المسرح يواجه العدوان الروسى فى أوكرانيا

المسرح يواجه العدوان الروسى فى أوكرانيا

العدد 833 صدر بتاريخ 14أغسطس2023

ظاهرة  تلفت أنظار المتابعين لتطورات الأوضاع فى أوكرانيا. أنها إصرار الشعب الأوكرانى ... أو من بقى من أبناءه فى البلاد ولم يرحل تحت تأثير العدوان الروسى على أن يعيشوا حياتهم الطبيعية وأن ينخرطوا فى العمل والإنتاج والحياة نفسها. 
ظهر ذلك فى مجالات عديدة فى مقدمتها الزراعة حيث لا تزال أوكرانيا تصدر كميات كبيرة من الحبوب والأسمدة والمحاصيل الزيتية يمكن أن تصل إلى 18 مليون طن شهريا حسب الاتفاق الدولى المبرم.
وأنتجت أوكرانيا فى ظروف الحرب الألوف من طواحين الهواء لدعم مزارع الرياح بها لتوفير احتياجات سكانها من الكهرباء لمواجهة نقص البترول.

والفن أيضا
وطبيعى أن يمتد هذا الأمر إلى الفن. وهذا ما حدث قبل أيام فى دار الأوبرا الوطنية التاريخية  بمدينة  «لفيف»  كبرى مدن شرق أوكرانيا وسادس كبرى مدنها. وكان ذلك  رغم التطورات المتلاحقة التى تشهدها أوكرانيا وتصاعد الضربات الروسية للأهداف المدنية. 
رغم هذا الوضع المأساوى تم فى الموعد المقرر افتتاح المسرحية الغنائية الأوبرالية «الانتقام الرهيب» المأخوذة عن قصة للأديب الروسى جوجول (1809- 1852).
جرى الافتتاح وسط حراسة مشددة خوفا من أي هجوم روسى لتدمير هذا المعلم الثقافى الرائع الذى يعود إلى أسرة هبسبورج. وتتمتع هذه الأوبرا بشهرة واسعة كانت تجعلها وجهة مفضلة  لعشاق الفن والثقافة من كل أوروبا ومن خارجها قبل العدوان الروسى.
وبالطبع اقتصر الحضور على عشاق الثقافة من الأوكران الذين وقفوا قبل العرض دقيقة حدادا على الشهداء ثم انشدوا النشيد الوطنى الأوكرانى وقد وضعوا ايديهم على صدورهم.
وبعدها يطلب إلى الحاضرين إغلاق هواتفهم المحمولة وتم إرشادهم إلى الإجراءات الواجب اتباعها فى حالة وقوع عدوان روسى. 

سلاح المقاومة
وضع ألحان هذا العرض الموسيقار الأوكرانى «يفين ستانكوفيتش» (80 سنة) بعد بداية العدوان الروسى إيمانا منه بأن العدوان لا يجب أن يوقف الحياة الفنية فى أوكرانيا وأن الفن أحد أسلحة المقاومة الأوكرانية. وعرض هذه المسرحية يعد نوعا من التأكيد على الثقافة الأوكرانية المستقلة ومواجهة طغيان الثقافة الروسية. ولا يقلل من ذلك كون جوجول روسيا ،فقد كان يبدع أدبا إنسانيا لا يفرق بين روسى وغيره.  .  وهناك تاريخ طويل مشترك بين الروس والأوكران لم يحترمه قادة الكرملين وهم يشنون الحرب على أوكرانيا. 
وجرت بروفات المسرحية التى أخرجها المخرج الألماني «اندرياس فيريش» فى وقت كانت المدينة تشهد فيها اربع غارات يوميا فى المتوسط. وكان المشاركون فيها يحرصون على التواجد فى الموعد المحدد للبروفات رغم المخاطرة ورغم أن اثنين منهم قتلا فى الغارات وأصيب عدد أخر إصابات منعتهم من استكمال البروفات وتطوع أخرون للقتال ضد الروس. ولم تكن هناك مشكلة فى إيجاد البديل باعتبار أوكرانيا بلدا ولادة للمواهب.  وكانت البروفات تستمر حتى فى مخبأ أقيم بالمسرح بعد العدوان.
الساحر القاتل
وتدور أحداث القصة المأساوية التى نشرت عام  1832 ضمن مجموعة قصص قصيرة  حول حبيبين.. كاترينا ودانيلو  يرتبطان بقصة حب تنتهى بالزواج. ويحاول والدها الشرير  التفريق بينهما باستخدام السحر الأسود ليصل الأمر إلى قتل الزوج. ويحاول الزواج من الابنة بعد مقتل الزوج  وتكتشف الابنة أن أباها هو القاتل وتحاول قتله بسكين لكنه يأخذها منها ويقتلها بها. ويفر من جريمته  ليلتقى فى كييف برجل دين يطلب منه مساعدته فى أعمال السحر فيرفض فيقتله الأب. ويطارده أحد الفرسان من مطاردته فيسقط الأب القاتل أثناء المطاردة  فى هوة سحيقة  ليلقى مصرعه .
ويقول اندرياس أن البعض يتحدث عن المسرحية الغنائية ويشير إلى أن كثيرين رأوا فى شخصية الأب فى المسرحية إسقاطا على الرئيس الروسى بوتين. وطالب البعض بان يرتدى ممثل الشخصية قناع بوتين. لكنه رفض لان الفن لا يقبل هذا النوع من المباشرة ويجب ترك المشاهد يصل إلى الحقائق بنفسه من خلال أعمال عقله. ومن هنا كان يرفض الإجابة على أي سؤال يدور حول الشخصية الرئيسية. 
وفى ثالث ليالى العرض دوت  صافرات الإنذار فاندفع الممثلون والمشاهدون بنظام إلى مخبأ المسرح ثم عادوا بعد نصف ساعة ليستأنف العرض بشكل طبيعى.
وبسبب موقعها الأمن نسبيا صارت أوبرا لفيف بمثابة ملجأ امن لعدد من الفرق المسرحية التى ترغب فى عرض أعمالها. وهى فى الوقت نفسه واحدة من ست دور رئيسية للأوبرا فى أوكرانيا. ولا تزال خمس منها تحت السيطرة فى المناطق الخاضعة للحكومة الأوكرانية واحداها وهى أوبرا خاركيف دمرتها الغارات الروسية.  توجد السادسة فى مدينة دونتسك التى تحتلها القوات الروسية منذ 2014. وحافظت عليها القوات الروسية لتقيم عليها عروضا فنية تثبت من خلالها أن الحياة طبيعية فى  المناطق الخاضعة لاحتلالها.

