تغطية 70 عامًا من حياة أم كلثوم فى عرض مسرحى تحدٍ كبير

تغطية 70 عامًا من حياة أم كلثوم فى عرض مسرحى تحدٍ كبير

العدد 948 صدر بتاريخ 27أكتوبر2025

تأتى مسرحية «أم كلثوم: دايبين فى صوت الست»؛ لتمثل إعلانًا عن طموح استعادة الروح للمسرح الغنائى والموسيقى. العمل، بإنتاجه الضخم وعناصره المتقنة، لا يطمح فقط لمجرد استذكار كوكب الشرق، لكنه يهدف إلى رفع سقف المنافسة المحلية للوصول إلى معايير «برودواي» العالمية فى السينوغرافيا وغيرها من العناصر بالإضافة لفكرة الاحتفاء بالرموز، وأيضًا تعريف الأجيال الحديثة بكوكب الشرق إنسانيا وفنيا.
 يقف خلف هذا المشروع المنتج مدحت العدل والمخرج أحمد فؤاد، الذى يتسم بسيرة فنية تضرب جذورها فى الطفولة، حين كان يعمل جنبًا إلى جنب مع قامات المسرح مثل فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى. هذه البدايات صقلت شغفه الذى نماه لاحقًا بالجمع بين الفلسفة والنقد المسرحى والباليه، قبل أن تمنحه بعثة روما نافذة على أحدث المناهج الإخراجية العالمية. فى هذا الحوار نستكشف كيف صهر كل تلك الخلفيات لتأسيس أسلوبه الخاص فى الإخراج، ونتعرف على بعض من تجاربه السابقة، وصولًا إلى كواليس صناعة «أم كلثوم»..
حدثنا عن «أم كلثوم: دايبين فى صوت الست» منذ بداية الفكرة حتى خروجها على خشبة المسرح.
انطلق هذا المشروع من مجموعة العدل جروب ستوديوز، حيث تولى الدكتور مدحت العدل مهمتى الإنتاج والتأليف. كانت لدينا رغبة فى تقديم عمل مسرحى يضاهى الأعمال الكبرى التى نشاهدها فى مسارح برودواى و”west end”، وتحديدًا فى طريقة تكريمهم للشخصيات البارزة. ولهذا، رأينا أن الرمز الذى يستحق هذا التكريم هو أيقونة بحجم أم كلثوم. بدأنا التحضير لعمل غنائى موسيقى بإنتاج ضخم ومبهر، بهدف الوصول ليس فقط إلى محبى أم كلثوم، بل إلى جمهور 2025 ليتعرفوا بشكل أعمق على هذه الشخصية الاستثنائية. دفعنا هذا الهدف إلى تناول مقتطفات من حياتها بكافة أشكالها، الإنسانى، والفنى، بكل ما فيها من تفاصيل. لقد تحركنا فى أكثر من اتجاه، فلم نقتصر على جانب واحد من حياتها المليئة بالتفاصيل. بالطبع، من الصعب جدًا تغطية هذه السنوات من الإبداع خلال عرض مسرحى، لكننا سعينا قدر الإمكان ألا نغفل أى محطة مهمة أو نقلة كبيرة فى مسيرتها الفنية وحياتها عمومًا.
كيف وازنت بين التوثيق لحياة أم كلثوم ورؤيتك الإخراجية أو الفنية، وهل منحت العمل مساحة من الخيال الفنى؟
بالتأكيد، كان هناك هامش مخصص للخيال الفنى. نحن نعلم الحدث التاريخى، ولكن التفاصيل الدقيقة لكيفية وقوع هذا الحدث، وتجسيد تلك اللحظات، هى ما يخلق الدراما. لذا، عملنا بشكل مكثف مع الدكتور مدحت العدل، بصفته المؤلف والشاعر، على بناء هذه اللحظات الدرامية المتعلقة بحياتها. وهنا يجب التأكيد على أن العرض هو عمل فنى موثق وله مرجعية، لكنه ليس عرضًا وثائقيًا (Documentary). هناك مواقف درامية وخيال أضافها كل من الكاتب والمخرج لكنها تعتمد على قصة حقيقية، وهذا هو الفارق الجوهرى. 

