الفلاح الفصيح أحمد مرعي(1)

الفلاح الفصيح أحمد مرعي(1)

العدد 850 صدر بتاريخ 11ديسمبر2023

المولد والمنشأة : 
ولد ( أحمد جلال بسيوني مرعي) بمدينة المحلة الكبري – محافظة الغربية في 12أغسطس عام 1940 – وعشق التمثيل وهو في المرحلتين الإعدادية والثانوية حيث أصبح رئيسا لفريق التمثيل بمدرسة المحلة الثانوية علي مدي ثلاث سنوات ، واستطاعت المدرسة في أخر سنة له بها أن تحصل علي كأس الجمهورية في التمثيل علي مستوي المدارس .. كذلك شارك في بعض الفرق المسرحية وفريق قصر الثقافة ،وتتلمذ علي يدي أستاذة (مصطفي العيسوي أيوب) المشرف علي النشاط المسرحي في محافظة الغربية ، وكان مخرجا ومؤلفا مسرحيا ،وهو الذي اكتشف استعداده للتمثيل ونماه ، وظل أحمد مرعي يدين له بالفضل طوال حياته لأنه حرص علي توجيهه وتشجيعه وتنميه موهبته – إلي أن دخل المعهد العالي للسينما عام 1962 ،وتتلمذ علي يدي أساتذة التمثيل :- 
(د. علي فهمي ،ومحمد توفيق،وعبد الوارث عسر) ، ويعترف بأنه تأثر بجيل من الأساتذة  الذين سبقوه في مجال الأداء التمثيلي من أمثال (محمود السباع ،محمود المليجي، عماد حمدي) ، ونشير إلي أنه قبل دخوله معهد السينما ،وبعد حصوله علي الثانوية العامة يلتحق بالمعهد (قسم التمثيل) والذي كان هدفه تكوين  الممثل السينمائي وليس الممثل المسرحي ،وهو القسم الذي تم إلغاءه فيما بعد واكتفت أكاديمية الفنون بقسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية . وأجتاز ( مرعي) سنوات الدراسة بمعهد السينما بامتياز حتي تخرج عام 1965 وعين معيدا بالمعهد ،وبعدها التحق (بمسرح الجيب) عام 1966 .
(مرحلة مسرح الجيب) وكانت فرصة متنوعة فأستكمل فيه دراسته لفن الأداء التمثيلي الذي بدأه طالبا بالمعهد ، إذ شعر بالسعادة لاختيار (كرم مطاوع ) له للعمل بالمسرح،وأعتبر ذلك أكبر فرصة لاستكمال دراسته –إذ كان مسرح الجيب مسرحا تجريبيا صغيرا لا يتسع لأكثر من مائة متفرج ،وكان متفرجوه من صفوة المثقفين ،ويساعد الممثل علي الأداء الطبيعي بلا مبالغة ، وتهدف أعماله إلي أثراء وتطوير التجربة المسرحية في المسرح العربي ، وأكتسب (مرعي) أسلوبه هناك –كما يصرح بذلك – والذي يعتمد في الأداء علي عدم التمثيل أي المبالغة (وان يعيش الموقف كما يحسه- لا مبالغة لا انفعال- لا افتعال .. وكان قد تم إنشاء مسرح الجيب عام 1964 وقدم ثلاثين عرضا مسرحيا حتي عام 1968 – إلي أن تحول إلي (مسرح الطليعة)،  وكانت بدايته في الاحتراف حيث شارك في عام واحد في ثلاث مسرحيات كانت أولاها “ راشومون” من المسرح الياباني .. تأليف أيونوسوكي كوتاجاوا، وكان العرض يتميز بالحركة أكثر من الكلمة التي كانت في المقام الأول .. لأن المسرح الياباني يعتمد علي هيمنة الحركة أكثر من أي عنصر أخر ، وفي موسم 1965 / 1966 يقوم بدور “ سيلفيو” في مسرحية “ خادم سيدين” من تأليف : كارلوجولدوني ، وإخراج : كرم مطاوع وهي من تراث الكوميديا ديلارتي الإيطالية التي تقوم علي فن الارتجال . وفي عام 1966 يقوم بدورالمهندس في مسرحية “ ألف باء” تأليف الشاعر التركي اليساري ناظم حكمت ،وإخراج : نجيب سرور..وفي نفس الموسم يشارك بدور في مسرحية “ برتولد بريخت” “ طبول الليل “  إخراج كمال عيد .. بعد ذلك تبدأ رحلته مع السينما وأن لم يقطع صلته بالمسرح .. ذلك لأنه كان يري أن الاستفادة الحقيقية التي إستفادها في حياته العلمية جاءته من المسرح الذي علمه الالتزام واحترام المواعيد واحترام العمل واحترام الزملاء بالإضافة إلي الجدية التامة أثناء العمل ..
