فرقة الجهاد الفني وفرق شبراوية أخرى

فرقة الجهاد الفني وفرق شبراوية أخرى

العدد 767 صدر بتاريخ 9مايو2022

كانت مفاجأة لي عندما قرأت عن فرقة الجهاد الفني، التي نشأت وظهرت وعرضت أغلب عروضها في شبرا. ومن الواضح أنها فرقة احترافية، تقيم حفلاتها لحسابها الخاص، أو لحساب بعض المدارس والجهات الأخرى المنتسبة إلى شارع شبرا!! وأول خبر عن تكوينها وإقامتها لحفلتها الأولى، نشرته مجلة «الصباح» في أبريل 1932، قائلة تحت عنوان «فرقة الجهاد الفني التمثيلية»: أقامت فرقة الجهاد الفني التمثيلية حفلتها الشهرية الأولى مساء الخميس الماضي، فأعدت لذلك سرادقاً فخماً بمركزها في مدرسة العاصمة بشبرا. وفي منتصف الساعة التاسعة فتحت الحفلة بالسلام الملكي، ثم مثلت الفرقة روايتي «البادي أظلم» و«أولاد». وقد كان التمثيل متقناً وموضع إعجاب. وقد قام بأهم أدوار الروايتين كل من «عباس نجيب» مدير الفرقة، وعلي محمود، وسيد عبد الوهاب، وسيد خميس.
وبعد ثلاثة أشهر اشتركت الفرقة في إحياء حفلة مدارس الأمريكان الابتدائية بشبرا، حيث مثلت مسرحية «جحا ممتاز»، وهي مسرحية كوميدية مضحكة جداً، قام بأدوارها أعضاء الفرقة خير قيام، وعلى رأسهم عباس نجيب في دور جحا، وقام بدور إدريس البربري «عبده أفندي صالح» عضو الفرقة. وفي أغسطس 1932 نشر سكرتير الفرق العام «سيد عبد الوهاب» كلمة في مجلة «الصباح» قال فيه: «ستحيي فرقة الجهاد الفني التمثيلية الحفلة السنوية، التي ستقيمها مدارس العاصمة بشبرا مساء الخميس 25 أغسطس 1932 حيث تمثل رواية «حرام عليك»، درامه تأليف الأستاذ بديع خيري. ورواية «مجانين الفن» كوميدي تأليف سيد أفندي خميس، ورواية «جحا باع كوارع» كوميدي اقتباس من محمد أفندي الحمامي. والروايات من إخراج عباس أفندي نجيب مدير الفرقة».
وجاء موعد الحفلة، وتم تغيير في البروجرام، أو تغيير في عناوين المسرحيات! ولكن الأهم من كل هذا أن أحدهم كتب وصفاً لهذه الحفلة، وأحدهم هذا كان يشق طريقه نحو المجد، حتى أصبح رمزاً من رموز الفن المصري، وبالأخص في مجال السينما، إنه «صلاح أبو سيف»! وأظن ما كتبه عن هذه الفرقة يُعد من كتاباته الأولى المنشورة في مجال المسرح! فقد كتب صلاح أبو سيف في مجلة «الصباح» تحت عنوان «فرقة الجهاد الفني»، قائلاً:
«أحيت فرقة الجهاد الفني حفلة تمثيلية ساهرة في مساء الأحد الماضي على مسرح مدارس العاصمة بشبرا. مثلت فيها رواية «طول بالك» كوميدي، أوبريت من تأليف عباس أفندي نجيب ويوسف أفندي رستم. وقد ابتدأت الحفلة في الساعة التاسعة تقريباً بكلمة لأحد أعضاء الفرقة، ثم ألقى ناظر المدرسة كلمة أخرى رحب فيها بالجمهور، ثم ابتدأت الفرقة في تمثيل الرواية فقام عباس نجيب بدور جحا فأداه على خير ما يرام، كما نجح أيضاً طه أفندي السيد في دور إحسان، وكمال أفندي محمود في دور المغربي. أما سيد أفندي عبد الوهاب ممثل دور محسن، فننصح له ألا يمثل أدوار (الجون برمبير) أبداً فهو لا يليق لها، كذلك عبده أفندي المزين ممثل دور القبطان. وتخلل فصول الرواية بعض مونولوجات فكاهية من أعضاء الفرقة، ومقطوعات موسيقية من أوركستر إيزيس رئاسة فؤاد أفندي رشدي. وانتهت الحفلة حيث كانت الساعة الثانية عشر تقريباً. وختاماً لا أنسى أن أنبه القائمين بأمر الفرقة إلى أن المكان ضيق جداً، ولا يصلح لمثل هذه الحفلات، فقد كان سبباً في قيام عدة مشاجرات بين الجمهور. [توقيع] «صلاح أبو سيف»».
