«موت إنجلترا».. مسرحية تناقش مشاكل إنجلترا من خلال كرة القدم

«موت إنجلترا».. مسرحية تناقش مشاكل إنجلترا من خلال كرة القدم

العدد 838 صدر بتاريخ 18سبتمبر2023

يمكن للمبدع فى الدراما – سواء فى المسرح أو غيره – أن يختار حدثا محدودا ليعالجه ويتناول من خلاله حدثا اكبر. والامثلة على ذلك عديدة فى عالم المسرح نتحدث اليوم عن واحد منها.
انها مسرحية “موت انجلترا” التى بدأت عرضا جديدا لها فى مسرح ناشيونال بلندن يستمر لمدة شهرين. ويأتى ذلك بعد النجاح الذى حققته المسرحية منذ عرضت لاول مرة. ويلاحظ هنا أن المسرحية تستخدم اسم انجلترا وليس بريطانيا.
وكانت هناك عدة اسباب  وراء نجاح تلك المسرحية التى اشترك فى كتابتها اثنان من كبار الكتاب المسرحيين فى بريطانيا – وهما ايضا ممثلان ومخرجان مسرحيان – وهما “كلينت داير” (وهو من السود ولذلك اهميته كما سنرى فيما بعد) و”روى ويليامز”. منها طرافة الفكرة ومعالجتها برؤية كوميدية. 
 وبعبارة اكثر تحديدا كانت   الزاوية التى اختارها الكاتبان لمناقشة مشاكل بريطانيا هى  مشاركة المنتخب الانجليزى فى بطولة كأس العالم التى اقيمت فى البرازيل عام 2014.  
جنازة
وفى ذلك يقول كلينت داير انه اتفق مع زميله روى ويليامز على اختيار هذا المحور بالذات كان له قصة طريفة.  كان ويليامز يقترح أن يكون محور المعالجة جنازة للتلميح الى المخاطر التى تواجه انجلترا وتهددها بالانهيار. لكنه اختار محور كأس العالم  بعد مراجعة   الاداء الضعيف للمنتخب الانجليزى فى البرازيل  الذى كان “جنائزيا”على حد تعبيره. ورأى أن تكون كرة القدم فكرة مناسبة لانها من المجالات التى كانت انجلترا رائدة العالم فيها – بل ولدت اللعبة فيها – ثم تراجعت ريادتها. ولم يتم فى الوقت نفسه استبعاد فكرة الجنازة للتعبير عن الالم الذى يشعر به الانجليز من جراء هذا التراجع فى مجالات عديدة.
وتدور احداث المسرحية حول شخصية مايكل فليتشر – يجسد شخصيته هذه المرة  رافى سبال - الذى يعمل بائعا فى محل ابيه لبيع الزهور ويتعاطى المخدرات والكحوليات. ويموت ابوه الذى كان من عشاق المنتخب الانجليزى بعد اصابته بأزمة قلبية بسبب سوء اداء المنتخب فى كأس العالم  بالبرازيل. ويناقش العرض المسرحى   بعض مشاكل المجتمع البريطانى  من خلال تسليط  الاضواء على  حياة هذا الشاب واصدقائه واسرته وطباعه – مثل نزعاته العنصرية - خلال الاعداد لجنازة الاب . ويتم ذلك فى العرض باسلوب كوميدى  ساهم فى جذب الجماهير.  

اختصار
وكان الاثنان قد اكتشفا أن العرض بالصورة التى يعدانها يستغرق اربع ساعات. واكتشفا أن هذه الفترة الطويلة يمكن أن تضعف من تاثير العمل وتضيع فكرته الأساسية. هنا اضطرا الى اختصاره عدة مرات حتى اصبح يقدم فى ساعتين. 
وكانا يدرسان تحويلها الى مسرحية من مسرحيات الممثل الواحد لكنهما تراجعا عن الفكرة لنفس السبب رغم وجود عدد لا بأس به من الممثلين فى  القادرين على تجسيد مسرحيات الشخص الواحد فى بريطانيا ويتمتعون بقدرة عالية على التفاعل مع الجمهور وهو امر له اهمية كبيرة فى مسرحيات الممثل الواحد. كما تم   فى الوقت نفسه  زيادة  عدد الشخصيات الى اكبر عدد ممكن لاكساب العرض نوعا من الحيوية دون التغطية على فكرته الاصلية.
ويضيف انه كان سعيد الحظ  فى التواصل مع رافى سبال (40 سنة ) لتجسيد الشخصية لانه ممثل مسرحى موهوب ويتمتع بلياقة بدنية ونفسية هائلة تساعده على التنقل بين المواقع الانفعالية المختلفة بسرعة وكفاءة عالية. وظهر ذلك فى مشاهد جنازة الاب التى حضرها وهو تحت تأثير الخمر. 
ويقول انه يؤمن بأن العمل الجيد يفرض نفسه. والدليل على ذلك انه تم افتتاح العرض الاول للمسرحية وسط اجراءات الوقاية من كورونا فى 20 20 . وكانت هناك مخاوف من انصراف الجمهور عن المسرحية مثلما انصرف فى حينها عن مسرحيات عديدة ،لكن الاقبال كان رائعا. 

