«منيفة» صراع بين الحب والشر

«منيفة»  صراع بين الحب والشر

العدد 855 صدر بتاريخ 15يناير2024

تحت رعاية كريمة من صاحب السمو / الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى وحاكم الشارقة الذي يهتم اهتماما لا محدود بالمسرح وفي إطار ليالي مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي – الدورة السابعة – وفي  الليلة الأردنية قدمت فرقة المسرح الحر العرض المسرحي منيفة تأليف أحمد الطراونة وإخراج فراس المصري، ومنيفة هو اسم علم مؤنث تعني الشريفة، أو رفيعة المقام، أو تامة الطول، أو ممشوقة القوام، أو حسنة الوجه، ومنيفة من الأنفة والشموخ وأطلق اسم منيفة على هذا العرض فهو حكاية بدوية أردنية سمي العرض على اسم بطلته منيفة، وهي فتاة بدوية من البيئة الأردنية، والمملكة الأردنية بها بادية كثيرة وقبائل عربية أصيلة، ولذلك لديها موروث ثقافي كبير عن البادية، وفكرة العرض تدور حول ملحمة درامية بين الحب والشر، ويقدم العرض مجموعة من المضامين التي لها علاقة بحياة البادية الأردنية بشكل خاص والعربية بشكل عام، ومن هذه المضامين الحب والشجاعة والبطولة والمروءة والكرم، وهذه العادات والتقاليد العربية الأصيلة يشتهر بها العرب رغم الحياة القاسية الموجودة في الصحراء، والتي استلهم منها العرض ويزخر التراث العربي بالعديد من قصص الحب التي توارثها الأجيال، وتميز هذه القصص بالجمال والبساطة، وقد تنوعت قصص الحب بين الحقيقة  والأسطورة، وبعض من هذه القصص انتهت نهاية سعيدة وبعضها انتهى نهاية مأساوية،  وقد رويت أشهر قصص الحب على لسان الشعراء العرب، وقد سميت الحكايات باسم الشاعر والفتاة التي أحبها من أشهر هذه الحكايات: عنتر وعبلة، وجميل وبثينة، وكثير وعزة، وقيس وليلى وهو الشاعر قيس بن الملوح والذي لقب بمجنون ليلى، وقيس ولبنى وهو الشاعر قيس بن ذريح الليثي الكناني ولقب بمجنون لبنى، وغيرها من قصص الحب، وتدور حكاية منيفة حول فتاة خرجت مع والدها في رحلة لزيارة المدينة، وأثناء العودة إلى مقر إقامتهما في قرية ما؛ يخرج عليهما اللصوص قطاع الطرق وينهبوا كل ما لديهم من أموال ومتاع ويتركوهم في الصحراء، ينجد الشيخ وابنته أحد المارة في الصحراء ويصل به إلى قبيلة الشيخ ناصر (إياد شطناوي)، ومن المعرف عن العرب إكرام الضيف، فيضيف الشيخ ناصر أبو فهد أحد شيوخ قبائل العرب هذا الضيف وابنته منيفة (رناد ثلجي) ويأمر بأن تدق له خيمة مثل خيمته، لكن والد منيفة لا يفصح عن اسمه الحقيقي، ويطلق على نفسه اسم شبيب (طارق الشوابكة) ويطلب من الشيخ ناصر أن يعمل لديه راعيا للغنم فيوافق الشيخ ناصر.
 يقع فهد (منذر خليل مصطفى) بن الشيخ ناصر في حب منيفة ابنة راعي الغنم، وتعلم شوفة (أريج دبابنة) بنت عمه بذلك فتحاول أن تعترف لأم فهد (غادة عباسي) زوجة عمها الشيخ ناصر بحبها لفهد وتلفت نظرها إلى أنها ابنة عمه في محاولة منها للتفرق بين فهد ومنيفة، فمن عادات العرب أن ابن العم أولى بالزواج من بنت عمه عن أي شخص آخر.
يصارح فهد أمه بحبة لمنيفة، وعندما تبلغ أبيه الشيخ ناصر بأن فهد يريد الزواج من منيفة؛ يتفجر الصراع، والصراع هنا هو صراع التقاليد، فيثور الشيخ ناصر ويرفض أن يتزوج ابنه فهد من منيفة، فوالد منيفة راعي غنم، وسوف يعايره العرب إذا تزوج فهد منيفة التي ليس لديها الحسب والنسب ويترك ابنة أخيه ذات الحسب والنسب، يهدأ أخو الشيخ ناصر ووالد شوفة (معتصم فحماوي) من روع أخيه ويقترح عليه بأن يرسل فهد مع بعض أبناء القبيلة في مأمورية خاصة بالقبيلة وعند عودته يكون تم طرد شبيب وابنته، وبهذه الحيلة يرضخ فهد للأمر الواقع ويتزوج ابنة عمه شوفة.
