نادرة.. النادرة

نادرة.. النادرة

العدد 737 صدر بتاريخ 11أكتوبر2021

 حين تلتقي الفنانة نادرة عمران فأنت أمام قلب يحمل فلسطين بداخله مثل كل عربي مخلص، وهي وقلبها يسكنان عمان تلك المدينة الهادئة التي ينعكس هدوءها على سكانها النشامة. تعرف خشبات المسارح نادرة الممثلة منذ بدأت وهي بعد صبية تعلقت بحب المسرح من شقيقها المخرج الكبير نادر عمران مؤسس فرقة مسرح الفوانيس التي اهتمت في مسارها بالتجريب المسرحي منذ العام الثاني والثمانين. لنادرة خبرة كبيرة بالتمثيل في كل الوسائط الفنية في المسرح والتلفزيون، كما تعرفها شاشات السينما بأفلام مهمة مثل «باب الشمس» للمخرج يسري نصر الله وفيلم «3 آلاف ليلة» لمي المصري، وفيلم «لما ضحكت الموناليزا» للمخرج فادي حداد، وفيلم «الزقاق» لفادي غندور الذي سيعرض قريبا. الحوار بيني وبين نادرة لم ينقطع منذ أكثر من ربع قرن منذ التقينا في أول مهرجان مسرحي، حوار حول الفن والمسرح والحياة بحلوها ومرها.. أي حوار مشترك بيننا جميعا. 

- تجربتك بالتمثيل بدأت مع فن المسرح أي سبقت السينما والتلفزيون فهل ما زالت له المكانة الأولى لديك؟ 
ترد بسعادة: أكيد، وهذا أجمل ما كسبت بالحياة لأن المسرح هو المختبر الأساسي للمعرفة في الفن والحياة، البدايات كانت مع فرقة الفوانيس مع مسرحية «رحلة حرحش» ثم «عاش جلجامش» تأليف وإخراج نادر عمران، تجربتي بالفوانيس لا تنسى في تزويدي بالعلم بكل عناصر فن المسرح وأتذكر تجربة مسرحية «أوديب» سوفكليس قدمناها بعنوان «راوي مسرحي يمرسح أوديب» قدمت بمهرجان دمشق المسرحي عام 1986 ولا أنسى إعجاب الكاتب المسرحي الكبير سعد الله ونوس برؤية العرض المستندة على لعبة الشطرنج, أخرجها خالد الطريفي، وهناك تجربة مهمة أيضا بعنوان «حان وقت الفانتازيا» عن «حلم ليلة صيف» وحصلت على جائزة التقنية المسرحية عام 1988 تقريبا. ثم قدمت مع مخرجين كبار مثل القدير هاني سنوبر «جنون العاقل» والكبير عبدالرحمن عرنوس «رحمة» مع شباب قسم المسرح بجامعة اليرموك وتعلمت منهما الكثير. 

لك في مسرح المونودراما تجارب عديدة نتوقف للحكي عنها؟ 
قدمت مسرحية «كواليس» في عام  1989 وقمت بكل عناصر العرض المسرحي: الكتابة، والتمثيل، والإخراج، حيث ساقني الطموح لتلك التجربة وتعلمت منها الكثير.  
ثم قدمت نصا ممتعا للكاتب الإيطالي داريفو باسم «اليقظة» ترجمها الكاتب السورى الراحل د. رياض عصمت وقمت بإخراجها أيضا.
 وهناك تجربة مهمة عن النص الإسباني الأخاذ «بيت برناردا ألبا» من إخراج جوادي الأسدي وإعداد عباس النوري حيث لعبت دور الأم برناردا، لكن كانت بنات برناردا حاضرات على المسرح بدون كلام، فقط أداء حركي وتعبيري، وتلك من تجاربي بالمسرح التي أعتز بها كثيرا، وتكررت التجارب مع المخرج الكبير جواد الأسدي مثل «المجنزرة ماكبث» و»حبينا بعضا» فهو مخرج يفهم الممثل وينشط خياله مع الشخصية لينطلق فوق المسرح. 
وبعد تكويني فرقة «رؤى» قدمنا من إخراج على شابو «الكراسي» ليونسكو عام 2009، و»حلم ليلة ربيع عربي» من كتابتي عام 2012. ثم مسرحية مع الشباب باسم «هشتاج مباشر» من إعدادي عن قصة من كتاب «بلدي» للكاتب رسول حمزاتوف من كازاخستان، في محاولة لفتح عملنا على ثقافات جديدة. 

