من دفتر أحوال المسرح المصرى يوسف إدريس وعرض «المخططين»

من دفتر أحوال المسرح المصرى   يوسف إدريس وعرض «المخططين»

العدد 823 صدر بتاريخ 5يونيو2023

يشير الناقد الكبير (فاروق عبد القادر) في كتابة «اليقين المراوغ» دار الهلال – 1990 – ص (58) – أن مسرحية «المخططين» ليوسف إدريس (19 مايو 1927 – أغسطس 1991) قد اوقفتها الرقابة بناء علي رأي المسئولين في الاتحاد الاشتراكي و وزارة الداخلية معا – بعد أن أجيز نصها -  لكنها منعت في ليلة عرضها الاولي ، وذلك في أواخر 1969 (وليس في أواخر 1968) – كما أشار الناقد -  وكانت المسرحية ستقدم في مسرح محمد فريد – من اخراج (سعد اردش) 26 يونيو 1924 – 2008) وبطولة نجوم ذلك العصر ، وكان الكاتب بعد هزيمة يونيو 1967 – أميل الي استخدام الرموز المخفية في داخل العمل ، والصياغات المراوغة والكلمات المواربة والابتعاد قدر الإمكان عن وضوع القصد أو المباشرة – إذ كانت الرقابة قد فرضت علي الصحف والكتب والمسرح ، وطبقت قوانينها بطريقة لا تخلو من التربص وسوء النية وسوء الفهم جميعا وقد حدث ،إذ اصطدم (يوسف) برقابة اكثر من جهة – خاصة أمانه الدعوى والفكر بالاتحاد الاشتراكي الي جانب اكثر من مركز من مراكز اتخاذ القرارات آنذاك . وذلك بعد أقل من عامين من الهزيمة .
وبعد اقل من عامين من الهزيمة  نشر يوسف ادريس مسرحيته «المخططين» مايو 1969م وكما حدث وأقيم مولد (للفرافير) 1964 - أقيم مولد آخر «للمخططين» لكنه لم يمتد إلى الليلة الختامية - ليلة الافتتاح.. إذ منعت المسرحية من العرض فى ليلتها الأولى.. لكن المولد امتد.. وصفها بعضهم بمعادات الاشتراكية وضموا يوسف إدريس لزمرة المرتدين والتحريفيين.. ووصفها آخر يأن (المسرحية تنتهي بما يشبه الصدمة التى تثير غيظ المتفرج لأنها تطالبه بأن يعيد النظر بين ما يراه أمامه على خشبة المسرح وما يراه في الواقع، وأن المسرحية تأخذ شكل الفانتازيا ولكن بأساليب واقعية.. كتكنيك المسرح داخل المسرح، واللجوء الي المبالغات الكاريكاتورية لإبراز حدة المعنى، ومحاولة تحطيم الايهام المسرحي والمزج بين الكوميديا والتراجيديا ومحاولة الإيحاء بنوع من التلخيصات الرمزية، وهذا الكلام محاولة من الناقد (صبري حافظ) لإضفاء شكلا دراميا مميزا ومغاير علي النص.. لكن الحقيقة هى أن المسرحية ترتكز على مجموعة من الأنماط لا الشخصيات - هى (أهو كلام، ما فركة كعب، دكتور ع الريق، 56 غربية، طعمية، الأخ، ألماظ، رئيس مجلس الإدارة، سكرتير مجلس الإدارة، أبو العلاء المعري، مدير العلاقات العامة، اخصائية السعادة الزوجية، ضابط بوليس برتبة لواء..)
ونتعرف فى نمط (أهو كلا) على كل الحالمين بالمثاليات التى تتعرض للامتهان وتتحول إلي مجرد كلام، وفى (فركة كعب) على التزلف والرياء، والدكتور عبد الواحد ع الريق) الانتهازية، (56 غريبة) على الإيمان الساذج بالشعارات، و(طعمية) على الحكمة الشعبية وراكبى مطاياها.. أما (الأخ) فهو القائد المفكر الذي يسقط صريع مبادئه المزيفة ولمراكز القوى، و(ألماظ) على الانتهازية أما (أبو العلاء المعرى) فهو نذير من الماضى، ويقود (الأخ) الأنماط السابقة لعمل ثورة المخططين، وعندما ينجحون يكتشف الأخ أن نظريته التى قامت عليها ثورته لم تؤد الي سعادة البشر، ويحاول (الأخ) أن يقوم بثورة جديدة لكنه يكون قد فقد الاتصال مع أتباعه الذين يخذلونه، ويضللون الشعب المنقاد فينسحق (الأخ) منهزما، ويبقى عليه الاتباع كرمز وشارة علي  الفكرة التي كفر بها صاحبها  واصبح ممثلا  لها رغما عنه
