المخرج عباس أحمد: اسألوا المسئولين عن سبب غيابي عن الساحة المسرحية

 المخرج عباس أحمد: اسألوا المسئولين عن سبب غيابي عن الساحة المسرحية

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

عشق المسرح عشقا خالصا فاستحق لقب راهب المسرح. هو الجندي الذي أفنى حياته في عشقه، ومازال يعمل ويبحث ويقرأ ويطلع ويقدم أعمالا تتسم بالاختلاف وتعانق الشعب في القرى والنجوع . المسرح بالنسبة له منبر هام لغرس  القيم ومحو الأمية الثقافية وتشكيل الوجدان وتعزيز الهوية.                                                            
انه المخرج المبدع ابن الثقافة الجماهيرية وصاحب البصمات المميزة عباس أحمد الذي كرمه المهرجان القومي مؤخرا،  وكان لابد من اللقاء به، لنتعرف ونقترب منه ونحاوره حول أهم محطات حياته المسرحية.
عباس أحمد مخرج ومؤلف مصري، احد رواد المسرح في بورسعيد، أول من أسس فرقه قصر ثقافة بورسعيد في منتصف الستينات، اخرج لمسرح الثقافة الجماهيرية ومسرح الدولة العديد من الأعمال المسرحية كما قام بتأليف بعض الأعمال ورواية ( البلط ) هي أول اعماله فى عالم الرواية.      
لتكريمك وقع خاص ليس فقط لفناني بورسعيد فحسب وإنما لجميع فنانين الأقاليم فماذا يمثل لك هذا التكريم من المهرجان القومي؟
التكريم حافز ودافع للاستمرار والابتكار ولتقديم إبداعات للمسرح الذي أعشقه، وقد لقبت براهب المسرح وهو لقب يعد مسئولية كبيرة، ولا أعتبر التكريم نهاية الرحلة فالفنان ليس له نهاية ولكنه يستمر لتتعلم منه الأجيال ويظل متوهجا بفنه وعطائه.
- لقبت براهب المسرح فما انطباعك عن هذا اللقب؟
عندما قدمت عرض « ذات الهمة « بالجزائر علمت أنهم لقبوني بشيخ المخرجين ويعد هذا اللقب أكبر الألقاب فى الجزائر، ويطلق على ذوى الخبرة الواسعة والحنكة وأشعر أنى راهب بالرغم من أنى متزوج ولدى ابن.  وكان د. هاني مطاوع رحمه الله يشبهني بالرهبان «الفرنسسكان» ، فأنا لا أستطيع الحياة إلا وأنا أمارس معشوقي المسرح سواء بالكتابة أو الإخراج أو التدريب والورش وأعتبر نفسي فى ورشة دائمة وممتدة.       
- ولدت ونشأت فى مدينة بورسعيد فكيف كان أثر هذه النشأة في تكوين شخصيتك  الفنية والإنسانية ؟
طردنا من منزلنا في بورسعيد وكان هذا الأمر له أثر سلبي كبير على أسرتي وظل أبى يبحث عن شقة أخرى، وبالفعل عثر على شقة في أحد الأحياء الشعبية فى آخر مدينة بورسعيد، وقد تربيت تربية شديدة  الانضباط وعندما انتقلت للحارة الشعبية وجدتها عالما مختلفا فكنت ألعب مع الصغار ورأيت الاحتفالات الشعبية المختلفة من الموالد وشم النسيم وشعرت بمعنى الانتماء الحقيقي، وكانت هناك عدة أمور تميز الحارة الشعبية أبرزها تعلم كيفية الدفاع عن النفس، وأتذكر فتوة الحارة عندما علمنى أول الدروس فى المواجهة وعدم الخوف عندما رأيت ثعبانا فأصر على أن أتخلص منه وأقتله بيدي فتعلمت الشجاعة والجسارة وعدم الرهبة وجميعها أشياء ساهمت فى تكوين شخصيتي ومواجهة أصعب المواقف.
- شكلت فى بدايتك ثنائيا متميزا مع الفنان الراحل محمود ياسين حدثنا عن هذه البداية ؟
كنا ثلاثة أصدقاء: الفنان الراحل محمود ياسين والمخرج سيد طليب وأنا، كونا سويا فرقة «هواة التمثيل ببورسعيد»  وكان عمرنا آنذاك لا يتعدى السبعة عشر عاما وقمنا بتقديم  مسرحية قطاع خاص، جمعنا تكاليف العرض وساعدنا والد المخرج سيد طليب الذي كان يعمل بهيئة قناة السويس آنذاك، وبالفعل قمنا بعمل ديكورات العرض وجميع عناصره. فى تلك الفترة كان مسرح الريحاني الذي يقدم الكوميديا الفارس وبالتوازي مع هذه الحركة قدمنا أعمالا مسرحية جادة، تعبر عن الوطن وتناقش قضاياه المختلفة، وقدمت الفرقة عروضا عن التاريخ الإسلامي وعن المقاومة الشعبية وأتذكر أننا قمنا بتقديم عرض مسرحى عن الظابط مهران الذى أصيب فى عينه أثناء العدوان الثلاثي وهو لايزال على قيد الحياة حتى الآن.
