حقوق المؤلف وحقوق القراء أيضا!

حقوق المؤلف   وحقوق القراء أيضا!

العدد 704 صدر بتاريخ 22فبراير2021

يعلم كل المعنيين بالشأن الثقافي بما للترجمة من فضل على ثقافتنا المعاصرة عموماً، ومسرحنا خصوصاً، سواء في بداياته الأولى، أو خلال مراحل تطوره وازدهاره. كما يعرفون مساهمة المترجمين الأوائل في نقل إبداعات الغرب الى الثقافة العربية، ونقل بعض إبداعات الثقافة العربية الى لغات العالم،  وأثروا بترجماتهم مسيرة المسرح العربي. وأثروا المكتبة العربية بروائع المسرح العالمي من نصوص، الى جانب الدراسات المسرحية. ومع ازدهار الطباعة والنشر  كان لهذه الترجمات مردودها ومحصولها الثقافي المهم. والأمثلة على ذلك كثيرة، و نذكر منها مثلاً أثر مسرحيات العبث، التي ترجمت ونشرت بكثافة  في الستينيات - في تكوين أغلب كتاب تلك المرحلة.
في مجال النص المسرحي، تًرجمت عشرات النصوص المسرحية بشكل فردي، ثم صدرت بداية من نهاية الخمسينيات العديد من السلاسل تحت مسميات عديدة ، نذكر منها:  (من أدب المسرح) عن مكتبة الأنجلو المصرية (1957) ، والتي يشير د. سيد علي إسماعيل الى أنها أول سلسلة للنصوص المسرحية  ، ثم (مكتبة الفنون الدرامية) عام 1958 عن مكتبة مصر بالفجالة، ثم (روائع المسرح العالمي) ، ثم (مسرحيات عالمية) عن وزارة الثقافة وأخيراً سلسلة (من المسرح العالمي) التي صدرت بالكويت عام 1969 . وبعد التنافس بين سلاسل  عديدة تضاءلت هذه الجهود الى أدنى حد، ولم يبق من كل هذا سوى سلسلة (من المسرح العالمي) التي لا تزال تصدر حتى الآن من الكويت، الى جانب بعض جهود إعادة طباعة ما سبق نشره.
ومنذ التسعينيات ولعقدين من الزمن، وفر مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، مثالاً لا حصراً،  منصة رائعة لنشر الكتاب المسرحي المترجم خاصة، ، حيث تمت ترجمة عشرات الكتب الهامة والجديدة من نصوص ودراسات، وواصل المهرجان نفس السياسة عندما عاود انطلاقه، ولكن بزخم أقل.
ولكن مع بدايات الألفية الثالثة ، والالتزام التام بتطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية في كثير من دول العالم، أصبحت دور النشر عموماً تتجنب الكتاب المترجم ، نظراً لما تتكبده دور النشر من مبالغ تنفقها نظير الحصول على حقوق الترجمة. بالإضافة الى أن دور النشر العالمية لا تتعامل مع المترجمين مباشرة ، بل تفضل التعامل مع دار النشر لضمان حقوقها.
وبدأ التحايل على هذه المشكلة يأخذ صوراً  “كلسية” نلاحظ منها ترجمة نصوص قديمة وكتب قديمة عفا عليها الزمن فقط لأنه سقطت عنها حقوق الملكية الفكرية ، أو كما رأينا مؤخراً ترجمة  موسوعة مسرحية مر على صدورها بلغتها الأساسية عشرات السنوات.
باختصار، أقول انه في غياب استراتيجية واضحة لترجمة ونشر ومواكبة الإبداعات والدراسات المسرحية الجديدة في مجال المسرح والفنون، سينتهي بنا الحال الى قطيعة ثقافية، لأن الأجيال الجديدة  بحاجة دائمة الى التواصل والحوار المستمر مع الآخر بشتى السبل، ومن أهم هذه السبل  الترجمة.
ثمة حاجة ملحة لأن تبادر المؤسسة الثقافية الرسمية الى تبني مبادرة من هذا النوع، لأن الترجمة كما سبق أن ذكرت في موضع آخر- هي أداتنا الهامة للتواصل مع الآخر في هذه القرية الصغيرة، ولنتبين موضعنا وأين نقف في هذا العالم. وإهمالها في ظني هو فقدان للبوصلة، وانكفاء على الذات ومزيداً من العزلة والتراجع، والجمود. واذا كنا حريصين كل الحرص على الالتزام بحقوق المؤلف، فلا أقل من أن نحافظ على حقوق القراء أيضاً.


سباعي السيد