العروض والأمسيات الرمضانية مالها وماعليها

العروض والأمسيات الرمضانية مالها وماعليها

العدد 868 صدر بتاريخ 15أبريل2024

اختتمت وزارة الثقافة تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني فعاليات برنامجها الفني والثقافي خلال شهر رمضان المعظم، والذي ضم العديد من الأمسيات الفنية شملت عروضا موسيقية وغنائية وأمسيات شعرية وفرق للإنشاد الديني وأيضا العروض ذات الطابع الروحاني والديني،  بجميع المحافظات والتي انطلقت موجهة إلى مختلف الشرائح العمرية والمجتمعية.
ومنها الأمسيات التي قدمت على خشبة المسرح القومي ( نور النبوة ، عرفت الهوى )، وما قدم على مسرح السامر ( الدر المكنون ، واحتفال ليلة القدر) بالإضافة إلي ما قدمته القطاعات الاخرى لوزارة الثقافة احتفاء بالشهر الكريم...
عن الأمسيات الشعرية والعروض الدينية وحصاد شهر رمضان المعظم ، التقت مسرحنا مع بعض الفنانين والنقاد والمسرحيين للحديث عن آرائهم في العروض والأمسيات الدينية التي تم تقديمها في الشهر الكريم،  وكان السؤال : لماذا لا يتم تقديمها إلا في المناسبات الدينية فقط.
 ووجهت لهم بعض الأسئلة ومنها :  لماذا لم يتم الاستعانة بنصوص المسرح التي عالجت قضايا وموضوعات دينية، كأعمال  صلاح عبد الصبور  ويسري الجندي و أبو العلا السلاموني و علي أحمد باكثير...وغيرهم ممن لهم نصوصا تصلح للعرض في هذه الاحتفالية . وتساءلنا : هل عروض المناسبات تعد مسرحا؟ مع العلم أن بعضها يستند إلى بعض عناصر المسرح؟
وهل يعد الاحتفاء بكل ما هو ديني فقط ليقدم تحت لافتة المسرح ؟  وهل من الممكن الاستعانة بنصوص لها طبيعة تاريخية أو شعبية أو دينية يمكن تقديمها في رمضان وتستمر إلى ما بعده ؟...
وتنوعت الآراء على النحو التالي : 
عصام السيد: الأمسيات متكررة ومعظمها يُقدم مجانا. 
 طرح المخرج الكبير عصام السيد رأيه قائلا: إن موضوع الأمسيات لم يكن مطروحا منذ زمن،  فكانت البداية سرادق تقيمه الثقافة الجماهيرية في رمضان، يضم فنون الغناء الشعبي، واعتقد أن صاحب الفكرة كان زكريا الحجاوي . ثم تطورت بعد هذا وأصبح تقديم مسرحيات جزء أساسي في هذا السرادق، وأنا شخصيا قدمت عرضا كان اسمه ( شرم برم ) في سرادق الثقافة الجماهيرية في رمضان، وكان يقام في منطقة الحسين، وكان العرض من تأليف سيد خميس وبطولةالفنان الكبير سعيد صالح، وكان العرض عن بيرم التونسي ونجح نجاحا باهرا . وبعدها قدمت (اللي بنى مصر) من تأليف محسن مصيلحي وبطولة على الحجار ومحمود الجندي وسامى مغاوري وحنان يوسف في وكالة الغوري في رمضان، و بعدها قدمت ( حي بن يقظان ) في قصر ثقافة الغوري في رمضان أيضا، من تأليف سعيد الفرماوي، و بطولة صفاء الطوخي و خالد الذهبي مع فرقة الغوري المسرحية. إذن كان المسرح أساسيا في رمضان.
 لكن مع انتشار الفضائيات و تعدد المسلسلات في رمضان التي وصلت في أحد السنين إلى سبعين مسلسلا . أحجم الناس عن المسرح، و عاد على استحياء في شكل الأمسيات التي أصبح شكلها متكررا.
