هالة محمود دياب: والدي طلب عدم كتابة اسمه على «الأخوة الأعداء» بسبب مشاهد الرقص التي أضافها المخرج

هالة محمود دياب: والدي طلب عدم كتابة اسمه على «الأخوة الأعداء» بسبب مشاهد الرقص التي أضافها المخرج

العدد 738 صدر بتاريخ 18أكتوبر2021

على الرغم من الثقافة الواسعة للكاتب الكبير محمود دياب، واهتمامه الكبير بالأدب الروسي وغيره من الآداب العالمية، فإن أعماله لم تفارق الروح  المصرية والعربية،  ولم تشعرك للحظة بالغربة حين تقرأها أو تشاهدها على خشبة المسرح أو في السينما والتلفزيون. لم يهتم يوما برسم الأحلام وتحقيق أمنيات أبطال أعماله في نهايات سعيدة، وكان همه الوحيد هو المواطن، وإعادة تشكيل وجدانه؛ ليخرج متسائلا باحثا عن الحقيقة. محمود دياب مواليد أغسطس 1932، وتوفي في سبتمبر 1983، ولكنه لم يمت، وستظل كتاباته تشهد على ذلك.. في هذا الحوار نحاول الاقتراب منه لنتعرف على وجوه أخرى من أوجهه المتعددة التي لم نكن نعرفها، وبالتأكيد لن نجد أكثر من ابنته الدكتورة هالة محمود دياب، لتقربنا منه، وتعرفنا أكثر على كاتبنا الكبير محمود دياب.   

- ما الذي لا يعرفه القارئ عن محمود دياب الإنسان؟
كان حنونا على الرغم من أنه يبدو قاسيا وجادا جدا، وله هيبته التي تجعل مَن لا يعرفه يخشى الحديث معه. أذكر أنه حين كان يجدني أبكي تدمع عيناه، لكنه لا يعبر عن ذلك، كان محبا للقطط ويحتفظ بإحداهن ويهتم بها، ومحبا للأطفال أيضا، ومن الأشياء التي ربما لا يعلمها البعض عنه أن لديه روحانيات مرتفعة جدا، ولديه قوة تنبؤ غريبة، كان محبا للميتافيزيقيا والكون ودائما ما يرى أشياء لا نراها، وكنا على تواصل روحي أنا ووالدي، مثلا حين كنت أمكث في منزل جدتي ويدق جرس الهاتف أرفع السماعة ودون أن أسمع صوته أرد «أيوه يا بابا» فكان يتعجب ويسألني كيف عرفتي؟ وحين كنت أريد أن أطلب منه شيئا أجده يتحدث إليّ ويسألني ما الذي أريده أو حجم النقود التي أريدها، وكأن هناك تخاطر بيننا، فالتخاطر لديه قوي جدا، كنا نجلس بالمنزل وفجأة سألني عن عمتي هل أتت، فأخبرته أنها لم تحضر، فأجاب: «ستحضر، الباب سيدق الآن، افتحي لعمتك»، وبالفعل وجدتها أمامي! مع العلم أنها لم تبلغه بقدومها، كان مثاليا جدا وجعلنا «نشرب» المثالية ونعاني كثيرا بسببها، كما عانى كثيرا بسببها، ما جعله يعتزل الناس في النهاية، لأن الإنسان حين يعلو بتوقعاته لأعلى وأفضل الاحتمالات التي من الصعب أن يجدها يصطدم في الواقع فيحزن. 

- إذن، تميز كتاباته بقدرتها على استشراف المستقبل كان بسبب ما لديه من حدس قوي؟ 
كان الأمر كبيرا جدا وأثر على كتاباته وكانت تلك المسائل تستهويه وبحث كثيرا عن هذا الأمر وقرأ الكثير عن الميتافيزيقيا والتخاطر والكون، ومسرحيته «باب الفتوح» كلها عن شخص قادم من الحاضر وذاهب للماضي ليلتقي بصلاح الدين حاملا كتابا ووردة، يريد أن يقول له نحن معك، الوردة هي الحب، والكتاب هو القوانين، وطيلة المسرحية يحاول الوصول إليه.

