هل ينجح البطل «الملك لير» فى تجسيد الشخصية المعقدة؟

هل ينجح البطل «الملك لير» فى  تجسيد الشخصية المعقدة؟

العدد 848 صدر بتاريخ 27نوفمبر2023

 يرى عدد كبير من النقاد أن  شخصية الملك لير من اشهر الشخصيات وأكثرها تعقيدا  فى أدب شاعر الانجليزية الأول وليم شكسبير. ويرجع ذلك إلى  المشاعر المتعددة المضطربة التى تسيطر عليها خلال مسار المسرحية مما يجعل من الصعب تجسيدها . 
 اجاد عدد من الممثلين الإنجليز والأمريكيين تجسيد تلك الشخصية على المسرح منذ عصر شكسبير نفسه (1564- 1616). وفى العصر الحديث جسدها عدد كبير  من الممثلين منهم “بوب سكوفيلد” و”ايان ماكلين”. واحيانا بسبب التعقيد البالغ للشخصية كان يجسدها العنصر النسائى مثلما هو الحال مع “جليندا جاكسون” التى رحلت إلى العالم الأخر فى يونيو الماضى عن 87 عاما وجسدت الشخصية وهى فى الثمانين وكانت عضوا سابقا فى مجلس العموم البريطانى.  ونجح هؤلاء الثلاثة وغيرهم  فى تجسيد الحاكم الذى لا يمكن التنبؤ به على حد تعبير ناقد الجارديان البريطانية. 
من هنا يتساءل نقاد المسرح فى بريطانيا عن العرض القادم لمسرحية الملك لير الذى يجسد شخصيته  فيه “كينيث برانا” (62 سنة ) وسيكون هو أيضا مخرج العرض. هل سيكون برانا على قدر التحدى فى تجسيد تلك الشخصية وهو أمر يشبه صعود قمة افرست  المسرحية على حد تعبير الناقد.

اعتقاد خاطئ
يرد برانا بنفسه على هذا السؤال فيرى انه لااساس  لهذا الاعتقاد الذى يراه خاطئا . ذلك أن الملك لير  شخصية بسيطة تعبر عن شخصية الإنسان العادى. ويستشهد بمقولة اطلقها فى القرن التاسع عشر الممثل الأمريكي ادوين فورست (1806- 1872) وهو واحد من اشهر من جسدوا تلك الشخصية. 
يقول فورست ..لقد جسدت شخصيات شكسبير كلها ...هاملت وعطيل وماكبث  وشيلوك (تاجر البندقية) فلم أجد أسهل من شخصية الملك لير لأنه شخصية توجد داخل كل واحد منا. 
واكد على نفس المعنى السير لورنس اوليفيه (1907 -1989) عميد المسرح البريطانى الذى تم اطلاق اسمه على اهم جوائز المسرح البريطانى ..أنا الملك لير ...فهو مجرد شخص غبى.
ويقول أيضا أنه سأل توم كورتنى (86 سنة) عن الطريقة التى استطاع التعايش بها مع شخصية الملك لير فقال أن التعايش معها كان أسهل وأكثر مرحا من التعايش مع شخصية هاملت.

أكثر من 40 عرضا
 ويمضى قائلا انه اقدم على تجسيد تلك الشخصية بعد أن شاهد اكثر من 40 عرضا لمسرحية الملك لير وتعرف على نواحى الضعف والقوة فى كل منها ليستفيد منها فى إخراج المسرحية. وكانت منها عروض بلغات غير الانجليزية . وكان بعضها معالجات بأشكال مختلفة كما سنرى فيما بعد.  وكان بعضها على المسرح والبعض شاهده فى تسجيلات لأنها عروض قدمت قبل مولده أو عندما كان طفلا .وعموما كانت كلها عروض على قدر كبير أو مناسب من الجودة باستثناء عرضين فقط. 
كان الأول هو العرض الذى قدمه “تشارلز ليوتون” عام     قبل مولده بعامين 1958.  اجتمعت لهذا العرض عدد من عوامل الجودة لكنها ضاعت جميعا بسبب ضعف اصوات بعض الممثلين عكس ما هو مطلوب  لطبيعة العرض كما هو الحال مع  شخصية أحد معاونى الملك لير.
وهناك عرض عام 1999 فى اليابان حيث جسد شخصية الملك لير الممثل اليابانى” يوكيو نيناجاوا” وكان صوته ضعيفا لا يناسب موجات الغضب التى كانت تنتاب الملك لير. 