- وماذا عن المسرح فى بورسعيد فى تلك الفترة ؟
كان هناك مسرح متميز ولكنه بدأ يتلاشى وينحصر لأن القائمين عليه تقدموا فى العمر، وأذكر فى تلك الفترة أحد الرواد في بورسعيد وهو المخرج العظيم محمد جاد الذي يعتبرونه عزيز عيد بورسعيد، فقد كان مبدعا وأشهر عروضه «مجنون ليلى « بطولة الفنان القدير حامد الصفتى الذى كان يلعب دور «قيس ابن الملوح» وبعد هذه الفترة ساد تيار المسرح الكوميدي فكانت فرقتنا «هواة المسرح» هي الشرارة الأولى التي أحدثت تغيرا جذريا مواكبا لعدة أحداث سياسية وانعطافات مختلفة. كانت مصر تتجه بعد ثورة يوليو عام 1952 إلى الصدام مع أمريكا وتأميم قناة السويس فكان لابد من مسرح جاد يعبر عن هذه المرحلة، وكنت ومحمود ياسين نقدم عروضا بخبراتنا الذاتية،  و اجتهدنا كثيرا ، وبدأت أنا ومحمود ياسين وسيد طليب فى فرع ثقافة بورسعيد، وكان شقيق محمود ياسين لديه مكتبة عريقة بها مجموعة كبيرة من الكتب وهو ما حفزنا على الاطلاع وتزويد خبراتنا فى المسرح.                                                                                                   
- وماذا عن تأسيس فرقة مسرح الطليعة ؟
قدمنا من خلال هذه الفرقة المسرح العالمي وكانت باكورة أعمالنا عرض «مشهد من الجسر « لآرثر ميلر من إخراج محمود ياسين وبطولتي وحققت نجاحا كبيرا، ثم قدمنا مسرحية « السبنسة « لسعد الدين وهبه، ولكنها لم تلق النجاح المرجو ، ثم ذهب محمود ياسين إلى القاهرة وحدثت عدة انقسامات للفرقة وتركت الفرقة وذهبت إلى قصر ثقافة بورسعيد عام 1964 م ، وكونت فرقة مسرحية من طلبة المدارس من أبرز الأسماء فيها حمدي الوزير ، مراد منير ، أحمد سخسوخ ، عبده الوزير وقمت بعمل مجموعة من الورش فى عناصر العرض المسرحى، وكان كل فرد فى الورشة يقوم بقراءة أحد الكتب فى المذاهب المسرحية فكان قصر ثقافة بورسعيد أشبه بالأكاديمية المصغرة.
- حدثنا عن عرض الحصار الذي قدمته لفرق قصر بور سعيد وهو أول عروضك للفرقة و بداية احترافك للمسرح ؟
عرض «الحصار « لألبير كامو  كان عرضا مختلفا بالنسبة لي، فلأول مرة تتحرك مدينة كاملة على خشبة المسرح بطول 20 متر و إرتفاع 15 متر، وهو ما جعل الجمهور فى حالة انبهار شديدة وكان العرض يشارك فى مهرجان الإسكندرية للفرق المسرحية أواخر الستينيات،  و تشكلت لجنة التحكيم من عمالقة المسرح وهم الفنان محمود مرسى والفنانة القديرة أمينة رزق والشاعر نجيب سرور والمؤلف والكاتب محمود دياب وكان يشارك فى المسابقة عرض كوميدي لمسرحية عالمية  لفرقة أخرى من بورسعيد، ولكنهم كانوا يعانون من مشاكل كثيرة منها عدم سلامة اللغة العربية ، وهو ما أزعج لجنة التحكيم التي أصرت على عدم مشاهدة عروض أخرى من بورسعيد، ولكنى بشجاعة شديدة تحدثت معهم وأوضحت نى لا تعنيني المسابقة بقدر ما يعينى أن يشاهدوا العرض لأنه مختلف، وبعد الفصل الأول انبهروا بما قدم على خشبة المسرح  وأشادت الفنانة أمينة رزق بالعرض وهو ما أسعدني كثيرا فكانت هذه الإشادة هي الجائزة الكبرى لى وقد حصلت على جائزة أفضل عرض فى المهرجان،  وكان يتنافس معى كبار المخرجين الذين يقدمون عروضا مختلفة للمحافظات وبدأت المرحلة الاحترافية، وعلم بفوزي بالجائزة مدير إدارة المسرح آنذاك الفنان حمدي غيث وطلبني وبعد جلسة ومناقشة كبيرة قمت بتوقيع عقد وكان أول تعاقد فى حياتي الفنية، بأجر 75 جنيها و كان ذلك عام 1969 و هاجرت الأسرة من بورسعيد آنذاك.
 
