويمضي امرؤ القيس سائرا بين القبائل العربية، ساعيا وراء اللهو والعبث والطرب، ولكن تتبدل حياته أيضا بعد أن ثار بنو أسد على والده وقتلوه، فجاءه الخبر بينما كان جالسا يشرب الخمر فقال « لا صحو اليوم ولا سُكْرَ غدا، اليوم خمر وغدا أمر» فأخذ على عاتقه مسئولية الثأر لأبيه، فأقسم ألا يغسل رأسه وألا يشرب خمرا، فجمع أنصاره واستنجد بقبائل أخواله بكر وتغلب، ولكنهم تخلوا عنه، فقتل عددا كبيرا من بني أسد، واضطر أن يواجه المنذر ملك الحيرة، الذي استعان بكسرى ملك الفرس عليه، مما جعل امرؤ القيس يهيم على وجهه مستنجدا بالقبائل، ولكن دون جدوى، حتى قرر أن يستنجد بالقيصر ملك الروم، لكي يعززه بحلفائه، ولما وصل إلى القيصر غُرر به وأهداه ملابس مسمومة، وما إن ارتداها حتى تسمم جسمه وتقرح ومات.
  وعلى هذا نجد أن الكاتب اتخذ/اختار هذين الموضوعين بوعي تاريخي، ووظفهما توظيفا فنيا برؤى عصرية، من أجل إرسال خطاب عبر الميتا مسرح ومسرحة التاريخ، وتوظيف الموروث، فجاء اشتغاله على استلهام/استدعاء شخصية «الحُرقة» هند بنت الملك النعمان، وشخصيات عصرها لإظهار وحدة العرب وتآزرهم عند الشدائد، ووقوفهم ضد كل معتدٍ، وإظهار دور المرأة/الحُرقة التي أصبحت القلب النابض، الذي ألهب الحماسة والحمية في ضمائر القبائل العربية، ومن ثم تبرز رسالة الكاتب عبر خطاب يحمل بعدين تاريخي/معاصر مستندا ومؤكدا على دور المرأة في شحذ همم القبائل العربية ووحدتهم للوقوف ضد ملك الفرس/ الاستعمار.
 وكذلك جاء اشتغال الكاتب على استلهام/استدعاء شخصية «الملك الضليل» امرؤ القيس وشخصيات عصره، عبر خطاب موجه يحمل أيضا بعدين تاريخي/معاصر، فيقدم رؤية ساخرة تعرض لحياة امرؤ القيس الغارق في اللهو والمجون والفساد والخنوع للغير، الذي يستنجد بالقيصر ملك الروم/الأعداء من أجل الأخذ الثأر، ومن ثم تتجلى رؤية الكاتب النقدية في توظيفه لموضوع «الحُرقة» لإظهار القيم الوطنية والأخلاقية/ السياسية والاجتماعية، وتوظيفه لموضوع «الملك الضليل» لإظهار انهيار القيم وفسادها، ليضع المتلقي حكما بين الموضوعين طوال العرض.
    وقد وظف الكاتب عناصر البناء الدرامي توظيفا فنيا، يمزج فيه مستويات عدة، منها الفكر والموضوع نفسه، ومنها عنصر الشخصيات المعاصرة، التي تتمثل في المذيع، والمخرجين، وفرقتي التشخيص، ولجنة التحكيم، ومنها الأحداث والشخصيات التاريخية التي تتمثل في هند بنت الملك النعمان وشخصيات عصرها، وأمرؤ القيس وشخصيات عصره، ومنها عنصرا الحوار واللغة اللذان تم توظيفهما على صياغة محكمة من شعر التفعيلة، الذي يدلل على المعاصرة، يتخلله الشعر العمودي الذي يدلل أيضا على الحقبة التاريخية.
     وسوف نعرض لبعض الأساليب والتقنيات التي استخدمها الكاتب، لاستجلاء الصورة أمامنا، حيث تبدأ المسرحية بدخول مُذيع يقدم مسابقة مسرحية في إحدى المسارح، ويعلن أن خطأ ما حدث، نتيجة تواجد فريقين في اليوم والوقت نفسه، وقد توصلوا جميعا لاتفاق بين لجنة التحكيم وبين مُخرجي المسرحيتين، أن يقدم كل منهما مشهدا من مسرحيته في اليوم نفسه بالتناوب، وبالفعل يأخذ كلاهما تقديم مشاهد من مسرحيتهما بالتناوب أمام اللجنة والجمهور، ونلحظ المُخرجين بين المشهد والآخر كلاهما ينتقد مسرحية الآخر ويثني على مسرحيته طوال فترة العرض.
   وإذا كانت البداية تشير باقتضاب إلى هذين المكونين اللذين تنهض عليهما الميتا مسرح في نص الكاتب أشرف أبو جليل؛ فإن الخطاب المُرسل يكشف لنا بوضوح أننا بصدد تجربة تعي منطق اللعبة المسرحية، وتحاول إقامتها على أساس مرجعية فنية واضحة هي الملحمية البريختية، كما تعي طبيعة المنظور التاريخي الذي تحاول بلورته حول مرحلة مهمة من التاريخ العربي، فجاء بناء المسرحية على تركيب تعليقي - يتمثل في المذيع/ المخرج/ رئيس لجنة التحكيم - يستند على البريختية، ويبدو ذلك واضحا من خلال الجمع بين التوازي والتناوب في سرد أحداث المسرحيتين.
