يوسف مراد منير: تعلمت تقديم ما يرضيني وليس ما يفرضه السوق

يوسف مراد منير: تعلمت تقديم ما يرضيني وليس ما يفرضه السوق

العدد 828 صدر بتاريخ 10يوليو2023

«أمَّا يا مه شفت حلم غريب يخوف. الأم: خير يا بنتي.
بهية: شفتني قال راكبه مركب، ماشية يا مه في بحر واسع
زي غيط غله… وموجه هادي… هادي، بحر مش شايفاله بر، قال وإيه عماله أقدف، والمراكبي ابن عمي ماسك الدفه ومتعصب بشال، شاله أحمر يا مه خالص، لونه من لون الطماطم. جت حمامه بيضا بيضا، زي كبشة قطن.. فوق راسه وحطَّت، ويا دوب البر لاح.. إلا والريح جايه قولي زي غول مسعور بينفخ، تقلب المركب والاقي نفسي بين الموج باصرخ: يا ابن عمي.. يا ابن عمي. قال وهوه ماشي فوق الموج بيضحك، راح بعيد خالص… وفوق راسه الحمامة برضه واقفه».
«ياسين وبهية» تلك التراجيديا والمأساة الشعرية الشعبية التي كتبها نجيب سرور وقدمها على مسرح الجيب من إخراج كرم مطاوع، والتي ظلت حية طوال 58 عاما، يُعاد تقديمها لأنها لامست دائما مسائل إنسانية عاشتها كل الأجيال، وها هو يعيد تقديمها بعد غياب طال لأعمال نجيب سرور عن مسرح الدولة، المخرج الشاب يوسف مراد منير، على خشبة مسرح الشباب، في تجربته الإخراجية الثالثة، والاحترافية الأولى، التي أمتعنا من خلالها، وأثبت أنه كان جديرا بتلك الفرصة وبإخراجه لهذا النص العميق كعادة نصوص نجيب سرور. وكان قد حصل مراد على عدد من الجوائز في التمثيل، بالإضافة لحصوله على أفضل عرض جماعي عن عروضه «سجن النسا» و«أحدهم طار فوق عش الوقواق». فعن مسرحيته «ياسين وبهية» وكواليسها كان لنا هذا الحوار مع مخرجها يوسف مراد منير..

في البداية حدثنا عن بداياتك مع المسرح؟ 
الغريب أنها بدأت قبل ولادتي، حين كانت والدتي تعرض مسرحية «فيما يبدو سرقوا عبده»، فكما نعلم أن كل ما يحدث في الخارج يشعر به الجنين في رحم الأم، وربما شعرت حين تتعرض للإضاءة وسمعت دقات المسرح، وربما لهذا كنت أشعر بأن المسرح هو منزلي الذي اعتدت عليه حين كنت طفلا يصطحبني والدي معه أثناء عرض مسرحيته «الملك هو الملك» على خشبة مسرح السلام عام 2006، وقتها وقعت تماما في حب كل ما له علاقة بالمسرح والإخراج، وجذبني إليه، كنت أشعر بحالة اِنبهار حين أشاهد مثلا السبوع، الدف والشموع في «الملك هو الملك»، ومنذ ذلك الحين بدأت التمثيل في مسرح المدرسة، حتى التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فكل ما يحيط بالفراغ المسرحي يشعرني بالألفة الشديدة.
قدمت «سجن النسا» الذي أشاد به وكتب عنه الناقد جرجس شكري: «مخرج موهوب اسمه يوسف مراد»، وهو عرض لفتحية العسال، ديكور فاطمة محمد، إضاءة عبدالله صابر، أزياء غادة نصر، مكياج لمياء محمود، تصميم بوستر ودعاية أحمد جمال، مخرج مساعد مازن السنوسي، ومخرج منفذ محمد عصام، وحصل على أفضل عرض جماعي في مهرجان المسرح العربي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، كما أخرجت في الثقافة الجماهيرية عرض «أحدهم طار فوق عش الوقواق»، الذي شاركت فيه بالتمثيل أيضا والعرض مأخوذ عن الرواية العالمية: «One flew over the cuckoo’s nest»، من تأليف الكاتب الأميركي «كين كيسي»، وقد تحولت الراوية إلى عرض مسرحي في «برودواي» تحت عنوان «طار فوق عش الوقواق»، وحصلنا من خلال العرض على المركز الأول على مستوى القاهرة ثم جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل أداء جماعي في المهرجان الختامي لفرق الأقاليم في دورته الـ«45»، وحصدت «نانسي نبيل» أحد أبطال العرض جائزة «أحسن ممثلة دور ثانٍ»، وحين قدمته ابتعدت فيه عن المسرح الشعبي، وجربت لو استعنا برواية عالمية معقدة فلسفيا كيف سأعمل عليها، والحمد لله وجدت أني قادرٌ على التصدي لها، وقد عقدنا عدة جلسات أنا ومهند الدسوقي الذي قام بعملية الإعداد للنص لنصل إلى العرض الذي قدمناه للمتلقي، فكانت تلك الرحلة من المدرسة للمعهد للثقافة الجماهيرية للبيت الفني للمسرح. 

