هل يكون المسرح المدرسي هو الحل؟ اللغة العربية أصبحت غريبة في مسارحنا.. لماذا؟

هل يكون المسرح المدرسي هو الحل؟   اللغة العربية أصبحت غريبة في مسارحنا.. لماذا؟

العدد 825 صدر بتاريخ 19يونيو2023

ارتبط المسرح عند العامة بالمسرحيات الكوميدية العامية التي تربينا عليها عبر التلفاز، وأصبحت وجبة أساسية مقررة في الأعياد والمناسبات، تعرضها القنوات المصرية احتفالا بهذه المناسبات، إلا أن المسرح في أساسة ارتبط بنصوص اللغة العربية الفصحى، من خلال تقديم عروض مسرحية معتمدة على نصوص مترجمة عن الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، ثم ظهر بعد ذلك المسرح الشعري بدخول الشعراء والأدباء المصريين مجال التأليف المسرحي مثل أحمد بك شوقي الذي قدم مسرحيات مثل «مجنون ليلى» و»مصرع كليوباترا» و»علي بك الكبير»، وغيرها من المسرحيات التي حققت نجاحا كبيرا، وظل هذا الارتباط الوثيق بين المسرح واللغة العربية قائما حتى خمسينيات القرن الماضي، ومع بداية الستينيات وظهور التلفاز وفرق المسرح الكوميدي، بدأت عروض اللغة العربية الفصحى في التراجع، ما سبب تراجعها؟ ولماذا عند استخدامها وتقديمها لا تقدم بالشكل الذي يجب أن تقدم عليه؟ «مسرحنا» طرحت هذه الأسئلة على مجموعة من المسرحيين، لنتعرف منهم على سبب هذا التراجع، وما اقتراحاتهم لعودة اللغة العربية الفصحى بقوتها الحقيقية لخشبة المسارح.


قال الفنان د. علاء قوقة: هذا التراجع منشأه المدرسة، هي الأساس في أن يكون التلميذ ضعيفا في اللغة العربية، كفهم أو نطق صحيح للحروف، إلى جانب التشكيل الخاطئ، وهؤلاء نواة، يخرج منهم الممثلون، وقد أصبح لدينا جيل كامل من غير  المهتمين باللغة العربية الفصحى، من الممثلين والجمهور، المتفرج لا يكون لديه الشغف لأن يشاهد عروضا باللغة العربية الفصحى، بقدر شغفه بمشاهدة عروض العامية، والشغف بمشاهدة المسرحيات الكوميدية أكثر من الشغف بمشاهدة التراجيديا، طبعا إلى جانب تراجع الممثل في حفاظه على اللغة والنطق الصحيح والتشكيل، وكيفية خروج الحرف من مخرجه السليم، الممثل يشعر أن هذه معاناة، ومن المفترض أن تقدم اللغة بشكل طبيعي، ولا يظهر على الممثل أنه يعاني، وهذا يحتاج ثقافة عامة تعم المجتمع وتظهر في سلوكياته وتنم عن اهتمامه باللغة، وحرصه على لغته الأساسية وهي لغة القرآن، في تلقيها وتطورها وفهمها والوعي بها.
وأضاف: قديما كان المؤلفون يكتبون المسرح الشعري وكان الجمهور يذهب لمشاهدته والاستمتاع به، عندما كان يكتب عبدالرحمن الشرقاوي وعزيز أباظة وأحمد شوقي، هؤلاء العمالقة، المسرح الشعري –للأسف!- شبه اختفى، والمسرح الفصيح متواجد في تجارب نوعية لأسباب، مثل اشتراط الجامعة أن تكون اللغة العربية هي أساس تقديم العرض، ولكن عند مشاهدة هذه التجارب في المهرجانات، أو في المسارح ذات التجارب الشبابية، نجد لغة عربية ركيكة وصعبة جدا، وهذا يكون سببا لإحجام الممثل عن  المشاركة في عروض فصحى.
وعن اقتراحاته لمعالجة ذلك، قال: أعتقد أن البداية يجب أن تكون من المسرح المدرسي، والحرص على مراجعة اللغة والنطق السليم من القائمين على هذا المسرح، لأن ذلك هو ما يصدر لنا الطلبة الذين يلتحقون بالمعهد العالي للفنون المسرحية وكلية الآداب أو ممارسي المسرح في الجامعة بشكل عام، هؤلاء هم النواة، لذلك فالاهتمام بالمسرح المدرسي يجب أن يكون خطوة أولى، والخطوة الثانية يجب أن يكون هناك رأي عام يرى أن الابتعاد عن اللغة العربية شيء غير محمود، يجب أن يكون هناك تيار ثقافي يدعم العودة للغة العربية الفصحى كلغة فنية، وليس فقط كلغة حوار وتخاطب بين الناس، تجعلنا نستطيع أن نقدم عروضا باللغة العربية تكون ممتعة للمتفرج، وثالثا على المبدعين عندما يقدمون عروضا باللغة العربية الفصحى، أن يراعوا كل صغيرة وكبيرة في مسألة النطق والأداء معا، وتقديم لغة عربية سليمة مع أداء طبيعي، وهذه المسألة تحتاج إلى حرص ودقة ووعي من قِبَل جميع القائمين على العمل الفني، أرى مسلسلات بها أخطاء في اللغة العربية، وهذه مسألة مُشينة، أن يكون ذلك في مسلسل وليس في عرض مسرحي، فهناك فرصة للمراجعة وإعادة التصوير.