- هل هناك واقعة بعينها جعلته يعتزل الناس؟ 
كان ثائرا دائما، يعيش حالة اليوتوبيا، وما تسبب له في صدمة هو مسلسل «إلا الدمعة الحزينة» إخراج حسام الدين مصطفى، وكان قد كتبه في 15 حلقة عن قصة «الأبله» للكاتب الروسي دوستويفيسكي، وقد عربها لتتناسب ومجتمعنا العربي، ولكن المخرج شوه العمل وزاده 15 حلقة أخرى من المط، ففشل المسلسل، وحزن أبي حزنا شديدا، وكان المخرج قد قدم له العديد من الأعمال منها فيلم «الإخوة الأعداء» المأخوذ عن الإخوة كارامازوف لدوستويفيسكي، ولم يذكر اسم أبي على الفيلم، بسبب رفضه ستة مشاهد من الرقص لنادية لطفي أضافها المخرج، حيث كان يرى أن الفيلم متكامل وليس في حاجة لتلك المشاهد؛ الأمر الذي أصابه بالاكتئاب وطلب حذف اسمه، ولم يخفف عنه سوى أن الصحف تكلمت عن رفض محمود دياب لمشاهد الرقص.  

- وهل كان يحرص على أن يعرف رأيك في كتاباته؟ 
كتب معظم مسرحياته وأفلامه وأنا في المرحلة الإعدادية، أذكر أنه قرأ لي مشهدا من فيلم «الإخوة الأعداء» وهو الذي كان يقول فيه الأب لابنه محيي إسماعيل «تعالى يا جحش.. فيرد: أنا مش جحش.. فيقول له: أنت زعلت عشان بقولك يا جحش، طب أنا هرقيك وأقولك يا حمار».  كان يقوم بتمثيل المشهد «ويضحك» على الإفيه كما الأطفال، وكأنه يسمعه لأول مرة، وسألني ماذا أسميه، ولأني كنت قرأت العمل فاقترحت عليه اسم «الإخوة الأعداء»، وكذلك فيلم «سونيا والمجنون» لأني كنت أحب مسرحية «ليلى والمجنون» لمحمود يس وسهير البابلي، أثناء قراءتي للمشاهد الأخيرة في العمل اقترحت عليه أن يسميه «سونيا والمجنون»، أما فيلم «الظلال في الجانب الآخر» فكنت في الخامسة من عمري، وكذلك فيلم «الشياطين» كنت صغيرة جدا، وأذكر أنه أثناء العرض الخاص لأي فيلم له كان يردد الحوار مع الممثلين ليتأكد أن أيا من كلماته لم تتغير، وكانت تحدث أزمة ويغضب بشدة، إذا وجد كلمة تم تغييرها أو وجد ممثلا يتحدث بطريقة غير التي كتبها بها.

- من كان يحبه من الممثلين؟
كان يحب الفنان حسين فهمي بشكل كبير، وكتب له فيلمين، كان يراه مثقفا واعيا وإنسانا راقيا. 

- كيف أثرت دراسة القانون وعمله به في كتاباته؟ 
كان مستشارا في هيئة قضايا الدولة ودائما ما يفتخر ويقول لي «أبوكي عمره ما حكم في قضية ضد مواطن» فقضايا الدولة كانت دائما من الدولة ضد المواطن، وهو دائما في صف الشعب والمواطن الغلبان «بالعدل»، ففكرة العدل كانت مرهقة بالنسبة له وتشغله، العدل بين الناس الفقير والغني، وكان يحب الذهاب للقرى والجلوس مع الفلاحين على «المساطب» للتقرب منهم والتعرف عليهم، وقد تأثر بفكرة العدل التي تناولها في كل أعماله سواء المسرحية أو السينمائية.