عروض ناجحة
وعلى العكس كان هناك بعض الممثلين حققوا درجة عالية من النجاح ساهمت فى زيادة فهمه للنص مثل “بول سكوفيلد” الذى جسد الشخصية عام  1962 . كان أداء سكوفيلد يتميز بالبعد عن محاولة استدرار عطف المشاهد رغم انه حصل عليه فى نهاية  العرض رغم قوة صوته ونجح فى اقناع المشاهد بأن من حقه معاقبة بناته اللاتى أسأن إليه. 
ومن العروض التى استفاد منها  عرض جون وودز فى 1990 فإذا كان سكوفيلد  قد أبرز الجانب  العاطفي من الشخصية ، فإن أداء جون وودز، كان رائدًا بنفس القدر. ما تعلمناه هو أنه لم يكن هناك تقدم خطي بسيط في لير تؤدي فيه الحماقة إلى الجنون ومن ثم إلى التجديد الأخلاقي: كان جوهر وود لير هو أنه عاش في حالة دائمة من الفصام الروحي. صرخ في وجه كورديليا: “من الأفضل ألا تكوني قد ولدتِ”، لكنه اختنق بعد ذلك، ولم يتمكن من إكمال الجملة.  و سارع فجأة ليمنحها عناقًا أبويًا حميما.   ولكن قبل كل شيء، ذكّرنا وود بأن دور الملك لير، والمسرحية نفسها، عبارة عن تناقض لا نهاية له..

عمق إنساني
  عندما لعب إيان ماكيلين الدور في إنتاج تريفور نان عام 2007، أظهر لنا، تمامًا كما فعل في أول نجاح كبير له في ريتشارد الثاني، أن لير ينتقل إلى شخصية ذات عمق انسانى بدلا من كونه مجرد ملك وأب . 
ولم يسلط سيمون راسل بيل،  فى العرض الذى أخرجه سام مينديز فى عام 2014، الضوء على تناقضات الشخصية فحسب بل سلط الضوء أيضًا على الكوميديا الجامحة مثلما حدث فى مشهد الكوخ وهو يتجول في ملابسه الداخلية،  
و بعد مرور عام، أظهر “باري روتر”، في إنتاج جوناثان ميلر الذي لا يُنسى أن الملك لير  شخصية  متجذرة في صراع داخلي يتوسع تدريجيًا فقط إلى استعارة لأزمة عالمية: كان لير روتر قبل كل شيء أبًا ضالًا، حتى أنه كان تقسيم المملكة شأنًا عائليًا حميمًا.

الملكة لير
 وكان دور لير يتجاوز الجنس. لعبت كاترين هانتر الدور مرتين بعد أن تحول الملك لير إلى ملكة وليس ملكا. رأيت أول مسرحية في ليستر هايماركت عام 1997 حيث أصبحت المسرحية خيالًا لامرأة تحتضر تعبر عن كل أفكارها حول جحود الأبناء والقسوة الكونية:   أعطتنا هانتر جوهر لير.
لم تكن “جليندا جاكسون” أقل إثارة للدهشة في إنتاج ديبورا وارنر لعام 2016 على مسرح . بصفتها سياسيًة سابقة أكدت جاكسون بشكل مفهوم على غضب لير من الظلم الدنيوي، لكنه أبرز أيضًا ببراعة تقلب الشخصية وضلالها وتآكل الانقسام بين العقل والجنون.   وكانت في الثمانين من عمرها عندما لعبت الدور، كانت قدرتها على التحمل رائعة. لكن أداء جاكسون أكد شيئًا اكتشفته من حياة لير: أنه عندما يتخلص الممثلون من كل الأفكار الأسطورية والضخمة ويستخدمون تجربتهم الحياتية ليقدموا   إنسانًا يمكن التعرف عليه، فإن دور لير يصبح  دورا قابلا للتجسد الرائع وبسهولة تبعث على الدهشة.


ترجمة هشام عبد الرءوف