«أبناء قابيل» كلنا قتلة ومقتولون

«أبناء قابيل» كلنا قتلة ومقتولون

العدد 609 صدر بتاريخ 29أبريل2019

قتل قابيل أخاه هابيل ليسيل أول دماء على الأرض، وليرسل له الله الغراب فيعرف منه كيف يواري جثمان أخيه، مات هابيل قبل أن يتزوج وينجب، ليكون البشر جميعًا من سلالة القاتل، ومن ثم يتوارثون عنه الجريمة بكل أنواعها وأبشع صورها، فلم يكن القتل هو جريمته الوحيدة، فقد سبقته المشاعر التي أدت به إلى ارتكاب هذه الجريمة: الغيرة، الحقد، ومن ثم الكراهية، من هنا التصقت الجرائم والصفات السلبية بالجنس البشري. هذا المضمون هو ما يدور حوله العرض المسرحي «أبناء قابيل» الذي قدمته فرقة كلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة على خشبة مسرح المدينة الجامعية، في إطار مهرجان الجامعات المسرحي، تأليف إياد الخولي، إخراج إسلام تمام.
في مجموعة لوحات منفصلة متصلة قدم الممثلون: أحمد صلاح، عبد الله حاتم، هالة ياسر، طارق علي، مي الجابري، ريم مدحت، عبد الرحمن محمود، أحمد عثمان، سمر عاطف، محمد هلال «ديزل»، أحمد خليفة، أداء مسرحيًا متميزًا يؤكد على وجود مواهب حقيقية كما أنها خضعت لتدريب جيد جدًا، حيث خصص لكل منهم بجانب الأداء الجماعي أداءات فردية حيث يعانون العنف الذي مورس عليهم ويمارسونه في ذات الوقت فاستعرضوا فيها صورًا من هذا العنف الذي حولهم إلى كائنات عنيفة أيضًا، ولم يختاروا مجتمعًا بعينه بل عبروا عن معاناة كل سكان الأرض، بعرض نماذج أخرى من معاناة البشر تمثلت في الحروب والدمار التي أصابت العالم، الإرهاب، الإعلام المضلل، كذلك قضايا المرأة الكثيرة التي أكثرها شيوعًا التحرش، الاغتصاب، المشكلات الزوجية واضطهاد المجتمع للمرأة خاصة المطلقة. كما تعرض أيضا لمجموعة من الممارسات والسلوكيات السلبية التي نمارسها منها: الوصولية التملق، قتل الأحلام والأمنيات، انعدام القيمة، رفض الحب الذي يتعارض مع النظام والنجاح.
استخدم المخرج نظرية كسر الحائط الرابع المعروفة بنظرية كسر الإيهام البريختي، بأن جعل المسرح دون كواليس وكأنه يقول بشكل عملي أمام الجمهور «يلا نلعب مسرح»، وهذا ما أكد عليه مخرج العرض في كلمته: «لسنا بحاجة إلى طائرة بجهاز تحكم لنلعب، نستطيع أن نلعب فقط بدمية مصنوعة باليد، وهو ما أكدته أيضا بساطة الديكور والإكسسوارات المستخدمة، ومن ثم فقد تم استبدال الملابس والإكسسوار على الخشبة، كذلك تبادل الأدوار ولعب كل ممثل لأكثر من شخصية، وتتميز هذه الطريقة بجعل المتلقي مشاركًا في اللعبة، كما أنه استخدم الرمزية أيضا في أغلب المشاهد ليؤكد على العبارة الشهيرة لأحمد زكي: «كلنا فاسدون».
لم يكن العرض مجرد لعبة مسرحية فحسب وإنما عقلية أيضا تدعو للتفكر والتدبر بطرح مجموعة من التساؤلات وإن لم يكن بشكل مباشر، لكنه جعل المتلقي ينشغل بها وبمحاولة الإجابة عليها، منها: هل كان قابيل مجرد مجرم قتل أخاه، أم أنه مخطئ تواب حيث قام بدفن شقيقه؟ هل مارس مشاعر الحب أم أن قلبه لم يعرف سوى الحقد والكراهية؟ هل نحن نعبد الله خوفًا منه أم حبًا فيه؟ وهذا التساؤل تحديدًا جاء من خلال أداء أكثر من رائع لمي الجابري، حيث عبرت عنه بمنتهى الصدق الذي جعل المتلقين ينهمرون في البكاء، وجاءت الإجابة من المسيحية بمقولة «الله محبة»، وكأن صناع العمل أرادوا بهذه المعالجة التأكيد على تكامل الأديان وليس اختلافها.
الموسيقى التي وضعها محمد «إكس»، وأيضا الإضاءة المستخدمة خاصة الليزر والألترا، تم توظيفها بشكل أكثر من رائع حيث عبرت ليس عن الصراع الدائر حولنا فحسب بل الصراع الذي يدور بداخلنا، وقد وضعها محمود الحسيني «كاچو» بحرفية عالية جدًا، كما أن الدراما الحركية والاستعراضات التي صممها يوسف مصطفى من أهم العناصر وأكثرها تعبيرًا عن الحالة الدرامية، كما أن الديكور الذي صممه عبد الحميد عماد جاء في منتهى البساطة معبرًا عن تلك المتاهة التي تنتابنا جميعًا في رحلتنا للبحث عن الحقيقة، وخراب العقول إن لم تصل وتهتدي من الضلال.
اتسم المكياج الذي نفذته مي الجابري وقصات الشعر والملابس التي صممها أحمد شربيني بالغرائبية والتشويه، فاجتمعت كل العناصر المكونة للفرجة المسرحية وتكاملت لتحقيق هدف واحد هو التعبير عن الذات الممزقة.


نور الهدى عبد المنعم