 وحتى المسرح في رمضان لم يكن بالضرورة مسرحا يتناول موضوعات دينية . صحيح في أحد السنوات قدم عبد الغفار عودة ( رجال الله ) لكن لم يكن ضرورة.
حاليا الأمسيات شكلها جاء متكررا و معظمها يقدم مجانا لأنه لا يوجد إقبالا على المسرح في رمضان.

أحمد عبد الرازق أبو العلا: المسرح الحقيقي لا ينبغي أن يكون دعويا 
وأضاف الناقد والكاتب الكبير أحمد عبد الرازق أبو العلا قائلا :
أولا: أود التأكيد على أن المسرح هو المسرح، سواء قدم موضوعات دينية ( مثل بعض أعمال على أحمد باكثير - يسري الجندي - أبو العلا السلاموني - صلاح عبد الصبور - محمد الشربيني وغيرهم )، أو موضوعات اجتماعية أو سياسية أو إنسانية أو شعبية أو تاريخية وغيرها من الموضوعات، لكنه من الخطأ أن نطلق على الأعمال التي تقدم موضوعا دينيا عبارة المسرح الإسلامي، أو المسرح الكنسي - كما يحلو للبعض - فهذا المسمى يُكرس لنوع من المسرح، له هدف دعوي، والمسرح الحقيقي لا ينبغي أن يكون دعويا، لأن المسرح الديني - في واقع الأمر - كان موجودا في العصور الوسطي، تلك التي سيطرت فيها الكنيسة على نوعية الفنون التي كانت تقدم وقتها، تطرفا منها وانحيازا، وأضرب مثلا لذلك ( مسرحية : كل إنسان ) تلك التي تم إعدادها وأخرجها المخرج ( هاني مطاوع) وقدمها المسرح القومي عام 1998 بطولة “ نور الشريف” وتلك المسرحية الدينية – بمفهوم العصور الوسطى- حين قُدمت على خشبة المسرح، لم تقدم تحت عنوان ( المسرح الديني ) على الرغم من أن موضوعها هو رحلة الإنسان بعد الموت، في مواجهة الجنة والجحيم ، كما فعل “ دانتي “ - مثلا - في الكوميديا الإلهية ، وذلك لأن صناع المسرحية، يعلمون أن الانحياز لمفهوم المسرح الديني ليس دقيقا، وليس  حقيقيا، في زمن اتسعت فيه رقعة معالجة القضايا أيا كان نوعها – كما ذكرت – .  وثانيا: أوكد على أن الأمسيات الشعرية بكل موضوعاتها، حتى الديني منها، لا علاقة لها بالمسرح بمفهومه الفني المُتعارف عليه، وإن قدمت فوق خشبات المسرح؛ لأن المسرح هنا مجرد مكان تعرض على خشبته تلك الأمسيات، ومن الخطأ أن نسميها مسرحا - كما ظن البعض-  حتى وإن تضمنت بعض المشاهد التمثيلية، التي تقربها من المسرح وهي ليست كذلك .                     
  وبناء على هذا الطرح، فإن الأمسيات الشعرية ذات الطابع الديني التي قدمت خلال رمضان الماضي، هي نشاطات فنية، موسمية تدخل في إطار ( أعمال المناسبات ) على الرغم من أنه من الممكن تقديمها في أي وقت من العام بوصفها أعمالا فنية، فيها الشعر، والغناء، والموسيقي، ومقاطع التمثيل ، فقط ينبغي ألا نعتبرها مسرحا، لأنه على الجانب الآخر توجد بالفعل لدينا أعمالا مسرحية مؤلفة، وتتضمن موضوعات  تطرح قضايا سياسية واجتماعية وإنسانية ، وإن ذهبت إلى التاريخ الإسلامي، وتحدثت عن أعمال الصحابة والتابعين ، وبعض المتصوفة  مثل (مأساة الحلاج) لصلاح عبد الصبور و(رابعة العدوية) ليسري الجندي، و(على عبد الرازق) وحكايات صوفية لمحمد الشربيني ، و(خالد بن الوليد) لأبى العلا السلاموني وغيرها من الأعمال، ولمن يهتم بذلك ويبحث سيجد مراده.                                  