هل يختلف أو يصعب تقديم سيرة ذاتية لشخصية حقيقية عن تقديم عمل درامى مبنى على قصة متخيلة؟
بالتأكيد، الأمر أكثر صعوبة؛ لأننا مُلزمون بالتحرك داخل إطار زمنى وأحداث وقعت بالفعل. التحدى يكمن فى كيفية استخلاص الجانب الدرامى من هذه الأحداث دون الإخلال بوقائعها الأصلية، وفى الوقت نفسه، تقديمها بطريقة شيقة ومترابطة دراميًا. ففى كثير من الأحيان، تكون الأحداث متباعدة زمنيًا، أو على العكس، متقاربة جدًا بشكل لا يخدم البناء الدرامى. لهذا، كان التحدى الأكبر يكمن فى عملية الانتقاء: كيف نختار المواقف والشخصيات المحورية التى سنتناولها، خاصة وأن حياة أم كلثوم كانت حافلة بشخصيات مهمة جدًا! فعملية الاستبعاد والحذف كانت بحد ذاتها مجهودًا ضخمًا أن يكون هناك خط زمنى (Timeline) متكامل لحياتها. كان علينا أن نحافظ على هذا المسار دون أن يشعر الجمهور بأننا أخللنا بأى جزء جوهرى، وفى الوقت ذاته، نضيف لمسة من خيالنا الفنى التى تُبقينا طوال الوقت داخل إيقاع الحدث الدرامى.

ما الرسالة التى حرصت أن تصل للجمهور من خلال العرض؟
الرسالة الأساسية التى حرصنا على إيصالها للجمهور هى غرس الشعور بالفخر الدائم بالنماذج المصرية العظيمة. لدينا شخصيات حقيقية، أثرت وقدمت إسهامات محورية فى تاريخ مصر، وهذا يجعلنا نُدرك باستمرار أننا ننتمى إلى بلد عظيم، غنى بالشخصيات التى تدعونا للفخر.
أردنا كذلك أن نغذى الأمل فى أن المستقبل قد يحمل لنا أم كلثوم جديدة أو زويل جديد. فعندما نستعرض حياة شخص بدأ من أقل نقطة حيث غير متوقعا وصوله، فإن قصته تصبح بالضرورة قصة مُلهمة.
لقد كنا نبحث دائمًا عن مصدر الإلهام داخل شخصية أم كلثوم؛ كيف أسست لنفسها هذه الجماهيرية العريضة ليس فى مصر وحدها، بل فى كامل الوطن العربى، وكيف أنها لم تكن مجرد ظاهرة صوتية، بل كانت أيضًا بمثابة مؤسسة كاملة، لها شكلها، وتوجهها، وفكرها، ونقاط قوتها، لقد كانت عظيمة.

حدثنا عن عناصر الإبهار، وكيف عملتم على الديكور والإضاءة والأزياء؟
لقد كان هدفنا الأساسى هو تقديم أم كلثوم 2025. اعتمدنا على فريق فنى متميز حيث تولى تصميم الديكور الفنان محمود صبرى، والأزياء الفنانة ريم العدل، فيما تولى تصميم الإضاءة الفنان ياسر شعلان.
سعينا لاستغلال أحدث التقنيات المتاحة على مستوى العناصر البصرية (Visuals) والذكاء الاصطناعى (AI)، إلى جانب الإمكانات الصوتية والضوئية المتقدمة، لتحقيق تجربة تضاهى عروض “برودواى ستايل”. تم دمج الشاشات الرقمية مع الديكور الأصلى، واستخدام تقنيات حديثة تُطبَّق للمرة الأولى على خشبة المسرح. بالفعل، عملنا بجهد كبير على هذا الدمج. وكان التحدى يكمن فى إدخال هذه التقنيات الحديثة دون الإخلال بحدوتة أم كلثوم التى لم تعاصر التقنيات. كانت عملية الدمج صعبة، لكن كل من محمود صبرى وياسر شعلان وريم العدل، بصفتهم المسؤولين معى عن الصورة، قدموا حلولًا وأفكارًا إبداعية عديدة. لقد فكرنا بعمق فى كيفية جعل العرض مُبهرًا على كل المستويات لضمان تفاعل جمهور اليوم مع التجربة.