 العامية قريبة
وقال الناقد والمؤلف عبدالغني داوود: جماليات العامية قريبة من جماليات الفصحى، ويجب أن نكون حريصين في اللغة العامية على الجماليات، وكُتّاب العامية يميلون أكثر للغة المستهلكة. من وجهة نظري، الحوار المسرحي لا بُدّ أن يركز على جماليات كل لغة، الفصحى لها جمالياتها، والعامية كذلك، علينا فقط أن نركز عليهم ونظهرهم، لا يمكننا الاستغناء عن العامية مع مراعاة جمالياتها، وهي مليئة بالجماليات التي لا حصر لها.
وتابع: تراجع المسرح عن عروض اللغة العربية الفصحى ظاهرة سلبية في المسرح المصري، العلاقة بين الفصحى والعامية قريبة لدى الكاتب الواعي، لدى نصوص مكتوبة باللغة العربية الفصحى، ولكنها تنطق بالعامية، كلما كان النص المسرحي بسيطا ومتكاملا، كلما كان المسرح أكثر أصالة ووضوحا للمتفرج، ما يقدم بشكل ركيك يؤثر تأثيرا سلبيا على المتفرج، الفنانون يتخيلون أنهم عندما يقدمون نصوصا باللغة العربية الفصحى لن يصلوا إلى المتلقي، ومع ذلك هناك كثيرون من كتاب المسرح وخاصة في الجيل الأخير، كتبوا بالعامية وبالفصحى، ونجد أن أعمالهم بالفصحى أكثر تماسكا من أعمالهم بالعامية، وأكثر التزاما بالدراما، الفصحى هي مستقبل المسرح.

مشكلة متشعبة
كذلك قال الكاتب والمخرج شاذلي فرح: هذه مشكلة متشعبة هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ذلك، منها غياب الوعي عند  كثير من الممثلين والمؤلفين والمخرجين، وذلك أدى إلى غياب اللغة العربية الفصحى، وإذا تم تواجدها فإنه تُقدم بشكل ركيك، نقول ليتها لم تُقدم، هي لغة لها ميزان وإيقاع، أي عبث فيها يفقدها متعتها والتواصل. المحترفون المتمكنون من كتابة وتمثيل وإخراج نصوص باللغة العربية الفصحى الآن، يكاد عددهم لا يكمل أصابع اليد الواحدة، محمود ياسين، ومحمد رياض، ومفيد عاشور، ونور الشريف، وعبدالرحمن أبو زهرة، وهناك قلة يستطيعون تقديم ذلك الآن.
وأضاف: أحب أن أكتب نصوصي باللغة العامية لأنني أخاف من اللغة العربية الفصحى، لأن لها من هو متمكن منها، وهناك كثير من المؤلفين يخافون من الكتابة باللغة العربية الفصحى، وهناك شريحة كبيرة من الشباب لا يستسيغونها، ربما هذا سبب تراجعا وخوفا لدى العديد من المؤلفين، وأنا واحد منهم، من الكتابة بها.

أزمة كبيرة
فيما قال الكاتب بكري عبدالحميد: هناك أزمة كبيرة، وأعتقد أن سبب هروب المؤلفين من الكتابة باللغة العربية الفصحى هو الأداء، لأن أغلب الممثلين لا يستطيعون أن يؤدوا بالعامية فما بالكم بالفصحى، ومع ذلك فهناك ممثلون متميزون يستطيعون التمثيل باللغة العربية الفصحى ولكنهم قلة قليلة.
وأضاف: عندما نرى عرضا باللغة العربية الفصحى وبه الكثير من الأخطاء اللغوية المنطوقة، نحن كجمهور ننفر من ذلك، وأعتقد أن جذور الأزمة يرجع للتعليم، لأنه تراجع، وأصبح الاهتمام باللغة العربية ضعيفا جدا، وانتشار المدارس الدولية، والاهتمام باللغات الأجنبية أكثر من اللغة الأم.
وتابع: لدي نصوص باللغة العربية الفصحى قليلة جدا، لأن المسرح من وجهة نظري هو في الأساس للجمهور حتى يتلقاه، فعندما كتبت باللغة العربية الفصحى لم أجد أحدا يرغب في تقديمها، بالإضافة إلى أن أغلب ما أكتب في المسرح الشعبي، وهو يعتمد في الأساس على العامية. كتبت بالفعل نصوصا باللغة العربية الفصحى، ولكنها لم تُقدم على خشبة المسرح بسبب أن ليس لدينا الممثل الذي يستطيع أن يقدم الشخصية ويؤديها باللغة العربية الفصحى بالشكل المناسب.