المذيع: باسم الله. باسم إدارة هذا المسرح نشكر من حضروا العرض. ونوضح أن العرض الليلة ليس مُعدا للجمهور، فنحن بصدد بروفة عرض للتقييم من اللجنة... فإذا لاقى العمل نجاحا سيصعد للعرض القمى .. ساعتها سنوجه لكم العوة لحضوره.. سنقدم هذى الليلة عرضا يغرق في التراجيديا..وغدا سنقدم عرضا يغرق في الكوميديا..أرجو أن تلتزموا الصمت التام وإغلاق هواتفكم.
   وتتضح النبرة التعليمية والانتقادية في الفواصل/ كسر الإيهام مع تعليق المخرجين، فنجد مخرج1 يعلق على العرض الآخر: الفارق ضخم جدا بين فتاة تعتز بوالدها وعروبتها، واللاهى المغضوب عليه من الأهل المدعو بالملك الضليل.
   وفي مشهد آخر نجد مخرج 2 يوهم المتلقي بالابتعاد عن الواقع الحقيقي والدخول إلى عالم المتعة والرفاهية: اللعبة واضحة ياسادة .. مخرج عرض الحُرقة هند يلعب بمشاعركم، بل يسقط بعض الجمل الرمزية من عينة التفتيش عن الأسلحة لكي يجذبكم للعرض .. ولكن الملك الضليل يظل يرفه عنكم.
   ويُشكل هنا التمسرح الملحمي خلفية جمالية أساسية تتضافر فيها عدة مكونات سواء أكانت من خلال لغة الحوار الشعري أو الإرشادات المسرحية، أم النبرة التعليمية في التعليق على الأحداث، أم عملية التغريب؛ فمنذ البداية نجد نزوعا نحو كسر الإيهام/ الجدار الرابع، ووضع المتفرج في سياق اللعبة المسرحية عبر تفجير فضاء اللعب، وإيصال الهوة بين الصالة وخشبة المسرح، هذه المعطيات التغريبية الأولية ترسم إطارا للممارسة الميتامسرحية، لاسيما من خلال إظهار سينوغرافيا مسرحيتي الحُرقة، والملك الضليل داخل المسرح المتخيل، ومخاطبة المتلقي مباشرة.
  ويتضح ذلك  كما ذكرت من قبل في الفواصل التي تتخلل المشاهد الإيهامية، فنجد مخرج1 يمتدح هندا ويهجو امرؤ القيس: لا وجه مقارنة حقا بين العرضين، فهذي امرأة تجمع شمل العرب المشتت لتواجه ملك الفرس.. إنها امرأة بإرادة أمة.. وذاك الملك الضليل الأرعن يسعى للثأر من العرب ليقتل مئة رجل. بل يمعن في إذلال العرب بحلق الشعر.
  وفي مشهد آخر نجد مخرج2 يمتدح روايته وينتقد الرواية الأخرى: الفارق أوضح من شمس في الصيف.. هذا بطل روايتنا يُقسم أن يقتل مئة ثأرا لأبيه، ويحلق شعر المئة الأخرى إذلالا للقتلة.. وإذا كنتم شاهدتم هندا وهي تطوف لتستعطف فرسان العرب لكي يحموها فتعالوا لتروا كيف تكون العزة عند الملك الضليل... الوضع خطير حقا ياسادة فهناك عروض تبغي تخدير الجمهور فترسم وهما عن وحدتنا وأنا أسألكم: هل تلك الأحلام يصدقها أحد؟ بل أسألكم هل واقعنا الآن به هذي الوحدة؟ لا تنخدعوا في عرض الحُرقة هو عرض أحلام أو أوهام .. أما خير مثال للواقع طبعا هو عرض الملك الضليل .. الفرق كبير بين عروض تعطينا المتعة والكوميديا وعروض تأخذنا للهم.
 وفي مشهد آخر نجد مخرج1 يضعنا أمام سؤال مهم: هل يمكن حل قضايانا العربية عربيا؟
 وعلى هذا نلحظ أن اشتغال الكاتب جاء على شكل التقطيع بين المشاهد لكل من العرضين؛ بحيث يشكل كل مشهد منهما نموذجا أو موقفا ما ضـمن الامتداد الزمني، حتى يوجد معادلا يسمح بعملية التحول لدى الشخصيات، ويجعـل المتلقي متابعا للأحداث، ولا يدمجه بها، بهدف إيقاظ وعيه وشحذه لتأمل واقعه، مستخدما التناول التراجيكوميدي عبر تقنيات المسرح البريختي/الملحمي بكسر الإيهام (الجدار الرابع) موظفا المسرح داخل المسرح، ليطرح مقارنته بين مسرحيتين يتم عرضهما بين ثنايا النص الأصلي، فقدم الكاتب ممارسة ميتا مسرحية ذات أبعاد جمالية وإيديولوجية واجتماعية ودينية تُسقط وتنعكس على طبيعة المجتمع المعاصر، وهو بذلك يقدم نقدا ممسرحا يستند على هذه الأبعاد في آن واحد.
