بدايات المسرح المصرى بين التعريب والتمصير والتطوير

بدايات المسرح المصرى بين التعريب والتمصير والتطوير

العدد 818 صدر بتاريخ 1مايو2023

 على الرغم من زخم الحضارة المصرية بشتى أنواع الفنون، من الغناء والرقص، والتمثيل الذي كان يُقدم للملوك، بطريقة تشبه كثيرا العرض المسرحي، فإن المسرح بهذا الشكل الحديث الذي نراه اليوم، لم يكن إلا أحد العناصر الحضارية التي وصلتنا ضمن عناصر عدة (كاختراع المطبعة) مع مجيء الحملة الفرنسية ونابليون بونابرت.
قبل الحملة الفرنيسة لم يعرف المصريون المسرح، بل جاء المسرح كأحد وسائل الترفيه عن جنود الحملة. وقد ذكر»فليب سادجروف» في كتابه «المسرح المصري في القرن التاسع عشر» ومن ترجمة د. أحمد العيوطي، جاء فيه «أول ظهور للمسرح الأوربي في مصر، والذي أدخلته قوة الحملة الفرنسية العسكرية بقيادة نابليون بونابرت للترفيه عن الجالية الفرنسية. حيث كانت جالية التجار الأوربيين في مصر في القرن الثامن عشر وما قبله، قبل وصول الفرنسيين، أصغر من أن تدعم مسرحا، حتى مسرحا للهواة».
 قبل الفرنسيين عرف المصريون فنونا تشبه المسرح، كعروض خيال الظل، ومسرح العرائس، والبنتومايم، وغيرها من الفنون الشعبية، التي كانت تدور في إطار كوميدي للسخرية، على الأغلب، من الحكام.
 بعد جلاء الحملة الفرنسية، لم تخفت أضواء فن المسرح، ولا تأثيره. وظلت العروض المسرحية تقدم في المسارح المصرية، وخاصة في القاهرة والإسكندرية، كانت تقدم باللغة الفرنسية والإيطالية، من الروايات الفرنسية أيضا. وجاء محمد علي باشا، والي مصر، الذي كان أول والي على مصر، يهتم بالتعليم والتثقيف حتى تكونت طبقة من المصريين تشاهد العروض المسرحية وتذهب إلى المسارح. وبعد تولي الخديوي إسماعيل اهتم كثيرا، بل وكان سعيه الأول إلى أَوْرَبة مصر، ومنها انطلق في تطوير وإنشاء المسارح التي يشرف عليها وينفق على تطويرها من خزانة الدولة. واهتم بشكل خاص بفن الأوبرا التي افتتح بها قناة السويس.
فترة الترجمة والتعريب
 جاءت فترة تالية أصبحت فيها العروض باللغة العربية، لكن لم تكن نصوصا أصلية مكتوبة باللغة العربية، بل ترجمات، وكان أول من ترجم مسرحية «رفاعة الطهطاوي» الذي ترجم أوبرت «هلين الجميلة»، وكانت تلك خطوة أولى في مشروعه لتعريف القارئ العربي بالحضارة الأوروبية.
 رغم أن المسرح المصري كان فنا واردا من حضارة أخرى، فإن المسرح المصري كان سابقا على المسارح العربية، بالتحديد، سابقا على المسرح السوري بعشرين عاما تقريبا. وكانت الحركة المسرحية المصرية على يد «مارون النقاش، ويعقوب صنوع»، وقد ساعدت الصحافة المصرية والصحف التي كانت مملوكة للشوام، على تدعيم وترويج الحركة المسرحية في مصر.
ظل المسرح المصري لفترة طويلة لا يقدم سوى العروض بالروايات المترجمة، ومعظم من قاموا بنهضة هذا الفن استقوا معارفهم من العروض الأوروبية التي كانت تُقدم على مسارح الأزبكية التي كانت بمثابة الحي الثقافي في القاهرة، الذي يُعرض فيه كافة أنواع الفنون. إلى أن جاء «صنوع»؛ واحد من رواد هذا الفن، حاول أن يبدأ الطريق إلى تعريب المترجمات من اللغات الأجنبية ليس هذا فحسب، بل وتقديمها باللهجة العامية والألحان الشعبية. لكن ظلت الأعمال أوروبية بالأساس حتى حلول القرن العشرين حيث تغيرت فيه الأوضاع.
 المسرح المصري بكتابات عربية
  رغم أن الظهور الأول لفن المسرح في مصر كان لأغراض الترفيه، ربما لا يزال هذا واحدا من أغراضه حتى الآن، فإنه، وبعد ازدياد اهتمام الصحافة والمثقفين والزعماء الشعبيين بهذا الفن، تحول إلى وسيلة، بل وأكبر الوسائل للتوعية، والارتقاء بالمجتمعات.
بانتهاء القرن التاسع عشر، انتهت تلك الحقبة التي كان فيها المسرح أوروبي، سواء كانت العروض مقدمة بلغتها الأصلية أو مترجمة. وجاء القرن العشرون حيث تكونت مجموعات من هؤلاء المثقفين والفنانين والأدباء من الذين أسسوا لمرحلة جديدة من المسرح العربي عامة، والمسرح المصري خاصة، مسرح نابع من بيئة مصرية خالصة. وبدأت تلك المرحلة بإنشاء وازدهار المسرح الغنائي.
 كان من أهم أسباب ازدهار المسرح الغنائي، تلك القصائد الغنائية التي أُدخلت إلى العروض المسرحية، قبل وبعد وأثناء المشاهد في العمل المسرحي، وكلها كانت تُعبّر عن أحوال المجتمع، وتُعبّر عن الفقراء والكادحين في تلك الحقبة، لذا فقد أقبل عليها الجمهور. وكان المؤسس لهذا النوع من المسرح هو «الشيخ سلامة حجازي».
في تلك الأثناء سطع نجم مسرح «جورج أبيض» الذي كان له اليد الطولى في تطوير المسرح المصري، وذلك بعد أن بدأ يبني المسرح على قواعد علمية واضحة من تلك المعارف التي اكتسبها أثناء دراسته للتمثيل في باريس. بالتأكيد مثّل في عروضه الأوضاع المعيشية في المجتمع المصري حينها.
لكن إذا كنا سنستغنى تماما عن المسرح الأوروبي بكتّابه ورواياته، ليحل محله المسرح المصري، إذًا لا بُدّ من كتّاب وروائيين وممثلين مصرين أيضا، وكان من أهم من عاونوا «جورج أبيض» على مشروعه المسرحي كان «حافظ إبراهيم».
ثم تأتي الثورة المسرحية التالية، بعد إنشاء مسرح «نجيب الريحاني» و»عزيز عيد» اللذين شكلا معا فرقة تعبر عن الروح المصرية الصميمة. فنجيب الريحاني ولد في باب الشعرية وأمه مصرية من الصعيد، ولم يكن هناك من هو أقدر منه على التعبير عن الروح المصرية والتحدث بلسان الفقراء والكادحين.
المكسب الأكبر للمسرح المصري
أتت فترة الثلاثينيات من القرن العشرين ليظهر فيها الفنان «زكي طليمات» الذي اتخذ الخطوة الأهم والأرقى في تاريخ المسرح المصري الحديث عندما أنشأ (المعهد العالي للفنون المسرحية) حيث العمل على أسس أكاديمية، مما أدى إلى تخريج مجموعة من أهم قادة الحركة المسرحية، ممن أرسوا قواعد المسرح في مصر.


سماح ممدوح حسن