- في عالم السينما المصرية والعالمية .
وفي عام 1967 يتحول (أحمد مرعي) إلي السينما – عندما يختاره أستاذه أحمد بدر خان ليقوم بدور – أحد أبناء أسرة تموت الأم فيها فيرغب الأب في الزواج فيعارضه أولاده – إلي أن يوافقوا في النهاية في فيلم بعنوان “ النصف الأخر” الذي عرض في 8أكتوبر 1967 – عن قصة : لعبد الحميد جودة السحار ، وشاركه التمثيل (سميرة أحمد ،عماد حمدي، مديحه يسري) وكان أحمد مرعي قبل قبوله لهذا الدور قد استشار المخرج كرم مطاوع  الذي نصحه بقبوله – لكنه كمدير لمسرح الجيب يرفض أن يتغيب يوما واحدا عن المسرح – كي يتفرغ للتصوير السينمائي ،ويضطر (مرعي) إلي ترك (مسرح الجيب) أسفاً –حفاظاً علي تقاليد المسرح وتظل محتفظة بهيبتها وهيبتها – وتقاضي عن هذا الفيلم الأول أكبر أجر تقاضاه ممثل مبتدئ ، ربما لأنه كان أول ممثل متخصص في التمثيل السينمائي وهو (300) جنية ، وتتميز  شخصيته في هذا الفيلم بأنه كان شاعرا يقع في قصة حب من طرف واحد .ورغم أن أحمد مرعي كان يري أن فيلم “ النصف الأخر “ كان فيلما عاديا جدا من الأفلام التي كانت منتشرة في ذلك الوقت ، إلا أنه يؤكد أنه يكن لبدرخان كل الحب كأستاذ وكأب ،وخصوصاً في أولي سنواته بالمعهد .. حيث كان تحت رعايته ويقول ( وما أذكره له – رحمه الله – أنه كان أول من قدمني للسينما) ويسأله الصحفي : هل اختارك بدر خان لدور الشاعر – لأنك  فعلاً أحد تلاميذه ، ويفترض بالتالي أنك تقدم الشعر بشكل جيد- وعلي غير العادة الدارجة في السينما المصرية حيث ( الزعيق) والصراخ – بحيث يبدو الأمر كالمحفوظات المدرسية .أم هل كان هناك دافع أخر ؟ ويجيب أحمد مرعي ( الشعر بالنسبة لي أمر محبب ..فطوال عمري كنت أحب اللغة العربية وحتي أيام دراستي بالمدرسة كنت كثيرا ما أحب أن أقف خطيبا وألقي الشعر ، ولكن اختيار بدر خان لي لدور في فيلمه لم يكن لأنني أجيد إلقاء الشعر ، وإنما اختارني كشكل –وللأسف لم أكن موفقاً في الدور،وربما لأن هذا كان أول دور أؤدية في السينما ،وكنت أجد خجلا في أن أسأل بدر خان عما يخفي علي من أمور – كما أن إمكانياتي ذاتها لم تكن قد تمت ،وبالتالي لم تكن خبراتي قد اكتملت .. وربما فشلت لأنني مثلت في الفيلم وأمامي أساتذة كبار أمثال ( مديحه يسري ،أحمد رمزي ،عماد حمدي، سميرة أحمد) كما لا تنسي أنني فلاح وأخجل بصفة عامة .