حدثنا عن مسرحية «يس وبهية» وسبب اختيارك لهذا النص؟ 
الحدوتة الشعبية التي نعلمها جميعا «ياسين وبهية»، في قالب موسيقي، غنائي، شعبي، تراثي، وفي نفس الوقت حديث في تقسيمات الغناء، العرض يمزج بين الفصحى والعامية. حين أتيحت الفرصة لتقديم عمل محترف كان لا بُدّ أن أقدم عملا ليس سهلا ولا معتادا، وكنت قرأت النص عشرات المرات فأسرني لأنه نص عبقري لدرجة كنت أتصوره أثناء القراءة على خشبة المسرح، حلمت بتقديمه، سحرني سرور لأنه أعظم كاتب في تاريخ مصر، ومن ثم أتاح لي المخرج سامح بسيوني مدير مسرح الشباب، الفرصة لتقديمه، واستمر التجهيز للعرض عاما كاملا، فتقديم عمل للراحل نجيب سرور ليس بالأمر الهين خاصة لأجيال لا تعرفه، أجيال اعتادت على «السرقة والسلق» وهذا عكس نجيب سرور.

تخوفت من تقديمه في تجربتك الإخراجية الثالثة والاحترافية الأولى وخاصة أن أعماله لطالما كانت مثيرة للجدل؟
ربما كانت مجازفة مني في أول تجربة احتراف، لكنني أحب في العموم تحدي نفسي حين أقدم على أي عمل، بالتأكيد تخوفت كثيرا وحين أظهرت هذا التخوف لوالدي وأبديت قلقي كوننا جميعا شبابا، قال لي: «أنت معاك نجم كبير اسمه نجيب سرور»، سيأتي إليه المتلقي من مختلف المحافظات، لأنه يعشق سرور، وهذا ما حدث بالفعل تنوع الجمهور وحتى إنه يحفظ النص ويكرر معنا الحوار والأغاني، فالتركيز في الإخراج والوعي بفلسفة النص سيجعل الجمهور يحمل العمل على رأسه لأنه متعطش لكل أصيل ولاسم نجيب سرور، وإثبات أن المسرح الحي لا يموت، والكتاب مثله ليس لهم عصر، وتلك عظمته. 

أي أن نجيب سرور كان داعما لك وحاضرا رغم غيابه؟ 
نعم، هو حي رغم رحيله، يرشدنا بشكل خفي للقيام بشيء ما، حتى وصلت لتلك التركيبة التي أتمنى أن يكون راضيا عنها وفخورا وسعيدا بها.

كيف ساهمت عناصر العرض المسرحي في تنفيذ رؤيتك؟ 
وفقت بمبدعين مميزين، فقد اعتمدت بشكل أساسي على متخصصين سواء من خريجي المعهد أو الطلاب، لأن الدارس يستطيع الإضافة لرؤيتي وللعرض، العمل بطولة: إيمان غنيم، حازم القاضي، ليلى مراد منير، آية أبو زيد، بهاء سليمان، حسام حسن، كريم طارق، صابر علي، ريمون أشرف، أحمد شحاتة، محمد البرنس، مصطفى علاء، أحمد عادل.
تصميم الديكور والإضاءة لعمرو الأشرف، تصميم الأزياء لرحمة عمر، تنفيذ ديكور وملابس مي كمال، مكياج محمد شاكر، الموسيقى والألحان محمد علام، غناء فتحي ناصر، استعراضات محمد بيلا، المخرجون المساعدون: نيرة خليل وأحمد حسين وأحمد فتحي، مخرج منفذ محمد عاشور، فعقدت جلسات طويلة مع المهندس عمرو الأشرف وقرأنا النص سويا لتصميم ديكور ليس غريبا ويجعل الجمهور يشعر أنها «بهوت» مما يجعله قريبا لوجدانهم ويشبه «ياسين وبهية»، وبالفعل حققنا ذلك في السلويت والفوانيس وبوابة القصر التي تدور والمصابيح الموجودة أعلى السور «نجوم زي ما نجيب سرور بيقول»، بالإضافة لاختياري الموسيقى الحية بعيدا عن المسجلة؛ لأني وجدتها أكثر حياة ومناسبة لحالة المسرح الذي يعتمد في كل عناصره على التواجد الحي. 

