تجربة «عزيزي ثيو» النقادة لاتزال في جيبي

تجربة «عزيزي ثيو»  النقادة لاتزال في جيبي

العدد 720 صدر بتاريخ 14يونيو2021

رحم الله الدكتور فوزي فهمي حين كان ينصح طلابه دائما أبدا لا تذهب لأيها عرض ومعك نقادة في جيبك ، فأغلب التجارب تحتاج لمشاهدتها مرة واثنتين  حتى تكتمل رؤيتك عنها وحتى تختمر هي نفسها ، فالعرض المسرحي أشبهه بالكائن الحي ينمو باستمرار وتحنكه التجارب وتثقله الخبرات ، كذلك العرض المسرحي كلما طالت ليالي عرضه كلما زاد نضجا واكتمالا . 
فما بالك بتجربة نوعية ، يخاطر فيها المبدع بعدم الاعتماد على نص عالمي أو نص تم عمله مئات المرات من قبل ، فمن النادر أن يتحمس مخرج للعمل على نص جديد وإن كان مكتوب خصيصا له ، ومن الجائز أن حماس المخرج هنا جاء لإنه أحد مؤلفي العرض ولمن يعرف الفنان رامي نادر عن قرب ويشاهد العرض يلمس بوضوح مدى تقاطع ما يقدم على المسرح وحياة الفنان الشخصية. 
فالعرض كما هو موضح من جميع وسائل الدعاية يتعرض لقصة حياة «فان جوخ» لكن القصة تسير على مستويان أحدهما بالعامية الدارجة والأخر بالفصحى إحداهما يسرد قصة حياة فان جوخ والأخر حياة المخرج الشاب الباحث عن الفرصة آملا تارة ومتعثرا تارة ، ومعرضا للاستغلال بكافة أشكاله في كافة الأحوال . 
يبدأ العرض بمعرض فن تشكيلي مستوحى من حياة الفنان العالمي «فان جوخ» تحت إشراف أحمد بركات ومن إبداع مجموعة متميزة من شباب الفنانين التشكيلين ، وللحق فإن للمعرض  أثره على الحضور وعلى الفنانين المشاركين على حد سواء .
يحسب للفنان شجاعة التجريب وعدم اللعب على المضمون والانحياز للتجربة الفنية أي ما كانت النتائج . 
كذلك الدمج بين حياة واحد من أعظم الرسامين العالميين وحياة فنان آخر فقير على باب الله بمنتهى الجرأة والشجاعة دون الخوف من الاتهامات الجاهزة بالغرور والنرجسية . 
فالنص كما يوحي اسمه «عزيزي ثيو» اعتمد في معلوماته على خطابات بين «فينسيت فان جوخ» وأخاه الأكبر «ثيو»

الرؤية التشكيلية: 
في هذا العرض كان صاحب الرؤية التشكيلية شريك أساسي ، سواء في عمله الظاهر أمامنا على خشبة المسرح في الديكور والملابس وتصميم الإضاءة أو في الإشراف وتنظيم معرض الفن التشكيلي . 
استخدم كخلفية «بانوراما « احدى لوحات فان جوخ واتخذ من التيمة الرئيسية للوحة وهي النقاط المستعرضة نمط للمكياج والملابس التي حفلت جميعا _في جزء الحكاية الخاص بحياة فان جوخ_ بهذه النقاط المستعرضه والتي غاب عن استخدامها التوفيق في المعنى ، فمن المعروف عن حياة فان جوخ القصيرة الغزيرة الإنتاج إنها حياة صعبه لم ينل فيها أي تقدير حتى من أقرب المقربين أليه ، فكيف بالله أن يكن تأثيره ظاهرا هكذا بوضوح على كل من حوله !! خاصة أن واقع النص يحمل المعنى المضاد لهذا تماما .، كذلك كانت تلك النقاط المستعرضة على الوجوه بالتحديد تحدث تأثيرا ما يوحي بالتشوه أكثر ما يوحي بلمسه الأثر التي يتركها “فان جوخ” هذا إن كان قد ترك شيئا في حياة ملؤها الإحباط . 
أما عن الديكور فقد وفق في استغلال أكبر مساحة ممكنه للمسرح بمستويين أثنين ذلك لتعدد مناظر المسرحية وتنوعها بين حياتين ، حياة حاضرة آنيه هي حياة المخرج وقصة مسرحية ينوي تقديمها وهي قصة حياة «فان جوخ».   

الآداء التمثيلي: 
تميز عدد من الممثلين في هذا العمل ببساطة ودون افتعال منهم من جسد شخصية «فان جوخ» 
“شريف غانم” ببساطة تقترب من التلقائية وسلاسة دون افتعال أدى الدور بطريقة السهل الممتنع وساعده ايضا على ذلك التشابه بين ملامحه وملامح فان جوخ .    
وكذلك «إسلام إسماعيل» من قام بدور »المخرج الشاب» استطاع بأقل قدر من الضجيج ودون إنفعالات  زائده عن الحاجة وبشكل انسيابي أقرب لمدارس التمثيل الحديثة حيث ينصح بعدم التمثيل على الإطلاق، أقنع الحضور بمعناة ذلك الفنان الشاب الذي تتقاطع حياته ومعناته مع كثير من فناني اليوم .    
وتفوق على نفسه بآداء إحترافي والد «فان جوخ» الفنان «السعيد قابيل» وهذا ليس غريبا عليه فهو ممثل ومخرج محترف بالفعل وبالدراسة وبالانتماء لنقابة المهن التمثيلية  فزمن دوره مشهد واحد فقط استطاع من خلاله أن يلخص تطورات علاقة كاملة . جاء آدائه قويا معبرا عن مختلف المشاعر التي تعتمل في قلب أب  هو في الأساس رجل من رجال الدين «يتمتع بالقسوة والمنظور الواحد للأمور» مع ابن فنان موصوم بالخلل النفسي وفاشل ومتعب في مختلف مراحل حياته . وقد استطاع في مشهد واحد زمنه لا يتعدى ثلاث دقائق أن يعبر باقتدار عن مشاعر مركبه بين الغضب والرفض والحنو والإشفاق على هذا الابن الذي خيب آمال هذا الأب في كل شئ حتى حين أراد أن يلحقه بالكنيسة لم يندمج . 
أما عن بعض العيوب التي أفسدت متعة الفرجة أحيانا هي الإيقاع الذي يتراخى في بعض الأحيان بسبب حداثة بعض الممثلين أو قله خبرتهم . فقد تم اختيارهم عن طريق «casting” قام به منذ شهور خلت المخرج لكن لم يكن اختياره للبعض موفق .
كذلك التنميط الذي أفقد الشخصيات إحساس المتفرج بها ورؤيتها كلحم ودم بما فيها شخصية فنيست فالمعلومات جاءت بشكل أقرب لسرد وقائع التاريخ ومحاولة لتجميع كل ما حدث دون التركيز على شئ فظهرت الأحداث لاهثه ليس لدي المشاهد رفاهية اللحاق بها والتأثر من أجلها وذلك أفقد الصراع ميزته حيث سكن الصراع تحت وطأة وحدة الحدث فهذا فينسيت يعاني من كيت وكيت وكيت ولا يوجد من يفهمه وهذا مخرج شاب يتعرض للاستغلال ومنتج ينتظر أن يكتشفه غيره ثم يستثمره . 


نسرين نور