وفي عام 1969 يقوم ببطولة الجزء الأول من فيلم “ ثلاث وجوه للحب “ أخراج : مدحت بكير  ،وقام بإخراج الجزء الثاني ناجي رياض ، والجزء الثالث : ممدوح شكري . وفي هذا الجزء الأول يقوم بحب فتاة صعيدية ، وطبقا للتقاليد محرم عليه الخروج معها حتي يتزوجا . وفي ثورته علي التقاليد يتسبب في مقتل الحبيبة ، ويصبح مطلوبا للثأر،وكان عليه أن يختار بين أحد أمرين – إما الدفاع عن نفسه بالسلاح والقوة – أو أن يقدم كفنه لخصومة ،وفي هذا الحل عار وأهانه لأهله ،ويختار الطريق السلمي – حقناً للدماء – حتي لو كان الثمن أن يهجر بلده وأهله وعشيرته .. فيقدم كفنه لأسرة الخصوم ، وقد نال هذا الجزء من الفيلم الجائزة الأولي في الإخراج،ونال أحمد مرعي الجائزة الأولي في التمثيل في مهرجان الإسكندرية السينمائي الأول عام 1970 ، ويري أحمد مرعي أن هذا الفيلم كان يحمل طابعا مميزا من الناحية الفكرية والفنية ويعلق الناقد سعد الدين توفيق –(“ مجلة الكواكب “ في 3/12/1970 ) أن أحمد مرعي نجح في أن يكون رسول المدينة الذي حمل كفنه علي يديه من أجل أفكاره ،واستطاع السيناريو والإخراج أن ينقلا لنا صورة الحب في لحظه صدامه العنيف مع التقاليد ،لم تعجبني المبالغة في بعض مشاهده ، وخاصة المشهد الأخير – أحسست في بعض الأحيان أنني أمام قرية ليست من صعيد مصر،ولم أرتح للتركيز علي المقابر) .. بينما يري الناقد والسيناريست أحمد صالح (أخر ساعة 1970) أن أحسن ما قدمه فيلم “ ثلاث وجوه للحب” للشاشة هو وجه الممثل الشاب أحمد مرعي الذي سبق أن لفت نظره في مسرحية  “ ميرامار” علي المسرح – (أنه وجه معبر .. قادر علي الانفعال الطبيعي ..مثقف سينمائيا – يدفع المتفرج إلي التجاوب معه والتعاطف مع مواقفه )ونشير هنا إلي أن الناقد قد توقف عند دوره في مسرحية “ ميرامار” التي قدمها المسرح علي خشبة مسرح الزمالك عام 1969 ،وجسد فيها شخصية منصور باهي في رواية نجيب محفوظ “ ميرامار” التي أعدها وأخرجها للمسرح (نجيب سرور) وشاركه في العرض (كريمة مختار ،ميمي شكيب ،سميرة محسن) .