كيف تم اختيار فريق العمل من ممثلين وخاصة الشخصيات المحورية فى حياة أم كلثوم؟ 
منذ البداية، اتخذنا قرارًا بالاعتماد على اختبارات الأداء (Auditions)، إيمانًا بأن مصر ولّادة بالمواهب. كان الهدف هو عدم الاستعانة بشخصية معروفة مسبقًا بأدائها لأغانى أم كلثوم أو تجسيد دورها. كنا نطمح لاكتشاف وجوه جديدة وظواهر صوتية تقدم لأول مرة على المسرح. وبالفعل، حالفنا التوفيق فى اختيار مَن تقدمن للدور فى المراحل العمرية المختلفة: ملك أحمد لتجسيد مرحلة الطفولة، وأسماء الجمل للمرحلة المتقدمة، بالإضافة إلى باقى العناصر التى تم اختيارها بتنوع الأدوار.
التقينا بعدد ضخم جدًا من المتقدمين، وجميعهم كانوا موهوبين ومتميزين، لكننا اخترنا الأنسب للرؤية الفنية للعرض. أرى أننا وُفِّقنا إلى حد كبير فى اختيار جميع العناصر المناسبة جدًا. والدليل على ذلك كان رد فعل الجمهور الذى شعر بأن الممثلين على خشبة المسرح يجسدون بالفعل الشخصيات الحقيقية التى عاصرت أم كلثوم فى حياتها.

هل نحتاج لهذا النوع من العروض خاصة أن تقديم العروض المسرحية من هذا النوع نادرة؟
أنا أؤيد بشدة تقديم هذا النوع من العروض بشكل متكرر، وليس بالضرورة أن تقتصر على السير الذاتية أو الشخصيات التاريخية فحسب. المهم هو ترسيخ فكرة تقديم عروض (Broadway Style) فى مصر.
نحن نمتلك القدرة الكافية لخوض هذه التجربة، ولدينا كل الإمكانيات والعناصر الفنية المؤهلة لذلك، لكن الفرص لا تُتاح باستمرار. أذكر بأننا كنا رواد هذا الفن؛ ففى عشرينيات القرن الماضى، قدم سيد درويش، وهو فى الثلاثين من عمره، أكثر من ثلاثين عملًا موسيقيًا متنوعًا بكافة أشكاله، وكان هناك جيل ضخم من المطربين الممثلين مثل محمد عبدالوهاب ومحمد فوزى وآخرين كثر. حتى أم كلثوم نفسها مثلت وغنت فى أعمال موسيقية.
هذا النوع من الفن يجب أن يقدم باستمرار،فالإقبال الجماهيرى على هذا العرض يؤكد وعى الجمهور ودعمه لهذا الشكل المسرحى. آمل أن نكون قدوة تُحتذى للمنتجين لكى يخوضوا هذه المغامرة، سواء بتقديم أعمال عن شخصيات موجودة بالفعل أو عروض موسيقية ضخمة، لأن مصر تستحق أن يكون لديها هذا النوع من المسرح.

وفى رأيك، ما السبب وراء قلة هذا النوع من العروض المسرحية فى الوقت الحالى؟
السبب الرئيسى يكمن فى غياب الإرادة الكافية لخوض مثل هذه التجارب الضخمة. هذه الإرادة توفرت لدى العدل جروب ممثلة فى الأستاذ مدحت العدل، بصفته فنان قبل أن يكون منتجًا.
عندما توفرت هذه الإرادة، أمكننا تجميع أفضل العناصر الفنية فى مصر القادرة على تنفيذ هذا المشروع. لقد عملنا مع مواهب حقيقية، ما سمح لنا بتقديم هذا المشروع كما حلمنا به. دائمًا ما تكون ردود الأفعال بعد العرض هى هل لدينا حقًا مثل هذه الأعمال فى مصر؟ نعم لدينا، ولكن ينقصنا الرغبة القوية فى صناعة عمل خالد يضاهى ما يُقدم فى برودواى.
فلماذا لا نخوض هذه التجارب؟ يميل معظم الناس إلى العمل مايعتبر مغامرة لكنها محسوبة جدا؛ لأنك تراهن على وعى الجمهور وقدرته على استيعاب وتقبُّل هذا الشكل الفنى، وجمهورنا أثبت أنه واعٍ جدًا ومقدر للفن الجيد.

هل توجد خطة للتجوال بالعرض فى بلدان أخرى؟
لقد اتخذنا قرارًا ببدء العرض فى مصر أولًا، وبالتأكيد ستكون هناك جولة داخلية تشمل مختلف محافظات الجمهورية. ولكن طموحنا يتجاوز ذلك؛ فلطالما كان حلم الدكتور مدحت العدل أن يقوم برحلة لأم كلثوم ونحن معه فأم كلثوم جابت محافظات مصر وعواصم الوطن العربى والعالم ليصل صوتها، ونحن نسعى لإيصال هذا العمل المسرحى إلى أماكن مختلفة. نقدم صوتًا مصريًا رائدًا، ونؤكد وجودنا وقدرتنا على توظيف التقنيات والإبداع الفنى الذى يضاهى، كل ما يحدث فى العالم وربما أفضل. 

