أوبرا بنت عربي بالحب والعمل نبني الوطن

أوبرا بنت عربي  بالحب والعمل نبني الوطن

العدد 623 صدر بتاريخ 5أغسطس2019

في إطار الموسم الصيفي قدمت فرقة الشمس لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة التابعة للبيت الفني للمسرح على خشبة مسرح السلام، العرض المسرحي «أوبرا بنت عربي»، وهي ليست أوبرا حسب التعريف حيث تشير لفظة «اوبرا» إلى الشخصية الأساسية وهي فتاة ابنة شخص يدعى عربي. تدور فكرة العرض عن قبول الآخر مهما كان بجسده عاهة أو مشوها، فهو إنسان، من الممكن أن يكون أفضل منك، وبالتالي يدعو العرض إلى عدم الاستهانة بأي شخص مهما كان. تدور الأحداث التي تتمثل أجواء الأساطير في زمن غير معروف حول ملك يدعى نيار (د.علاء قوقة) مملكته مترامية الأطراف، في مكان ما خارج عالمنا، يحافظ على حدودها جيش يقوده القائد عربي (هاني عبد الحي)، هذا القائد المنتصر المحبوب من الشعب، لكن الملك لا يشاطر الشعب نفس المشاعر لشعوره بالغيرة منه، وينمي هذا الشعور وزير الملك أمكار (محمد سعداوي) الذي يتمنى أن يرحل عربي ليعزل الملك ويسيطر على المملكة. في المقابل، فإن شعب المملكة من أصحاب الهمم ذوي القدرات الخاصة والمشوهين والمهمشين، منهم من أصيب أثناء الحروب للدفاع عن المملكة، لكن الملك يسخر منهم ويعتبرهم عجزة، ويستخدمهم في التسرية عن نفسه بهم في أعمال بهلوانية، كما ينفي خارج المملكة من أراد كما فعل سابقا مع الساحرة وندا.
يعود عربي منتصرا، لكنه عاد هذه المرة فاقدا عينه اليمنى، فبدلا من أن يخفف عنه الملك أو يمنحه نيشانا لشجاعته، يقرر عزله وضمه للعجزة، ورغم تحذير الساحرة وندا (ياسمين فرج) للملك أنه سيصاب باللعنة إذا افترق عن قائد جيشه عربي، يفعلها الملك ولا يبالي، يفرح أمكار لاقترابه من تحقيق حلمه. يولد للملك ابنة مطموسة العينين (عمياء)، ويولد لعربي ولد، يقرر الملك قتل الطفلة، يقنعه أمكار بتبديل الطفلين، فيصبح الملك أبا لطفل (شكيب - ماهر محمود)، ويصبح عربي أبا لطفلة عمياء (أوبرا – نهاد فتحي)، يقرر الملك طرد عربي وكل العجزة خارج المملكة في منطقة صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وبصبر عربي وحكمته يعلم كل المنبوذين أنه بالحب والعمل نبني وطنا، فأصبحت الصحراء مدينة أم. عندما يبلغ شكيب العاشرة من عمره يقع من فوق التل فيصاب بالصمم فيعزل نفسه عن الناس ويعيش وحيدا، وعندما يصبح شابا يصاب بارتفاع حرارة جسده (حمى) فلا يستطيع الملك إحضار طبيب، لقد احتل الأعداء أجزاء من مملكته، وأقرب طبيب يحتاج قدومه شهر، عندما يقترح حلاق الملك أديم (محمد حبيب) بقدوم طبيب من مدينة العجزة يوبخه الملك، أديم يحب شكيب، وعن طريق النفق السري يحضر الطبيب. يشفى شكيب ويصر على الذهاب لمدينة أم ليتعرف على الطبيب، يكتشف أنه القائد عربي، يعيش معهم يتعلم ويندمج، يحب أوبرا، يطلبها للزواج يقتنص عربي هذه الفرصة، يتظاهر برفضه، يرسم خطة للقضاء على أمكار وأعوانه، تنفذ الخطة، ويقبض على مغتصب الأوطان الملك شرار، وتتم المواجهة بين الملك نيار والقائد عربي وشكير وأوبرا والشعب، فيقول الملك إن أوبرا بنت نيار هي أوبرا بنت عربي، يموت الملك وتستمر الحياة من مشاهدتنا للنص المعروض.
نجد أن المؤلفة (ياسمين فراج) اعتمدت على البناء الدرامي الأرسطي (بداية – وسط – نهاية) ولكن على الرغم من طبيعة بنية النص فإن المخرج حاول تقديمه في إطار الفانتازيا، فقد نجح المخرج بنسب معينة في استخدام أدواته المختلفة بداية من كلمات الأغاني (سامح مجاهد) التي كانت جزءا أصيلا من نسيج العمل في وحدة واحدة مكملة للحوار مثل (سنطل عليكم عبر ستار بموسيقى وضوء ثم حوار – ابحث عني وعن ذاتي – ما أروع أن يكون الحب والإخلاص هما أصل الحياة – ألف أطلب يدكي الآن.. رجلك بهدلت الفستان).