- هل كان مهموما لهذا الحد بالمواطن ولهذا لم تكن النهايات، في معظم أعماله، كما يريدها البطل؟
نعم كان مهموما بالطبقة الفقيرة والمعدمة، وكان قارئا جيدا للأدب الروسي ودائما ما يتعاطف مع هذه الطبقة؛ فقدم مثلا «العطسة» عن قصة «موت موظف» وتدور حول الموظف الذي أخذ راتبه وعزم زوجته لمشاهدة فيلم في السينما والاستمتاع به، ولكنه عطس فجأة أثناء العرض، فنظر إليه الجالس أمامه باستياء وتبين أنه رئيسه في العمل، ومنذ تلك اللحظة بدأت مشكلة الموظف التي تكمن في قبول رئيسه  الاعتذار، وقد  حاول إنهاء الموقف كثيرا  بالاعتذار، على الرغم مما أبداه رئيسه من استياء وتذمر من محاولاته المستمرة للاعتذار، فالموظف يخاف أن يطرده رئيسه من عمله فلا يجد راتبه، فيزداد توتره ويعيد محاولات الاعتذار، وبالتالي لم يشاهد الفيلم وظل يشعر أنه سيجن.

- هل يفسر ذلك اهتمامه بالأدب الروسي؟ 
كان يميل للأدب الروسي جدا دون غيره، وكنت أشعر أن ذلك لأنه كان يميل للشيوعية والاشتراكية، ولا بدّ أن تسود المساواة والعدل بين الناس، والأدب الروسي كان يهتم بتلك القضايا. 

- ماذا كان يشغله أيضا؟ 
هو أحد رواد مسرح السامر الذي ابتدع فكرة أن ينتقل العمل المسرحي من قرية لأخرى، ليعرض على كل فئات الشعب ويخاطب المجتمع الفقير ثقافيا ومسرحيا، لأنه يصعب عليهم المجيء إلى القاهرة لمشاهدة الأعمال التي تقدم على مسارحها،  أيضا كان دائما ما ينظر للمستقبل ويردد: إننا شعب مسالم بطبيعته، نحب كل الشعوب، ومصر احتوت كل الأديان، فكنا كتلة واحدة، ومهما كانت هناك معاهدات للسلام فهم يفكرون في أشياء مختلفة يريدون تحقيقها، ولا بدّ أن ننتبه، فنعم للسلام؛ لكن؛ لا بدّ أن ننتبه إلى أن هؤلاء الرجال لا يشربون القهوة. 

- لكل مبدع طقوسه الخاصة فما هي؟ 
كان يذهب لعمله بالمحكمة ويعود في الثالثة يتناول الغداء ويستلقي حتى الخامسة عصرا، ثم يدخل البلكون يحتسي الشاي ويظل متجولا بينها وبين المكتب حتى الثالثة فجرا، وكان يغلق باب مكتبه على نفسه، كما كان يحب استقبال الجميع، فكان يزوره المخرجون والممثلون والكتاب، منهم نعمان عاشور وجمال الغيطاني وعبدالمعطي حجازي الذي كان جارا لنا، كما كان محبا كبيرا لفيروز، ومن طقوسه أن يسمع يوم عطلته صباحا من الثامنة حتى العاشرة سيمفونيات، ثم فيروز وقد «شربت» منه حب الموسيقى والغناء لدرجة أني كنت مطربة الجامعة الأولى. 

- ولماذا لم تتجهي للعمل في المجال الفني؟
كنت أتمنى ذلك كعادة الفتيات في مرحلة المراهقة، وكان يزورنا الكثير من المخرجين ومنهم محمد دياب المخرج التلفزيوني، الذي تحدث إلى والدي وقال له «ابنتك وجهها (فوتوجينيك) خليها تمثل» لكن والدي رفض بشدة. 

ما الذي لم يكن يحبه؟ 
لم يكن يحب أمريكا، وحين كان أي شخص يسافر إليها يعتبره عميلا، فقد كان وطنيا يعشق مصر لدرجة أنه وهو على فراش الموت كان يبكي ويردد عن مواجهة مشكلة المياه، كان لديه دائما مخاوف من إسرائيل وأن البلد ستضيع، وأخذ يردد «خدوا بالكم منها» كان يرى المستقبل لسنوات قادمة. 