- حققت نجاحات كبيرة فترة إدارتك لمسرح السامر ما أهم ما يميز هذه الفترة في مشوارك المسرحى ؟
كانت  في ذلك التوقيت تسمى الفرق المركزية وقد أسست بها شعبة القرية، وقدمت عروضا فى مختلف القرى والنجوع وكان من أبرز التجارب عرض «حسن ونعيمة» و كان يقف عند نقطة محددة ليشارك الجمهور ويطرح تساؤلات عدة ومنها: هل من حق الفتاة أن تختار زوجها؟ وبهذه الطريقة يشارك الجمهور الذي كان لا يقل عن 2000 متفرجا ، منهم عدد كبير من السيدات. وقمنا بجولة فى 16 محافظة كما ظهر على الساحة المسرحية من خلال هذه الفرقة عدد كبير من المخرجين فكانت أولى عروض المخرج ناصر عبد المنعم لفرقة السامر وعدد كبير من العروض لكبار المؤلفين وكان هناك رواج مسرحى .
- رغم تحقيقك لعدة نجاحات وتقديمك عروض مسرحية في مسرح الطليعة والبالون لماذا لم تستمر في العاصمة ؟
هذا السؤال يتم توجيهه للمسئولين، فحتى في الثقافة الجماهيرية التي تعد بيتي فمنذ عام 2010 وحتى الآن لم أقدم سوى عرضين، أحدهما لتكريم المخرج الراحل سيد طليب، والأخر لفرقة البدرشين ولم أقدم اى شىء آخر على مستوى التأليف أو الإخراج أو كعضو لجنة تحكيم أو قراءة،  ولكن على إى حال هذا الأمر لم يوقفني فأنا أعتبر نفسي فى ورشة دائمة وأقدم عروضا دون مقابل.
- «سوناتا الحب والموت» أحد التجارب الهامة التي قدمتها فى مسرح الطليعة فماذا عن هذه التجربة ؟
كانت إحدى التجارب  المهمة، بطولة النجمة المتميزة والمبدعة سهير المرشدي وكانت تجربة رائدة ، كان ديكور العرض وكأن الممثلين فوق شاطئ وتحتهم المياه وكان هذا شكل جديد ومختلف، لأول مرة يقدم على خشبة مسرح، وكان العرض من تأليف الكاتب المسرحى محمد أبو العلا السلامونى، مأخوذ عن رواية «السحرة» لأرثر ميلر، و حقق العرض نجاحا منقطع النظير ولاقى استحسان النقاد ويعد من أهم تجاربي بمسرح الطليعة.
- لماذا تحقق ازدهارا  للساحة المسرحية فى ستينيات القرن الماضي ؟
كان الدكتور ثروت عكاشة وزيرا للثقافة فى هذه الفترة، ويرجع هذا التنوير والازدهار لتوجه النظام بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقام ثروت عكاشة بتأسيس قصور الثقافة فكانت حالة حراك مسرحى وثقافي في، مختلف المحافظات وأتذكر أن أحد العروض قدم بكفر الشيخ حضره 12 ألف متفرج، فالمسرح كان بمثابة حائط الصد الأول الذي يمحو أمية الجماهير ويغرس القيم والمثل العليا.                           
- ما رأيك فى الحركة المسرحية في الفترة الحالية ؟
هناك حالة انحصار شديدة خاصة في مسرح الثقافة الجماهيرية وهو الذي يعينى بالدرجة الأولى ويعنى كل مواطن، لا يوجد اهتمام بالإنتاج علاوة على تقلص الفرق وبالتالى تتقلص الحركة المسرحية ، على الرغم من توافر الميزانيات.. ولا أريد أن أسترسل فى شرح التفاصيل ولكنني قلت فى الندوة التي أقامها المهرجان القومي أننا لابد أن نقدم مسرحا يليق بالناس.
- هل نعانى من أزمة فى الكتابة المسرحية ؟
لا توجد أزمة ولكن الأزمة تكمن في البحث عن نصوص جيدة وإتاحة الفرص لمؤلفين جدد، ففى عالم الكرة يجرى البحث فى الشوارع وجميع الأماكن عن مشروع لاعب وكذلك يجب علينا البحث عن مشروع كاتب حتى نضخ دماء جديدة فى عالم الكتابة المسرحية .
- ما أهمية تقديم مسرح فى المناطق الحدودية ؟                                                                              
هو أمر مهم للغاية و كنت أول مخرج يقدم مسرحا فى رفح، تحيط بنا الأسلاك الشائكة ، وقدمت مسرحية وطنية  ومن خلال هذا العرض كان هناك استعراض عن بطل قومي يدعى سالم أبو طويلة وهو من المقاومين العرب، فكنت أول من قدم هذه التجربة، ومن المواقف الفكاهيه بعد تقديمي لهذا العمل أن أهالي البلدة كانوا يطلقون على اى مخرج يتصدى لتقديم عرض فى رفح لقب «عباس» بإعتبارى أول من أتجه لتقديم تجربة فى مدينتهم  .
- ما مشاريعك المقبلة ؟
أحضر لعرض مسرحى جديد وهو «المحاكمة» من تأليف يسرى الجندى وبطولة الفنان أحمد ماهر.


رنا رأفت