وفي العام التالي انتشرت الفرقة، وأصبحت تحيي حفلات لصالح الجمعيات الخيرية، وتقيم عروضها المسرحية على أكبر مسارح شارع عماد الدين وأشهرها، مثل مسرح «الماجستيك» الذي شهد أمجاد فرقة علي الكسار!! فقد نشر سكرتير الفرقة العام «سيد عبد الوهاب» خبراً في جريدة «أبو الهول»، قال فيه تحت عنوان «فرقة الجهاد الفني التمثيلية»: «تحيي فرقة الجهاد الفني بشبرا الحفلة السنوية الكبرى بعيد النيروز، التي ستقيمها جمعية الإخلاص القبطية الخيرية بفم الخليج مساء الأحد 10 سبتمبر سنة 1933 على مسرح تياترو الماجستيك، حيث تمثل رواية «نبوخذ نصر ملك بابل» تأليف مرقس جرجس أفندي، وتلحين أبو العلا أفندي درويش ملحن الفرقة، وإخراج عباس أفندي نجيب مدير الفرقة. وستختتم الحفلة برواية «ما بقيتش أطاوعك» تأليف عبد الغني أفندي النجدي عضو الفرقة».
أما محرر مجلة «الكواكب» فكشف عن أهمية هذه الفرقة، ومدى تأثيرها في الساحة المسرحية، عندما نشر موضوعاً عن نشاطها في حفلات عيد النيروز في أكتوبر 1933، قائلاً تحت عنوان «فرقة الجهاد الفني وحفلات عيد النيروز»: «اعتادت الجمعيات القبطية أن تقيم حفلات تمثيلية في أول كل عام قبطي. وفي هذا العام قامت في القاهرة ثلاث جمعيات بإحياء هذه الحفلات: الأولى «الإخلاص» بفم الخليج، والثانية «الإيمان» بشبرا، والثالثة «الإيمان» بفم الخليج. ومن حسن حظي إني حضرت هذه الحفلات الثلاث، فكانت دهشتي عظيمة حينما رأيت أن الفرقة التي أحيت الحفلة الأولى هي نفس الفرقة التي أحيت الحفلتين الثانية والثالثة. ففي الساعة السادسة من مساء الأحد 10 سبتمبر أقامت جمعية الإخلاص حفلتها السنوية على مسرح الماجستيك، وكان الإقبال عظيماً عليها. وبعد إلقاء الخطب والأناشيد، مثلت فرقة الجهاد الفني التمثيلية رواية «نبوخذ نصر ملك بابل» تراجيدية تاريخية في 3 فصول و5 مناظر تأليف الأستاذ مرقس جرجس، وتلحين الأستاذ أبو العلا درويش، وإخراج الأستاذ عباس نجيب مدير الفرقة. وأقامت جمعية الإيمان القبطية بشبرا بدارها مساء الاثنين 11 والثلاثاء 12 سبتمبر حفلتين تمثيليتين الأولى للسيدات والثانية للرجال، وقد كان الإقبال عظيماً فيهما. وقد مثلت فرقة الجهاد الفني التمثيلية في هاتين الحفلتين روايتي «شارل الطرسوسي» و«الوصي الغادر» الأولى تراجيدية تاريخية في 3 فصول و6 مناظر والثانية درام. وقد كان الإخراج عظيماً فنجح كل من الأستاذ عباس نجيب «شارل»، وسيد أفندي عبد الوهاب «رئيس مجمع اليهود»، وعلى أفندي فرغل «غتمائيل». وفي الساعة السادسة من مساء الخميس 14 سبتمبر أقامت جمعية الإيمان بفم الخليج حفلة تمثيلية كبرى مثلت فيها فرقة الجهاد الفني التمثيلية رواية «الدكتور المزيف» كوميدي أوبريت في 3 فصول و4 مناظر تأليف وإخراج الأستاذ عباس نجيب الذي قام بدور «جحا» وقد نجح جميع أفراد الفرقة في تمثيل أدوارهم، وكان يعزف بين الفصول أوركسترا برئاسة الأستاذ لويس داود موسيقي ملجأ الأيتام».