وتساءل أبو العلا قائلاً : لماذا في رمضان لم نعد نستعين بعروض مسرحية، تحقق هدف الفرجة لجمهور، يبحث عنها في هذا الشهر، لأنها أصبحت عادة من عادتنا، احتفالا به ؟ السبب في اعتقادي يرجع إلى أننا - كجهات إنتاج - لم نعد نذهب إلى المؤلف المسرحي لنكلفه بكتابة عمل يصلح للتقديم في هذا الشهر، ويكون ملتزما بمواصفات العمل المسرحي الحقيقي، حتى لا يدخل في إطار عروض المناسبات، وإذا كان ضروريا تقديم تلك العروض المرتبطة بمناسبة، فلتكن هذه هي مهمة مسرح التجوال - على سبيل المثال - لأن ما يقدمه في إطار المسرح الدعوي ، ملائم لأهدافه ودوره، وهو يذهب إلى الناس، وهدفه مُعلن صراحة بدون لف أو دوران، وهو هدف (الدعوية)و(التوعية) بأدوات الفن.
وأضاف: هنا تنقصنا الرؤية التي تحدد ماذا نريد، وما هو الهدف من تقديم فنوننا، وفي أي إطار ينبغي أن نضع ما نريد توصيله إلى المتلقي .. الموضوع كبير من هذه الزاوية، ويحتاج إلى نقاش أكثر من رأي شخصي داخل تحقيق صحفي، ومع ذلك أثمن تلك المناقشة التي جاءت على عجل، ولعلها تكون مقدمة لمناقشة موضوع هام، فيما بعد.

ا.د. محمد عبدالله حسين: ما يقدم من أنشطة احتفالية في شهر رمضان هي أنشطة محمودة تتناسب مع الحالة الروحية.
فيما ذكر الأستاذ الدكتور محمد عبدالله حسين: أن المسرح هو المسرح سواء في رمضان أو غير رمضان ، أما الأعمال المسرحية ذات المرجعية الدينية فيمكن تقديمها في رمضان أو غيره من  شهور السنة ، فمسرحيات باكثير والشرقاوي والسلاموني والجندي... وغيرهم مسرحيات متكاملة الرؤية والبناء.
وواصل: هناك مسرحية لباكثير اسمها ( السلسلة والغفران ) تعد أنموذجاً للتراجيديا الإسلامية وللبطل التراجيدي المسلم، إذا وضعناها جنباً إلى جنب مع ( الحسين ثائرًا وشهيدًا ) للشرقاوي تكتمل الرؤية للتراجيديا الإسلامية، أما ما يقدم من أنشطة احتفالية في شهر رمضان فهو نشاط محمود وشيء جميل يتناسب مع الحالة الروحية التي يعيشها الناس في شهر رمضان، فهي عروض احتفالية وحالة روحية وليست مسرحاً بالمعنى الكامل للمسرح، فلا مانع منها في رمضان، مع إمكانية تقديم مسرحيات متكاملة ذات مرجعية أخلاقية ودينية وشعبية تعرض في رمضان وتستمر بعد رمضان وتعرض في أي وقت من السنة.

د. وفاء كمالو: الاستعانة بالنصوص الكبرى للمؤلفين الكبار تضيف للمسرح وللجمهور أبعادا غزيرة الثراء.
فيما عقبت دكتورة وفاء كمالو قائلة: شاهدت أكثر من تجربة مسرحية في رمضان، جاءت كحالة جمالية إبداعية متميزة،  تشاغب الوعي والفكر والثقافة ، وتستدعي سحر المفردات الشعبية وجماليات التراث ، كان الزمان يعانق المكان وأجواء الحارة تروى عن الصدق والأحلام، الشخصيات شديدة الثراء، والصياغة الواضحة تحترم عقل ومشاعر المتلقي، والغناء الشعبي وإيقاعات الطبول والمديح ينطلقون إلى قلب الحياة.
