السعيد منسي: على الفنان ألا يكف عن التجريب

السعيد منسي: على الفنان ألا يكف عن التجريب

العدد 846 صدر بتاريخ 13نوفمبر2023

المخرج السعيد منسي، إصرار على السعي مستمر، تنوعت أعماله بين المسرح العالمي والعربي وتميز بالغوص في أعماق المجتمع ومعالجتها في إطار فني يتميز بمدرسة مسرحية لها طابع خاص ومنظور مختلف، القائمة متنوعة لأعماله:  الحب في زمن الكوليرا، هاملت، حلم ليلة صيف، العمى، القروش الثلاثة، يوتيرن، والعديد من الأعمال.. أجرينا حواراً مع المخرج سعيد منسي للتعرف على  مشواره المسرحي وتجربته الجديدة «توتة توتة» التي يقدمها ضمن مبادرة «ولد هنا» مع فرقة مسرح المواجهة والتجوال.
- ولأن لكل حدوتة بداية فقد أردت في البداية أن أعرف متى اكتشف سعيد منسي خريج كلية التجارة جامعة المنصورة موهبته الفنية ؟
 اكتشفتها بالصدفة، من خلال مسرح الجامعة الذي شاركت فيه بالصدفة، فقد كانت المشاركة هي الحل الوحيد لبقائي بكلية التجارة حيث أنني كنت أحضر المسرح أكثر من حضوري للمحاضرات، وفي الحقيقة كانت أفضل صدفة بحياتي  أني تدربت على يد المخرج الراحل سلامة حسن الذي حببني في الإخراج دون أن يشعر.

- ما الذي أضافته مدرسة سلامة حسن للطالب سعيد منسي؟
أضافت لي الكثير، فقد جعلتني أهتم بكل تفصيلة في أي عرض أقدمه، وأعطتني خبرة في إدارة فريق العرض بأكمله سواء فريق التمثيل أو الفريق الذي يعمل خلف الكواليس، كل هذا حوّل الطالب سعيد المنسي إلي المخرج سعيد منسي، وهذا ما دفعني لتقديم عروض مسرحية عالمية عديدة مثل هاملت، حلم ليلة صيف، دائرة الطباشير القوقازية، البيت الذي شيده سويفت والكثير من العروض. 

- كيف استطعت تحويل تلك النصوص إلي مسرح يلائم البيئة المصرية؟
 لقد اخترت أكثر الأعمال العالمية التي تلائم البيئة المصرية، وقمت بعمل إعداد لها لكي تقترب أكثر وأكثر من المشاهد المصري، كما أنني في أحيان كثيرة أعتمد على نفسي في صياغة الأعمال المسرحية العالمية لأني مهتم بوضع خيالي ورؤيتي الخاصة على الورق.

- ماذا تقصد برؤيتك الخاصة ؟ 
مثلاً عندما قدمت مسرحية الملك لير بدأت بمشهد العاصفة، وعندما قدمت هاملت دمجت بين هاملت ومكبث في مسرحية واحدة، كما قمت بدمج نصين شهيرين هما بيت دمية والبطة البرية لهنرك إبسن وأطلقت على المسرحية اسم الدمية البرية. 

-هل ما قمت به من تجريب كان على مستوي النص فقط؟ 
أبداً، في بعض الأحيان أحتاج إلي ضخ دماء جديدة في فكرة الإعداد، فمثلاً استعنت بمينا بيباوي لكي يقوم بإعداد مسرحية الحب في زمن الكوليرا، وبفضله استطاع العرض أن يحصل على أفضل دراماتورجي وأول قومي.

-من خلال مراقبتك ..هل ظهرت مدارس مسرحية جديدة في الحياة الفنية أم أن المدارس المسرحية تكرر نفسها ولا تتغير؟
عندما كنت طالباً بالتجارة قدمت عرضاً مسرحياً، ومن خلال هذا العرض التقيت بالمخرج الكبير حسام الدين صلاح، وفي عام 2003 عملت معه كمساعد مخرج في عرض ( رابعة زهرة العاشقين ) كان مؤمناً بمقولة مهمة وهي «القاعدة في الفن أنه لاتوجد قاعدة»  بمعنى أنه يجب عليك معرفة كل الأشكال والاتجاهات والمدارس الفنية المسرحية سواء المدرسة العبثية أو التعبيرية أو الرمزية أو الواقعية أو حتى الطبيعية، كل هذا قد تولد نتيجة تفكير وثقافة وإبداع، ولأنه يأتي من إبداع فالإبداع يستطيع خلق الجديد دائما، وبالطبع نحن نعرف أن الإنسان يسعى دائما للمعرفة وحينما يتعرف على المدارس أو القواعد المسرحية يقوم بكسرها لأن الإنسان بطبعه متمرد ويحاول أن يتجرأ على القواعد ولكن بدراسة ووعي وثقافة ووجهة نظر، وألا يصبح الوضع فيه نوعاً من الفوضى