وآخر نشاط حصلنا عليه - وفقاً لما بين أيدينا من مقالات وأخبار – ما نشره سكرتير الفرقة «سيد عبد الوهاب» في مجلة «الصباح» بتاريخ مارس 1934، قائلاً تحت عنوان «فرقة الجهاد»: «تمثل فرقة الجهاد الفني التمثيلية مساء الخميس 15 مارس بنادي السكة الحديد بجزيرة بدران بشبرا، روايتي «جحا ممتاز» و«مجانين الفن» من وضع سيد أفندي خميس. وتمثل مساء الاثنين 26 مارس سنة 1934 بدار ناديها بشارع ابن الرشيد رقم 44 بشبرا، احتفالاً بعيد ميلاد جلالة الملك رواية «شريكي المحترم» من وضع حسن أفندي صالح، ومحمد أفندي عثمان وإخراج عباس أفندي نجيب».
واهتمت جريدة «الأمة» بليلة الاحتفال بعيد جلالة الملك، فكتبت عنها كلمة بعنوان «نادي الجهاد الفني بشبرا»، قالت فيها: «أقام هذا النادي حفلة ساهرة مساء الاثنين 26 مارس الماضي بداره، احتفالاً بعيد ميلاد جلالة الملك. وافتتحت الحفلة بالسلام الملكي من أوركستر رئاسة لويس داود، ثم القيت بعض منولوجات شائقة، وعرض عبد الحليم أفندي المصري بعض الألعاب، ومثلت الفرقة رواية «شريكي المحترم» من تأليف حسن صالح، ومحمد عثمان. وقام بأدوارها: عباس نجيب (جحا)، وحسن علي (فاطمة)، وفوزي مرقس (الأمريكاني)، وعبد الغني النجدي (الشامي). وقد أجادوا أدوارهم واختتمت الحفلة بالنشيد الملكي».

فرق مسرحية شبراوية
إذا كانت فرقة الجهاد الفني التمثيلية، هي أشهر فرقة مسرحية شبراوية وجدت أخباراً لها فيما بين يدي من وثائق ومقالات، فهذا لا يعني أنها الفرقة الوحيدة!! فهناك فرق أخرى، لم أجد عنها أخباراً كثيرة، وكل ما وجدته خبراً أو خبرين عن كل فرقة، وهذا هو الواقع التاريخي، وربما أكون قصّرت في البحث، ويأتي آخر يستكمل هذه الأخبار بأخبار أخرى يكتشفها مستقبلاً، ويُكمل المشوار!!
أول فرقة وجدتها، كانت «فرقة منتخب الموظفين»، وذلك من خلال إعلان لها منشور في مجلة «الصباح» بتاريخ مارس 1932، جاء فيه الآتي: «فرقة منتخب الموظفين على مسرح مدرسة فؤاد الأول بشبرا، تمثل يوم الخميس 17 مارس باستعداد كبير ومناظر جديدة رواية «سلوى»، ألفها وأخرجها ويمثل الدور الأول فيها رئيس الفرقة الأديب الهاوي «سيد أفندي الجمل». ويشترك معه في التمثيل نخبة من كبار غواة التمثيل والممثلات، وتوجد ألواج خاصة للسيدات».
والفرقة الثانية كانت «فرقة الاتحاد الفني المسرحي»، وتحدث عنها أحدهم موقعاً باسمه هكذا «حسن محمد فؤاد – شبرا القاهرة» عندما نشر في جريدة «أبو الهول» بتاريخ أكتوبر 1932، كلمة قال فيها: «أقامت فرقة الاتحاد الفني المسرحي بشبرا حفلة بمركز إدارتها الجديدة بمدارس النهضة الوطنية بشارع جزيرة بدران في يوم الأحد الماضي، حيث قامت بتمثيل روايات «خميس الغلباوي» كوميدي تأليف فوزي مرقص أفندي، و«سلفني اسمك» تأليف عبده أفندي صالح. وتخلل الروايات عدة منولوجات فكاهية وأدبية بعضها من لبيب أفندي تادرس. وأجاد جميع ممثلي الروايات ونخص منهم الأفندية: كمال محمود، وناجي عبد الوهاب، وفوزي مرقص، وعبد المقصود محمد، وعبده صالح، ويوسف عيسى قطب، وعامر علي شرف، وفاضل جمال الدين، وأمين كامل، وسامي كامل».