كان قد شاهده المخرج المتميز (شادي عبد السلام) وهو يؤدي دور الفتي الرومانسي سيلفيو في مسرحية “ خادم سيدين” في موسم 1965 / 1966 بمسرح الجيب من إخراج : كرم مطاوع ،وقابلة بعد العرض ،ودعاه لزيارته في مكتبة ،وكان (شادي) أحد ثلاثة مخرجين في العالم الذين يرسمون سيناريو  الفيلم في اسكتشات علي ورق – حتي المشاهد المتحركة فيه ،ويروي أحمد مرعي – ( عندما زرته أعطاني الصور التي رسمها ،وفي أحد المشاهد وجدت نفسي حقيقة بنفس ملامحي بالضبط ) واتفقا ، وبدأ يعده لدوره في فيلم “ المومياء” . (فشادي عبد السلام) نوعية مختلفة ومتميزة من المخرجين علي المستويين الإنساني والفني .. وعندما بدأ معه كانت العلاقة بينهما كتلميذ وأستاذ ، وكان (شادي) في كل شيء بالنسبة له حتي بعد أن انتهي  من الفيلم كان يلجأ إليه في كافة أموره – حتي في الأشياء الخاصة .. بحكم أنه كان أكثر ثقافة وخبره ، بل وصل الأمر – حتي في غير أعمالة – عندما كان يجد صعوبة في تفسير شخصية أو اختيار ملابس . فكان يذهب إليه ويستشيره وكان يساعده كثيرا ، وظل بالنسبة له الأستاذ والمعلم – إلي أن مات عام 1986 – إذ التزم بطريقة(شادي) في العمل .. حيث كان هناك أكثر من(بروفة) قراءه يتم فيها مناقشة كل تفصيلات اللقطة ، ثم “بروفات” حركة ،وكان يعد لممثليه الملابس التي سيظهرون بها في الفيلم ،ويأمرهم بارتدائها طوال الوقت حتي يتعودوا عليها ، وقد تم عرض فيلم “ المومياء” في البداية في المهرجانات عام 1970 ، ولم يعرض عرضا تجاريا إلا في عام 1975 ،ويدور حول قبيلة الحربات التي تعيش علي سرقة ما في باطن الجبل من أثار  الفراعنة .. لتوصيلها إلي من يشتريها ،وعندما يموت الأب يتعرف الابن ونيس (أحمد مرعي) علي مخبأ المومياوات في الجبل ،ويتمرد هو وأخوه علي أعمال أمه وأهله لهذه السرقات المتتالية. فيقتل أخوه ،وفي نفس الوقت يصل مندوب الآثار لبحث سر سرقة المومياوات – وبينما يرفض (ونيس) بيع الآثار المسروقة . والتاجر أيوب ذو السحنة اليهودية ،ويفاجأ التاجر بهذا الموقف من أحد أفراد الأسرة عندما يتقدم نحو كبير موظفي الآثار ويخبرهم بمكان المخبأ  الذي تقوم الأسرة بوضع المومياوات فيه ، ويتم نقل المومياوات إلي باخرة الحكومة لتعود بتاريخ مصر إلي القاهرة – بينما يقف ونيس وحده حائرا في الصحراء .. منبوذا من قبيلته ... وقد وفق أحمد مرعي في دورة لتميز وجهه بملامح مصرية أصيلة وجسم ممشوق يتسق مع الدور “ ويتميز هذا الفيلم بتداعي المواقف وتلاحقها  الذي يفجر الصراع في الفيلم .. فالابن ونيس يري أباه وهو يدفن ليلا .. وفي الليلة التالية يصحبه عمه ليكشف له عن السر.. وفي داخل مقبرة فرعونية تضم رفات (44) ملكا من ملوك مصر . لا يتردد العم في قطع