وهل استعنت بأعمال سابقة عن أم كلثوم أو شاهدت المسلسل التلفزيونى كمرجع لك؟
ما قدمناه فى العرض يختلف كليًا عن أى أعمال سابقة. على الرغم من أننى شاهدت المسلسل التلفزيونى منذ فترة طويلة، إلا أن نوع المسرح الذى نقدمه يفرض منهجية مختلفة تمامًا فى التناول وفى طريقة الطرح على الجمهور.
صحيح أن الخط الدرامى العام هو سرد لحياة أم كلثوم، لكن الفارق الجوهرى يكمن فى الزاوية التى اخترنا أن نتناول منها هذه الحياة. نحن نقدم رؤية مختلفة تمامًا عما سبق وقدم. 
بدأت مشوارك الفنى طفلًا وعملت مع نجوم كبار.. حدثنا عن تلك المرحلة وتأثيرها فى مسيرتك الفنية لاحقًا.
لقد كانت تجارب بالغة الأهمية منذ طفولتى. فكرة البدء والعمل مع قامات كبيرة فى المجال هى ميزة عظيمة تفضّل الله على بها. بدأت العمل طفلًا مع الدكتورة ماجدة عز، التى كانت من أهم مصممى الاستعراض فى مصر وعميدة المعهد العالى للباليه آنذاك. هؤلاء هم أساتذتى الأوائل. كنا نعمل مع نجوم تلك الفترة من عمالقة قدموا أعمالا للطفل، أمثال النجم عبد المنعم مدبولى، والنجم فؤاد المهندس، والنجمة نيللى. كان الجميع داعمًا جدًا لوجود طفل بينهم فنتعلم باستمرار قيمة الالتزام والانضباط فى المواعيد داخل الموقع وكيف أن الأجواء كانت تسير بالحب والشغف أكثر من مجرد العمل. 
أتذكر أن الفنان فؤاد المهندس فى بعض الوقت كان يبدو غير قادر على النهوض فى الكواليس، وبمجرد بدأ التصوير، يتحول إلى شخص مختلف تمامًا، مفعم بالقوة والحيوية، ويبدأ الحركة معنا ويرقص ويغنى. لقد تفتحت عيناى على هؤلاء النجوم كنموذج للبدايات، وحقيقةً، فى كل محطة من محطات عملى، كنت أتعلم على أيدى أساتذة كبار فى هذه المهنة. 
وعندما بدأت مسيرتى فى الإخراج، كانت بدايتى مع قامات مثل خالد جلال فى مركز الإبداع، والمخرج عصام السيد، فدائما ما يضع الله محطات فى حياتك تكون سببًا فى تحقيق النقلة السليمة. التعلم من أكابر المهنة لا يقتصر على الأمور الفنية واكتشاف الموهبة بل يشكل فارقا كبيرا فى صقل الشخصية المهنية؛ لأنك تأخذ خلاصة خبرتهم المباشرة، وهذا يوفّر عليك سنوات طويلة من الخبرة قد تنقل إليك فى مشهد واحد أو لقطة، وعلى سبيل المثال، فكرة الالتزام عندما عملت مع فؤاد المهندس فى الفوازير، كان هو أول الحاضرين فكيف اتأخر؟ هذا يجعلك تفهم منذ البداية أنه عليك الالتزام مهما بلغ الإرهاق؛ فالجمهور لايعرف ظروفك، وقد جاء خصيصا ليشاهدك وينتظر منك الأفضل، وهذا ماتعلمته أيضًا من الفنان عمر الحريرى حين عملت معه على المسرح فى صغرى. هذه الدروس، كانت للحظات صغيرة لكنها استمرت معى وأثرت فى شخصيتى وشكل العمل من حولى.
درست الفلسفة والنقد والإخراج، فكيف صهرت كل تلك الخلفيات لتأسيس طريقة خاصة بك فى الإخراج؟
أرى أن الإخراج المسرحى هو خلاصة خبرات متراكمة؛ فهو لا يعتمد فقط على الموهبة والدراسة الأكاديمية، بل على منهجية رؤيتك للأشياء. ولكى تمتلك رؤية فنية حقيقية، لا بد أن تكون لديك خلفية ثقافية واسعة جدًا.فحتى تخرج عرضًا مسرحيًا، يجب أن تكون قد شاهدت ما لا يقل عن ألف عمل فى المقابل، لتفهم كيف فكر المبدعون الآخرون. وهذا هو جوهر الفلسفة، نحن لا ندرس كتابات الفلاسفة الكبار فحسب، بل ندرس منهجية تفكيرهم. وأعتقد أن دراسة منهجيات تفكير هذه العقول أساسية جدًا؛ لأنها تعلّمك كيف تفكر، وتتعلم الرؤية من زاوية مختلفة تماما عما يُشاهد وإلا أصبحت نسخة مكررة فاختيارك لزاوية التفكير منذ اللحظات الأولى لقراءة النص تشكل فارقا كبيرا. 
وأحب التأكيد هنا أن مركز الإبداع بمثابة معمل حقيقى ومهم فى حياتى. وأذكر أيضا كيف كان الفنان الكبير ناجى شاكر يقف معى، بصفته مسؤولا عن الديكور، وكذلك مصممة الأزياء نعيمة العجمى فكانت تناقش ليس من منطلق مصمم ملابس موجود فى الدفعة ولكن من منطلق تفكير المخرج، كل هؤلاء الأساتذة كانوا إضافات عظيمة جدًا لمنهجى ورؤيتى. 