والفرقة الثالثة كانت «فرقة إيزيس التمثيلية»، وعرفناها من خلال الوثائق الرقابية لمسرحية «وحوش الإنسانية»، التي ستمثلها الفرقة داخل المدرسة الشوقية الابتدائية بشبرا بشارع ابن الرشيد عام 1933، حيث وجدنا خطاباً من ناظر المدرسة، يقول فيه: «حضرة صاحب العزة مدير قلم المطبوعات بوزارة الداخلية، أرجو التكرم بالتصريح لفرقة «إيزيس التمثيلية» بتمثيل رواية «وحوش الإنسانية» بدار المدرسة في يومي الخميس والجمعة 6 و7 يوليو سنة 1933 مع الإحاطة بأن هذه الرواية سبق تصريح من الداخلية بتمثيلها في 1929». أما مؤلف المسرحية، فكتب خطاباً إلى الجهة نفسها، قال فيه: «حضرة صاحب العزة مدير قلم المطبوعات، بناء على محرر عزتكم الذي أوليتموني عظيم الشرف بإرساله إليّ، والذي تنازلتم به لأفيدكم علماً عن اسم الفرقة التي ستمثل روايتي «وحوش الإنسانية». أتشرف بإحاطة عزتكم علماً أن الرواية ستمثل بمشيئة الله بواسطة فرقتان في مدرستين مختلفتين الأولى فرقة «إيزيس» وستمثلها بالمدرسة الشوقية يومي الخميس والجمعة 6 و7 يوليو سنة 1933، والثانية فرقة مدارس الإصلاح الأدبية وستمثلها يومي الأربعاء والخميس 5 و6 يوليو سنة 1933 والمكان للمدرستين هو دار كل منهما. وطيه خطابين من هاتين المدرستين بما يفيد ذلك، ورجاء الجميع التكرم بالتصديق على الرواية، وتنازلوا بالتفضل بقبول فائق احتراماتي، [توقيع] مؤلف الرواية «سيد الجمل» بمراقبة حسابات السكة الحديد».
والفرقة الرابعة كانت «جماعة أنصار المسرح»، وأخبرنا بها سكرتيرها «توفيق جبرائيل» في مجلة «الصباح» عام 1938، قائلاً: اجتمع لفيف من الهواة وكونوا فرقة تمثيلية باسم «جماعة أنصار المسرح» بسراي مدرسة النهضة الوطنية بشبرا. وقد أجريت عملية انتخاب مجلس الإدارة فأسفرت عن اختيار الأفندية: منصور الجوهري مديراً، وعطية مرقص وكيلاً، وتوفيق جبرائيل سكرتيراً، ووديع ناشد أميناً للصندوق، وميشيل نجيب، وفتحي محمد، ومحمد عبد الغني المهندس، وكمال سعد الدين، وشفيق إسحاق أعضاء. وقد قررت الجمعية تمثيل روايتي «الحنان الضائع»، و«غلطة وعدت» بقلم منصور الجوهري».
بعد أربع سنوات، وتحديداً عام 1942، وجدت مجلة «الصباح» تنشر خبراً علمت منه مدى تقصيري في البحث عن هذه الجمعية، حيث إن الفرقة بدأت عام 1935، وكانت مجلة الصباح تنشر أخبارها باستمرار، وهو الأمر الذي أخفقت فيه، ومن المؤكد أن آخرين سينجحون مستقبلاً فيما أخفقت فيه الآن!! فقد قالت المجلة تحت عنوان «أنصار المسرح بشبرا»: «اعتزمت جمعية أنصار المسرح إقامة حفلة تمثيلية بمناسبة ابتهاج الأمة بوزارة الشعب. كما قررت شكر مجلة «الصباح» على نشرها أخبار الجماعة منذ عام 1935، وقيام الفرقة بتمثيل رواية «الوالد» تأليف وإخراج فؤاد أفندي الرشيدي، على أن يقوم بالدور الأول فيها وقبول إقامة الحفلة السنوية لملجأ بنات الفضيلة وجمعية الشباب، وضم حضرات محمد علي جبريل، ومحمد السيد، وعبد الحميد وهبي إلى الفرقة. [توقيع] «السكرتير وأمين الصندوق عطية مرقس»».


سيد علي إسماعيل