و(يوسف ادريس) هنا يثور على الشمولية والتسلط الفردى، كما سبق أن أشرنا في كتاب « الأداء السياسي في مسرح الستينيات» بهيئة قصور الثقافة فبراير 1997 وأيضا يبحث عن حل لمشكلة الفكرة النظرية والواقع وهى فكرة تشابهت بين (المخططين و مسرحية «البير كامى» (حالة حصار).. رغم أن يوسف إدريس طالب، في يوم ما في (نادي القصة) بحرق أعمال (كامي) ملف «حالة حصار» فعملية انتشار التخطيط هي نفسها عملية انتشار الطاعون.. أما (الأخ) فهو يشبه إلى حد ما (الأخ الكبير) في رواية (جورج أورويل)  1984 فالتخطيط فى نظر (الأخ) هو الذى يؤدي الي السعادة وهو الذي يشفي من الطاعون.. أو من فكرة الطاعون، وقد حاول مؤلف «المخططين» أن يبرئ (الأخ) من جرائمه وخطاياه.. هذا الاخ الذي كان صاحب مبدأ التخطيط والذي جعل منه مذهبا، وارتكبت باسمه جميع الجرائم والخطايا والاثام التي تسببت في شقاء البشر الذين يحملون فى أعماقهم آلاف الامكانات وآلاف الألوان.. بأن جعله يتراجع عن أفكاره التي ألحقت الكوارث بالعالم، ويبحث عن أفكار جديدة تنقذ شعبه المسكين فلا يمكنه من ذلك مساعدوه.. المستفيدون من بقاء هذا النظام ، وفي النهاية يظهر لنا (الأخ) فى حالة تشوش وانسحاق.. دون تمهيد لذلك!؟  فلم يحاول المؤلف أن يوضح العوامل الخارجية التى دعت (الأخ) للكفر بافكاره القديمة - بل نبعت كل الأشياء من داخله، دون تبرير كاف.. ويلاحظ ذلك الناقد (صبرى حافظ)  الذي تمني .. «لو استطاع الكاتب أن يتدارك هذا في مسرحيته « لأمكنه أن يكسب شخصية (الأخ) ايمانا أكثر، وأن يوسع من أفقها ومن قدرتها على التأثير والاقناع، [ولقدم لنا في نفس الوقت واحدا من أثرى النماذج البشرية التى تجسد لنا وطأة  التسلط والشمولية الجائرة وقدرتها على تشويه  الشخصية  الإنسانية حتي القيادية منها وعلى تدمير الجوانب الايجابية فيها].. وهذا التغيير فى شخصيته ليس رفاهية فكرية بل هو جوهر الصراع والتحول الذى تقدمه المسرحية».. وكان هذا نفس الخطأ الذى وقع فيه (على سالم) فى مسرحيته «كوميديا أوديب»، (أنت اللى قتلت الوحش)، الذى حاول فيها الدفاع عن الملك أو الزعيم دون أدلة معقولة.
اذن، فالمخططين، عمل فانتازى ثالث يقوم على نفس (الأسلوب الإدريسى) الذى اتضحت معالمه فى المسرح.. وهو افتقاد الحس التراجيدى، والاقتراب من الكوميديا حتى فى أدق وأصعب المسائل جدلية، وخلوه من الأحداث والأفعال، والحوار الحركى الكلامى الذى يقلب المسألة على كل وجوهها بحثا عن حل لمعضلاته الأزلية - معضلة الموت.. والحياة والخير والشر والتناقض بين الواقع وبين الذات والموضوع وبين طبيعة الارادة وغايتها.. فما تزال هنا الناس أرقام أو معان مجردة.. أو سبق ان ذكرناها.. وللأسف حكم علي هذه المسرحية بالمنع  من العرض قد تغيرت كثيرا.

الخاتمة
ومن الغريب ان تم إعادة النظر في رفض هذه المسرحية التي تم ايقافها في ليلة افتتاحها – 1982  هذا الإيقاف الذي استمر ثلاثة عشر عاما !! وقدمها (مسرح الطليعة ومسرح الثقافة الجماهيرية  معا اخراج (احمد ذكي) 1939 – 12/11/2013 ، وبطولة احمد ماهر ، احمد عقل، مديحة إبراهيم ، ومن ممثلي الثقافة الجماهيرية عبد الواحد السعيد ، وعبد الله إسماعيل ، علية حامد ،وخالد حمزة، وديكور فتحي فؤاد  وذلك لان الظروف السياسية كانت قد تغيرت


عبد الغنى داوود