رقبة واحدة من المومياوات المحنطة ليستخلص منها قلادة ذهبية ، ويرتج علي الابن من هذا الموقف البشع ، ويتذكر أباه الذي لم يمض علي دفنه سوي ليلة واحدة – ثمة شبه غريب بين هذه المومياء المحنطة والأب المتوفي – عوامل كثيرة تتصارع في نفس الفتي – فينطلق إلي السلطة ليكشف لها سر المقابر الفرعونية . هذه هي قصة الفيلم – بسيطة وسهلة ،ولكن التناول الفني لها جعل نقاد السينما في العالم يقفون مبهورين أمامها .فقد وصفوا الفيلم بسيمفونية – وسط أعمال السينما التجارية ، وقالوا . أنه إيقاع غريب وجديد علي  فن السينما ،ومن هنا حصل علي (11) جائزة أولي عالمية ، وقد كان علي أحمد مرعي في أدائه لدور (ونيس) أن يعطي إيحاءا بملحمية الجو والأحداث كلها ، وأن يعكس صراعات الشخصية وترددها الذي جعل النقاد يطلقون عليه – (هملت النيل ) ولكن بانفعالات محددة تماما- حتي في اشد المواقف ، ولكن الفارق بينهما أن الأول مثقف والثاني فلاح صعيدي بسيط  كما يقول “ مرعي”( بحيث تضغط أحزانك في الداخل ، وتقول كل شيء بعينك ،وبلا أي ( زعيق) . ويعلق الناقد سامي السلاموني ( نشرة “ نادي السينما” في 16/12/1969) علي الأداء التمثيلي قائلا : ( إذ أن طابع الفيلم الملحمي نفسه يفرض علي أداء الممثلين – مثل كل الحرفيات الأخري – فيبدو في حركة الممثل والحوار – غير واقعي ، وأقرب إلي الأداء المسرحي ، ويقوم ( الميزانسين) علي أقل قدر من الحركة ، وهي حركة بطيئة ومتأنية ،وأداء الحوار يتم بنفس البطء والتثاقل .. بينما تؤدي مجرد نظرات الشخصيات المتبادلة الكثير مما يمكن أن يقال .. كما في نظرة نادية لطفي لأحمد مرعي في وكر مراد ( محمد نبيه) عندما يكتشف حقيقة مهنتهما كمومس ،وهو الذي كان قد بدأ يتعلق بها .. وفي تصوري أن هذه الموقف الخاطف هو أفضل ما مثلته نادية لطفي – ربما في كل عملها السينمائي) . ويقول الناقد عن أداء أحمد مرعي (أداء الممثل الشاب أحمد مرعي – خريج قسم التمثيل بمعهد السينما عام 1965 ،والذي بدأ عمله كممثل – رغم ذلك علي المسرح أولا .. فقد التحق بمجرد تخرجه بفرقة مسرح الجيب  التي شكلها حينذاك كرم مطاوع مع مجموعة من الممثلين الشباب ، وكان قد برز أكثر في أفلام المعهد وهي “ سكة اللي يروح” ،و” حياة”و” مرثية قصيرة” ويمثل احمد مرعي وجها جديدا تماما للممثل المصري – بما تحمله ملامحه من هدوء يوحي بالنبل ،ولكن يخفي وراءه أعماقا صاخبة تجعله أقدر ممثلينا الشباب علي أداء أدوار (الانفعال من الداخل) وليس بالحركة الخارجية المتقلصة .. وهذه الميزة نفسها هي  التي ستشكل صعوبة بالنسبة لمستقبلة – حيث لن يجد الأدوار المناسبة بسهولة ويصبح ممكنا أن ينزلق إلي أدوار الشاب المرح التقليدية  التي لا أظن أنه يصلح لها . 