عملت مع مخرجات في المسرح مثل المخرجة لينا التل والمخرجة سوسن دروزة ولكنك ترفضين مصطلح المسرح النسوي.. كيف تفسرين ذلك؟
ردت بسرعة: أرفض تماما توصيف أي جهد فني أو أدبي بنعت «نسوي»، لأن هذا شكل من أشكال تصنيفات عولمية تخلق فصلا ليس فقط في الإبداع، ولكن تخلق فصلا اجتماعيا وثقافيا وإنسانيا لا لهدف بريء، وإنما لهدف التفرقة بين مكونات إنسانية بعينها، وكأنها بشكل غير مباشر تفرض كانتونات بشرية ضد الطبيعة الإنسانية. فأنا لا أقدم فنا بصفتي امرأة، ولكن بصفتي إنسانة قدر أن أكون امرأة، ويفترض أن يخضع المشروع الفني الذي أقدمه أو أشارك به للقواعد الفنية والإنسانية دون القياس على أساس النوع، فالمرأة والرجل يعانيان نفس المعاناة ويعيشان نفس الحياة ويطالبان بالحرية كحق إنساني ولا أغفل أن المرأة بصفتها المربية الأولى هي المسئولة عن وجود رجل يعاملها كإنسان ناقص.  

أحب أدوارك بالسينما فهل يعود هذا لعملك بأفلام مع مخرجين كبار وإنتاج كبير أم ماذا؟ 
تقول: تجربة السينما في تقديري مهمة لأن السينما فن يعيش مع الزمن كوثيقة وتحكمه شروط الفن، حتي لو كان تجاريا  في جانب منه. المهم عندي أن يكون السيناريو يتناول قصة فكرية تتفق مع قناعاتي والمخرج لديه رؤية ووجة نظر سينمائية تظهر على الشاشة وتصل للجمهور.

ما الأهم في اختيارك للدور، الجانب السياسي أم الإنساني؟ 
تقول: لا ينفصلان، وفي الآونة الأخيرة ترافق الاثنان في حياتنا، ويعنيني أن أكون خارج أي أجندة سياسية، فيعنيني في المقام الأول التعبير عن القيم الإنسانية التي لا تنفصل عن الوطنية.  
حدثينا عن تجربة فيلم «3 آلاف ليلة» الذي شارك في مسابقة الفيلم الأجنبي بمسابقة الأوسكار عام 2015.
الفيلم يتحدث عن المعتقلات الساسيات في السجون الإسرائيلية، وقمت بدور قرين لشخصية المناضلة الأردنية «تريزا هلسة»، ولكن بتفاصيل مختلفة قليلة لضرورات درامية، وكل الفيلم عن سجينات الرأي الفلسطينيات وتعذيبهن داخل تلك السجون، والتفرقة بينهن وبين غيرهن من السجينات.
والتجربة كانت مهمة جدا لي وللسينما، لأنه كان من أول الأعمال التي تطرقت لهذا الموضوع، وثانيا التعامل مع المخرجة الموهوبة مي المصري تؤطره الأمانة الفنية والرقي في التعامل، وكان من نجمات الفيلم مايسة عبدالهادي وكريم صالح وركين سعد وهيفاء الأغا وإيمان هايل وأحمد العمري، ومن مواطن الجمال في الفيلم وجود المخرجة الفلسطينية المهمة «آن ماري جاسر» التي مثلت دورا صغيرا لدعم مشروع الفيلم كتجربة مهمة للمخرجة المخضرمة مي المصري، وهذا موقف نبيل من فنانة كبيرة. 

في الدراما عبر شاشات التلفزيون لك أدوار لا تنسى مع مخرجين كبار مثل محمد عزيزية وحاتم علي وشوقي الماجري وأحمد دعبيس وصلاح أبو هنود. وتنوع إنتاجها بين عدة دول عربية من سوريا وتونس والعراق والخليج، وكذا تعدد في الممثلين بما يمثل وحدة عربية فنية.. ما ضرورة ذلك فنيا؟
 بالفعل، إنها وحدة عربية فنية أسعد بها وبقبول المتفرج العربي بها من المحيط للخليج، شاركت في أعمال كبيرة بالفعل مثل «الاجتياح»، «الحجاج»، «توق»، «صلاح الدين»، «عمر»، «رأس غليس»، «الدرب الطويل»، «الزعيمان» إخراج الليبي أسامة رزق.

- يلاحظ أن كلها أعمال فنية ذات موضوعات تاريخية هل هذا ما تفضلين فقط؟ 
أظن هذا من حسن حظي أن أعمل مع مخرجين كبار مثلما ذكرت، وهؤلاء دائما معظم أعمالهم تاريخية لكتاب كبار وإنتاج ضخم، إضافة إلى أنني أحاول ألا أشارك في المسلسلات التي تفبرك قصصا مشوهة وغير مهمة، يهمني الإنسان الحقيقي في أي مرحلة من تاريخ الإنسانية. أيضا شاركت في مسلسلات ذات أحداث معاصرة مثل «هدوء نسبي» الذي اهتم بدور الإعلام فيما تعرض له العراق من ويلات. وهناك غيرها مما يتفق مع إيقاع العصر وترتيبات الحياة الحديثة مثل مسلسل «فيميل». وانتهيت مؤخرا من مسلسل «مدرسة الروابي» من إخراج تيما الشوملي، وأذيع مؤخرا على منصة نتفلكس وحقق صدى كبيرا.  


سامية حبيب