من أجل أصحاب القدرات
   دعوة إلى التعاون معهم بدلا من السخرة
ميلز: كنت احلم بهذا الدور 
«أصحاب القدرات» هى العبارة التى وضعتها على تذاكر العرض الجديد  وعلى موقعها على الإنترنت إدارة مسرح جلوب المتخصص بشكل أساسي فى تقديم المسرحيات التراثية خاصة مسرحيات شكسبير. وضعت العبارة أيضا على لافتات العرض الجديد لمسرحية شكسبير الكوميدية «حلم ليلة صيف». كما بثت بيانا توضيحيا بنفس المعنى على موقع المسرح على شبكة الإنترنت.
أما السبب فهو التأكيد على سلامة نية إدارة المسرح وأنها لا تنوى إطلاقا الإساءة إلى أصحاب القدرات الخاصة أو السخرية منهم. وهى تتبع هذا الأسلوب مع عدد من العروض التى يمكن أن تتعرض لسوء الفهم مثل الاتجاهات العنصرية وكراهية النساء والدعوة للعنف وغيرها. 

هيرميا
وتدور أحداث المسرحية التى كتبها شكسبير فى بداية حياته الأدبية فى القرن 16 فى أثينا. وهى تحكى قصة أربعة من المحبين المصابين بأمراض نفسية عندما يتوهون فى غابة سحرية.
وبين هؤلاء الأربعة اثنتان هما الصديقتان هرميا وهيلينا. وتتمتع الصديقتان بقدر كبير من الجمال  لكنهما تختلفان فى أشياء عديدة منها الطول ولون الشعر والبشرة. 
وقالت الفرقة فى بيان لها أن الممثلة التى جسدت شخصية هيرميا هى فرانشيسكا ميلز (27 سنة) وهى تعانى نوعا شائعا من القزمية المصاحبة لها منذ الولادة يعرف باسم «اكوندروبلاسيا».  وعلى ذلك لا يمكن اعتبار تجسيدها لتلك الشخصية نوعا من إهانة لأصحاب الحالات الخاصة لأنها جسدتها فى عدد من الأعمال الفنية مثل مسرحية «ورزل كاميدج». 
  وأيدت  إدارة الفرقة الممثلة  فرانشيسكا ميلز  التى جسدت الشخصية نفسها فقالت أنها لم تكن لتقبل تجسيد الشخصية لو شعرت بانها تنطوى على إساءة لقصار القامة. وعلى العكس رحبت على الفور بتجسيد الشخصية لان تجسيدها كان حلما راودها طويلا وكانت تحلم بأن تجسدها على خشبة مسرح جلوب بالذات ...وها هو الحلم يتحقق.
ومضت قائلة أنها وجدت فى مشاركتها فى العمل فرصة للتنبيه إلى السخرية التى يتعرض لها قصار القامة فى الحياة العامة فى بريطانيا وغيرها.

نفس العبارات
وتمضى  قائلة أن العرض الجديد لم يدخل كلمات أو عبارات جديدة. استخدم نفس العبارات بتعديلات بسيطة  وبرؤية جديدة تقول أن قصار القامة يحتاجون إلى أن يقف المجتمع إلى جانبهم بدلا من السخرية منهم وجعلهم مثارا للضحك. ووردت معظم هذه الكلمات على لسان أبطال أخرين.
وساعد على ذلك المخرجة المسرحية الشابة المتمكنة «ال هوايل» التى تعاملت مع النص المسرحى كنص مسرحى صالح لكل الأوقات حتى بعد مرور اكثر من 400 سنة على كتابته.
وتقول مخرجة العرض أن استجابة الجمهور للعبارات التى دعت إلى مساندة قصار القامة كانت رائعة وجعلتها تطمئن إلى سلامة رؤيتها الإخراجية. فقد كان الجمهور منفعلا بالنداءات التى وردت على لسان الشخصية وهى تطلب معاملتها بالحب والاحترام. وساعدها على ذلك إسناد الشخصية لممثلة موهوبة مما جعل الجمهور يشيد بالعرض ويقع فى حبه على حد تعبيرها. 


ترجمة هشام عبد الرءوف