وقالت مستشهدة: قدمت الفرقة القومية للموسيقى الشعبية مسرحية ( السيرة سيرتنا ) للمؤلف محمد الشاعر والمخرج أشرف عزب، وهي تتناول سيرة بنى هلال ، التي تمثل قطعة من التراث العربي الشرس الأخاذ، التجربة جاءت كانطلاق إلى قلب الحاضر، واشتباك مثير مع أحداث واقعنا العربي، كما أنها نزعت أقنعة الزيف، وكشفت وقائع التشوه ومسارات العجز والانكسار، وفي هذا السياق امتلكت التجربة مقومات وجودها الفني، حيث الأحداث المتوترة المتصاعدة، الشخصيات مكتملة الملامح والابعاد،  والقضية المطروحة هي قضية كل عالمنا العربي الآن ، ويذكر أن لغة المفارقة كانت حاضرة بقوة في العرض، حيث استطاع المؤلف والمخرج أن يستدعيا الأزمنة ببراعة مدهشة ليتقاطع الماضي مع الحاضر ، وتظل الاشتباكات الساخنة مع السياسة والاقتصاد والمجتمع، باعثة لتقاطعات وتوازيات دالة . 
وأضافت كمالو: من المؤكد ان شهر رمضان يفتح المسارات أمام  العروض والأمسيات الدينية، ولكن هذه التجارب يمكن تقديمها في الشهور الأخرى بشرط امتلاكها للمقومات الفنية ، التي تمنحها شرعية الانتماء للمسرح،  وفي سياق متصل نجد أن المسرح المصري يضم العديد من النصوص الكبرى  الشاهقة للمؤلفين الأساتذة الكبار مثل صلاح عبد الصبور، يسرى الجندي ، محمد أبو العلا السلاموني ، على أحمد باكثير ، ومن المؤكد ان الاستعانة بأعمالهم  يمثل فكرة ذهبية خلاقة، تضيف للمسرح وللجمهور أبعادا غزيرة الثراء.
هناك العديد من عروض المناسبات تأتى كتجارب مكتملة الأبعاد والمفردات ، لذلك تكون قادرة على التحقق والامتداد والتفاعل الحيوي الخلاق مع الجمهور، بينما  التجارب المسطحة الهزيلة سرعان ما تمضي ويطويها النسيان، أما التساؤل المطروح حول التزام العروض والأمسيات بالقيم الأخلاقية ، فإن هذا المنظور ينطبق على المسرح  والفن بصفة عامة، وأي عمل يأتي متباعدا عن القيم والاخلاقيات يصبح شيئا آخر غير الفن،  وقد تحدث كبار الكتاب والمؤلفين  والفلاسفة والمفكرين، وتوافقوا على حتمية الارتباط الجذري بين الفن والأخلاق.
من المؤكد أن مسرحية ( السيرة سيرتنا ) التي تعرضنا لها ، تكشف أن رمضان يتوافق مع وجود أعمال مسرحية ذات طبيعة تاريخية ، أو شعبية او دينية ، أعمال مكتملة تشاغب العقل والادراك، وتمتلك وهج الحضور وتمتد زمنيا إلى ما بعد رمضان .

عزت زين: ارتباط الأمسيات الدينية بمناسبات دينية أمر طبيعي يناسب الحالة العامة. 
وقال الفنان القدير عزت زين: حضرت هذا العام أمسية المسرح القومي من إعداد و إخراج الفنان الكبير ا. خالد عبد السلام ضمت مجموعة من الأشعار لكبار المتصوفين .