حقوق السود
ويقول أن هناك سببا اخر وراء كتابته لهذه المسرحية. السبب خاص بالسود من ابناء بريطانيا الذين يتعرضون لممارسات عرقية عديدة من عدد من البيض ويتعاملون معهم كغرباء أو دخلاء .هذا بينما وجدناهم يرحبون بالمهاجرين الاوكران لمجرد انهم اصحاب بشرة بيضاء وعيون زرقاء رغم ما سببوه من مشاكل فى بريطانيا تتداولها الصحف يوميا. ويأتى ذلك أيضا  رغم أن غالبيتهم ولدوا فى بريطانيا ولا يعرفون لهم وطنا سواها ويدينون لها بالولاء.   ورغم أن اباءهم جاءوا بالتأكيد من دول اخرى لكنهم استقروا وتزوجوا وانجبوا اولادا بريطانيين يعتزون بانتمائهم لهذا البلد. وظل لفترة مترددا فى إعداد هذا النص المسرحى لعدة سنوات حتى ظهرت الحركة الجديدة المعروفة باسم “حياة السود مهمة” التى نشأت فى الولايات المتحدة وانتشرت الى العديد من دول الغرب احتجاجا على ما يتعرض له السود فى تلك البلاد من اضطهاد يصل احيانا الى القتل.
وهنا قرر كتابة المسرحية والاشراف على إخراجها خاصة بعد أن  تعرض هو نفسه لعدة مواقف. كان اخرها منذ شهر عندما ألقت الشرطة القبض عليه فى مصعد مترو الأنفاق دون سبب واحتجزته لبعض الوقت رغم انه معروف الى حد كبير ثم اطلقت سراحه دون كلمة اعتذار واحدة.  وكل ذلك تعرض له وهو فنان مشهور لمجرد انه اسود ويمكن أن يلقى هذه المعاملة اى شاب اسود يسير فى شوارع بريطانيا.
فى هذا النص المسرحى اراد أن يؤكد أن الأسود مواطن بريطانى كغيره يعتز بالانتماء الى بريطانيا كأى مواطن ابيض أو من عرقية اخرى وانه مصر على الكفاح حتى يحقق هذا الهدف المشروع.  
صمت وهدوء
وفى النهاية يطلب داير من الجماهير التزام الصمت اثناء العرض والامتناع عن اى تصرفات أو اصوات يمكن أن تخرج الممثلين عن تركيزهم وهى ظاهرة استشرت فى مسارح بريطانيا فى السنوات الاخيرة.
ويضرب مثلا  بما حدث فى احد مسارح مدينة دنفر عاصمة ولاية كلورادو الامريكية. حدث الموقف مع لورين بويبرت العضو الشابة فى  مجلس النواب الامريكى عن الولاية وعن الحزب الجمهورى.   
كانت بويبرت (36 سنة) تحضر مع اصدقائها  عرضا مسرحيا بعنوان “عصير الخنافس “ فى احد مسارح دنفر عندما أخذت تتكلم مع اصدقائها وتستخدم هاتفها المحمول وتدخن رغم أن ذلك ممنوع فى العروض المسرحية. 
وحذرها الحاضرون مرتين فكانت تصمت وتتوقف عن التدخين لدقائق ثم تعود الى ما كانت عليه. وهنا قام احد الحاضرين باستدعاء المسئولين عن امن المسرح الذن حضروا الى الصالة واصروا على طرد بويبرت واصدقائها واصطحبوها الى الخارج  ورفضوا قبول اى عذر أو الاقتناع بتعهدها بالتزام الصمت.
وخرجت بويبرت واضطرت فى اليوم التالى الى الاعتذار لادارة المسرح عما بدر منها ومن اصدقائها  بعد أن اكتشفت أن شخصا ما بث مشهد الطرد على مواقع التواصل   ما يسبب لها مشاكل .


ترجمة هشام عبد الرءوف