وإذا تحدثنا عن الصورة البصرية فنجد الديكور (رامة فاروق) عبارة عن خمسة مناظر مزجت بين التعبيرية والسريالية والواقعية، منظر لبعض اللوحات الفنية تقلب كصفحات الكتاب لم تتضح معالمها للمتلقي، وكان من الممكن مشاهدتها لو تم عرضها على شاشة الهدف منها التعرف على أحداث الأسطورة، ومنظر لشجر يعبر عن غابة ونلاحظ وجوه بشر ثم فروع بلا أوراق دلالة على أن هذا الشجر بشر مسحور، وعبر به المخرج عما يدور من اضطرابات وتوتر وانفعالات داخل العقل الباطن للملك، ومنظر قصر الملك تكون الأشجار خلفيته وهو مكون من قاعة بها كرسي العرش، أعلى ظهره تصميم على شكل مخالب في دلالة على عدم استقرار ملكه، وثلاثة بانوهات مشدود عليها ثلاث صور من ورق الكوتشينة (شايب – بنت - ولد) تدل على (الملك - أوبرا - شكيب) وتدل على المقامرة التي نفذها الوزير بتبديل الأطفال، وأريكة للجلوس ظهرها على شكل وجه وجسد نمر، لم تستخدم، وقاعة معيشة، يبدل كرسي العرش بكرسي وسط ظهره على شكل يد، بالكف فتحة، من الخلف تمثل شرفة ينظر منها، ومن الأمام يستخدم للجلوس، أعلاه خمسة أصابع، ملتصق بطرف أصبع المنتصف كرة، دلالة على وجود قوة في القصر تخطط على وشك انتزاع ملكه، كذلك يوجد مجسم يشبه أنبوبا يعبر على النفق السري، ومنظر لسوق به براميل خمر وبجوارها خيمة، دلالة على حركة البيع والشراء، كما يوجد كشك عليه شعار المسرح، يستخدم لعرض جزء من الأحداث، ومنظر يمثل مدينة أم عبارة عن مكان للقائد عربي، كذلك عجلة تستخدم للاحتفالات (استعراض بين أوبرا وشكيب وأهل المدينة)، وقد استخدمت قطع شطرنج لتعبر عن التعليم والتفكير والتخطيط للانتصار على العدو. الملابس (هالة إمام – أميرة صابر) غير محددة لا تعبر عن زمن معين إلا أنها تلمح لزي عربي يظهر في السروال وحزام الوسط، وملابس الملك وبعض ملابس عامة الشعب.
المكياج (أماني حافظ) لعب دورا مهما للتعبير عن الأسطورة وأن هؤلاء البشر من عالم آخر برسومات على الوجوه، وجه الملك المتنمر، القائد الصقر، الوزير الحرباء، شكيب مغمض العينين، أوبرا الحالمة، وندا القبيحة، وأديم وبقية الشعب المغلوب والمشوه.
على مستوى الإضاءة (هشام علي) نجد أنه من الصعب تحليل إضاءة العرض المسرحي، نظرا لكثرة الألوان المستخدمة في عناصر الرؤية البصرية، الإضاءة هي العامل الرئيسي لكي تتحقق الرؤية البصرية، فقد نجح في تحقيق جزء من هذه الرؤية وبخاصة اللون الأحمر المعبر عن الشر في الغابة، واللون الأصفر المعبر عن ضوء الشمس والسرور في مدينة أم، وبعض البؤر الضوئية لإنارة الممثلين، لكن كان من الواجب مهما كانت التكلفة أن يقوم بتنفيذها متخصص ليتحقق فكر المخرج.
الموسيقى والألحان (أحمد الناصر) استطاع أن يقدم عملا موسيقيا غنائيا متجانسا بوجود الراوي الغنائي (عمر فرحان) وغناء بعض الممثلين، وعبر عن كل حدث درامي باستخدام الآلات المناسبة له، وكانت الآلات الوترية والنحاسية البارزة في معظم الألحان.
أما الراوي بالكلمات (سميحة أيوب، فكانت إضافة كبيرة، وعن الأداء التمثيلي فقد برع كل ممثل في دوره، فكان (د. علاء قوقه) كعادته بدراسته ومعايشته للشخصية يجذب المتلقي فيركز في أدائه حتى في لحظات الصمت، واستطاع (هاني عبد الحي) لتميزه أن يعتمد عليه في بطولة الأعمال القادمة، تميز (ماهر محمود – نهاد فتحي) في التمثيل والغناء ومن الممكن الاعتماد عليهم في أوبريت، وتميز (محمد سعداوي – ياسمين فرج – محمد حبيب – كل المشاركين في العمل)، وكان الصوت الجميل (عمر فرحان) الراوي الغنائي.
وبعد ذلك الاستعراض السريع لعناصر العمل الفني فإنني أعتقد أن من الضروري أن يشاهد العرض كل المتخصصين ذوي الخبرات المسرحية لدراسة هذا العمل والخروج بتوصيات تنفذ لكي تستفيد الأجيال القادمة.


جمال الفيشاوي