ورمضان الأسبق حضرت أمسية ( حي علي بلادنا ) إعداد و إخراج المخرج الكبير أحمد إسماعيل عن أشعار فؤاد حداد.
وواصل: من منا لا يتذكر  (نهج البردة ) من إخراج المخرج الرائد كرم مطاوع و إلقاء مجموعة من المسرحيين العظام حمدي غيث و عبد الرحيم الزرقاني و عبد الوارث عسر و محمد السبع و آخرين   .. كان العمل من ألحان بليغ حمدي و غناء علي الحجار في أول أعماله علي الاطلاق . ارتباط الأمسيات الدينية بمناسبات دينية أمر طبيعي فالحالة العامة تساعد على تقبل العمل والإقبال عليه والحماس له. 
أما نصوص كرابعة العدوية أو مأساة الحلاج و غيرهما من النصوص، فهي لا تطرح قضايا إيمانية بقدر طرحها قضايا حياتية تصطدم بالدين، و لا يخفى على أحد أن تقديم هذه النصوص حاليا مع وجود تيارات تتسم بالتطرف سوف يسبب من المشكلات ما نحن كوطن في غنى عنه في الفترة الحالية،  و ربما ما شاهدناه في العشر سنوات الأخيرة من أحداث كبيرة تتطلب أن ينتبه كتاب المسرح إلى المأزق الذي يعيشه الإنسان مع المفاهيم المغلوطة للدين حاليا.

د. السيد فهيم: الأمسيات الخفيفة ذات الطابع الروحي هي الأنسب لإحياء ليالي رمضان. 
فيما رأى الدكتور السيد فهيم أن: شهر رمضان من المواسم الدينية والشعبية ذات الطابع الخاص جدا، خصوصا في مصر المحروسة. فهو مزيج بين الروحانيات والعودة إلى جو الأسرة ووصل ما انقطع من ترابط مجتمعي وشعبي على جميع الأصعدة. ولنا في ظاهرة موائد الرحمن والإفطار الجماعي خير مثال للرغبة الحقيقية في تغذية هذه الروح المجتمعية. 
والمسرح له باع طويل في دعم هذه الظواهر الممتدة عبر أجيال وأجيال، فقد كانت الأمسيات الرمضانية من أهم الظواهر المرتبطة بالشهر الكريم، وبمستويات مختلفة حسب المكان والبيئة والثقافة، بدءا من ليالي القرية وسامرها التقليدي، وحتى على المستوى الرسمي وما يقدم من أمسيات شعرية وليال رمضانية تتسم بالصبغة الدينية. 
وتابع: لا أعتقد أن تناول نصوص مسرحية دينية أو تاريخية سيكون مناسبا لمثل هذه الأجواء، فالمسرح بمفهومه الشامل يمكن أن يقدم طوال العام دون التقيد بموسم ذي طبيعة خاصة ربما نالت من نصيب المسرح وظلمت ما يقدم لمشاركة أفعال كثيرة في وقت واحد، كالعبادة والسمر والتزاور بين العائلات والتنزه والشراء، وكلها عوامل قد تؤثر على المشاهدة الجادة لمثل هذه العروض التي تستغرق جهدا وانتاجا كي تخرج على الوجه الأكمل.
وأرى أن الأنسب لإحياء ليالي رمضان هو الأمسيات الخفيفة ذات الطابع الروحي اللطيف، أو البرامج المتنوعة بين المسابقات والفقرات الخفيفة من المنوعات، التي لا تخلو من معلومة أو نصيحة تربوية ولكن بشكل غير مباشر، فالحالة النفسية للمشاهد تكون مهيأة لتقبل مثل هذه الأعمال التي قد لا تجد إقبالا في غيرها من المواسم، وهذا ما افتقدناه كثيرا في السنوات الأخيرة سواء في العروض المباشرة في الساحات والفضاءات المفتوحة أو من خلال التلفزيون.

ناصر سيف: لابد للمسرح أن يستعيد أمجاده كما في سابق عهده.