هل كان رافضا لمعاهدة السلام؟ 
لم يحبها، فقد توقع الانفتاح في مسرحيته «دنيا البيانولا» التي قدمها قبل الانفتاح بثلاث سنوات تنبأ فيها بالانفتاح الاقتصادي حتى حدث حريق مسرح البالون، وتدور المسرحية حول بيت قديم يُعرض للبيع ليتحول إلى بوتيكات، وكانت من المسرحيات التي أثارت تحفظ البعض، حيث من غير المعقول أن يهاجم نظام الدولة على خشبة مسرح الدولة، وكذلك مسرحيته «الهلافيت»، وقدم أيضا مسرحية «رسول من قرية تميرة» للاستفهام عن مرحلة الحرب والسلم، ومسرحية أخرى توقع فيها ظهور الباشاوات ليس باشاوات الملكية، إنما من يستحوذون على رأس المال. 

- هل كان يحب مسرحية «تميرة» لدرجة أنه اشترى قطعة أرض وأسماها تميرة؟ 
هو اسم مصر الفرعوني في الأصل، ولأنه كان محبا لمصر، وللاسم والمسرحية، ولهذه الأرض، أطلق عليها الاسم، وهي معروفة حتى الآن بأرض المستشار بعد أن تم الاستيلاء عليها بوضع اليد، كان يحلم أن يشتري أرضا ويسميها تميرة، والدي عشق هذا البلد لدرجة أنه رفض عروض بالسفر لأمريكا لأن لديه أعمالا كثيرة ترجمت للعديد من اللغات الإنجليزية والفرنسية، وإسرائيل –للأسف-  تقدم له حاليا مسرحية «ليالي الحصاد» وسبق وقدموا له «الزوبعة» في حين أنه من المفترض عدم تداول أعماله إلا بالرجوع لنا. 

- لكل مبدع عمل يحبه أكثر من غيره ويعتبره ابنه فأي أعماله أحبه أكثر؟ 
الرجل الطيب في ثلاث حكايات «الرجال لهم رؤوس، الغرباء لا يشربون القهوة، اضبطوا الساعات»، وقد كان يقصد بالغرباء لا يشربون القهوة أننا أهل كرم، وحين يزورنا ضيوف نقدم لهم القهوة؛ لكنهم لا يشربونها لأن هدفهم ليس الضيافة؛ بل يريدون بيتك الذي تملكه وانتماءك، وهي تقول إن كل من يريد أن يسلبك حقك وانتماءك وهويتك ووطنك، لا بدّ أن تتصدى له، وطوال المسرحية يتحدث إلى زوجته دون أن نراها فهي رمز للماضي والذكريات التي تربطه بالمنزل، يرفض الرحيل عن المنزل ويرسل لابنه يستنجد به، أي يخاطب الأجيال القادمة. هذا هو والدي الذي كان مهموما بالقضية الفلسطينية والقدس، وكان يكتب لكل وقت متنبئا بالمستقبل. 

هل فكرتم في جمع أعماله كلها في مجلد واحد؟ 
بالفعل جمعت كل أعماله وكتبه «مسرحيات، قصص قصيرة، أفلام مسلسلات» في ثلاثة مجلدات، كل مجلد ثلاثمائة صفحة، وصممنا الغلاف والكتاب جاهز على الطباعة، وسبق وتلقيت طلبات من بعض المكتبات، ولكني طلبت من مكتبة مدبولي أن تقوم بطباعتها وانشغلت لبعض الوقت، وفي القريب سوف أكمل مهمة طباعتها، كما أرادت شركة كويتية الحصول على أعماله، فرفضت ولذلك قمت بجمعها بنفسي. 

من كان صديقه المقرب؟
«عمو إسماعيل» فعلى الرغم من أن والدي هو الأكبر عمرا فإنه كان يرى الدنيا بعيون إسماعيل الطالب بكلية الفنون الجميلة الشقي دائم التنزه مع أصدقائه، بينما بدأ والدي عمله كوكيل للنيابة وآخر منصب له كان رئيسا لمحكمة النقض، أما إسماعيل فعمل بعد تخرجه رساما بالأهرام وآخر منصب تقلده كان مديرا للنشر بدار المعارف، كان يذهب مع إسماعيل ويشاهد أصدقاءه، وقد كتب أكثر من قصة بسببه هو وأصدقائه، ومنها «الظلال في الجانب الآخر» فتلك تجربة حقيقية عاشها والدي، ووضع فيها رؤيته وفلسفته مع كونها تحمل جزءا من الواقع، وقامت ببطولته نجلاء فتحي ومحمود يس. 