تشويه
وقال الفنان ياسر أبو العينين: الممثلون ينطقون النصوص بشكل خاطئ، وهذا تشويه لجمال النص، يدركه من يعرفون لغة عربية بشكل جيد، هناك بالفعل نصوص باللغة العربية الفصحى تُقدم، ولكن تُعد على أصابع اليد الواحدة، في الفترة الأخيرة قدمنا عرض «روح»، وكان سليما لغويّا ولاقى استحسان الجمهور، وكذلك عرض «قواعد العشق الأربعون» وكذلك عرض «الخان»، أتحدث أكثر عن العروض التي عملت فيها، وتامر كرم قدم نصين في الفترة الأخيرة هما «هنا أنتيجون»، و»يوم أن قتلوا الغناء»، وكانا باللغة العربية الفصحى، كل هذه التجارب كانت ناجحة، ولكن كان ذلك استثناء، القاعدة الأساسية، أن هناك ثلاث مشاكل تواجه نص اللغة العربية الفصحى، أولا المؤلف: لا بُدّ وهو يتصدى لكتابة عمل باللغة العربية الفصحى أن  يكون متقنا لها بشكل سليم، حتى أستطيع أن أعبّر من خلالها عن الشخصيات، ثانيا: الممثلون لديهم مشاكل في نطق اللغة العربية الفصحى أو حفظ العمل ثم تشكيله، لذلك يجب أن يتم تشكيل النص قبل الحفظ من خلال مصحح لغوي، وأن يحضر على الأقل البروفات الأولى، ويتأكد أن الممثلين استطاعوا أن ينطقوا بشكل سليم، أما النقطة الثالثة، فهي الجمهور: لغته هي العامية، فيجب عندما نقدم له نصا بالفصحى أن نقدمه بمفردات مفهومة عند أغلب العامة، لا يجوز أن نقدم خلال عمل درامي لفظا يستوقف المتلقي لمعرفة معناه، لأن ذلك يعطله عن عملية التلقي والمشاهدة، وذلك يترتب عليه عدم إقباله مرة أخرى على عروض الفصحى، لذلك يجب أن نهتم بتقديم عروض لغة عربية فصحى بشكل سليم نطقا وأداء، وذلك يستوجب أن نعترف بأهمية المصحح اللغوي ونعطيه حقه الأدبي والمادي، فإن كان النص مُشكّلا بشكل صحيح والمصحح جعل الممثلين يحفظون بشكل سليم، في النهاية العرض سوف يُقدم بشكل لائق وممتع يجذب المتلقي.

غير حقيقي
وقال المخرج السعيد منسي: لدينا إشكالية في التعامل مع اللغة العربية في المسرح، وهي أن أغلب الناس يرون أنها أكثر صعوبة، وأن المتلقي يفضل العامية، وهذا غير حقيقي، الكتب السماوية جميعها نزلت باللغة العربية، فإن كنا نستخدمها في حياتنا فلماذا يكون التلقي لها صعبا؟! وحتى عندما نستخدمها يكون هناك نوع من الاستسهال من الممثلين، فلا يهتمون بالنطق السليم للحروف، فتخرج اللغة غير صحيحة وبها تشويه، والمسئولية الأولى تقع على المخرج، أنا أحب أن أعمل باللغة العربية، أرى أن لها مذاقا خاصا وفخامة، ولم تواجهني أي مشكلة مع المتلقي، بالعكس، المتلقي كان يتعامل معها بشكل مميز، اللغة العربية مشكلتها أننا أهملناها، ليس لدينا اهتمام بها في الفن بشكل عام وليس المسرح فقط، فليس لدينا أغانٍ باللغة العربية الفصحى مثلما غنت أم كلثوم وفريد الأطرش، هذه الأزمة المجتمع كله مسئول عنها، مع العلم أنها لغة سهلة جدا ولها مذاق خاص، ويجب أن يكون هناك مصحح لغوي حاضر طوال الوقت في العروض المقدمة باللغة العربية الفصحى، حتى تخرج للجمهور بشكل يُحببهم فيها ويقبلون عليها.

الابتعاد عن التعقيد
وأخيرا قال الفنان جورج أشرف: يجب أن نهتم باللغة العربية الفصحى بأن نقدمها بشكل بسيط وألفاظ تجعل المتلقي يتفاعل مع النص ويفهمه، ونبتعد قدر الإمكان عن المفردات الصعبة غير المفهومة، والنهضة الحقيقية في قدرة المخرج والمؤلف على تطويع وتشكيل اللغة العربية وأن تكون ممتعة ولا تُشعر المتفرج بالملل.
وأضاف: أصبح هناك تراجع كبير وواضح لنصوص اللغة العربية الفصحى، حتى مسارح الدولة بعدت بعض الشيء عن ذلك، ربما لأن الجمهور لم يعد يحتاج إليها، لا أعرف؟ الجمهور لا يرغب في التفكير، هو يبحث عن الوجبة السهلة المضحكة. ومن وجهة نظري، إن تم تقديم نص لغة عربية فصحى بشكل ممتاز ومختلف، قد يجعل الجمهور ينجذب أكثر للعرض ويصبح هناك إقبال عليه.


إيناس العيسوي