وعقب الفنان ناصر سيف قائلاً:  افتقدنا حقاً الأعمال ذات الطابع الروحاني والديني ومسلسلات مثل ألف ليلة وليلة والفوازير، وخلافه من أعمال غير مسفة في مواضيعها، وتهدف في تقديمها إلى رفع الذوق والأخلاق ، وترسيخ المعاني الجميلة التي تفيد المجتمع المصري والعربي، ولا تقتصر هذه الأعمال على الشهر الفضيل فقط، ولكن لابد وأن تقدم على مدار العام.
 وإذا كنا نتمنى أن نقدم مثل هذه الأعمال على المسرح، فلابد أولاً أن يستعيد المسرح أمجاده كما في سابق عهده، وأن يهتم القائمون عليه بالدعاية اللازمة والإبهار والتجديد، حتى يتماشى مع العصر الحالي، وألا تتعارض السياسة الحالية في طرح الأعمال التي تحمل في داخلها طابعاً دينياً وشخصيات دينية وتاريخية شهيرة كما يتمني المجتمع، وألا يغلب علينا الأعمال التى تسعي للكسب المادي فقط وكلها متشابهة ومليئة بالشغب والقتل والأشياء التي لا تمس مجتمعنا بصلة.
وتابع سيف: كل ما يقدم على المسرح من كلمة تقال في مكان ما وزمن ما وجمهور يشاهدها فهي مسرح بالقطع، وأي مناسبة سواء دينية أو اجتماعية أو تاريخية مكانها الطبيعي ان تقدم علي خشبة المسرح.
  هناك شخصيات إسلامية وتاريخية في العصور السابقة الكثيرة، والتي تعتبر مثل أعلى لكل الأجيال، نتمنى ان تقدم في شهر رمضان، وغير الشهر الكريم خلال العام كله. وبما أننا تعودنا قديماً على تقديم الأعمال الدينية والتاريخية والاجتماعية أيضاً والكوميدية والبرامج المتنوعة الكثيرة في شهر رمضان، فالمجتمع كله يتمنى أن تقدم على مدار العام أيضاً.

د. نجوى عانوس: مسرح المناسبات فكرة مرفوضة ولكن..!!
وعقبت دكتورة نجوى عانوس قائلة: يعد مسرح المناسبات فكرة مرفوضة، ولكن أتمنى أن كل المسرحيات سواء تنتمي إلى التاريخية أو الدينية أو المسرحيات بوجه عام سواء كانت لأبو العلا السلاموني وصلاح عبد الصبور أو غيرهم أتمنى أن يتم عرضها .
ولكن شهر رمضان بوجه عام له خصوصية، والجمهور في شهر رمضان يشعر بروحانيات وأهمية شهر رمضان والتقرب إلى الله وليلة القدر وغيرهم.
 فعندما تقدم عروضا دينية عن حياة الرسول ( صلى الله عليه وسلم) في رمضان، فهذا يعد شيئا جميلا وخاصة أنه سيجد إقبالا من الجمهور.
 فنجد مثلا عرض ( الدر المكنون ) للفنان ياسر صادق، هو عرض مجاني،  فهذا العرض لم يكن دينيا 100% فهو أشار إلى قضية غزة والصهاينة لكي يسأل سؤالا مهما: هل يرضيكم كمسلمين - ونحن نذكر سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام والسيرة العطرة - هل يصح أن نقتل الأبرياء .
وهنا يجب أن نقول أنه لا توجد مسرحية دينية 100% ، ولا سياسية 100% ، فالمسرح يشتمل على كل هذا وذاك، وأنا أتفق تماما مع ما قدمه الأستاذ ياسر صادق على مسرح السامر في رمضان، فهو قدم عرضا جميلا عن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنا أفضل المسرحيات الدينية في شهر رمضان.

