اعمل نفسك ..عاقل

اعمل نفسك ..عاقل

العدد 862 صدر بتاريخ 4مارس2024

قدمت شركة إنترناشيونال جروب إيجيبت للإنتاج والتوزيع الفني ومديرها التنفيذي والمشرف العام (دكتور عمرو الفقي) العرض المسرحي اعمل نفسك عاقل على مسرح الهوسابير من إخراج الفنانة (خيال حسن) عن النص المسرحي مناخوليا للمؤلف (إبراهيم الحسيني) وقد فاز الحسيني بالعديد والعديد من الجوائز داخل مصر والوطن العربي، كما ترجم نصه المسرحي كوميديا الأحزان بعد فوز الحسيني بجائزة كاتب العام سنة 2012م من جامعة هارفارد الأمريكية، وتم عرض كوميديا الأحزان من إخراج الدكتور ريما ماغير بالإنجليزية في افتتاح مؤتمر “«Women Making Democracy بجامعة هارفارد سنة 2012م.  كما تم عرض النص في أماكن أخرى بأمريكا.
 قام البيت الفني للمسرح بتقديم العديد من نصوص إبراهيم الحسيني ومنها على سبيل المثال أخبار أهرام جمهورية، ظل الحكايات، وكان من آخر نصوصه التي قدمها البيت الفني للمسرح النص المسرحي الذي فاز بجائزة ساويرس لعام 2021م باب عشق والذي قدمته فرقة مسرح الطليعة العام الماضي، كما قدمت العديد من فرق الثقافة الجماهرية العديد والعديد من نصوصه المسرحية.
  عند تناولنا لعنوان النص المسرحي مناخوليا نجد الكلمة محرفة عن كلمة ميلانخوليا وهي كلمة مأخوذة من اليونانية القديمة، وتشير إلي الحزن الناجم عن خلل من اختلاف أربع مواد خلق منها الإنسان؛ حسب نظرية العناصر الأربعة اليونانية القديمة وهي الماء والهواء والنار والتراب، وقام المصريون بتحريف كلمة ميلانخوليا إلى كلمة مناخوليا، وتطلق على الإنسان عندما يصاب بحالة من الاكتئاب والنظرة السوداوية للدنيا دون أن يتعلق ذلك بالأعراض الجسدية، ومناخوليا هي كلمة أصبحت سيئة السمعة من شأنها التنمر والإساءة للمريض النفسي؛ علاوة على أنها تزيد من وصمة المرض.
إبراهيم الحسيني يعالج في مسرحه قضايا كثيرة تخص الوجود الإنساني ويقدمها بصور فنية مختلفة وهو غير ملتزم في مسرحه بالقواعد الأرسطية ولكن في نصة مناخوليا كان البناء كلاسيكيا يتفق مع القواعد الأرسطية وحيث أن الحسيني موسوعة ثقافية إذ درس الرياضيات في كلية العلوم ثم درس الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية واستلهم هذا النص من عنبر رقم ستة، وهي قصة قصيرة للأديب الروسي أنطوان تيشيكوف مثل كل الكتاب في العالم الذين استلهموا أعمالهم عن نصوص أخرى، وهي تتقاطع مع أسلوب إبراهيم الحسيني في الكتابة عن القضايا التي تخص الوجود الإنساني وبأسلوب الحسيني والروح المصرية وبحبكة جيدة الصنع كاشفة لزيف الادعاء من قبل النفوس البليدة المريضة التي تتحكم بمصائر المرضى كتب نصة الدرامي من أجل الكشف عن ما خلفه العالم الحديث، من التقدم العلمي وعصر العولمة والذي كثرت فيه الأمراض النفسية وتشظي الأواصر والعلاقات الاجتماعية وكان الطمع والجشع للبشر التيمة الرئيسية والتي يغلفها انهيار القيم والأخلاق والفساد وكل أفعال القبح الإنساني فقد كشف النقاب وأزاح الأقنعة عن وجوه البشر وفضح عورتهم وبلادة الحس وكل ما يجرد الإنسان عن إنسانيته والذي وصل به الأمر إلى عمل مزاد علني لبيع أعضاء جسد أخيه الإنسان (العين ، الكلى، الكبد، ... الخ)، فالواقع ممتلئ بالقبح ويظهر ذلك من عنوان النص.
حمل النص معاني كثيرة، وكانت الحبكة الداخلية مرتبطة بالعالم النفسي للأبطال، وبرع الحسيني في تحليلها، وكان لكل من شخصيات النص ملامحها وسلوكها الخاص وعلاقتها بالآخرين، والتي توضح وتميز أبعاد الشخصية عن الأخرى.