أي من المدارس الفنية الأقرب لسعيد منسي؟
جميعهم، لسبب بسيط هو أنني أفضل دائما التنوع، ففي فترة أعتمد على التجريد في عروضي، وفي فترة أخرى اتجهت لبريخت والمسرح الملحمي وقدمت عرض دائرة الطباشير القوقازية وعرض القروش الثلاثة الذي فاز بجائزة إبداع بمهرجان إبداع وجائزة المهرجان القومي عام 2016، وهناك عدة عروض قدمتها تعتمد على المنهج الملحمي وكسر الحائط الرابع، ويمكن القول أنني تأثرت بمنهج بريخت لفترة طويلة، وبدأت أتجه أكثر للحالات الإنسانية عن طريق تقديم عرض العمى، وعرض المنفى

-هذا التنقل بين الاتجاهات والمدارس هل يعني انك فنان مغامر؟
فعلا، هذا  التنوع جعلني أتمتع بروح المغامرة، فالفن مغامرة ويجب على كل فنان المغامرة والتجربة والتنوع.

شاركت في دورات متعددة لمهرجان المسرح القومي ..ما أكثر الدورات التي واجهت فيها صعوبات؟
شاركت في عشر دورات من مهرجان المسرح القومي، وخلال تلك الدورات واجهت مشكلات عديدة أهمها العمل مع فرق مغتربة، ففكرة السفر والتنقل والإقامة كانت عقبة أمامي، ولكني استطعت أن أتغلب على هذه العقبة. كانت الدورة الأولى تحديداً من من أكثر الدورات صعوبة بالنسبة لي لسببين: الاول هو مشاركة عروض ضخمة لمخرجين كبار مثل أهلاً يابكوات للمخرج الكبير عصام السيد، وعرض الملك هو الملك للمخرج الكبير مراد منير، والعديد من العروض الكبيرة، والسبب الثاني أن لجنة التحكيم كانت مكونة من الفنان الكبير محمود ياسين، الاستاذ الكبير سعد أردش، الفنان راجح داوود، الفنان يسري الجندي، والكثير من الأسماء الكبيرة التي جعلتنا نشعر بالخوف والارتباك، كنا دائما نسعى لأن نقدم أفضل ما لدينا، وعموماً المشاركة في المهرجان القومي هو شرف كبير لي سواء حصلت على جوائز أو لم أحصل.

من خلال مشاركاتك في المهرجان القومي نود أن نعرف أيضاً أكثر الدورات الممتعة للمخرج سعيد منسي؟
أكثر الدورات التي استمتعت جداً بالعمل فيها، الدورتان التي حصلت فيهما على جائزة أفضل عرض وذلك عن عرض القروش الثلاثة عام 2016، وعرض الحب في زمن الكوليرا عام 2022

- بالتأكيد لديك انطباعات لاتنسي حول العرض الحائز على جائزة أفضل عرض عام 2022 (الحب في زمن الكوليرا)  ترى ما الذي تذكره من انطباعات حول عروضك المختلفة؟
يقيناً،  عرض (الحب في زمن الكوليرا) هو من أقرب العروض لي، حيث قدمت العرض على خشبة مسرح الطليعة، المسرح الأحب لي، على ذلك المسرح قدمت عدة عروض، أنتجها مسرح الطليعة ومنها عرض (يوتيرن) في الوقت الذي كان الفنان شادي سرور مديراً للمسرح وقدمت الحب في زمن الكوليرا في وقت الفنان عادل حسان ، كما قدمت عروضا أخرى من ضمن القومي مثل عرض القروش الثلاثة، وعرض المنفى، وبالإضافة إلي عرض الكهف، وحبي لهذا المكان كان سببا في نجاح عرض الحب في زمن الكوليرا، كما وجدت في فريق العمل روح الانسجام والتفاهم والتفاؤل، بالإضافة إلي براعتهم، وكل هذه الأشياء تستطيع أن ترفع مكانة أي عرض مسرحي، وكنت سعيد جداً بالعمل مع شباب موهوبين من المعهد العالي للفنون المسرحية، وكنت سعيدا أيضاً بالعمل مع الملحن الكبير وليد الشهاوي، ومهندس الديكور مينا رضا، والدراماتورجي مينا بيباوي، وفريق العمل ككل، وأتمنى العمل معهم مرة أخرى.