جلال عثمان: لدينا فقرا في تقديم هذه النوعية من النصوص الدينية 
وعن رأيه قال الفنان جلال عثمان : المسرح اليوم مثله مثل العديد من الميديا التي نعيش فيها مثل الدراما التلفزيونية والسينمائية، فالمسرح حدث له فجوة كبيرة فيما يخص الأعمال الدينية، فكانت الدراما قديما تقدم مسلسلات دينية عديدة على مدار العام، حيث كانت تقدم أكثر من عمل، والذي كان يقدم قطاع الانتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج وحتى إنتاج الدراما الخليجية، وفي نفس الوقت كان المسرح متوهجا بالأعمال الدينية على مدار مناسبات كثيرة في رمضان والمولد النبوي وبعض الفعاليات التي كانت تقدم مسرحا، أما الآن بعدنا كثيرا عن ذلك، حيث نذهب إلى الدراما الاجتماعية سواء تخص المجتمع المصري أو لا ، وسواء هذا يمثل سلوك المجتمع أم لا ، فالمسرح حدث له نفس المشكلة، فنحن منذ سنوات نقدم أنشطة فنية في رمضان مثل الانشاد الديني والغناء والرقص، بينما العروض المسرحية بعدت كثيرا عنها، وحدث تصور أن الجمهور لن يرتاد هذه النوعية من العروض أو النصوص المسرحية التي تحاكي قيم دينية وأخلاق وتعريف عن شخصيات أثرت في حياتنا الإسلامية.
و (الدر المكنون) أثبت العكس، أنه ليس مجرد ليلة مسرحية أو ثقافية أو ترفيهية، وإنما هو عرض مسرحي متكامل العناصر (نص مكتوب بالأشعار والغناء والموسيقى والديكور والممثلين والمخرج)، عرض ديني فيه رسالة يستفيد منه الناس، والذي تعرضنا فيه لثلاثة من الصحابة غير العرب، بسبب اتهام الرسول بانحيازه للعرب.
بالإضافة إلى أن إنتاج اليوم قل كثيرا فيما يخص هذه النوعية من النصوص أو العروض، بينما إذا قدمت هذه النوعية في أي وقت من العام سواء في مناسبة دينية أو لا، سيستقبلها الجمهور بشكل جيد مع حب الروحانيات والنفحات التي تخص سيرة الرسول والصحابة وآل البيت.
و اعتقد لو نظرنا إلى تجربة ( الدر المكنون ) بشكل إيجابي، ستكون تصحيح مسار ودور المسرح اليوم، وليس فقط أن يقدم المسرح تجارب مسرحية تجريبية بأشكال حديثة «معاصر حديث»، ولكن في المقابل أن تقدم عروضا مسرحية تخاطب وجدان المسلم قبل أن تخاطب الفئات الأخرى، لأننا معنيين بوجدان وشعور المسلم، ولو تم عرض عروضا مسرحية تتحدث عن شخصيات تاريخية حتى تعيدنا إلى أمجاد عظيمة مررنا بها في تاريخنا الإسلامي سيكون شيئا عظيما جدا.
 وأضاف عثمان: الآن نحن بعيدين جدا عن ذلك لأن الاستراتيجية الآن لا تتطلب ذلك، وهذا خطأ كبير، لأننا نقدم مسرح للطفل وللأسرة  ومسرح للشباب وتجريبي للتجارب الحديثة والمدارس الحديثة، فعلينا أن نقدم مسرحا أقرب إلى الدين « طقسي ديني إسلامي « يجب أن يكون لهم مساحة موجودة على خريطة المسرح، وأتمنى من القائمين على العملية الثقافية والمسرحية أن ينتبهوا لأن هذه النوعية من العروض علينا أن نقترب منها أكثر ، لأن البحث عن الحياة والمادة بعدنا كثيرا عن رحلة التعمق في ديننا الإسلامي.