  نص الحسيني مناخوليا من الممكن أن يقدم في أي زمان، فالنص يعبر عن حالات إنسانية، والحسيني تعمد وجود شخصيات متنوعة في النص كانت تعيش في الواقع، وأعتقد أن الحسيني كان هدفه أن تصل أفكاره وحبكته الدرامية ليظهر مدى المعاناة والألم لهذه الشخصيات من تحكم شخصيات أخرى من المفترض أن يقدموا لهم الرعاية الطبية والمحافظة على حياتهم وتوفير الأمن والأمان لهم، فكان الصراع بين السادة المتحكمين في إدارة المستشفى ومعاونيهم والذي يطلق عليهم العقلاء، وبين نزلاء المستشفى الذي يطلق عليهم مجانين، وهو العمود الفقري للأحداث والذي كان سببا في كشف فساد الإدارة ومن يتعاون معها في هذا الفساد، وأوضح مدى الصمود والتحدي لنزلاء المستشفى، والذي انتهى بانتصارهم، فكانت المفارقة الدرامية بالسؤال من العاقل ومن المجنون.
امتاز حوار الحسيني بالإيجاز والعمق وتدفق الأحداث والسلاسة واللمحة الكوميدية.
يترك الحسيني الحرية الكاملة لكل مخرج لأي نص من نصوصه المسرحية لتحقيق رؤيته في الإخراج كما يشاء طالما حافظ على فكرة النص الأساسية، فالأمانة الفنية تفرض على المخرج أن يتناول العرض المسرحي بما يتفق مع سياق النص ولا يسمح لنفسه أن يقحم أفكار غريبة تضر بالنص، أما فكر الحسيني الحقيقي يوثق بوضعه بين دفتي كتاب، ويستطيع المتلقي قراءته وتخيله والاستمتاع به، ولذلك نجده يضع عنوان للنص، كما يضع في معظم أعماله لكل مشهد داخل النص عنوان فرعي، لعل القارئ يتخيل المشهد أو يستفيد المخرج بمعلومة ما.
كيف حققت المخرجة رؤيتها للعرض المسرحي
العرض بطولة مجموعة من الوجوه الجديدة والتي أشرفت على تدريبهم الفنانة والمخرجة خيال حسن والتي قالت أثناء تحية الجمهور وتقديم المشاركين في العرض إن هذا العمل هو أكبر تحد لها وإن تجربة الإخراج ليست بسيطة وشكرت الحضور، كما قالت إنها سعيدة جدا بردود أفعال الجمهور تجاه العرض، وإنها سعيدة أيضاً بأدائها في فيلم أوف لاين والمسرحيات التي قدمتها سابقا.
وحيث أن هذا العرض المسرحي قدمه مجموعة من الهواة معظمهم يقف على خشبة المسرح لأول مرة أستطيع القول إنهم جميعاً بلا استثناء أجادوا في أداء أدوارهم كلاً حسب قدراته، وأنهم مبشرون شريطة الاجتهاد وكثرة التدريب والتسلح بالثقافة المسرحية، ومن عادات فرق الهواة أن يكون عدد الممثلين كبيرا والجميع يريد أن يظهر على المسرح فترة أطول ولا يوجد نص مسرحي يستوعب ذلك، ولهذا قررت المخرجة إضافة بعض الشخصيات على نص إبراهيم الحسيني فقد كتب الحسيني في نصه خمس شخصيات فقط للمرضى النفسيين هم: مازن (عمر التركي) وهو طبيب نفسي كان ضمن طاقم الأطباء بالمستشفى وعندما اعترض على الفساد والأخلاق اللا إنسانية بعمل مزاد على الأعضاء البشرية قرر الدكتور جلال (يوسف البسيوني) صديقه وزميل الدراسة حبسه بالمستشفى وإيداعه بعنبر المرضى دون أية إثباتات رسمية، وجلال كما جاء على لسانه عندما كان يحلل البشر لحسانين  (جلال: (...)الأولاني موهوبين في لم كل حاجة حواليهم سواء فلوس أو علاقات أو خدمات وعارفين كويس أزاي يكسبوا من الهوا من غير تعب) كما أن مازن هو من وضع خطة خطف وتقييد الفاسدين وحبسهم في السندرة، وخيري (ندى سعيد) هو فتاة أطلق عليها والدها اسم خيري لأنه كان يتمنى أن يكون المولود ولدا، يعاملها كل من حولها على أنها ذكر وبالفعل تعيش دور الذكر؛ لكن هذا الاسم يسبب لها اضطرابات نفسية عندما تتذكر أنها أنثى، فاضل (مصطفى أحمد) كان يتمنى أن يكون من العظماء وفي مكانة القائد، فكان دائما يتخيل أنه يسيطر على الناس ويخطب فيهم، طاهر (أحمد عبد الله) لديه عقدة منذ الصغر مع ألعاب الأطفال بسبب انتهاء شحن البطاريات فتقف حركة اللعبة فيقوم بإفسادها معتقداً أنه يصلحها، أمجد (عبد الرحمن محمود) شاعر ودائما يلقي قصائد في أي جمع من الناس، وأضافت المخرجة خمس شخصيات أخرى وهم: عم شكشك (ياسر أبو الدهب) رجل مسن يعيش مرحلة المراهقة وأعتقد تسمية الاسم للشخصية الكوميدية عم شكشك من مسلسل الأطفال بوجي