- كيف أثرت نشأته في الإسماعيلية وقد قضى فيها فترة شبابه؟ 
ظل بالإسماعيلية حتى حصل على البكالوريا ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بالجامعة ثم تزوج، كان يحب لعب الكرة ويطلقون عليه «أبو رجل ذهبية»، وكان ضمن المقاومة الفدائية ضد الإنجليز في المرحلة الإعدادية والثانوية، حتى التحق بالجامعة، عُيّن وكيلا للنيابة في أسيوط، وكانت النيابة تطل على قصر كبير، وكانت هناك فتاة جميلة جدا تحمل الملامح الأجنبية، دائما ما كان ينظر إليها، تقدم لخطبتها وتم رفضه في البداية لأنها ابنة باشا وهو رجل عادي، موظف بسيط، لكنه تزوجها وهي في السابعة عشرة من عمرها، وقد أنجبتني أنا وأخي ثم رحلت عن دنيانا في عامي الأول وكان عمر أخي شهران، فأصابه الحزن الشديد وشعر بالاكتئاب، وكان دائما يخبرني أنه لم يحب سواها. 

- كيف ترين الآن كتابات والدك؟  
كتابات والدي صالحة لأن يقوم أي مخرج بتقديمها -سواء مسرحية أو سينمائية- وهو مغمض العينين، لأنه كان يكتبها مرسومة بحركة الممثل والكاميرا أو الإضاءة، وكان يرفض أن يتدخل أي شخص في السيناريو، كان القائم على العمل كله، حتى أن الراحل كرم مطاوع كان يردد دائما أنه يحب أعمال محمود دياب لأنها «بتريحه». 

- كانت أعماله تجمع بين الأمل واليأس، والمتناقضات عموما.. كيف تفسرين ذلك؟ 
هو صراع الخير والشر، لكنه لم يتعاطف يوما مع الشر، كان يجعل المتلقي يكرهه، مثلا الأعمال التي تضم ضمن شخصياتها «العاهرة» أو سيئة السمعة، نجد الأفلام تتعاطف معها ويوجدون لها المبررات، بينما محمود دياب يمكن أن يتعاطف معها في كتاباته بشرط ألا تكون قد تعمقت في الرذيلة لأنه يكرهها، لم يكن رجلا عاديا، وأذكر كنت أشاهد مسلسلا وكان هناك مشهد لأب أحضر ابنته للتليفزيون ليجعلها تمثل« دي بنتي حلوة قوي والنبي خلوها تمثل » فانتاب والدي الاشمئزاز وانفعل جدا: كيف لهذا الرجل أن يفعل ذلك، إنها ابنته الطفلة فهل هي سلعة يروج لها وكيف يجعلها تمثل، وحاولت تهدئته بالقول إنه مجرد مسلسل، وكان يرد: أشاهد الكثير يفعلون ذلك في الواقع وهذا أمر مقزز. 

- هل  كانت كتاباته كلها جادة ؟
مسرحية دنيا البيانولا كانت كوميدية جدا، وقصة يمكن استيعابها عن الانفتاح وخطره على الشعب المصري، وكيف أنه سيغير عاداتنا وتقاليدنا؟، والزوبعة برغم أنها كئيبة جدا وتدور حول شخص اختفى ويتهم الوالد بقتله ويحكم عليه بالسجن ظلما لكن من خلال عبده الأهطل والسنيورة وعبده الألماني والتوأم المتخصصين في الإشاعات كان هناك كوميديا، العمل الوحيد الذي أرى أنه كان قاتما هو « الإخوة الأعداء » ولهذا أبرر للمخرج أن يقوم بإضافة مشاهد الرقص خلال أحداث الفيلم. 

