مسرح حسني أبوجويلة.. رحلة صمود

مسرح حسني أبوجويلة..   رحلة صمود

العدد 848 صدر بتاريخ 27نوفمبر2023

تمثل تجربة المخرج المسرحي «حسني أبوجويلة» حالة خاصة في مسرح الأقاليم في مصر، فهو مؤسس أحد أهم المهرجانات المسرحية المستقلة في الأقاليم وهو”مهرجان زفتى المسرحي” والذي استمر نشاطه لأكثر من خمسة عشر عاما وبجهود ذاتية، وربما كان وجوده أسبق من وجود “مهرجان المسرح الحر” والذي بدأ نشاطه في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
ويرجع إصرار أبوجويلة على تنظيم هذا المهرجان لعشقه للمسرح منذ نعومة أظافره، حيث بدأ نشاطه في المسرح المدرسي في المرحلة الابتدائية، وبدأ عشقه يزداد لهذا الفن بعد أن أخذه والده إلى المسرح القومي فشاهد عرض “يرما” للشاعر الإسباني الرائد جارسيا لوركا، وكان العرض من إخراج كرم مطاوع.
من لحظتها صار المسرح يسري في نفسه كسريان الدم في العروق، وهذا ما جعله يؤسس في المرحلة الثانوية فرقة مسرحية أطلق عليها اسم “فرقة شباب ناصر للفنون المسرحية والشعبية” والتي شارك فيها مائة فنان من أصدقائه.
وعندما وزعه مكتب التنسيق على كلية الهندسة بحكم مجموعه المتميز في الثانوية العامة قرر تحويل أوراقه منها عندما علم أنه لا يوجد بها فريق للتمثيل المسرحي وحول أوراقه لكلية التجارة التي يوجد بها فريق للتمثيل.
ومن خلال إصراره على وجود نشاط ثقافي في مدينته” زفتى” طلب من سعد الدين وهبة إقامة قصر ثقافة بها وبالفعل تم بناء هذا القصر في خلال أربعة أشهر وتم افتتاحه ليكون مركزا للنشاط الثقافي والمسرحي في المدينة، ومن هنا انفتح الباب أمام” أبوجويلة” لتنظيم مهرجان مسرحي يخدم فرق الأقاليم المختلفة.
وقدم” أبوجويلة” عشرات الأعمال كمخرج منها” التعري قطعة قطعة” تأليف سلافومير مروجيك، و”طقوس الإشارات والتحولات “لسعد الله ونوس، وهذه المسرحية قامت فيها اللغة بدور رئيسي للغاية، وإن كثر في متنها النصي عملية الوصف والمناجاة، مما جعلها تكاد تقارب تخوم اللغة الشعرية للتعبير عن خفايا الذات الإنسانية، وأراد” ونوس” من أبطال نصه أن يكونوا ذوات فردية تعصف بهم الأهواء والنوازع وترهقهم الخيارات، كما وجد بها جرأة في توصيف الملذات الجسدية .وقد قام” أبوجويلة” بإخراجها بما يتناسب مع طبيعة النص، كما قام بإخراج مسرحية” اليهودي التائه” ليسري الجندي، وتعد مسرحية” اليهودي التائه “أحد أهم الأعمال المسرحية التي اعتمد فيها يسري الجندي على لغة الكشف والبحث الدقيق عن أسباب الهزيمة، كما أعطى من خلال مجموعة من المشاهد المتلاحقة الأمل للشعب الفلسطيني، بعودة الأرض المحتلة وإن طال الزمن، بفعل المقاومة المستمرة وتضحيات الشهداء، واعتمدت اللغة المسرحية ورؤيتها على فكرة” المخلص “الذي ينتظره الملايين، كما تم الاستفادة من تيمات المسرح الغنائي وتوظيف الكورس، ويؤكد” الجندي “في أحد المقاطع الدالة على فكرة الانتظار قائلاً” :دائماً كانت هذه الأرض 
        تنتظر المخلص 
        ودائماً كان المخلص يأتي 
        ودائماً كان المخلص يأتي 
        في أحلك الساعات كان يأتي  “

 كما أخرج “أبوجويلة” لفرقة زفتى عرض” يا طالع الشجرة” لتوفيق الحكيم “وهو من العروض التي تجمع بين الواقعية والفانتازيا  .وغيرها.
وجاء تأسيسه لفرقة زفتى المسرحية لتكون من أوائل الفرق في المحافظات حيث تم اعتمادها كفرقة في الثقافة الجماهيرية عام 1979، وتم تنظيم “مهرجان زفتى المسرحي” في دورته الأولى عام .1986 
وقد عمل” أبوجويلة” على تدريب ممثلي الفرقة وإعدادهم بشكل جيد من خلال ورش تدريبية متعددة ومتنوعة مستخدما كل أساليب المسرح التي بإمكانها إفادة المشاركين في الفرقة مثل استخدام منهج ستنا نسلافسكي ومنهج جرتوفسكي ومنهج بريخت ومنهج بيتر بروك ومنهج أرتو وغيرهم من أجل تطوير الأداء المسرحي للفرقة.
وكان أبوجويلة يرى أن المسرح هو فن المغامرة والبحث عن صيغ تجريبية دائما، لذا نراه عبر تاريخه الطويل قد تعددت أشكاله من خلال تنوع طرق الأداء في التمثيل والتأليف والإخراج ويكاد يكون هو أكثر الفنون كسرا للنمط، فما أكثر المحاولات الجادة للخروج عن الشكل التقليدي للمسرح من أجل الوصول بذائقة الجماهير إلى حالات من المغايرة والدهشة، وهذا التجريب لا يتأتى إلا من خلال مبادرات فنية فردية كانت أو جماعية ترتبط بالواقع السياسي والاجتماعي، وتهتم هذه المحاولات - في الأساس-  بتنمية المهارات الفنية والأدائية لدى الممثل، من خلال التدريب الشاق والمستمر على فنون الأداء المختلفة.
كما عمل” أبوجويلة” على إنشاء نادي التذوق المسرحي في مدينة زفتى، بهدف تنمية الذوق المسرحي وتشجيع ارتياد المسرح، وتربية النشء على حب الفنون.
وقد أثمرت التجربة بشكل نسبي من خلال مهرجان زفتى المسرحي والذي كان يشهد إقبالا جماهيريا مميزا ولافتا خلال دوراته المختلفة.
وقد حاول” أبوجويلة” مع ظهور فكرة” نوادي المسرح “بالهيئة العامة لقصور الثقافة أن يعمل على تنشيط” نادي المسرح” بزفتى ووضع له أهدافا منها:
تكوين مكتبة مسرحية مستقلة، ودراسة تاريخ المسرح دراسة علمية بداية من المسرح اليوناني وحتى المسرح المعاصر، التعرف على أساليب ومناهج المسرح المختلفة، الاهتمام بالتقنيات الحديثة في تدريب الممثل، وإصدار مجلة مسرحية دورية باسم كواليس تكون عنوانا لأنشطة النادي، وغيرها من الأهداف التي كانت ترمي إلى تحويل المكان إلى شعلة نشاط فنية يستمر نشاطها طوال العام.


عيد عبد الحليم