لماذا لم تقدم النص بشكل معاصر واحتفظت بنفس الحقبة الزمنية؟ 
حين حاول البعض تقديم العمل في صورة عصرية وجدت إقبالا جماهيريا خافتا، ولم يتأثر وجدانهم الشعبي، فوجداننا الشعبي ذبل، فكان هدفي إثارة الوجدان الشعبي، فمنذ زمن لا نسمع الجمهور يغني في الصالات ويتفاعل هكذا، افتقدنا هذا المسرح، وأرى أن المسرح الشعبي هو ما يجعل المسرح باقيا ويتفاعل معه الناس. 

في النص الأصلي اعتمد نجيب سرور على الجوقة والراوي بينما لاحظت خلال العرض أنك جعلت من الممثلين رواة.. لماذا؟ 
في نص نجيب سرور كان هناك راوٍ واحد، وكان الحوار بين ياسين وبهية بجملٍ بسيطة ومتقطعة، وأيضا مونولوج الحلم، بالإضافة لشخصية العم والد بهية وعم ياسين، كانت محدودة، فرأيت أنه استكمالا لإحياء الموروثات الشعبية وتأثيرا في الوجدان الشعبي أن أستخدم ما يشبه مسرح السامر، فالمسرح كان عبارة عن عربة وحكاء يروي الحدوتة، كل الأدوار يروي ويمثل ويغني، وكانت تمر على الأحياء والقرى، فجعلت الممثلين رواة لأزيد من الفنون الشعبية التي يحبها الناس منذ قديم الأزل. 
تشارك في العرض كممثل فهل أنت مع أن يشارك المبدع في مختلف عناصر العمل كممثل ومخرج وأيًا من عناصر العمل؟ 
سبق وشاركت في عدد من العروض كممثل وبعضها كممثل ومخرج، ولكننا نعمل على هذا العرض منذ عام، وبعد أن أنهيت مهمة الإخراج تفرغت لدوري كممثل، لأنه من البداية كان هناك ممثل آخر اعتذر عن الدور في وقت حرج، ولأني في الأصل ممثل وعلى دراية بالدور وطبيعته قررت تجسيده، والحقيقة يتوقف الأمر على المخرج إذا كان قادرا على القيام بهذه الأدوار والتركيز في أكثر من مهمة أم لا، فالموهبة وحدها لا تحقق تلك المعادلة، فربما تكون موهوبا ولكن ليس لديك القدرة لتحمل تقديم عرض تمثيلا وإخراجا. 

وماذا عن اختيارك ليلى للمشاركة في العرض؟
اعتذرت الممثلة بعد وقت كبير من التجهيزات لأسباب خاصة بها، وفكرت كثيرا من سيقدم الدور، فاقترحت على ليلى -وهي ممثلة جيدة- أن نجرب؛ فبدأنا العمل على اللغة العربية وأثبتت أنها مناسبة للدور فقدمته، والحقيقة أن ليلى تشبه والدتي الفنانة فايزة كمال بعض الشيء في الأداء والصوت والعيون، فأخذت من روحها الكثير. 

في رأيك لماذا كتابات نجيب سرور كانت بعيدة منذ سنوات عن مسرح الدولة؟ وما الذي يميزها؟ 
 إخراج نصوص لنجيب سرور أمر صعب؛ لأن نصوصه عبارة عن متاهات وتحتاج لموهبة كبيرة للتعامل معها -ولا أدعي بالطبع أن موهبتي كبيرة- فلا بُدّ أن يكون لديك قدر كبير من الوعي أثناء قراءته حتى تتمكن من تنفيذه، بالإضافة لأن كتاباته تناقش قضايا شائكة والبعض يقلق من نصوصه. كتاباته آنية فلسفية عميقة يحبها جمهور المثقفين والجمهور العادي، أدعي أني «محظوظ» لأن معي نجم يأتي إليه الناس من كل حدب وصوب.