يبلغ الشيخ ناصر شبيب وابنته بالرحيل عن القبيلة دون أي سبب، وأنه سيعطيه ربع ممتلكاته نظير خدمته له، ولكن في غياب فهد فارس القبيلة ومعه بعض من الرجال تغير قبيلة أخرى على قبيلة الشيخ ناصر فيتصدى لهم شبيب والد منيفة ويهزمهم فيفروا خارج الديار إلى حيث جاءوا، فيطلب الشيخ ناصر من شبيب البقاء معهم لكنه يرفض ويرحل مع ابنته إلى دياره.
عند عودة فهد لم يجد منيفة ووالدها، ويزوجه والده من ابنة عمه، لكنه يعلم بالمؤامرة التي حكيت ضدة وحبيبه منيفة،  فيتصاعد الصراع ويضع حد السيف بينه وبين شوفة ويطلقها ويهيم على وجهه في الصحراء، فيخرج علية قاطع طريق يدعى بريثع (محمد أبو دية) يهدده بترك أمواله ومتاعه نظير حياته فيتركها له فهد ويطلب منه أن يقتله، يتعجب بريثع من هذا التصرف، فيخبره فهد بأنه الفارس فهد بن الشيخ ناصر وأنه قادر على قتله، فيرتعد بريثع ويطلب من فهد أن يحكي له قصته، فيحكي فهد حكايته حتى يساعده بريثع على معرفة مكان منيفة، وبالفعل يعثر فهد على منيفة، ويبدأ الحل عندما يعلم أن والد منيفة هو شيخ من مشايخ العرب ويدعي  الشيخ نواف، فيفخر به الشيخ ناصر ويبارك هذه الزيجة، ويحقق فهد حلمه ويتزوج محبوبته منيفة.
نجح المخرج في تقديم عرض بشكل مبسط اتفق فيه الشكل مع المضمون، حيث جعله عرض فرجة في إطار درامي استعراضي حتى يتناسب مع الذائقة العامة للمتلقي، فقدم موضوع يتناسب مع كل العصور معتمداً على الموروث الشعبي الأردني الخاص بالبادية سواء شفهياً أو مكتوباً، فاستثمر الشعر البدوي والموسيقى معتمداً على الآلات الموسيقية البدوية والغناء، والتي اشتهرت بها صحراء البلاد، واستخدم في العرض الجمل والحصان وهي من الحيوانات التي تشتهر بها البيئة الصحراوية، واعتمد على الراوي (كرم الزواهرة) ليحكي لنا موضوع العرض ويدخلنا في الأحداث وينقلنا من فترة زمنية إلى أخرى، ومن حدث إلى آخر على الرغم من أنه من وجهة نظري كان من الممكن عدم الاعتماد عليه، أو حذف جزء من تعليقه، أو إلغاء دوره والتعبير بالإضاءة على مرور الفترة الزمنية، كما أن الراوي كان يؤدي بطريقة أداء واحدة؛ ولم يتفاعل مع الحالة الدرامية ويلون في الأداء؛ وهذا من وجهة نظر مخرج العرض، ولكن من وجهة نظري كان لابد من أن يلون في الأداء، فقد كان أداؤه نقطة ضعف العرض.
 نجح المخرج في رسم حركة مسرحية منضبطة واتكأ على مهارات الممثلين الذين تفوقوا في أداء الحركة مع الصوت المسجل بعناية فائقة، كما اتكأ على مهارات خاصة لدى الممثلين، فنرى منذر خليل مصطفى فارس في ركوب الخيل، وغادة العباسي وطارق الشوابكة يشجيان بالغناء.
كان الديكور عبارة عن ثلاث خيام دقت في الوسط واليسار واليمين على أبعاد مختلفة فرش بداخلها سجاد، والخيم تعبر عن أماكن إعاشة قبيلة الشيخ ناصر والد فهد، ومثلت الخيمة التي في الوسط مكان إعاشة الشيخ ناصر، وثبت على الجانب الأيسر في الخارج أمام الخيمة ثلاثة أعمدة من الخشب على شكل مثلث معلق عليهما قربة للماء، وعبر هذا المكان عن مكان لقاء العمة زوجة الشيخ ناصر وشوفة ابنة عم فهد التي كانت تريد الزواج منه، ووضع على الجانب الأيمن في الخارج أمام الخيمة مستطيلا مصنوعا من الصاج مثبتا به أربعة أقدام من الصاج أيضاً ووضع فوقة أواني من النحاس ويخرج منه دخان ليدل على عمل القهوة والاحتفاء بالضيوف، كما توجد بعض الأواني المتناثرة بجوار المكان، وكذلك يوجد المهباش وهو أداة لطحن حبوب البن استعدا لطبخها وتحضير القهوة، وقد عبرت الخيمة التي وضعت في أقصى اليسار أيضاً عن خيمة يعيش فيها الشيخ نواف والد منيفة بعد عودته لقبيلته.