 أضيف أيضا أننا فقدنا الكاتب والمؤلف المسرحي الذي يكتب في هذه النوعية،  فالكاتب سراج الدين يسير في هذا المسار ويتعرض لشخصيات مهمة، وليس عندنا كتاب من الجيل الحديث قارئ ومطلع حتى يكتب في هذه النوعية وهو ما أحدث لدينا فقرا، فلم يتبقى لدينا إلا النصوص القديمة التي كتبت منذ أيام عبد الرحمن الشرقاوي وغيره من الكتاب العظام، بينما الآن ليس لدينا نصوص حديثة اليوم، فنحن في أحوج الحاجة إليها، على الأقل تظهر قيمة وقوة ديننا الإسلامي وسماحته.

وفاء الحكيم: المسرح عموما يجب أن يقدم قضايا 
وقالت الفنانة وفاء الحكيم :
العروض التي تقدم في رمضان تقدم بشكل سريع كما لو أننا نفاجأ برمضان، أي لم تكن متقنة لتقبل أن تعرض في غير رمضان.
 وتمنت الحكيم أن يقدم خلال الموسم المسرحي  بعض الأعمال التي تحتفي بالقيم الدينية أو الأعمال التاريخية موضحة:  أن المسرح عموما يجب أن يقدم قضايا، وتساءلت: لماذا لا نقدم الأعمال التاريخية من ضمن القضايا على خشبة المسرح؟، فلدينا كتاب جيدين جدا.
وعن دورها قالت: شاركت في أعمال تاريخية مثل (هارون الرشيد وعنترة)، وكان هناك جمهور، فكلما كان هناك مسرحا جيدا في الصنع كلما كان جاذبا للجمهور، وخاصة الأعمال التي تحمل قضايا.
وأضافت: ما يقدم على المسرح هو نوع من أنواع المسرح، وعلى حسب إن كانت أمسية أو سيرة ذاتية عن شخصية من الشخصيات التاريخية، أو ما إلى ذلك، فهو شكل من أشكال المسرح في رمضان أو غيره، كلما كان الموضوع ثري ويعالج قضية أو يقدمها ويناقشها، كلما كان الموضوع يمس الناس، ويقدم لهم قيمة وفكر مختلف ينقلهم (من – إلى) كل ما تحتاجه في رمضان وغير رمضان.

ياسر الزنكلوني: يجب التنويع للعروض والاستمرار  طوال العام وليس المناسبات الدينية فقط.
وعلق الفنان ياسر الزنكلوني قائلاً: بالطبع شهر رمضان شهر مبارك مليء بالنفحات الروحية العطرة ولا يناسبها سوى العروض المسرحية التي تتعرض لسيرة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وقصص الصحابة المؤثرين في انتشار الإسلام. وبالنسبة للعروض والأمسيات الدينية هذا العام كانت متنوعة ما بين المديح والإنشاد الديني والعروض المسرحية المتكاملة كعرض مسرحي قائم بذاته.
وتابع: يجب أن يتم التنويع والعرض الدائم لمثل هذه العروض لزيادة ثراء المحتوى المسرحي طوال العام وليس المناسبات الدينية فقط.
بالإضافة إلى التطرق لأعمال الكتاب الكبار فهي منهل للجميع يجب التطرق إليها بالإضافة للكتاب الحاليين والمعاصرين بتجاربهم المستمرة.
واستشهد الزنكلوني بمسرحية (الدر المكنون) قائلاً : نرى تجربة مسرحية متكاملة من حيث البناء الدرامي والرؤية الإخراجية البديعة والمحملة بكل الحب والإخلاص من كل عناصر العمل، بدايةً من المؤلف والشاعر الكبير أستاذ سراج الدين عبد القادر والمخرج الكبير صاحب فكرة المشروع المسرحي والرؤية الإخراجية المتميزة الفنان الكبير ياسر صادق، ومرورا بكل عناصر العمل المسرحي من حيث التمثيل بنجومه الكبار ومواهبه الشابة والغناء الشجي والاستعراضات والديكور والأزياء والإضاءة والصوت .


سامية سيد