حدثنا عن تجربتك مع البعثة إلى روما وما أضافته لك.
شكلت بعثة روما نقلة كبرى فى مسيرتى المهنية، مرتكزة على عاملين أساسيين هما، تذليل العقبات الفنية، والتعرض المكثف للإنتاج العالمى. فكان للدكتورة جيهان زكى، رئيسة الأكاديمية حينذاك، دور محورى حيث تدفعك لتقديم أقصى مالديك”تطيرك”، إذ تعمل على تذليل كافة المعوقات طالما توفر لديك الاجتهاد والرغبة فى الإنجاز. منذ اللحظة الأولى قُدمت من قبل الأكاديمية بصفتى مخرجًا زائرًا. وحصلت على امتيازات سمحت لى بالوصول للأوبرا فى روما وتمت معاملتى معاملة الدبلوماسى بصفتى مبعوثا من مصر، وبفضل توفير المسرح وتيسير البروفات، كان الجدول الزمنى مكرسًا للإبداع الخالص، ما أثمر عن إخراج ثلاث مسرحيات فى ثلاثة أشهر، كما سمح لى بالتركيز على الفرجة بشكل أكبر فقد شاهدت عند وصولى أحدب نوتردام بفريقه الحقيقى وكانت تجربة عظيمة، وخلال فترة البعثة شاهدت ما لا يقل عن 150 عرضًا مسرحيا، محققًا بذلك شحنة تعليمية هائلة. هذا الاطلاع لم يقتصر على المسرح الإيطالى، بل امتد ليشمل المسرح العالمى فى أهم فعالياته، فكانت تجربة ثرية شملت كافة أشكال الفن المسرحي؛ من العروض الموسيقية بـأسلوب برودواى وعروض الأوبرا، إلى عروض(Micro-Theater) وعروض الشارع، هذا التنوع كان بمثابة تغذية بيانات مستمرة للعقل بمنهجيات التفكير الإبداعى. 
فهذا الزخم يمكنك من رؤية مدى تطور الإنتاج الفنى عالميًا ويدفعك لتنمية أدواتك الشخصية، لتصل لنفس المستوى الذى وصلوا إليه أو تتجاوزه، خاصة أن لديك خلفية حضارية وتاريخية عظيمة لكننا لانعرف كيفية التوظيف، والإخراج هو الشغف الذى أملكه لتوظيف كل هذه الطاقات والخلفيات من استعراضات، رقص، بالية، نقد، وفلسفة.