لماذا كان يحب الاستعانة بالماضي دون الخوض في تفاصيله ؟ 
نعم يقوم بإسقاط الحاضر على الماضي دون التركيز على الماضي، لأن القصص هي نفسها تعاد وتكرر في كل الأزمان، وكما نقول التاريخ يعيد نفسه، وكل حقبة، وكل إنسان، له أخطاءه فصلاح الدين بالرغم من كل ما حققه من انتصارات كان له أخطاء، لذلك أراد أن يذهب إليه لأنه سعيد به ويحبه وهناك أخطاء يريد أن يطلب منه ألا يفعلها، فالرسالة يوجهها للحاضر لمن بيده الأمر وليس صلاح الدين.

- ما الذي كان مختلفا في محمود دياب عن أبناء جيله؟ 
بدأ الكتابة في التاسعة عشر من عمره، وكتب أول مسرحياته « البيت القديم» في عمر ال22عاما ، كانت تجربة ذاتية وقد أخبرني قبل رحيله بشهرين أن يحيى حقي قال عنه في مقدمتها إنه يتميز برقي لغته العربية الفصحى، ويقدم السهل الممتنع وإن  المسرحية لا تحتاج لمراجعة لجمال لغتها، وكان فخورا بذلك، و كتب أيضا قبل هذه المسرحية أشياء جميلة وهو صغير وجمعتهم جميعا في المجلد كما ذكرت، ما يميزه أن لديه هدف، وقد كان بجانب عمالقة مثل العقاد وتوفيق الحكيم وغيرهم، دائما لديه إسقاطات ويسير بالرمز، جرئ في طرحه للقضايا، كنت أحترمه وأخاف منه، لديه حاسة تمكنه من كشف الكذب فورا، وحين كان يضحك كان يشبه الطفل.

- هل كتب مذكراته ؟ 
كتبها، لكننا رفضنا نشرها لأنها مرعبة جدا وكلها تنبؤات، وتضم تنبؤات خاصة بنا نحن أبناءه وقد تحققت، يتحدث فيها عن الميتافيزيقيا والكون وأشياء يصعب استيعابها وكلما قرأتها  بكيت 

- حصل على عدد من التكريمات والجوائز فهل ترين أنه حصل على ما يستحقه؟ 
اهتمت الدولة في فترة ما بالكاتب محمود دياب، في حياته حصل على جائزتين من أنور السادات كأفضل مستشار، حيث كان أصغر مستشارا في الجمهورية، كما حصل على جائزة أثناء رئاسته للثقافة الجماهيرية بالإسكندرية، وحصل على جائزة أفضل قصة عن «سونيا والمجنون»، بالإضافة للجوائز من خارج مصر فقد حصل على جائزة أفضل سيناريو وحوار حول العالم عن فيلم « الظلال في الجانب الآخر»، وبعد وفاته حصل على الكثير من التكريمات، كما أطلق اسمه على قاعة في النادي الاجتماعي بالإسماعيلية، بالإضافة لشارع باسمه بجانب مجمع المحاكم، كما حملت بعض من دورات المهرجان القومي للمسرح اسم محمود دياب. 

- بماذا تحبي أن ننهي حوارنا عن محمود دياب؟ 
ببعض كلمات مما كتب، يقول :
المركب توشك أن تغرق 
ولكي ننجيها لابد أن نتخفف من بعض الأثقال 
وسيلتنا عتق عبيد الأمة 
لا يوجد بلد حر إلا بشعب حر 
ما من شيء يدفع عبدا أن يستشهد ليصون الحرية للأسياد 
أن يحمي أرضا لا يملك فيها شبرا
أن يحفظ عينا لا يُعطى منها جرعة ماء 
أن يمنح دمه ليحيا جلادوه 
لو أنا اعتقنا الناس جميعا 
ومنحنا كل منهم شبرا في الأرض 
وأزلنا أسباب الخوف 
لحجبنا الشمس إذا شئنا ..بجنود يسعون إلى الموت 
ليزودوا عن أشياء امتلكوها.. واكتشفوا كل معانيها
 الحرية شبر الأرض وماء النبع ..
قبر الجد وأمل الغد 
ضحكة  طفلة تلهو في ظل البيت  
وذكرى حب 
وقبة جامع أدوا يوما فيه صلاة الفجر. 


روفيدة خليفة