وطمطم التي تربى عليها هذا الجيل، عبقرينو (عبد الله الأمير) لديه هوس بالتكنولوجيا لدرجة أنه يرى أن كرتونة البيتزا لاب توب، وأيوب (أحمد فرج) زج به إخوته في المستشفى من أجل الحصول على ميراثه، ومولانا + المحافظ (وليد سامي) في مولانا رجل مدعي التدين، وحولت المخرجة دور العمدة إلى المحافظ وأفردت مساحة له، وسونة (يزن شاويش) كان يناديه والداه بهذا الاسم ويعامله الجميع معاملة البنات لجمال منظره وشعره الطويل فترسخ في ذهنه أنه أنثى وأصبح ينظر دائما للمرأة وفي يديه ملقاط لنزع شعر الوجه الزائد، حسنين ورمزي (أحمد تيتو وأدهم الشرقاوي ممرضان في المستشفى من (جلال: (...) النوع التاني ماشيين في ضل الحيطان بيشتغلوا طول النهار والليل عشان بس يأكلوا ويشربوا ويناموا ويخلفوا ويروحوا حديقة الأزهر بارك، ومهما اشتغلوا وتعبوا مش هيلاقوا برضه أكتر من الأكل والشرب والنوم بالكوابيس) ولذلك فهما خدم درجة تانية للنوع الأول في انتظار أن يصبحوا خدم درجة أولى، سهام (ميادة أنور) رئيسة التمريض، كاميليا (خيال حسن) كانت رئيسة التمريض أحبها الدكتور جلال ولكنه عمل على أعضاء جسدها مزادا ليتخلص منها بعدما اكتشفت سره، وعامل السويتش (إبراهيم السيد)، وأضافت بعض الشخصيات وفردت لها مساحة ومنهم شخصيات بعض الأطباء سيد كلاوي (أحمد محمد)، أبو دقة (السيد أحمد)، أحمد (أحمد الصياد)، خالد (محمود محمد)، وبعض الشخصيات في أدوار مختلفة منها: المعلم عضمضم (حسام محمد)، حريص (أحمد علي)، النادورجي (أحمد عبد الصبور)، الجثة (سعيد عمرو)، طلبه (عيد
محمد منازع)، طرطور (أحمد دبيكى)، مأمور (عبد الرحمن عصام)، شديد (خالد السيد)، بهاء (محمد سمير)، أبو العيون (مصطفى الجندي).
كنت أتمنى أن ينفذ نص الحسيني حتى لا يطول زمن العرض وتكرار بعض المواقف، ونظرا لضعف الإمكانيات المادية لم تنفذ المخرجة بعض الخدع التي كتبها الحسيني.
كان الديكور عبارة عن سرير يظهر جزء منه على يمين عمق المسرح وجزء آخر على اليسار ليعبر عن عنبر مكتظ بعدد من السرائر مكان مبيت المرضى بالمستشفى، وعلق على ستارة أسفل العمق وضع في مكان عال برواز على اليمين وآخر على اليسار ليعبر عن شباك حديد بالعنبر، ويتغير المنظر ليوضع به مكتب ووراءه كرسي بظهر مختلف عن كل الكراسي سواء كراسي المكتب العادية أو كراسي القصور مما يدل على تعظيم جلال لذاته وهو مختلف عن الجميع فهو المهمين على كل شيء، ويتغير المنظر مرة ثالثة ليعبر عن مكان عقد المزاد على الأعضاء البشرية.
الملابس كانت عبارة عن بيجامات بألوان مختلفة يرتديها نزلاء المستشفى، وباقي الممثلين ترتدي ملابس عصرية ويرتدي الأطباء والممرضات بالطو ذي لون أبيض فوق ملابسهم، ثم يحدث تبادل الملابس عند تبادل الأدوار (المرضى أطباء ومعاونون والعكس صحيح)
أما إضاءة العرض (أحمد السيد ماندو) فكانت للإنارة ولم تحقق الحالة الدرامية وعادة ما يكون ذلك في عروض اليوم الواحد.
أما الموسيقى فقد اعتمدت على الغموض ومبطنة بالإحساس الرومانسي المعبر عن حب كاميليا لجلال والألم لكاميليا وغدر جلال بها، وفي نهاية العرض تعبر الموسيقى عن صراع القوة والانتصار والانتقام عند خروج الهياكل العظمية من القبور (الضحايا) للانتقام من قوى الشر وخضوع القوى الشريرة.
قامت المخرجة بإضافة استعراضات في العرض لخلق حالة ديناميكية على المسرح حيث أن عدد الممثلين على خشبة المسرح كثير فخلق حالة من الإستاتيكية لضيق المساحة، وكانت الإضافة من نسيج العرض حيث ظهر استعراض ليعبر عن حالة حب مازن لسهام، وكذلك استعراض من الممكن أن نطلق عليه استعراض ساكني القبور وفيه يرتدي الراقصون ملابس ذات لون أسود مرسوم عليها الهيكل العظمي للإنسان في دلالة على انتصار الخير ومحاكمة الشر (من تم تقطيع أعضائهم وبيعهم في المزادات)  في إشارة لتحقيق العدالة واسترداد الحقوق.   
شارك في العرض صوت بدر، ومساعد الإخراج (يزن شاويش وعصام مؤمن والليثي أشرف)، ومخرج منفذ (عمر التركي).


جمال الفيشاوي