وكيف ترى أهمية البعثات عمومًا؟ 
إن الفكرة الأهم على الإطلاق التى يجب أن نتبناها هى البعثات الفنية. أتمنى بصدق أن يتم إلغاء كل جوائز المسرح وتُستبدل ببرامج للابتعاث. لا يجب أن نمنح الناس نقودًا، بل نمنحهم فرصة للسفر لأسبوع أو أكثر إلى روما أو غيرها من العواصم الفنية. فبدلًا من الجائزة النقدية، يذهب أفضل ممثل صاعد ليشاهد ما لا يقل عن عشرة إلى خمسة عشر عرضًا بنفس قيمة الجائزة، فى دولة أوروبية لمدة شهر أو سنة ليتعلم ويشاهد.
لدينا بوابة جاهزة ومتمثلة فى الأكاديمية المصرية فى روما، ويجب استغلالها بقوة؛ لأن الاستثمار الذى وُضع فى حين سافرت يجب أن يُردّ للدولة. أنا موظف فى الدولة وأقوم بذلك من خلال تقديم عروض باسمها، ولكنى أتحدث عن المبدأ فى كل المجالات: أن أى جائزة تتحول إلى بعثة لمشاهدة أين وصل العالم، حتى لا نصبح كمن يخاطب نفسه. إن استبدال جوائز المهرجانات الكبرى، مثل القومى والتجريبى، بالبعثات سيكون استثمارًا وتأثيرًا أكبر بكثير.
حدثنا عن التجربة الفنية والإنسانية لإخراج حفل ملتقى أولادنا مع المواهب من ذوى القدرات الخاصة.
تُعد هذه التجربة من أحب التجارب إلى قلبي؛ فهم أبطال يمتلكون قدرات فائقة، وليسوا أقل من غيرهم بأى حال. كانت التجربة ممتعة ووجدانية خالصة، ولم يكن وراءها أى غرض سوى إسعاد مجموعة من الموهوبين جدًا.
كنت أكرر دائمًا أننا ذاهبون لنمنحهم الطاقة والأمل، لكن فى الحقيقة، هم من منحونا الطاقة والأمل؛ إذ كنت أعتمد على الذهاب إلى البروفات لأستمد منهم القوة اللازمة لإكمال يومى، نظرًا لما يمتلكونه من طاقات جبارة حقيقية. الدكتورة سهير عبد القادر نجحت فى تجميع مجموعة عظيمة من أبنائنا، وكان العمل معهم ممتعًا للغاية.

هل يمكن أن تكون هناك خطة مستقبلية لتقديم عمل مسرحى أو فنى خالصة لأصحاب القدرات الخاصة؟
كانت هناك فكرة قائمة بالفعل لتقديم عرض مسرحى متكامل بهم، ولكن بسبب تداخل الارتباطات وضيق الجدول الزمنى، لم تتحقق بعد. ومع ذلك، فإن الفكرة لا تزال قائمة: أن نقدم عرضًا يليق بأولادنا ويبرز إمكانياتهم الفنية.

حدثنا عن فرقة صوفى للفنون الأدائية، متى تأسست، وما هى فلسفتها ورؤيتها الفنية؟
أسست فرقة “صوفى للفنون الأدائية” قبل عشر سنوات، وكانت انطلاقتها عبر المهرجان الفرنسى فقد كان بمثابة بوابة للكثير من المواهب وأتمنى عودته مرة أخرى. تتبنى الفرقة منهجًا فنيًا يركز على تقديم التجارب المغايرة التى لانستطيع تقديمها من خلال جهات إنتاج مثل البيت الفنى للمسرح أو غيره معتمدة على الإنتاج الشخصى للتجارب التى أحب تقديمها كمسرح “المايم والبانتومايم” الصامت بالكامل، الذى تم اختياره فى منتدى شباب العالم لاعتماده على لغة عالمية. 
وكذلك التجارب الفلسفية No Exitالذى جاب الوطن العربى وعرض على مدار العشر سنوات مايقرب من سبع مرات خارج مصر، كما قدمت الفرقة أعمالًا نوعية أخرى مثل “اعترافات زوجية” الذى رشح لأفضل ممثل وممثلة فى المهرجان القومى للمسرح 2020و”الإطار” الذى قدم فى منتدى شباب العالم، عام 2019،وبفضل هذا التوجه، حصدنا العديد من الجوائز، منها أفضل مخرج فى مهرجانين بالجزائر والمغرب وأفضل نص دراماتورج فى تونس. الفرقة تقدم عرضا جديدا ومختلفا كل فترة، ورغم أن مشروع “أم كلثوم” يستحوذ على تركيزى حاليًا، إلا أنه بالتأكيد سيكون هناك فكرة جديدة ومختلفة تقدمها الفرقة. 


روفيدة خليفة