عبرت الملابس عن البيئة البدوية العربية الأصيلة وكانت مناسبة لكل الشخصيات، فارتدت أم فهد الملابس السوداء مطرزة بكنار أحمر في فضي وعصابة سوداء على الرأس، وارتدت منيفة ملابس سوداء مشغولة من الصدر إلى الذيل باللون الأصفر وعصابة سوداء، وارتدت شوفة ملابس زرقاء تتخللها خطوط سوداء وعصابة رأس سوداء يتدلى منها ما يشبه الدوائر اللامعة بلون الذهب، وارتدى الرجال الجلباب بألوان مختلفة وعصابة رأس بيضاء أو من اللون الأبيض المنقرش باللون الأحمر (غطاء الرأس الذي يعبر عن هذه سكان المنطقة المختلف عن غطاء الرأس الأبيض لسكان منطقة الخليج) أما شيخ القبيلة ارتدى جلبابا أبيض وفوقه عباية سوداء وغطاء الرأس المنقرش باللون الأحمر وفوقه العقال، كما ارتدى أخوه نفس الزي مع اختلاف لون الجلباب. 
أما الإضاءة (محمد المراشدة) وحيث أن الموضوع يقدم في الصحراء التي يوجد فيها الجبال والهضاب والتلال والسهول وكان لا بد عليه أن ينير هذه الأماكن بما يناسب الحالة الدرامية؛ فلذلك اهتم في خطة الإضاءة على وحدة الشكل واللون الذي انحصر بين الألوان الساخنة والألوان الباردة حتي يحقق الرؤية الدرامية، فنجدة في افتتاحية العرض في مشهد يعبر عن الحلم يضع إضاءة خافتة ذات لون بارد (أزرق) كمصدر ضوء مخفي خلف التل والذي نعتبره عمق المسرح لتسقط الإضاءة على الممثلة مع استخدامه دخانا من الجانبين ليمثل سحابة عالية تحيط بها، وذلك حتي لا تتضح الرؤية والتفاصيل الكاملة بشكل واضح ويؤدي إلى الشعور بالضبابية في المكان، وعندما اجتمعت بعض من أفراد القبيلة داخل الخيمة سلط الضوء ذا اللون البرتقالي داخل الخيمة لإنارة الشخصيات الجالسة، وهو أيضا يعبر عن لون الإضاءة التي تستخدم ليلاً من ضوء السراج (مصباح إنارة مثل القنديل أو الفانوس)، كما استخدم اللون الأصفر لإضاءة المكان بشكل عام خارج الخيمة في بعض المشاهد، واستخدم الإضاءة الخافتة في مشهدي قطاع الطرق ولم يسلط الضوء بوضوح وذلك ليصدر حالة الخوف والرعب دون إظهار التفاصيل، وفي المشهد الأخير في العرض بعد لم الشمل بين فهد ومنيفة وانتصار حالة الحب على الشر ويفرح الجميع نجد اللون الروز يسقط على النخلة بوضوح وهو لون يعبر عن البيئة الشرقية أقرب من اللون الأحمر الذي يعتبر لونا غربيا، فاللون الروز يعبر عن حالة الحب المناسبة للموضوع الذي يقدم في مجتمع بادية صحراوي، كما ظهر انعكاس اللون الأخضر بجانب اللون الروز بظهوره على الأرض المنبسطة،  فاللون الأخضر لون يعبر عن الخصوبة والحياة والنماء، وبذلك دمج الحب مع الحياة،  فالحب هو ما يصنع الحياة، فالحب يجعل الإنسان يشعر بأنه يعيش في الجنة، حتي لو كان هذا الإنسان يعيش في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء إلا نادراً، والكره يولد الشر، والشر يشعر الإنسان أنه يعيش في النار مهما كانت متع الحياة.
أما الموسيقي والألحان (مراد ديمرجيان) والتي كانت إضافة للعرض واستخدام فيها الأغاني التراثية وسيطرت الآلات الشعبية مثل الربابة والمهباش (وهو أداة لطحن حبوب البن لتحضير القهوة وعزف الألحان في تراث أهل البادية) ويحمل صوت دقة المهباش في التراث البدوي دلالات ومعاني كثيرة ارتبطت بالأصالة وكرم الضيافة في المجالس، كما أنها طقس موسيقي يصدر عنه أعذب الألحان، وترافقه الأهازيج المعبرة والجمل الصوتية العربية والأشعار.
وقد شارك في العرض في إدارة الإنتاج وفني الصوت زاهي حمامرة، ومساعد المخرج وإدارة المسرح والخدع علاء ربابعة. 
التحية واجبة لسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى وحاكم الشارقة، وسعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة ورئيس المهرجان، والفنان أحمد أبو رحيمة مدير إدارة المسرح بالشارقة ومدير المهرجان، والناقد عصام أبو القاسم عضو اللجنة العليا للمهرجان وكل أعضاء اللجنة العليا للمهرجان وكل من شارك في خروج هذا العرض إلى النور.


جمال الفيشاوي