قدمت عروضا بمسارح البيت الفني وقصور الثقافة ومسارح الجامعات، ما الفرق بين هؤلاء المسارح ؟ 
تتميز مسارح البيت الفني للمسرح بتقديم عروض لفنانين محترفين ولديهم خبرة أكثر، وهذا ما يجعل الإنتاج أعلى، مسارح قصور الثقافة وجودها مهم جدا، خاصة لأبناء المحافظات الأخرى، حيث أن بإمكانها أن تدخل كل مدينة وقرية، وهذا هو المطلوب «مخاطبة أبناء محافظات مصر»، بينما يمكن اعتبار مسرح الجامعات  منطلقا للموهوبين الجدد، حيث يستطيع أن يخرج المواهب لكل المجالات سواء في السينما أو التلفزيون، ولكن في النهاية المسرح يعتمد على جمهور، وطالما يوجد جمهور أذاً يوجد مسرح بعيداً عن أية مسميات

-دعنا ننتقل إلي المبادرة المميزة التي شاركت فيها، مبادرة  «ولد هنا» التي أطلقتها وزارة الثقافة، ماهو الهدف من هذه المبادرة ؟ 
مبادرة «ولد هنا» هدفها الأساسي إلقاء الضوء على شخصيات مهمة كان لها دور في صنع التاريخ، شخصيات سعت وراء أحلامها، وتمكنت من تخليد أسماءها مثل نعيمة الأيوبي، ونبوية موسى، أحمد لطفي السيد، مصطفى مشرفة، والكثير من النماذج التي تربت في قرى بسيطة، أعتقد أن هذه الشخصيات بالنسبة للجيل الحالي شخصيات مجهولة، وهذ ما دفعنا الي إلقاء الضوء عليهم حتى يتمكن الجيل الحالي من التعرف على الشخصيات التي أنارت الطريق لمستقبل مصر.

-عرض «توتة توتة» مقدم ضمن مبادرة «ولد هنا» حدثنا عنه  وعن فرقة مسرح المواجهة والتجوال؟
مسرح المواجهة والتجوال هدفه الأساسي مخاطبة جمهور القرى والمدن البعيدة عن القاهرة، فلابد من مخاطبة هذا الجمهور بلغة بسيطة وسهلة ومباشرة، وهذا ما تحقق في عرض توتة توتة، لأنه عرض غنائي راقص يتميز بالبساطة، جمهور القرى والمدن البعيدة عن القاهرة دائما يشعرون بالسعادة والفرح عندما يشاهدون عرضاً لذا يجب الوصول إليهم بشكل يناسبهم.

-هل اختلفت تجربتك في فرقة مسرح المواجهة والتجوال عن تجربتك في المسارح الأخرى؟
المسرح هو المسرح، بمعني أن المسرح يبقى كما هو بكواليسه وبفريق العمل، فالشباب الموهوب نجدهم في كل المسارح سواء مسرح البيت الفني للمسرح أو قصور الثقافة أو مسرح الجامعات أو مسرح المواجهة والتجوال، ولكن أعتقد أن فرقة مسرح المواجهة والتجوال مسؤوليته أكبر نظراً لمخاطبة جمهور مختلف عن جمهور القاهرة، وهذا ما يجعلني أعتقد أنها تجربة مهمة جدا ومختلفة، وفخور بتقديمي لهذه النوعية من العروض المتجولة.

-متى ستبدأ خطة السفر إلي المحافظات لعرض توتة توتة؟
ستبدأ خطة السفر لمحافظات الوجه البحري في ديسمبر القادم، وهناك جزء ثان لمدن القناة سيقدمه صديقنا المخرج سعيد سليمان، ويليه جزء ثالث بالصعيد يقدمه الأستاذ محمد الشرقاوي.


نادين فتح الله