لفت انتباهي مجموعة اللافتات التي وضعتها بداية من السلم حتى باب للمسرح؟ 
حين نظرت لمسرح الشباب وجدت شجرا مختلف الألوان ورملا وصخرا، فشعرت أن بهوت التي كتب عنها سرور لا بُدّ أن تبدأ من السلم، فنهيئ الجمهور أنه سيرى بهوت على بعد أمتار، وأهلا بكم في بهوت، بالإضافة لجملة الكبير نجيب سرور «الميعاد بكره وفي نفس الميعاد» التي وضعت على باب دخول المسرح، ليعرف الجمهور أن ميعادنا غدا سنلتقي مرة أخرى في الثامنة مساء بروح نجيب وكلام نجيب، وفوجئنا بحضور أخته وأبناؤها وأشادوا بكل هذه التجهيزات وبالعرض، وأيضا أهله من قرية أخطاب في المنصورة يحضرون بشكل شبه يومي. 

نشأت في أسرة فنية مكونة من الأب المخرج الكبير مراد منير والأم الفنانة الراحلة فايزة كمال فكيف أثرا في تكوينك الفني؟ 
تعلمت منهما كل شيء، والدي علمني الإخراج، وجعلتني والدتي أحب التمثيل، تحمسا لأصبح فنانا فقد أدركا منذ الصغر أن هناك شيئا مثيرا للاهتمام؛ فكانا يشجعاني ويدعماني، وعلى الرغم من حصولي على 96? في الثانوية العامة التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، تعلمت منهم أن نعمل حبا في المسرح، والتركيز على تقديم أعمال تظل خالدة في ذاكرة الناس، ونقدم ما يرضينا وليس ما يفرضه علينا السوق.

هل وجه لك نصائح فنية خلال عملك على العرض؟ 
كان لوالدي نصائحه العامة التي أفادتني، وأهمها لا تخاف وثق في نفسك وموهبتك، وحين أبديت رغبتي في تقديم «ياسين وبهية» في هذا الوقت دعمني نفسيا، وكان يبدي ملاحظاته الفنية التي أفادتني بشكل كبير. وسعد كثيرا بعد مشاهدته العرض لأنه يراه شديد الأهمية، وسعادته الأكبر كوني شابا استطاع إعادة نجيب سرور على خشبة مسرح الدولة، فلم يكن الأمر سهلا فنيا أو إداريا. 

دائما طموح الشباب يذهب للبحث عن نجومية وشهرة السينما والتليفزيون فلماذا لم تجذبك تلك المنطقة؟ 
هذا صحيح؛ لكن؛ المسرح عشق لا يمكننا الابتعاد عنه، وإن ابتعدنا نعود فورا لأنه متعتنا الحقيقية، وهو بمثابة منزلي الذي أشعر بالألفة معه، وأنا مؤمن بأننا لا بُدّ أن نترك أثرا قبل رحيلنا، فهذا ما يشكل فارقا. وفي النهاية، النجومية رزق ربما لا يأتي، لكني أتمنى أن أترك أثرا للجمهور ولبلدي. 

ما النص الذي تحلم بتقديمه على خشبة المسرح بعد ياسين وبهية؟ 
بالتأكيد لدينا كتاب شباب رائعون، ولكن أحب الاستناد على كتابنا الكبار لعدم خبرتي، فأتمنى تقديم «رواية هزلية» لتوفيق الحكيم، وأيضا «مأساة الحلاج» لصلاح عبدالصبور، الناس تحب ما يشبه كتابنا نجيب سرور وتوفيق الحكيم وصلاح عبدالصبور وفتحية العسال ونجيب محفوظ فيما تم مسرحته له من رواياته، تلك مصر وتراثها وأدباؤها ومسرحيوها العباقرة. 

هل أنت متابع لحركة المسرح؟ 
أرى أنه في تحسن مستمر ولا يجب أن نيأس أو نستسلم لفكرة المنصات، فالمسرح يستحق المحاولات لإعادة المسرح الشعبي والحي بفكر مختلف، فلا بُدّ أن يشعر الجمهور بقيمة ما حين يدخل المسرح، ويخرج وقد ترك أثرا بداخله وتغييرا، وأعتقد أن هذا يحدث الآن، والقادم سيكون أفضل بإذن الله. 

أمنياتك المستقبلية؟ 
كل أمنياتي أن أرى الجمهور يتزاحم على مسارح مصر، لأنه من نشأة الثقافة تنشأ وتتطور المجتمعات الواعية والمثقفة، مجتمع يكون قادرا على خلق غد أفضل. 


روفيدة خليفة