    وكذلك جاء اشتغاله على مسرحة التاريخ من خلال بعدين أساسيين: بعد شعري يتصل بصياغة منظور خاص حول كيفية حضور التاريخ داخل المتخيل المسرحي، وبعد إيديولوجي/اجتماعي يتجلى في ارتباط المسرحية بزمنها، وكذلك يضعنا أمام مستويين ميتا مسرحيين لكي يُظهر الكيفية التي يتم تناولها بين العرضين عبر تعليق المخرجين، وعبر تشخيص الوقائع التاريخية وهما: مستوى شعري يقوم على تضمين مبادئ أساسية للدراما التاريخية في عرض الحرقة، ومستوى تماهٍ ساخر، يقوم على الهدم والبناء في عرض أحداث الملك الضليل.
  وعلى سبيل المثال نلحظ هذين المستوين من الوصف المشهدي والحوار في العرضين، ففي عرض الحُرقة (تمر هند على عدة بقع ضوئية وبدون كلام نفهم أن من تمر بهم (يقصد رجال القبائل)  لا يريدون إجارتها حتى تصل إلى آخر نقطة)
هند: تلك ديار بنى شيبان.. قد خبأ والدي الأسلحة وما يملك من مال وخيول وعتاد عند بني شييبان. أُترى هل يخذُلني عمرو الشيباني؟ (تحدث نفسها) في كل المرات السابقة استنجدت برجل فتخاذل، ما المانع أن أتحدث مع سيدة هذي المرة؟ السيدة ستفهم مأساتي أكثر. لن أسأل عن عمرو، بل سأجرب أن أسأل عن أخته شاعرة بني  شيبان صفية ومكناة ب»حجيجة وائل»
هند: ( تنادي) يا شاعرَة العرب صفية
صفية: أنت أنت أنت (ترفع يد هند بفخر وتكريم) بنت الملوك ذوي الممالك والعلى ذات الحجـــــــال
وصفوة النعمان.
    في حين نجد في عرض الملك الضليل (يدخل امرؤ القيس على أغنية شعبية مرحة مثل أغنية المغنى الشعبى «ريكو» من فيلم (صايع بحر) التى يغنى فيها بيت امرىء القيس «مكرمفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل» .. يدخل امرؤ القيس من الصالة متجها إلى خشبة المسرح راكبا دمية حصان مما تستخدمه الفرق الشعبية، يحمله لاعبان يمشيان بالدمية التى يركب فوقها امرؤ القيس ومن حوله فرقة استعراضية شعبية).
   وعلى هذا نستجلي خطاب الميتا مسرح الذي أراد الكاتب أن يوجهه من خلال قضيتين متناقضتين من التاريخ العربي تتصلان بشخصيتين مختلفتين هما: امرؤ القيس، وهند بنت الملك النعمان، فجاء خطابه محملا بأبعاد ثلاثة:
أولا البُعد الاجتماعي الذي يسقطه على الواقع المعيش، والذي يعبر من خلاله عن قيم التعاون والتكافل والحب والخير، وشجاعة المرأة ورجاحة قرارها، ودورها التاريخي، وإصرارها ووقوفها في مواجهة القهر والظلم.
وثانيا البعد الديني الذي يظهر تآزر وتآخي المسلمين والمسيحيين وقت الشدة والحروب، ويتجلى ذلك في المشهد العاشر من خلال الحوار، وأيضا عبر اللغات غير الكلامية في النص منها الإرشادات المسرحية، والإكسسوارات (راية مرسوم عليها صليب) والملابس (ملابس حج) كلها دلالات موحية ومعبرة عن القيم الدينية التي تدعو إليها الأديان من أجل الوحدة الوطنية.
    وأخيرا البُعد السياسي الذي يسقطه على الواقع المعاصر، والذي يظهر فيه وضع العرب والأوضاع السياسية في زمن الاحتلال الفارسي والروماني، وموقف القضيتين؛ فإحداهما تدعو للوحة العربية وتتصدى للعدو وتنتصر، والأخرى تتعرض للهو والخنوع والتبعية والاستعانة بالعدو.
    وعلى هذا يؤسس الكاتب والشاعر أشرف أبو جليل عبر مسرحيته «رجل وامرأة وقضية» خطابا مزدوجا يحتوي مضمونا وطنيّا، يدفع من خلاله دفقات الحماس والوعي لدى المتلقي بأهمية الوحدة والتصدي لقضية الوحدة القومية، وآخر يكشف عن التخاذل والانحطاط وانعدام القيم، مستندا إلى عملية التمسرح، والمزاوجة بين التراث العربي، والهموم السياسية والدينية والاجتماعية المعاصرة.


محيي عبدالحي