وقد أدي أحمد مرعي باقتدار كبير لافت لنظر دور ونيس ،وهو شخصية خصبة أجاد (شادي) رسمها – فهو عاطفي جدا وكتوم يخفي معاناته وراء نظراته الحزينة .. ويتحمل حيرته وتردده وحده ،ويبدو منفصلا عن تقاليد بيئته وقيمها – وسر حزنه العميق أنه أحس بمعرفته سر قبيلته – أنه يحمل تراثا لا يعرف كنهه ولكنه يحس أحساس المصري الغريزي بخلود تراثه – حتي وأن كان يجهله .. ويبلغ عذاب ونيس ذروته في لحظة اختياره بين الخضوع لقيم قبيلته ( وبطريقة عيشها) ..وبين الرفض الذي يتناسب أكثر مع تكوينه – هو النبيل الذي ينتصر في النهاية عندما يبوح بالسر لرجال الآثار – لأنهم أقدر علي حماية التوابيت .. ومع ذلك – فهو حين يري موكب التوابيت يرحل في النهاية إلي القاهرة يخفي عينيه باكياً علي الموتي الذين فارقوه وأسلمهم إلي أعداء قبيلته ، ويكون ضروريا عند ذلك أن يهيم علي وجهه ،وقد قطع إلي الأبد الخيوط التي تربط مصير ه بقبيلته ، فلقد صنع لنفسه وبيديه مصيرا أخر سيدفع ثمنه معاناة أبدية .. ورغم هذه الصراعات الحادة والمشتعلة التزم  المخرج بمنهج (تبريد الشخصيات ) في تحريك الممثلين – بحيث تتخلي عن أكبر قدر من عواطفها الشخصية لتترك  التأثير العاطفي كله لخلود التراث .. كي يتلقي المتفرج الموضوع بلا انفعال وبعقل يقظ أقرب إلي البرود . وعن أحمد مرعي في هذا الفيلم يقول الكاتب محمد جلال في ( مجلة الإذاعة التليفزيونية” في 9/12/1969 ) (أن أحمد مرعي جدير بوقفة طويلة ، فلقد زف شادي للسينما المصرية موهبة مصرية أصيلة ، واستطاع أن يأخذ أيدينا  ويضعها علي أبعادها العميقة ، وترتد أيدينا مصفقة بحماس بالغ لمولد فنان قادر علي العطاء الوفير والوصول إلي وجدانك في لمح البرق ، بصدقه وشخصيته المصرية المتميزة واعتصار روحه في دوره .. فقد عاش أحمد مرعي ،ثورة الإنسان الطيب علي المجتمع الفاسد ، فهزنا هزا عميقا ، وجعلنا نعيش مع بطل الثورة ،ونفرش له الطريق إلي قلوبنا بالحب ..فهو يؤدي بدراسة ومعايشة – ملامحه مشبعة بالتعبير الصادق الطبيعي ) كما يقول عنه الناقد سعد الدين توفيق (مجلة الكواكب “ في 8/12/ 1970) أنه أحسن وجه مصري ظهر في السينما المصرية حتي الآن – يمثل بصوته وشكله ، وتعبير وجهه ، ويمثل شباب مصر في السبعينات خير تمثيل .. إذ يمتاز مرعي بالرشاقة والوسامة القريبة من الشخصية ،وأدي دوره الفريد بمقدرة فائقة – دور المصري  الذي لا يقبل أن يعيش علي جثث أجداده  ) وقد تم اختيار هذا الفيلم كأحسن الأفلام الروائية  التي عرضت في مهرجان قرطاج الدولي عام 1970 /وأستمر عرضه في لندن ثمانية شهور ،وفاز بجائزة أكاديمية  الفيلم البريطاني ، وبجائزة الناقد جورج سادول للأفلام الأجنبية في مهرجان باريس عام 1970 وذلك ( لنظرته الفريدة التي عرفت كيف تربط مصر القديمة بمصر الحديثة) كذلك عرض الفيلم في مهرجانات ( إيبر) بفرنسا ،و” فينسيا” بإيطاليا و” لوكارنو” بسويسرا ،ومهرجان لندن ..ورغم كل هذا تأخر عرض الفيلم “ المومياء” خمس سنوات كي يعرض في مصر – بسبب خوف المسئولين ألا يلاقي قبولا لدي الجماهير ، لدرجه أنهم حرموا أحمد مرعي من السفر مع نسخة الفيلم كعضو في الوفد المصري إلي المهرجانات  التي عرض فيها وحصل علي عدد كبير من الجوائز ، وللأسف عندما عرض الفيلم عام 1975 في سينما رمسيس بالقاهرة لم يلق القبول ، ومن ناحية أخري أكسب هذا الفيلم أحمد مرعي انتشار واسعا في البلاد الأجنبية ، وأصبح نجما لامعا فيها – لكنه في نفس الوقت لم يكن معروفا في بلده بنفس الوقت....


عبد الغنى داوود